نصوص

” ماريونيت “.. نص مسرحي في‮ ‬خمس لوحات للكاتبة: صفاء البيلي


 “ماريونيت ـ نص مسرحي في خمس لوحات
تأليف| الكاتبة: صفاء البيلي | مصر 
ـ

مسرحية في‮ ‬خمس لوحات

الإهداء‮.. ‬
إلي‮ ‬نون النسوة جميعهن‮.. ‬والرجال أيضا‮.. ‬ظلالهن في‮ ‬الحياة‮!‬

ملحوظة‮: ‬
يمكن استخدام عرائس الماريونيت بديلا أو مع بعض الشخصيات
الشخصيات‮:‬
ـ شهريار،‮ ‬شهرزاد
ـ ديدمونة،‮ ‬عطيل،‮ ‬إيميليا
ـ كليوبترا،‮ ‬أنطونيو
ـ شجر الدر،‮ ‬أيبك،‮ ‬نجم الدين‮ ‬
ـ أنتيجونا،‮ ‬كريون
ملحوظة‮: ‬
يمكن تقديم العرض بخمس أو ست شخصيات علي‮ ‬أكثر تقدير،‮ ‬حيث إننا لا نحتاج ظهورهم معا سوي‮ ‬في‮ ‬المشهد الأخير الذي‮ ‬يمكن معالجته إخراجيا،‮ ‬كما‮ ‬يمكن جعل بعض الشخصيات عرائس أو ماريونيت،‮ ‬بحسب رؤية المخرج‮.‬
خشبة المسرح مزدحمة بالنفايات،‮ ‬مقعد،‮  ‬منضدة،‮  ‬شماعة،‮ ‬مرآة مهشمة،‮ ‬تماثيل قديمة مكسرة‮ ‬،‮ ‬عدد الأشخاص‮ ‬يقفون كالتماثيل بهيئات مختلفة،‮ ‬ما بين نساء ورجال وجوههم وأيديهم مدهونة بألوان برونزية،‮ ‬كرسيان فخمان كل منهما في‮ ‬اتجاه من المسرح،‮ ‬يجلس علي‮ ‬أحدهما شهريار منكفئ الرأس متهدل الذراعين،‮ ‬بينما تجلس علي‮ ‬الآخر شهرزاد بكامل زينتها،‮ ‬ظهرها مفرود ونظرتها شاخصة للأمام‮.. ‬
موسيقي‮ ‬غجرية تنطلق من بعيد تعلو شيئا فشيئا،‮ ‬يبدأ الرقص رويدا رويدا حتي‮ ‬تتحرر التماثيل التي‮ ‬ربما تشعرنا حركتها بأنها كانت مقيدة وإن لم‮ ‬يظهر القيد بشكل مادي،‮ ‬تنطلق الرقصات في‮ ‬حركة درامية انسيابية توحي‮ ‬بوجود حياة ما بينهم،‮ ‬فنري‮ ‬اللحظات الرومانسية والحزن والبكاء كذلك الفروسية والحرب،‮ ‬حتي‮ ‬تنتهي‮ ‬الحالة علي‮ ‬وضع الثبات راكعين تحت كرسيي‮ ‬شهر زاد وشهريار معا في‮ ‬ذات الوقت‮.. ‬
‮(‬إطفاء،‮ ‬إضاءة وقد خلا المسرح إلا من شهرزاد وشهريار،‮ ‬بحيث نري‮ ‬شهريار الذي‮ ‬كان مرتخي‮ ‬الأعضاء متهدِّل الرأس،‮ ‬تدب فيه الحياة كأنما‮ ‬يد خفية تحركه،‮ ‬فيبدأ بالتحرك فاردا‮ ‬يديه،‮ ‬مرخيا كفيه كأنما صار عروس ماريونيت وهناك من‮ ‬يقوم بتوجيهه وتصويبه باتجاه العرائس التي‮ ‬تنصاع لحركات‮ ‬يديه‮ ‬غير المريبة،‮ ‬فمرة‮ ‬ينزلقون معا‮ ‬يمين المسرح كأنما هم في‮ ‬مركب تغرق فيما نسمع صرخات استغاثتهم،‮ ‬ومرة كأنما تشتعل فيهم النيران،‮ ‬وأخري‮ ‬كأنما‮ ‬يضربون بالسياط‮.. ‬إلخ شهرزاد،‮ ‬من مكانها تقف مرفوعة الرأس،‮ ‬جذعها مشدود عيناها مثبتتان علي‮ ‬شهر زاد منذ البداية،‮ ‬تبدو هي‮ ‬المتحكمة في‮ ‬حركة شهريار الذي‮ ‬يتحكم في‮ ‬التماثيل تبعا لها‮.‬
شهرزاد‮:  (‬لشهريار في‮ ‬صمت نسمع صوتها في‮ ‬الخارج‮)‬‮ ‬لماذا كل هذا العذاب؟
أأحبك كل هذا الحب،‮ ‬وتذيقني‮ ‬كل هذا الألم؟ ألا تمل من تعذيبي؟ أوَ‮.. ‬لا تتنزل عليك سحابات الرحمة لتكفّ‮ ‬عن زرع سوطك المدبب في‮ ‬تجاعيد روحي؟ دوما تنظر إلّي‮ ‬بعينين تخبئان خلف عتمتهما وجهك الفولاذي‮ ‬الخالي‮ ‬من كل المعاني‮ ‬لأظل أندد بأفعالك المشينة حدّ‮  ‬الجنون‮!‬
وأنت الآن بعد عذابات كثيرة‮… ‬صرت لي،‮ ‬أو في‮ ‬الحقيقة،‮ ‬أنا التي‮ ‬صرت لك شئتُ‮ ‬ذلك أم أبيتُ‮ ‬يا معذِّبي
نعم أنا لك الآن
فلمَ‮ ‬تسومني‮ ‬سوء العذاب؟
اتركني‮.. ‬اتركني‮ ‬وحرَّر قيودك من براثن الأسي
وأطلق جناحيك‮ ..‬
غرد‮.. ‬لي
وقل لي‮ ‬كما لم تقلها لامرأة من قبل‮:‬
قل لي‮: ‬أحبكِ
فأنا مدينتك التي‮ ‬تعرف مخابئها وأنا الطريق التي‮ ‬تؤدي‮ ‬إليها،‮ ‬والشوارعُ‮ ‬التي‮ ‬تحفظ وقع خطاك وتستطيع أن تفرق بين طعمها وخطو الشاردين‮..‬
أنا مدينتك وأنت أشجار ضلوعي‮ ‬الوارفة‮ .. ‬تأوي‮ ‬العاشقين الذين لا مأوي‮ ‬لهم
مدينتك أنا وأنت مفتاح أسراري‮ ‬التي‮ ‬تأبي‮ ‬أن تنفتح إلا لك لتحرر من فيها‮.. ‬لكن احذرني‮ ‬يا حبيبي‮.. ‬احذر فأنا محبوبتك التي‮ ‬ذاقت الويلات معك
فلا تهدم جدرانها ولا تقتلع أشجارها ولا تخنق فيها أصوات الحرية تحت أحذية الجائعين من جنودك وعسسك الليلي‮ ‬لتستطيع أن تهتف وتصح حروفها ناصعةً‮..‬
أحبك‮..‬
أحبك‮.. ‬
أحبك‮!!‬
‮(‬شهرزاد،‮ ‬تعود لمكانها،‮ ‬بينما ظهرها المفرود وعيناها الشاخصتان تتوجهان باتجاه شهريار الذي‮ ‬ينتفض كأنما‮ ‬يزيل‮ ‬غبار الذكريات فيما بينهما،‮ ‬يأتي‮ ‬صوته شجنا معذبا‮) ‬
شهريار‮:‬‮ ‬مدينتي؟
نعم أنتِ‮ ‬مدينتي‮.. ‬لكنها بدلا من أن تحررني‮ ‬أنا قيدتني‮.. ‬قيود حريرية‮.. ‬أرأيتِ‮ ‬كم‮ ‬يكون الحرير موجعا‮ ‬‮(‬يتأوه‮)‬‮ ‬أدميتي‮ ‬معصمي‮ ‬وجسدي‮ ‬بل وروحي‮.. ‬أعطيتني‮ ‬مفاتيح كونك،‮ ‬لكنك احتفظتِ‮ ‬بأسرار اللعبة اللعينة‮ .. ‬تديرينها بعنف‮ ‬يشبه في‮ ‬وجعه ملمس الخوخ ورائحته الشهية‮.. ‬رقيق جدا وقاتل أن تحييني‮ ‬بالأمل كل ليلة لأحييك بالحكاية حين‮ ‬يطلع الفجر ولا‮ ‬يستطيع أن‮ ‬ينظر في‮ ‬وجهي‮ ‬بعينه الكسيرة‮!‬
ما الذي‮ ‬تفعلينه بحق الله فيّ
لأصبح في‮ ‬حضرتك طفلا متيما‮..‬
لا‮ ‬يستطيع مغادرة ذيل أمه‮!!‬
تموت الألعاب بين‮ ‬يديه من النسيان،‮ ‬تموت الدهشة إلا حين تغرد الفراشات حول شفاهك الملتهبة بالحكايا والكرز‮!‬
مدينتي‮ ‬أنتِ‮.. ‬نعم
أشجاركِ‮ ‬الوارفة التي‮ ‬ينعم تحتها العاشقون والمحبون في‮ ‬حكاياتك البهيجة والمؤلمة أرهقني‮ ‬خريفها وهجرتها طيور الحب فاستوطنها البوم والغربان فما عاد‮ ‬يعانق أذنيّ‮ ‬سوي‮ ‬النعيق والخراب‮..‬
مدينتي‮ ‬أنتِ‮..‬
نعم نعم‮.. ‬وأنا شوارعك‮ .. ‬نعم نعم
لكنني‮ ‬لم أعد سوي‮ ‬شارعٍ‮ ‬عجوز،‮ ‬مقطوع الأرجل فلا أصل إلي‮ ‬بهائك،‮ ‬إلا مقصوص اللسان،‮ ‬فلا أتلذذ معك بالكلام‮. ‬
آه‮ ‬يا حببتي‮ ‬آه‮.. ‬‮( ‬يبكي‮)‬
فلا أستطيع إلا أن أقول لكِ‮: ‬أحبك‮ .. ‬أحبك
لا أستطيع‮! ‬
إظلام
‮(‬إضاءة علي‮ ‬شهرزاد تقف باتجاه تمثال رجل،‮ ‬تشده بينما‮ ‬يتحرك معها حركات آلية‮ ‬يبدو متخشبا،‮ ‬تمسح وجهه،‮ ‬تضع له ماكياجا،‮ ‬ليصير عطيل وتلقي‮ ‬علي‮ ‬كتفيه بُرنس أحمر في‮ ‬أسود‮.. ‬يبدأ في‮ ‬تحريك رقبته ويديه وجسده،‮ ‬تتركه متوجهة لآخر،‮ ‬تلبسه ما‮ ‬يوحي‮ ‬أنه التابع‮ /‬العبد‮.. ‬،‮ ‬الفتاة تصبح ديدمونة والأخري‮ ‬الخادمة وتبدأ شهرزاد لعبتها‮.. ‬فتحركهم جميعا‮.. ‬تخفت الإضاءة قليلا وتتبدل بشكل رومانسي،‮ ‬ويتفجر الحوار‮.. ‬وهي‮ ‬تحرك الجميع وشهريار‮ ‬يتابع في‮ ‬هلع‮)‬
شهرزاد‮: (‬بلهجة آمرة‮)‬‮ ‬ها‮ ‬يا عطيل‮.. ‬بعدما قتلت ديدمونة‮..‬
أعطيك الفرصة ثانية لتعترف بخطئك‮.. ‬أسمعت؟‮.. ‬
لتعترف بخطئك‮ ‬‮(‬تقول الجملة الأخيرة بتقطيع‮) ‬
وأظنك علي‮ ‬أتم الاستعداد لفعل ذلك الآن‮.. ‬ها؟
عطيل‮: (‬يجثو علي‮ ‬ركبتيه مقبلا قدميها،‮ ‬تبعده والجميع منحنون في‮ ‬ذهول وفرح‮)‬
ديدمونة‮:‬‮ ‬ستثبتين براءتي‮ ‬يا شهر؟‮ ‬
شهرزاد‮:‬‮ ‬أنا؟ أنا بالكاد أحكي‮ ‬الحكايات المسلية‮ ‬يا فتاتي
ديدمونة‮: (‬بانبهار‮) ‬أنت؟ حكايات؟‮.. ‬أنتِ‮ ‬لا تدرين شيئا عن نفسك‮ ‬يا سيدتي
شهرزاد‮: (‬تنظر لشهريار نظرة ذات معني‮ ‬وتحرك‮ ‬يدها باتجاه ديدمونة وعطيل فيصبحان متعانقين،‮ ‬موسيقي‮ ‬هادئة فتأخذ شهرزاد مكانا قصيا بجوار كرسيها،‮ ‬تتابعهما‮ ‬يرقصان،‮ ‬تعلو الإضاءة شيئا فشيئا‮ ‬يلفظها من بين ذراعيه فجأة‮ ‬ينظر إليها شذرا‮.. )‬
عطيل‮: (‬بتردد وإصرار في‮ ‬ذات الوقت‮) ‬كان‮.. ‬كان لابد أن أقتلك بيديّ،‮ ‬نعم بيدي‮ ‬حتي‮ ‬لا أدع الفرصة لأي‮ ‬من الرعاع فيشمت بي‮!‬
ديدمونة‮: (‬تضحك ضحكة ماكرة‮)‬‮ ‬يا عطيل‮ ‬يا حبيبي‮.. ‬دوما‮ ‬يتملكك الشك فيّ،‮ ‬مع إن خادمتك إيميليا لم تفارقني‮ ‬طيلة‮ ‬غيابك
إيميليا‮: (‬متدخلة‮)‬‮ ‬أشهدُ‮ ‬ياسيدي‮ ‬
عطيل‮:(‬بعصبية‮)‬‮ ‬منديلك‮ ‬يا ديدمونة‮.. ‬منديلك‮!‬
ديدمونة‮: (‬مباغتة إياه‮)‬‮ ‬كم مرةً‮ ‬خنتني‮ ‬يا عطيل؟‮! ‬كم مرة؟‮!‬
عطيل‮:( ‬يفقد توازنه‮)‬‮ ‬خنتك؟ ولا مرة خنتك‮ ‬يا ديدمونة‮ ‬
إيميليا‮:‬‮ ‬إلا إذا أسميتي‮ ‬القبل التي‮ ‬كان عطيل‮ ‬ٌ‮.. ‬يسرقها خلسة من الجواري‮ ‬في‮ ‬ردهة البيت ببعض المساءات المقمرة‮ ..‬خيانة‮ ‬‮(‬تضحك بلا مبالاة‮)‬
عطيل‮:(‬يلكزها متحدثا بصوت منخفض‮)‬‮ ‬ستهلكينني‮ ‬خيّبك الله أيتها خرقاء
إيميليا‮:‬‮ ‬هل تشتم إيميليا ؟ أتقول لإيميليا‮ ‬يا خرقاء‮!! ( ‬تقولها بأسي‮ ‬بينما تنقض عليه ديدمونة بصوت عال‮) ‬
ديدمونة‮: (‬بعنف‮)‬‮ ‬اسمع‮ .. ‬
أنت أسلت دمي‮ ‬علي‮ ‬يديك‮.. ‬‮(‬بحزن وشجن‮) ‬وأنا من أحبتك بجنون،‮ ‬وتركت لأجلك كل شيء‮ ‬‮(‬بحدة‮) ‬لكنك‮  ‬لوّثت تاريخي‮ ‬بحمقك،‮ ‬وهذه المرأة التي‮ ‬كانت تعلم بكل خياناتك لم تخبرني‮ ‬بشيء،‮ ‬تركتني‮ ‬أغرق في‮ ‬دمائي‮ ‬وتأوهاتي‮.‬
عطيل‮: ‬أتسمين القبلة خيانة؟
ديدمونة‮: ‬وأنت لماذا سميت المنديل خيانة؟
عطيل‮:‬‮ ‬المنديل دليل مادي
ديدمونة‮:‬‮ ‬هل تقصد لو أنني‮ ‬كنت خنتك بلا أيّ‮ ‬دليل مادي،‮ ‬هل كنت أبقيت عليّ‮ ‬
عطيل‮:(‬صارخا فيها‮) ‬هل جننتِ؟‮ ‬
شهريار‮: ( ‬تنخفض الإضاءة عليهما وتضاء بقعة الضوء علي‮ ‬شهر زاد الذي‮ ‬يقترب من شهرزاد في‮ ‬ثورة‮ ) ‬ماذا فعلتِ‮ ‬بالرجل؟ ستقلبين حاله أيتها القادرة‮ ‬،‮ ‬سيُجن
شهرزاد‮:‬‮ ‬فليُجن‮.. ‬وأكثر من الجنون‮.. ‬‮(‬تغرس أصبعها في‮ ‬صدره مهددة فيندفع أمامها بظهره حتي‮ ‬يلتصق بالحائط‮.. )‬‮ ‬تدافع عنه لأنه‮ ‬يشبهك‮ .. ‬
شهريار‮:(‬يتخلص منها‮) ‬يشبهني؟
شهرزاد‮:‬‮ ‬نعم‮ ‬يشبهك‮.. ‬يشبهك بالعكس‮.. ‬أنت قتلت زوجتك لأنها خانتك مع عبد حقير،‮ ‬ولم‮ ‬يكفك هذا بل‮ ‬يا كم قتلت من فتيات بريئات‮.. ‬وهو قتل زوجته لأنه ظن خيانتها مع عبده الذي‮ ‬لم‮ ‬يكن حقيرا‮.‬
شهريار‮:‬‮ ‬اسكتي،‮ ‬لا أريد سماع صوتك البغيض
شهرزاد‮: ‬الآن صار بغيضا بعدما كان ملاك النوم لا‮ ‬يأتيك إلا بعد أن تهدهدك حكاياتي‮  ‬وتصير في‮ ‬حجري‮ ‬كطفل رضيع‮!‬
‮(‬تحرك‮ ‬يديها فتعلو الإضاءة وتقل عليها وعلي‮ ‬شهريار،‮ ‬ويدخل الشاب الأسود المرتدي‮ ‬لزيّ‮ ‬العبد‮.. ‬فيتواجهون جميعا‮)‬‮ ‬تعالَ‮ ‬تعالَ‮ ‬يا كاسيو‮.. ‬
عطيل‮:(‬يدخل شهريار في‮ ‬بؤرة الضوء محاولا إيقافه‮) ‬لا‮ ‬يا كاسيو لا تجيء‮.. ‬إنها خطة قذرة للإيقاع بك
كاسيو‮:(‬غير فاهم لما‮ ‬يحدث‮.. ‬يفرك عينيه‮  ‬مكتشفا من حوله كأنه كان مغيبا،‮ ‬يندفع باتجاه عطيل،‮ ‬مرتميا في‮ ‬أحضانه‮)‬‮ ‬سيدي‮ ‬عطيل،‮ ‬ها هي‮ ‬سيدتي‮ ‬ديدمونة لم تمت‮ .. ‬الحمد لله،‮ ‬ستتخلص من تأنيب ضميرك الذي‮ ‬كاد‮ ‬يقتلك حيا
عطيل‮:‬قاتلك الله أيها الغبي‮ ‬
كاسيو‮:( ‬منفجرا فيه‮)‬‮ ‬لست أنا الغبي
شهر زاد‮: (‬تدخل بقعة الضوء معهم ومعها تجذب‮ ‬ياجو متجهة لعطيل‮) ‬خذ‮ ‬يا سيد‮.. ‬هذا هو الغبي‮ ‬الذي‮ ‬أوقعك في‮ ‬الشرك ونصب لكم الفخ أجمعين فمشيتم إليها مغمضي‮ ‬العيون‮.. ‬إنه ملك لك فافعل ما أنت فاعل فلن‮ ‬يلومك أحد‮!‬
شهريار‮: (‬يشدها ليخرجها من دائرتهم ويوبخها‮)‬‮ ‬أنت مسعرة حرب أيتها الشريرة
شهرزاد‮:‬‮ ‬لم تر استعار الحرب بعدُ‮.. ‬يا شهريار‮!‬
شهريار‮:‬‮ ‬يرهقني‮ ‬لعبك بأعصابي،‮ ‬والآن جئت بهؤلاء لتلعبي‮ ‬بأقدارهم أيضا؟‮ ‬
شهرزاد‮: (‬بمكر تحرك إيميليا كعروس الماريونيت من مكانها وقد بدا لونها ممتقعا وخائفة‮) ‬إيه‮ ‬يا إيميليا‮..‬
إيميليا‮:(‬مرتعشة‮)‬‮ ‬نعم سيدتي‮ ‬الغالية
شهرزاد‮:‬‮ ‬لم فعلت ما فعلت‮ ‬يا إيميليا؟
إيميليا‮: ‬تقصدين اعترافي‮ ‬بخيانات سيدي‮ ‬عطيل الصغيرة؟
شهرزاد‮:‬‮ ‬خيانات صغيرة؟ وما كنتي‮ ‬تفعلينه أنتِ‮ ‬أيضا كان خيانات صغيرة؟
إيميليا‮:(‬بارتباك‮)‬‮ ‬ماذا تقصدين؟
شهرزاد‮: ( ‬تحركها لتصبح هي‮ ‬وعطيل فقط ويكون‮ ‬ياجو وديدمونة بعيدان لكنهما‮ ‬يراقبان ويسمعان ما تقول،‮ ‬تحركها ببطء وليونة وتحدثها في‮ ‬ميوعة وتطويل‮)‬‮ ‬هيا‮.. ‬هيا إيمي‮.. ‬ها هو عطيل أمامك‮ .. ‬ها هو لك وحدك مثلما كنت تحلمين‮ ‬‮(‬تلتقط سوطا وتضرب به الأرض فتبوح إيميليا وكلما سمعت لسعة السوط تكلمت واهتاجت شوقا‮)‬
إيميليا‮:(‬تقترب من عطيل الذي‮ ‬يقف كتمثال لا‮ ‬يتحرك إلا بإشارات شهرزاد‮)‬‮  ‬أنت هنا ؟‮ ‬‮(‬تتلمسه بشغف وتضع رأسها علي‮ ‬صدره‮) ‬أنت هنا‮ ‬يا حبيبي؟‮ ‬
شهرزاد‮:‬‮ ‬يا أهلا‮ .. ‬أهلا‮ .. ‬قولي‮ ‬قولي‮ ‬
إيميليا‮:(‬غير مبالية بها ولا بأحد‮)‬‮ ‬لم‮ ‬يكن وجودي‮ ‬بجانبك‮ ‬يسمح لي‮ ‬بالبوح بما‮ ‬يهتك ستر روحي‮ ‬‮(‬نسمع صوت شهر زاد ونري‮ ‬حركة‮ ‬يدها‮.. ‬وشهريار‮ ‬يكاد‮ ‬يجن‮) ‬يا حبيبي‮.. ‬ما تراني‮ ‬كنت أفعل وأنا أراك تجثو فوق ركبتيك لتقبل قدميها،‮ ‬أتتذكر؟ حين كنت تأمرني‮ ‬أن أغسل قدميها بماء الورد،‮ ‬وأرشرش ملابسها بعطرك المفضل،‮ ‬كم رششت منه علي‮ ‬ملابسي‮ ‬ولم تلتفت إليّ،‮ ‬كنت فقط تدخل علي‮ ‬أطراف أصابعك‮.. ‬مادا أنفك باتجاه حجرتها‮.. ‬كم كنت أتسمع صلواتك تسديها إليها وأزيز سريركما‮ ‬ينهج بخيباته ودموعك،‮ ‬كنت أسمعك حين تصرخ أنت من بياضها مذهولا‮.. ‬وهي‮ ‬يغمي‮ ‬عليها من سوادك الناصع أيضا‮.. ‬كم كنتما تنهكان أعصابي‮.. ‬كم شعرت بوخذات جسمي‮ ‬وروحي،‮ ‬وأنت لم ترحمني‮.. ‬
‮(‬تمسح دموعها التي‮ ‬انذرفت‮)‬‮ ‬وفي‮ ‬الصباحات‮.. ‬حين أدخل عليها الحجرة بعد خروجك‮.. ‬أراها وقد‮.. ‬‮( ‬توقفها شهرزاد بحركة‮ ‬يدها‮.. ‬وتدخل معها ديدمونة وتسلط عليهما بقعة الضوء وتمثلان معا‮)  ‬
ديدمونة‮: (‬باكية‮ )‬‮ ‬يا ربي‮ ‬لم تحملني‮ ‬مالا أطيق؟ لم أحببت هذا الأسود؟‮ ‬ينام بجواري‮ ‬كلون الليل البهيم‮ ‬يحيطه ذراعي‮ ‬كما‮ ‬يحيط النهار جسد ثور أسود بهيم
إيميليا‮:‬أسود؟ ألم تر مولاتي‮ ‬سواد مولاي‮ ‬عطيل من قبل زواجها به؟
ديدمونة‮:‬‮ ‬بهرني‮ ‬بحبه‮ ‬يا إيميليا‮..‬
إيميليا‮:‬ومن‮ ‬يحب لا‮ ‬يكره
ديدمونة‮:‬‮ ‬إنه لم‮ ‬يقترب مني‮ ‬كزوجة‮!‬
إيميليا‮:(‬تلطم خدها‮)‬‮ ‬ماذا؟ لم‮ ‬يقترب؟ فما الذي‮ ‬اسمعه كل ليلة‮ ‬يا مولاتي؟
ديدمونة‮:‬‮ ‬آه‮ ‬يا إيميليا‮.. ‬كلما اقترب مني‮ ‬بكي‮.. ‬حتي‮ ‬إنني‮ ‬شككت في‮ ‬رجولته أو أنه بارد مثلا‮..‬
إيميليا‮: (‬تنتفض‮)‬‮ ‬مستحيل
ديدمونة‮: ( ‬بدهشة،‮ ‬تتحرك من مكانها وتلف حولها وهي‮ ‬تقترب من عطيل فيما‮ ‬يدخل معها دائر الضوء وقبل أن تخرج ديدمونة‮ .. ‬تلقي‮ ‬إيميليا بقنبلتها في‮ ‬وجهها فتخرج ذاهلة‮..) ‬ماذا؟ بارد عاجز؟ أشهد‮ ‬يا سيدتي‮ ‬علي‮ ‬غير ذلك‮ .. ‬أشهد أنه رجلٌ‮.. ‬كامل
شهرزاد‮: (‬تحركها في‮ ‬عنف موجهة كلامها لشهريار‮)‬‮ ‬انظر‮.. ‬الوجه الآخر للحقيقة‮.. ‬الحقيقة التي‮ ‬ربما‮ ‬غابت عنك أيضا‮.. ‬
شهريار‮:‬هل تقصدين أنني‮  ‬كنت عاجزا فخانتني‮ ‬زوجتي‮ ‬مع ذاك العبد اللعين؟
شهرزاد‮: ‬لا أدري‮.. ‬أنا الآن مع عطيل إيميليا الـ‮ .. ‬عاشقة‮ ‬‮( ‬تضحك بعنف تقهقه بينما إيميليا تتوسل لعطيل‮)  ‬
إيميليا‮:‬كم عشقتك أيها الشجاع النبيل،‮ ‬تقلبت علي‮ ‬جمر النار،‮ ‬وأنت تركع لها وتبكي‮ ‬لوعتك‮ .. ‬كنت أراك جميلا وسيما متواضعا،‮ ‬حين‮ ‬يكلل العرق جبينك‮ ‬يبرق بالنور عكسما كانت تري‮ ‬هي‮ ‬تلك المتكبرة،‮ ‬نعم أنا التي‮ ‬دفعت في‮ ‬قلبها بالغيرة مني‮ ‬ولم تستطع لكبرها أن تواجهني‮ ‬بهذا،‮ ‬وأنا التي‮ ‬غمست منديلها بعطرك المفضل وتوسلت إليك ألا تخبرها حينما رأيتني‮ ‬وأنا أخبئه في‮ ‬صدري،‮ ‬استحلفتك أن تمنحني‮ ‬إياه لحبي‮ ‬الشديد لها وللعطر الذي‮ ‬تضعه لك‮.. ‬لقد تركته أنت لي‮ ‬ونسيت وأنا أعطيته لياجو،‮ .. ‬أنت نسيت‮.. ‬نسيت بالفعل صح؟أخبرني‮ ‬فأنا سترك وغطاؤك‮.‬
عطيل‮: (‬كأنما‮ ‬يفيق‮) ‬نعم‮.. ‬نسيت لكن ماذا أفعل وقد أعطيتموني‮ ‬جميعا ما أدفع به شبهة العجز عني؟‮ ‬
شهرزاد‮: (‬تحركه فيما نسمع صوت سوطها‮ ‬يرن في‮ ‬الهواء‮)‬‮ ‬ها هي‮ ‬الحقيقة‮ ‬يا شهريار اسمعها‮ .. ‬‮(‬فيما‮ ‬يسد شهريار أذنيه‮)‬
عطيل‮:(‬يقترب من إيميليا‮) ‬كانت جميلة فعلا لكنها كانت تمن عليّ‮ ‬بأنها أحبت أسودا
مثلي‮.. ‬جننتني‮ ‬ديدمونة‮.. ‬كنت أركع تحت قدميها لكنني‮ ‬كنت أخشي‮ ‬الاقتراب منها لفرط رقتها‮ ‬
إيميليا‮:‬‮ ‬كم قلت لي‮ ‬يا حبيبي‮ ‬وشكوت من تمردها وغبائها‮..‬
عطيل‮:‬لم‮ ‬يكن تمردا بقدر ما كان وجعا‮.. ‬وجعا‮ ‬يحتاج من محب وعاشق مثلي‮ ‬أن‮ ‬يحتويه،‮ ‬هربت إليك‮ ‬يا إيميليا والي‮ ‬معاركي‮ ‬وحروبي،‮ ‬كنت أهرب لأعوض لحظات النقص الحارقة،كنت أنتظر فوات نصف الليل كي‮ ‬لا أجدها‮ ‬يقظة فتلسعني‮ ‬نظراتها وتلومني‮..‬علي‮ ‬عجزي‮ ‬وإخفاقي‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يتوج انتصارات علي‮ ‬الأعداء‮!‬
إيميليا‮:‬كنت أولي‮ ‬بك منها،‮ ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬ياجو هو الزوج الأمثل لي‮ ‬‮(‬نري‮ ‬ياجو تحركه شهريار وهي‮ ‬تقهقه‮)‬‮ ‬نعم لم‮ ‬يكن بل كنت أنت‮ (‬تحرك شهرزاد ديدمونة التي‮ ‬تتكلم هي‮ ‬الأخري‮ ‬فيما‮ ‬يفاجأ‮ ‬ياجو ويثور هائجا‮ ) ‬
ديدمونة‮:‬‮ ‬لم تكن‮ ‬يا عطيل الزوج الذي‮ ‬به كنت أحلم،‮ ‬ولا البطل الذي‮ ‬كنت أريد‮. ‬لقد خدعتني‮.. ‬‮(‬تضحك شهرزاد وتحرك الخيوط،‮ ‬يدخل معهم شهريار فيصيرون كأنهم في‮ ‬حلقة واحدة،‮ ‬تمتد‮ ‬يد كل منهم لتقتل الآخر موسيقي‮ ‬صاخبة‮ .. ‬تنتهي‮ ‬علي‮ ‬سقوطهم جميعا‮ ..‬إضاءة علي‮ ‬شهرزاد بيدها خيوط اللعبة وشهريار‮ ‬يطوّح سيفه في‮ ‬الهواء صارخا‮ !)‬
إظلام
‮(‬لحظات هدوء تسود خشبة المسرح،‮ ‬تنبعث الإضاءة بألوان متداخلة شيئا فشيئا حتي‮ ‬نري‮ ‬كليوبترا وهي‮ ‬تحاول التخلص من خيوط الماريونيت الملتفة خلال جسدها فيما تحركها شهرزاد بعنف،‮ ‬وشهريار متهدل الجلسة علي‮ ‬مقعده‮) ‬
شهرواد‮: ‬أتعبتيي‮ ‬أيتها اللعوب‮! ‬‮(‬تلقي‮ ‬ما عليها من خمار بحركة‮ ‬غامضة‮ .. ‬وترتكز بقعة الضوء علي‮ ‬عنيها المكحلتين بالرسم الفرعوني‮.. )‬
كليوبترا‮:‬لعوب؟‮ ‬‮(‬بتهكم وسخرية ودهشة لكن في‮ ‬هدوء‮)‬‮ ‬تحدثينني‮ ‬أنا‮ ‬يا راوية الحكايات؟
شهرزاد‮:‬‮ ‬لا تبدئي‮ ‬بالهزو‮ ‬يا طويلة اللسان‮.. ‬فما أطوله عندي‮!‬
كليوبترا‮:‬الملكات لا‮ ‬ينزلن لمستوي‮ ‬العوام‮!‬
شهرزاد‮: ‬بنت وزير تعدينها من العوام؟‮! ‬‮(‬تقهقه‮) ‬تبا لك من سليطة اللسان
كليوبترا‮:‬‮ ‬يبدو إنني‮ ‬جئت في‮ ‬المكان الخطأ‮..‬
شهرزاد‮:‬‮ ‬ليس خطأ‮.. ‬بل المكان الصحيح
كليوبترا‮: (‬تنظر باتجاه الخارج وتنادي‮)‬‮ ‬أنطونيو
شهرزاد‮: (‬تضحك بشكل متوال‮)‬‮ ‬أنطونيو؟ البقاء لله‮ ‬يا سيدة كليوبترا
كلوبترا‮:‬تبا لك من امرأة عقيمة الفكر‮.. ‬فارغة الرأس،‮ ‬لقد تركت حبيبي‮ ‬هنالك‮ ‬يستعد لحفلنا الكبير الذي‮ ‬أعددته فرحا بانتصاراته الخارقة علي‮ ‬الاعداء
شهرزاد‮: (‬ساخرة‮ )‬‮ ‬انتصاراته؟ منذ أن عرفك لم‮ ‬ينتصر قط سوي‮ ‬عليكِ
كليوبترا‮:‬ماذا تقولين؟
شهرزاد‮:‬‮ ‬الحقيقة
كليوبترا‮:‬أية حقيقة؟‮  ‬
شهرزاد‮:‬‮ ‬حقيقتك
كليوبترا‮:‬الحقيقة ليس لها وجه واحد‮.. ‬إنها فلسفة الوجود‮ ‬
شهرزاد‮:‬‮ ‬هل صدقتِ‮ ‬بأنكِ‮ ‬إيزيس الجديدة فأخذتِ‮ ‬تلملمين أشلاء إيزيس من الطرق؟
كليوبترا‮:‬‮ ‬ماذا تريدين مني؟ ولم أخرجتيني‮ ‬من سباتي‮ ‬العميق؟ اتركيني‮ ‬كي‮ ‬أكمل رحلتي‮ ‬إليه‮..‬
شهرزاد‮:(‬بخبث‮)‬‮ ‬أنطونيو؟
كليوبترا‮: (‬تسرح لحظة‮)‬‮ ‬أنطونيو‮.. ‬حبة القلب ونور عيني‮ ‬وأبو ولديّ‮!‬
شهرزاد‮: (‬تحركها بخيوط عرائس الماريونيت‮) ‬عربدتِ‮ ‬كثيرا أيتها الملكة،‮ ‬كثيرا جدا،‮ ‬لم‮ ‬يكن هذا الجسد ليرتوي‮ ‬أبدا‮.. ‬من معينِ‮ ‬واحد ويكتفي‮!  ‬‮(‬بقرف‮)‬‮ ‬هل ملكة تفعل ما فعلتِ‮ ‬بنفسك؟
كليوبترا‮:(‬لا ترد‮) ‬هل تعتبرين علاقتي‮ ‬بقيصر‮..‬علاقة رجلٍ‮.. ‬بامرأة عادية؟
شهرزاد‮:‬‮ ‬داهية أنتِ‮ ‬يا كيلوبترا‮.. ‬ألم أقل أنك تستفيدين قدر طاقتك من كل رجل دخل حياتك أو قصرك أو مملكتك أو حتي‮ ‬مرّ‮ ‬بطيفك‮!‬
كليوبترا‮:‬تعرفين كل شيءٍ‮ ‬إذن‮!‬
شهرزاد‮: ‬نعم‮..  ‬‮(‬بثقة‮)‬‮ ‬كل شيء‮!‬
كليوبترا‮:‬حسنا‮.. ‬دعيني‮ ‬أرحل
شهرزاد‮:‬سأفعل ولكن بعد أن تعترفي‮ ‬بكل شيء أيتها المرأة التي‮ ‬جننتني‮.. ‬هل تدرين أنني‮ ‬بحثت عنك في‮ ‬كل النساء‮..  ‬لأصل لما أريد
كليوبترا‮:‬وماذا كنتِ‮ ‬تريدين؟
شهرزاد‮: ‬كل شيء،‮ ‬كل شيء بلا مواربة
كليوبترا‮: (‬كأنما تتذكر‮) ‬آه‮ ‬يا شهر‮.. ‬آه حينما صرت شابة‮.. ‬وجدتني‮ ‬علي‮ ‬عرش أجمل الممالك وأبدعها‮.. ‬مصر‮..‬وفي‮ ‬لحظة تاريخية كدت أفقد عرشي‮.. ‬ثار الشعب خطب البلغاء علي‮ ‬كافة المنابر وفي‮ ‬أيام الجمع‮.. ‬رفضوا أن تحكمهم امرأة‮  ‬لم‮ ‬يكن المقصود كليوبترا بعينها ولكنهم‮  ‬لا‮ ‬يرضون أن تحكمهم أنثي،‮ ‬وبفعل أعدائي‮ ‬الكثرين وأولهم من البطالمة الطامعين في‮ ‬ملكي،‮ ‬انتهتزها فرصة‮.. ‬طلبت من قيصر روما أن‮ ‬يمد لي‮ ‬يد المساعدة‮ ‬
شهرزاد‮:‬‮ ‬وفعل‮!‬
كليوبترا‮: ‬نعم فعلها،‮ ‬كاد العرش‮ ‬يضيع مني‮  ‬توسلت بالأعراب علي‮ ‬حافة البلاد‮.. ‬كوّنوا جيشا جسورا لانتشالي،‮ ‬انتصرت قتلوه‮.. ‬أخي‮ ‬بطليموس الثالث،‮ ‬ورأسه كان القربان لقيصر،‮ ‬وبعدما حاصرني‮ ‬أوصياء بطليموس،‮ ‬ساعدني‮ ‬قيصر حتي‮ ‬عاد إلّي‮ ‬عرش مصر تقربا مني،‮ ‬وبعدما قتل قيصر وجدتني‮ ‬حائرة ولكن‮.. ‬بعدما استبان الأمر وقُسِّمت التركة بين قائديه أوكتافيوس وانطونيوس‮.. ‬
شهرزاد‮: ‬أنطونيوس‮.. ‬حبيب القلب‮!‬
كليوبترا‮: (‬تتكلم بهمس وحب شديدين‮)‬‮ ‬ومنذ اللحظة الأولي‮ ‬التي‮ ‬سمعت اسمه فيها‮ .. ‬قررت أن أحبه‮ (‬اطفاء واضاءة‮.. ‬خيال الظل‮ ‬يبين رجال ونساء في‮ ‬بهو القصر فيما أنطونيوس واقفا في‮ ‬أبهي‮ ‬حلته وفي‮ ‬ملابسه الرومانية الفخمة‮.. ‬وأمامه‮ ‬يضع الجنود سجادة ملفوفة‮.. ‬يحركه شهريار حول السجادة فيما‮ ‬يقوم جنديان بفتحها ببطء لتخرج منها كليوبترا في‮ ‬أبهي‮ ‬زينتها ملابس تبدو فيها كعروس البحر‮.. ‬فيتفحصها انطونيوس مندهشا‮)‬
أنطونيو‮:‬من‮ ‬أنتِ؟ أإلهةٌ‮ ‬فرعونية نزلت من عليائها؟ أم ملكة تغزو الآن عرش قلبي؟‮! ‬من أنتِ‮ ‬أيتها الملاكة؟
كليوبترا‮:(‬تؤدي‮ ‬حركات راقصة تعبيرية تنتهي‮ ‬باستقراره بين بيديه فيرخي‮ ‬عليهما وشاحه ونري‮ ‬سيفه وحزام أسلحته وقد سقطت‮.. ‬موسيقي‮ ‬معبرة،‮ ‬إطفاء ثم إضاءة‮)‬
شهرزاد‮:(‬تحركها‮ ‬غاضبة‮)‬‮ ‬كم أنتِ‮ ‬طامعة
كليوبترا‮:‬بل طموحة
شهرزاد‮: ‬طامعة جدا‮.. ‬تريدين كل شيء‮.. ‬الحب والزواج والعرش والأولاد والملك والشباب‮.. ‬يا لكِ‮ ‬من جبارة‮! ‬
كليوبترا‮: (‬تقترب منها في‮ ‬دلال‮)‬‮ ‬جبارة؟ حتي‮ ‬أنتِ‮ ‬تظلمينني‮ ‬يا شهر؟‮  ‬
شهرزاد‮: ‬كيف‮ ‬أظلمك وما قرأته عنك وعرفته وما لم‮ ‬يكتبه التاريخ لا أستطيع البوح به الآن‮.. ‬لا أستطيع‮ ‬
كليوبترا‮:‬‮ ‬يااه ؟ لهذه الدرجة؟‮ ‬
شهرزاد‮:‬‮ ‬أتكذبين التاريخ؟
كليوبترا‮: ‬كلا‮ ‬ولكنه صعب جدا،‮ ‬هو بالفعل شاهد عيان،‮ ‬يري‮ ‬ويسمع ولكنه‮ ‬يغلق فمه تماما حينما أحتاجه،‮ ‬بعبارةٍ‮ ‬أدق‮.. ‬يصبح أبكما وقت اللزوم‮! ‬ما الذي‮ ‬سرويه التاريخ عني؟ هل‮ ‬يمكن أن‮ ‬ينعتني‮ ‬بما قلت أنت لي؟ وأنا من أنا؟ أنا ابنة المجد؛ إيزيس الجديدة،‮ ‬فهل في‮ ‬الدنا امرأة مثلي‮ ‬أنا؟
رضيت أن أدفن وحبيبي‮ ‬في‮ ‬مكان مجهول حتي‮ ‬أنأي‮ ‬بنا عن تطفّل الآخرين وإقلاقهم لنا،‮ ‬كان حبنا كما لم‮ ‬يحبب أحد‮! ‬كان حبا عبقريا‮!‬
شهرزاد‮:‬‮ ‬كان حبكما ماديا‮  ‬
كليوبترا‮:‬‮ ‬كلا‮.. ‬كلا‮.. ‬إنه الظلم بعينه‮ ‬‮(‬إطفاء ثم إضاءة عليها وأنطونيو‮) ‬
أنطونيو‮:‬لو أنك تسمعين كلامي‮ ‬يا مليكة القلب
شهرزاد‮:‬‮ ‬اطلب شيئا مستطاعا أنطونيو،‮ ‬ولا تنس أنني‮ ‬ملكة هذه البلاد‮..‬
أنطونيو‮:‬لم أنس،‮ ‬لكن الناس في‮ ‬الشوارع‮ ‬يهتفون ضدك‮..‬
كليوبترا‮:‬ضدي‮ ‬أنا؟
أنطونيو‮:‬‮ ‬لا أدري‮ ‬ما الذي‮ ‬يصم أذنيكِ‮ ‬يا حبيبتي‮ ‬فلا تسمعين‮ ..‬انصتي‮.. (‬تنصت فنسمع الهتافات‮)‬‮ ‬تسقط كليوبترا،‮ ‬تسقط الملكة الظالمة،‮ ‬تسقط المستبدة
كليوبترا‮: (‬بدهشة‮)‬‮ ‬ظالمة‮ .. ‬ومستبدة؟‮ ‬يا للهول‮ ‬يا أنطونيو‮..‬
ليتني‮ ‬متُّ‮ ‬قبل هذا وكنت نسيا منسيا‮..‬‮ (‬تسد أذنيها‮)‬‮ ‬لا‮ .. ‬انهم ليسوا شعبي‮.. ‬انهم دعاة أخي‮ ‬بطليموس الرابع‮.. ‬أولئك الذين‮ ‬يسعون لخلعي‮ ‬من حكم مصر‮.. ‬لمصالحهم الخاصة‮.. ‬آه‮ ‬يا أنطونيو‮.. ‬إنهم لا‮ ‬يدرون كم أعشق هذا البلد‮..‬عشقا لم‮ ‬يعشقه بشر لمكان‮..‬
لا تكرري‮ ‬كلمات طالما عشت أحاسيسها معك حبيبتي‮.. ‬فلا‮ ‬يليق ببهائك إلا هذا الكمال الكوني
كليوبترا‮:(‬تحرك شهرزاد الخيوط فتقربهما من بعضيهما،‮ ‬يتقابلان‮..‬فيما تبدأ كليوبترا في‮ ‬الحكي‮ ‬بصوت شجن‮)‬‮ ‬آه‮ ‬‮(‬تقولها بتطويل‮)‬‮ ‬آه‮ ‬يا أنطونيو‮.. ‬هؤلاء المجانين السفهاء وصفوني‮ ‬بأبشع الأوصاف
‮(‬شهريار بصوت مؤثر كأنه مذبوح بينما نسمع صوت السوط وعلي‮ ‬خيال الظل في‮ ‬الخلفية كأنما‮ ‬يجلد امرأة وتأوهات كليوبترا في‮ ‬الأمام وهي‮ ‬في‮ ‬حضن أنطونيو‮..) ‬
شهريار‮:‬‮ ‬صائدة الرجال من الأسواق،‮ ‬عاشقة العبيد‮..‬
كليوبترا‮: (‬تصرخ كليوبترا مبتعدة عن أنطونيو‮) ‬لا‮.. ‬لا‮ .. ‬أقسم لم أكن كذلك‮.. ‬أرادوا أن‮ ‬يشوهوني‮ ‬لصالح آخرين‮ ‬
شهرزاد‮: (‬بميوعة‮) ‬لا‮ ‬تقلقي‮ ‬يا كليووو‮.. ‬نحن النسوة كلنا في‮ “‬الهواء سواء‮” ‬لن أفشي‮ ‬لكِ‮ ‬سرا لكنك هنا في‮ ‬مأمن للبوح عن كل شييئ وفي‮ ‬كل شيء‮.. ‬هنا مرتع الراحة الأبدية تجدينها ها هنا‮.. ‬‮(‬يتدخل انطونيو‮) ‬
أنطونيو‮:‬ليلان وصباح متعانقان في‮ ‬هاتين العينين التشبهان عيون البقر الوحشي‮ ‬في‮ ‬صحراء الروح‮ ‬‮(‬تبتعد عنه كليوبترا بينما‮ ‬يتبادل شهريار وشهرزاد تحريكها فيما تصرخ‮ )‬‮ ‬أوزوريس‮.. ‬‮(‬شهريار علي‮ ‬كرسيه دخان،‮.. ‬وبفعل الإضاءة‮ ‬يظهر بشكل مهيب أسطوري‮.. ‬بينما إطفاء علي‮ ‬أنطونيو منزويا‮.. ‬وتتحرك كليوبترا نحو شهريار‮)‬
كليوبترا‮:‬حبيبي‮ ‬الأزلي‮ ‬الأبدي‮ ‬يا أوزوريس‮.. ‬يا متوّج بالحب علي‮ ‬مملكة عرشي‮.. ‬ساعدني‮ ‬علي‮ ‬أولاء البشر الأشرار‮.. ‬
أوزوريس‮: (‬بصوت عميق‮)‬‮ ‬لم‮ ‬يعد في‮ ‬القوس منزع كليوبترا‮..‬
فعلتِ‮ ‬الكثير،‮ ‬لكنك تطمحين لأن تقبضي‮ ‬بكفييك هاتين علي‮ ‬جنبات الكون لتصير ملكا لكِ‮ ‬
كليوبترا‮: ‬لأجلي‮ ‬ولأجل أمي‮ ‬العظيمة المتمثلة فيّ‮ ‬إيزيس،‮ ‬ساعدني‮..‬
أوزوريس‮:‬‮ ‬وأنطونيو؟
كليوبترا‮:‬هل أحكي‮ ‬لك ما تعرفه أكثر مني؟ إنه العشق والصبابة والوله‮!‬
أوزوريس‮:‬‮ ‬مباركة أنتِ‮ ‬بكل ما فعلتِ‮ ‬وتفعلين‮..‬
كليوبترا‮:(‬بشوق وخضوع‮)‬‮ ‬الأبدية‮! ‬أريد الأبدية
أوزوريس‮:‬‮ ‬ومُلك مصر؟
كليوبترا‮:‬‮ ‬الحب والأبدية أريدهما معا
أوزوريس‮: (‬مندهشا‮)‬‮ ‬ومُلك مصر؟
كليوبترا‮: (‬تكرر الكلمة عدة مرات فيما تنظر للأمام تحركها خيوط شهريار وشهر زاد‮)‬‮ ‬الجيوش قادمة،‮ ‬أراها الآن‮.. ‬وأنطونيوس مقتولا وفرسه‮ ‬يمتطيه أحد الجنود الذابلين‮.. ‬تبا له‮.. ‬تبا لهذا الجندي‮.. ‬كيف‮ ‬يجرؤ علي‮ ‬امتطاء صهوة جواد سيده؟‮ ‬
أوزوريس‮:‬‮ ‬ومُلك مصر؟
كليوبترا‮:‬‮ ‬حكمتها عشرين عاما‮.. ‬وأشهدك أنا ما قتلت وما سرقت وما اقتربت من الحرام‮..‬
أوزوريس‮:(‬يمسح دموعها وهي‮ ‬تتحرك بعيد عنه فيما تزول الظلمة شيئا فشيئا عن جثة أنطونيو ملقاة‮.. ‬تركز بقعة الضوء عليهما فيما أوزوريس مرددا‮)‬‮ ‬سبق السيف العزل‮.. ‬
كليوبترا‮:(‬ترقص رقصة جنائزية حول جثة أنطونيو‮..‬تحدثه في‮ ‬عشق وهيام‮) ‬حاربت من أجلها وأجلك‮ ‬يا حبيبي‮.. ‬هي‮ ‬نور عيني‮ ‬وأنت شعلة في‮ ‬القلب لم‮ ‬يخمد نورها ولهيبها،‮ ‬يا أيها الفارس الذي‮ ‬غزا كل الحصون الفارهات بنن قلبي،‮ ‬فامتثلت وما عرفت سوي‮ ‬هواك ومن هواك‮.. ‬قل للذين أتوا إلينا ثائرين علي‮ ‬الحياة تمهلوا‮.. ‬فهنا بباطن هذه الأنحاء‮ ‬يرقد في‮ ‬التراب بشران إنسانان تنفسا هذي‮ ‬الحياة برعشة متفردة،‮ ‬عاشا معا عشقا معا تعبا معا‮ ‬غزوا معا‮.. ‬طال سهادهما معا‮.. ‬زال أنينهما معا‮.. ‬وهما بكل تواضعٍ‮.. ‬قد‮ ‬غادرا هذا الوجود معا‮.. ‬معا‮..‬
شهريار‮:‬‮ ‬معا‮..‬؟
كليوبترا‮: ‬سبقني‮ ‬حبيبي‮ ‬لحظة ليحتفي‮ ‬بي‮.. ‬حتما سيستقبلني‮ ‬بتيجان الذهب واللؤلؤ‮..‬والورود التي‮ ‬أحب،‮ ‬جهز لي‮ ‬نهرا من عسل ولبن وفرح مصفي‮.. ‬قل له‮: ‬إنني‮ ‬آتية علي‮ ‬مهل‮.. ‬فليجهز الحناء‮.. ‬والثوب الشفيف‮ ‬‮(‬تنام علي‮ ‬مقربة من أنطونيو‮.. ‬فيما موسيقي‮ ‬جنائزية‮ )‬
إطفاء
‮(‬مري‮ ‬أخري‮ ‬لحظات صمت وإضاءة متداخلة الألوان كأنما تولد شجر الدر من خلالها تحاول الانفلات من خيوط الماريونيت وشهريار كما هو في‮ ‬بداية كل لوحة‮)‬
شجر الدر‮:‬‮ ‬محظوظات تلك النسوة اللائي‮ ‬أخذن فرصتهن كاملة في‮ ‬الحياة‮.. ‬
شهرزاد‮: ‬تتحسرين وأنت‮  .. ‬التي‮ ‬ارتفعتِ‮ ‬ونلت وزدتِ‮ ‬وبهرت وانبهرتِ،‮ ‬فقت كل حدود التوقع‮.. ‬‮(‬بنظرة ذات مغزي‮)‬‮  ‬لن جارية تركية إلي‮ ‬ملكة مصر البهية بلا منازع
شجر الدر‮: ‬تقصدين الثمانين ليلة تلك التي‮ ‬قضيتها في‮ ‬الويل والعذاب؟ تلك التي‮ ‬كان فيها التاج علي‮ ‬رأسي‮ ‬كمشنقة وشعري‮ ‬المجدول‮ ‬يئن من وجع جدائلها‮!  ‬وأنتِ‮ ‬شاهدة علي‮ ‬تلك الليالي
شهرزاد‮: (‬منتبهة في‮ ‬هشة‮)‬‮ ‬أنا؟ أنا مالي‮ ‬ومالك أيتها السيدة؟
شجر الدر‮:‬‮ ‬سيدة؟‮! ‬لم أكن سيدة بالشكل الذي‮ ‬تعرفين عشت مرارة الأيام قاطبة،‮ ‬وقضيت طفولتي‮ ‬وصباي‮ ‬في‮ ‬مراعي‮ ‬الدرس‮.. ‬اقرأ‮ .. ‬أقرأ أقرأ‮.. ‬الشعر والأدب والطب والفلسفة وعلم الكلام والسياسة والـحب والشعر والغزل وأشياء كثيرة‮! .. ‬‮(‬تلتفت لها‮)‬‮ ‬مثلك تماما لكنني‮ ‬لم أكن أجيد شيئا مما تجيدين وحدك سيدة الحكايات التي‮ ‬تخلب الألباب وتلتف حولك القلوب فلا‮ ‬يقترب من جفنها النوم‮! ‬طفولتي‮ ‬أنفقتها علي‮ ‬عتبات الدرس وكتاتيب المعلمين وعصا العريف،‮ ‬وتأديب المؤدبين‮.. ‬
‮(‬متراجعة‮)‬‮ ‬ربما فعلوا بك أيضا مثلما فعلوا بي‮.. ‬لكنني‮ ‬كنت فقيرة لم‮ ‬يكن لي‮ ‬ظهر لأستند ليه ويشتد عودي،‮ ‬لما خطفوني‮ ‬من حضن والديّ‮.. ‬كنت خضراء ما أزال‮.  ‬
شهرزاد‮: ( ‬تشد أحد الرجال وتطرح عليه ملابس الملك الصالح نجم الدين أيوب‮ ‬يعطي‮ ‬الجميع ظهره،‮ ‬ثم في‮ ‬لحظة خاطفة‮ ‬يقف في‮ ‬مواجه شجر الدر وتسلط بقعة الضوء عليهما فيما تنتحي‮ ‬شهرزاد مكانها كأنها تمسك بخيوط الماريونيت‮ ‬يتحول بقية الموجودين لشخوص الحكاية‮.. ‬تقول لها شهر زاد وهي‮ ‬تحرك الماريونيت بقوة فتبدو شجر الدور مرتبكة الحركة‮) ‬
شهرزاد‮: ‬كنتِ‮ ‬سعيدة الحظ ليتزوجك الملك الصالح نجم الدين أيوب،‮ ‬وأنجب منك‮.. ‬أما أنا فلم‮ ‬يقترب مني‮  ‬ذلك القابع علي‮ ‬عرشه‮.. ‬ذلك الطاووس الماكر‮.. ‬ماذا‮ ‬يحدث للرجال حين‮ ‬يخطون ببأقدامهم باتجاه عتبات العروش؟ هل‮ ‬يتركون أرواحهم قبل أن‮ ‬يمدوا أرجلهم ليتذوقوا لذتها؟‮  ‬كم هو لذيذٌ‮ ‬جدا لجلوس علي‮ ‬الكراسي‮ ‬المذهبة؟ أليس كذلك؟‮ ‬‮(‬بصوت آمر‮) ‬هل جربته؟‮   ‬ردي‮ ‬عليّ‮ .. ‬ردي‮!!‬
شجر الدر‮: (‬لا ترد عليها‮ .. ‬تقترب رويدا رويدا مع تحريك شهر زاد‮.. ‬حتي‮ ‬يواجهها نجم الدين أيوب صامتا ممتقع الوجه لا‮ ‬يرد وهو جالس فتحادثه‮) ‬مال بال وجهك مرهقا‮ ‬يا زوجي‮ ‬الحبيب،‮ ‬لتقم إلي‮ ‬سريرك،‮ ‬كي‮ ‬تستريح قليلا‮.. ‬
نجم الدين‮: ‬ما الذي‮ ‬فعلتيه‮ ‬يا شجر الدر؟
شجر الدر‮: (‬حذرة‮)‬‮ ‬ماذا فعلتُ‮ ‬يا مولاي؟‮ ‬
نجم الدين‮: (‬مفاجئا مع موسيقي‮ ‬قلقة‮) ‬أيبك‮!‬
شجر الدر‮: (‬ممتقعة‮)‬‮ ‬ماله؟
نجم الدين‮: ‬خنتني
شجر الدر‮:‬‮  ‬لا‮.. ‬لا تقل هذا فقد‮.. ‬فقد أحببتك بكل ما فيّ
نجم الدين‮: ‬‮ ‬لا أعتقد في‮ ‬ذلك
شجر الدر‮:‬‮ ‬بل ثق فيّ،‮ ‬فالحب الذي‮ ‬كان بيني‮ ‬وبينك لم‮ ‬يكن حب الجسد‮ ‬
نجم الدين‮: ‬حب الروح تقصدين؟
شجر الدر‮:‬‮ ‬كل الحب سيدي‮ ‬كان حبك‮.. ‬حب الأبوة والأخوة‮..‬حب العزة والفخار‮.. ‬هل‮.. ‬هل نسيت؟‮  ‬أنت الذي‮ ‬صنعتني
نجم الدين‮:‬‮ ‬وهذا جزاء صنيعي‮! ‬‮(‬تلف حوله‮)‬‮ ‬عوّدتني‮ ‬أثناء‮ ‬غيابك أن أكون مكانك‮.. ‬أجلستني‮ ‬علي‮  ‬كرسي‮ ‬ملكك،‮ ‬صرت ملكة‮.. ‬آمر وأحكم في‮ ‬غيابك تالله عمري‮ ‬ما دست علي‮ ‬طرفٍ‮ ‬لك قط‮.. ‬ولتثبت أني‮ ‬أقدمت علي‮ ‬ذلك
نجم الدين‮:‬‮ ‬وخليل؟
شجر الدر‮:‬‮ ‬خليل هذا‮.. ‬هو قرة عين أمه وأبيه‮.. ‬نبتتك الصالحة ومخرج أمه من رق الجواري‮ ‬إلي‮ ‬عز الحرائر‮..‬
نجم الدين‮:‬‮ ‬وأيبك؟
شجر الدر‮:‬‮ ‬أيبك؟‮ (‬يحرك شهريار أحد الأشخاص والذي‮ ‬يقف قبالتها كالتمثال بنما نحم الدين‮ ‬يتظاهر بأنه لا‮ ‬ينظر الناحية المقابلة‮)‬
نجم الدين‮: ‬أيبك‮.. (‬تمسكه بذراعيها‮.. ‬كأنما تحدث نفسها‮.. )‬‮ ‬كم كنت أري‮ ‬فيه شبابي‮.. ‬كنت أشوفك فيه أيا مولاي‮.. ‬لم تك عضلاته تلك المفتولة ما أعجبني‮.. ‬لكنني‮ ‬حين طلبت مساعدته لما كنتَ‮ ‬مريضا في‮ ‬معركة المنصورة‮ .. ‬لباني‮  ‬قبل ابنك توران شاه‮.. ‬
‮(‬إطفاء ثم بقعة الضوء علي‮ ‬جسد مسجي‮ ‬والأطباء‮ ‬يتحركون كأنما أحدهم‮ ‬يدخل والآخر‮ ‬يخرج تقف هي‮ ‬وأيبك‮) ‬
شجر‮: ‬ماذا أفعل‮ ‬يا أيبك؟
أيبك‮: ‬الأمر أمرك مولاتي‮ ‬الملكة
شجر‮:‬‮ ‬الصليبيون علي‮ ‬مشارف البلاد‮.. ‬والملك ولي‮ ‬لجوار الله‮..‬
أيبك‮:‬‮ ‬منذ شهور وأنت الملكة والمتصرفة‮.. ‬فلتتخذي‮ ‬قرار الحرب كما تفعلين‮ ‬
شجر الدر‮:‬‮ ‬لولا أني‮ ‬أخشي‮ ‬علي‮ ‬عزيمة جنودي‮ ‬أن تفتر‮.. ‬أقسم لك‮ ‬يا أيبك‮.. ‬لكنت أعلنت وفاته
أيبك‮:‬‮ ‬هوِّني‮ ‬عليك مولاتي‮ ‬الملكة‮ ‬‮(‬يقترب منها بلطف فتفلت منه فيناديها‮) ‬
أيبك‮:‬‮ ‬عصمت‮.. ‬
شجر الدر‮: (‬تنتبه مذعورة‮)‬‮ ‬أنسيت نفسك؟
أيبك‮: (‬راكعا‮) ‬بل تذكرتها‮ ‬يا مولاتي‮.. ‬عصمت نفسي‮ ‬لأجلك أنتِ‮.. ‬أحبك‮ ‬يا مولاتي‮.. ‬‮(‬يسقط منديلها فينزل وراءه‮ ‬يمسكه ويقبله بحب ويضعه علي‮ ‬وجهه للحظة‮)‬‮ ‬رحيق مولاتي‮ ‬يسكر قلب عاشقها المتيم أيبك
شجر الدر‮:‬‮ ‬لقد جننت فعلا‮.. ‬مجنون‮.. ‬
أيبك‮: ‬مولاتي‮.. ‬عديني‮ ‬بك وأنتِ‮ ‬مجدي‮ ‬وأملي‮ ‬وأعدك أن أكون تحت قدميك خادمك المطيع‮ ‬‮(‬إطفاء‮ ‬عليهما‮)‬
شجر‮: ‬اعتمدت عليه ولكنه لم‮ ‬يكن خادما لي‮ ‬بالقدر الذي‮ ‬أقسم به‮.. ‬علمني‮ ‬شيخي‮ ‬ألا أترك مستقبلي‮ ‬بيد أحدهم‮.. ‬ليلون حياتي‮ .. ‬فلربما لا‮ ‬يمتلك سوي‮ ‬قلم أسود‮.. ‬لذا كنت أكثر حرصا من مثيلاتي‮.. ‬التهمت العلم والكراريس‮.. ‬وصادقت المحبرة والرياش،‮ ‬عانقت الهواء الطلق حتي‮ ‬حين صرت جارية،لم‮ ‬يكن ضعفا لديّ‮ ‬كان حبا للحياة‮.. ‬‮(‬تنظر للبعيد‮)‬‮ ‬أصررت علي‮ ‬أن‮ ‬يتزوجني‮ ‬السلطان نجم الدين أيوب‮.. ‬كنت حبيبة قلبه،‮ ‬ومليكته،‮ ‬لم‮ ‬يقدر أن‮ ‬يحيا دوني،‮ ‬بخاصة حين‮  ‬ولدت خليل‮.. ‬ومعه كبر الحب ونما وأوغل في‮ ‬أرض الـ‮ ‬‮(‬نسمع صوت نجم الدين أيوب‮)‬‮ ‬والسلطة‮..‬
شجر الدر‮:‬‮ ‬نعم؛‮  ‬السلطة لم لا؟ هل هي‮ ‬محرمة عليّ‮ ‬مسموح بها لغيري‮ ‬من التافهات الجاهلات؟ لن أسميهن‮.. ‬فقط أتحدث عن نفسي‮ ‬التي‮ ‬أعرفها طفلة وصبيية وشابة وها أنذا في‮ ‬قمة العنفوان‮..‬
‮(‬تسلط الاضاءة علي‮ ‬أيبك‮  ‬ليبدو كالظل بصوت مؤثر‮) ‬شديدة البأس وعنيدة‮!‬
شجرالدر‮: ‬لست عنيدة بالقدر الذي‮ ‬كنت أتمني‮! ‬‮(‬بحزن تسترجع‮) ‬كنت أتمني‮ ‬لمسة منه تعيد إليّ‮ ‬الطفلة التي‮ ‬تهرب إلي‮ ‬لهوها البرئ‮ .. ‬أو الصبية التي‮ ‬تنتظر موعدا مع من تحب تحت أشجار القرنفل‮.. ‬أو نظرة لا تسمح الأعراف بأكثر منها‮.. ‬فينبض القلب حتي‮ ‬تتكسر جدران البيت‮.. ‬وتزهر حمرة الخجل علي‮ ‬الخدين بلون الورد‮! ‬آه‮.. ‬لم‮ ‬يكن نجم الدين سوي‮ ‬السلطة‮.. ‬كنت مخلصة له كامرأة شريفة‮.. ‬أغلقت قلبها علي‮ ‬سعال شيخٍ‮ ‬عجوز‮..‬في‮ ‬ليلات البرد القارسة‮.. ‬كان همي‮ ‬هذا التاج‮.. ‬‮(‬تنظر علي‮ ‬جبينها رافعة عينيها لفوق فيما‮ ‬يديها تنزلان التاج من فوق حجابها‮..) ‬ولما مات نجم الدين‮.. ‬حزنت‮ ‬‮(‬تقولها بألم‮) ‬نعم‮ ‬حونت ولكنني‮ ‬في‮ ‬الحقيقة فرحت أيضا‮ ‬‮(‬تصرخ ضاحكة‮)‬‮ ‬نعم ضحكت‮ .. ‬أغلقت حجرتي‮ ‬علي‮ ‬نفسي‮ ‬وأخذت أضحك‮.. ‬أضحك‮.. ‬أضحك‮.. ‬حتي‮ ‬غبت عن الوعي‮.. ‬غبت وصحوت علي‮ ‬جثته‮.. ‬أفقت علي‮ ‬وقع خيول الجند المنصورة‮.. ‬والعز بن عبد السلام ولويس السادس عشر‮..‬آه‮ ‬‮(‬تصرخ‮) ‬كل هذه الوجوه حاصرتني‮.. ‬وأنا التي‮ ‬صار قلبها قلب لوزة قطن ما تزال تبحث عن فرصة ليتفتح نوّارها‮! ‬‮(‬بصوت عال‮) ‬يااا نجم الدين‮.. ‬يا نجم الدين‮..‬كم كنت طيبا‮ .. ‬‮(‬بصوت منخفض‮)‬‮ ‬نعم طيب لكنك كنت تعاملني‮ ‬كقائدٍ‮ ‬في‮ ‬جيشك‮.. ‬كخاتمٍ‮ ‬في‮ ‬إصبعك وسلسة حول رقبتك نعم‮.. ‬حتي‮ ‬في‮ ‬لحظات الحب‮.. ‬كنت تشيح بوجهك عني‮ ‬تشعرني‮ ‬بالوهن‮.. ‬فأضهف تفتر عاطفتي‮ ‬تفتر عيناي‮ ‬وقلبي‮ ‬تذل وردته‮.. ‬أما الآن‮ .. ‬سأرقص‮.. ‬أرقص‮ .. ‬زغردي‮ ‬يا دفوف‮ .. ‬سأرقص‮ ..‬‮ (‬موسيقي‮ ‬مجنونة‮) (‬يسقط حجابها وتاجها لا تلتفت لهما تلملم شعرها ثم تنتبه له فتنظر اليه وتكلمه‮.. ) ‬أغار نعم أغار‮.. ‬لا‮ ‬يا أي‮ ‬ب ك‮.. (‬تنتبه‮) ‬أيبك‮.. ‬أيبك‮.. ‬نعم أيبك‮.. ‬المحارب العظيم‮.. ‬كنت تجيد الكر والفر‮.. ‬لكنك لم تجد‮ ‬يوما التعامل معي‮.. ‬لم‮ ‬يستطع أحد التعامل معي‮.. ‬
‮(‬اطفاء عليها ثم إضاءة وهما متواجهان وبينهما رقعة الشطرنج‮.. ‬تواجهه‮..‬متأملة‮) ‬انتظر‮.. ‬هذه الجنود لم تدفعها باتجاهي؟ فلتجعل الوزير في‮ ‬مكانه،‮ ‬والـ‮ (‬تحرك قطع الشطرنج بعنف‮)‬‮ ‬لا‮.. ‬لا‮ ‬يا أيبك لا تنسَ‮ ‬نفسك‮ ..‬إنني‮ ‬الملكة وسأظل‮.. ‬لا‮ ‬يحدثنك عقلك بما لا تطيق
أيبك‮: (‬يمسك اللونين ويحرك كل القطع بسرعة في‮ ‬عصبية صارخا فيها‮) ‬كفي‮.. ‬اسكتي‮.. ‬سمعتك كثيرا وصبرت علي‮ ‬عنفك معي‮.. ‬لذا فمن الآن فصاعدا سأكون أنا كل شيء
شجر الدر‮: ‬لا‮ .. ‬
أيبك‮:‬‮ ‬ستظلين في‮ ‬غيابات جنون العظمة التي‮ ‬أحطت نفسك بها‮ ‬
شجر الدر‮:‬‮ ‬لا‮ .. ‬لا
أيبك‮:‬‮ ‬اقبلي‮ ‬الحقيقة
شجر الدر‮:‬‮ ‬لا‮ ‬
أيبك‮:‬‮ ‬الأمر الواقع
شجر الدر‮:‬‮ ‬لا‮..‬
أيبك‮: ‬المماليك‮ ‬يرفضونك‮ (‬ترمقه بغضب فيكمل‮) ‬العز بن عبد السلام‮ ‬يحرض الشعب ضدك،‮ ‬لن تأسريهم بعطاياكِ
شجر الدر‮:‬‮ ‬العدالة
أيبك‮:‬‮ ‬كان من قبلك عادلا
شجر الدر‮: ‬الأمان
أيبك‮: ‬سيشعرونه حينما‮ ‬يجدون قبضتهم في‮ ‬يدي
شجر الدر‮:‬‮ ‬الحب
أيبك‮:‬‮ ‬ليس إلا خيالا في‮ ‬رأسك أنتِ
شجر الدر‮:‬‮ ‬العرش؟
أيبك‮:‬‮ ‬لي
شجر الدر‮:‬‮ ‬عرشي‮ ‬أنا
أيبك‮:‬‮ ‬صار لي
شجر الدر‮: ‬آه‮.. ‬جرحي‮ ‬ينز تاريخا‮ .. ‬هل ثمة شخص‮ ‬يمكن أن‮ ‬ينساه في‮ ‬هذي‮ ‬الحياة؟ إنه‮ ‬يركض‮ ‬يركض في‮ ‬كل اتجاه‮.. ‬فوضويُّ‮ ‬هو‮.. ‬حانق،‮ ‬وحزين‮..‬
أيبك‮: ‬سأسجنه
شجر الدر‮:‬‮ ‬سيفر‮.. ‬إنه مخلوق من حرية
أيبك‮: ‬سأقتله
شجر الدر‮: ‬سأكون معه وهو‮ ‬يصاعد في‮ ‬السماء‮.. ‬أصنع له سريرا من الحكايا‮.. ‬كما كنت أفعل مع خليل‮.. ‬أهز له كل ليلة حكاية‮.. ‬مثل حكاياتها شهرزاد‮.. ‬تتناثر فوق شفتيّ‮ ‬النجوم وأنا أغني‮ ‬له أغنيات الوداع‮.. ‬أغنيات قد تهز الشوق في‮ ‬قلب حبيبي
أيبك‮: ‬أنا؟‮ ‬‮(‬مستفهما في‮ ‬جنون‮)‬
شجر الدر‮:‬‮ ‬سأزرع الوريد إلي‮ ‬الوريد بالوصل وأغني‮ ‬ملء جراحي‮ ‬وأهتف باسمه
أيبك‮:‬‮ ‬أنا‮ ‬‮(‬مشيرا لصدره في‮ ‬حنون‮)‬
شجر الدر‮:‬‮ ‬لا‮.. ‬أبوح بما حط من وجع في‮ ‬ضلوعي
أيبك‮:‬‮ ‬لي‮ ‬أنا؟
شجر الدر‮:‬‮ ‬لا‮.. ‬تعال‮.. ‬تعال أيها الجميل
أيبك‮: (‬بفرحة‮)‬‮ ‬أنا؟
شجر الدر‮:‬‮ ‬لا‮ .. ‬‮( ‬تلف كأنما لا أحد‮) ‬كم تعرف عني‮ ‬من الأسرار هه؟ كم تعرف من ألوان ملابسي‮ ‬ولون شعري‮ ‬وأحمر الشفاه وكحل عيني؟ قل لي‮ ‬تعال ولا تخش هذا الوباء المسمي‮ ‬بأيبك‮ ‬‮(‬موسيقي‮ ‬صادمة مرتبكة،‮ ‬ينظر اليها أيبك بحنق‮ ‬يقترب فتبعده بيدها‮ .. ‬يحركها شهر‮ ‬يار فيما تفعل ذلك شهرزاد مع أيبك‮)‬
أيبك‮:‬‮ ‬الحب
شجر الدر‮:‬‮ ‬فشل
أيبك‮:‬‮ ‬صار قلبك مخوخا للدرجة التي‮ ‬لم تجعله‮ ‬يشعر ببراكين ثوراتي
شجر الدر‮:‬‮ ‬العرش
أيبك‮: ‬لي
شجر الدر‮:‬‮ ‬بل ما كان‮ ‬ينبغي‮ ‬لامرأة أن تحكم الرجال
أيبك‮:‬‮ ‬الجمال
شجر الدر‮:‬‮ ‬أنا
أيبك‮: ‬وها هي‮ ‬أصابع‮ ‬يدي‮ ‬العشرة‮.. ‬أبصم لك بكلتيهما
شجر الدر‮:‬‮ ‬ابصم لي‮ ‬أنك أول رجل كذب عليّ‮ ‬وخادعني‮ ‬
أيبك‮:‬‮ ‬أحبك
شجر الدر‮: (‬تتحرك ببطء بعيد عنه ثم تلتفت صارخة بعنف‮) ‬لم خدعتني‮ ‬يا أيبك وأنت متزوجٌ‮ ‬من‮ ‬غيري؟‮ ‬‮(‬يرتبك‮.. ‬يصمت،‮ ‬فتحركه شهرزاد باتجاه شجر الدر بطرقة الماريونيت‮.. )‬‮ ‬أنا التي‮ ‬صنعتك
شجر الدر‮:‬‮ ‬أنت دميتي
أيبك‮:‬‮ ‬بل أنتِ‮ ‬صنيعتي‮ ‬أنا‮..‬
شجر الدر‮:‬‮ ‬فلأعيدك بإشارة من‮ ‬يدي‮ ‬إلي‮ ‬حيث كنت
أيبك‮:‬‮ ‬افعلي‮ ‬إن استطعتِ
شجر الدر‮:‬‮ ‬سأفعل
أيبك‮: (‬يندفع إليها في‮ ‬جنون فتسقط علي‮ ‬الأرض،‮ ‬يسقط فوقها‮.. ‬فيما تقوم شهرزاد بتحريك شجر الدر،‮ ‬وشهرريار تحريك أيبك‮.. ‬فيما‮ ‬يبدو في‮ ‬الخلفية خيال عدة نساء‮ ‬يتحركن من أعلي‮ ‬لأسفل بجزعهن‮.. ‬وفي‮ ‬يد كل منهن حذاء تصرخ شجر الدر‮.. ‬وأيبك‮ ‬يخفي‮ ‬جسدها بثيابه كأنما‮ ‬يبدو فوقها‮.. ‬تصرخ صرخات مكتومة‮) ‬أنا الملكة،‮ ‬صاحبة التاج‮.. ‬أنا‮.. ‬شـ جـ ر ة‮ .. ‬الـ در‮!! ‬‮(‬ينفلت أيبك من فوقها بحركةالماريونت باتجاه شهريار‮.. ‬فيما شجر الدر جثة هامدة ودماء تسيل وصوت أيبك من الداخل‮)‬‮: “‬عندما تخلدين إلي‮ ‬سريرك ها هنا في‮ ‬قلبي‮.. ‬تكونين بريئة بريئة مثل أطفال الحكايا،‮.. ‬لا تتأوهي‮ ‬سأهز لك جذع السماء كي‮ ‬تسّاقط فوقك الثريات والنجوم‮.”! ‬‮(‬صوت شجر الدر من الداخل‮) ‬لم أختر هذه النهاية‮.. ‬لكنها الأشرف حين‮ ‬يكون الخلاص هو الملاذ الأخير‮.. ‬حين أزف الي‮ ‬الارض‮.. ‬تزغرد السماء‮.. ‬فزغردي‮ ‬يا سماء‮.. ‬فللمرة الأولي‮ ‬أختار‮.. ‬نعم زغردي‮ ‬للحرية‮ ..‬اخترت حريتي‮!!‬
إطفاء‮ ‬‮(‬مري‮ ‬أخري‮ ‬لحظات صمت وإضاءة متداخلة الألوان كأنما تولد أنتيجونا من خلالها تحاول الانفلات من خيوط الماريونيت وشهريار كما هو في‮ ‬بداية كل لوحة‮)‬
أنتيجونا‮: ‬لم أعد أطيق هذه الوحشة،‮ ‬إنه سجن كبير،‮ ‬لابد من مخرج‮ ‬‮(‬تبحث هنا وهناك‮)‬
شهريار‮:‬أنت بالذات لا اريد ان اسمع لك صوتا‮ .. ‬أتفهمين؟
أنتيجونا‮: (‬تصرخ فيه بنظرة محدقة تظهر معها أسنانها كأنياب مع تركيز الاضاءة عليها‮)‬‮ ‬أبي‮! ‬تحملتك كثيرا وأنت تعرف هذا‮.. ‬فاغرب عن وجهي‮ ‬وإلا ستري‮ ‬ما لا تحب،‮ ‬لقد مللت‮.. ‬مللت
شهريار‮:‬يبدو أنكِ‮ ‬مازلتِ‮ ‬تحرضينني‮ ‬علي‮ ‬الاستمرار في‮ ‬موقفي‮ ‬منك
أنتيجونا‮: (‬تتحرك كأنما هي‮ ‬في‮ ‬السجن‮) ‬هذه الجدران أفضل كثيرا مما تريد مني
شهريار‮:‬‮ ‬يجب أن تستسلمي
أنتيجونا‮:‬‮ ‬لمن؟
شهريار‮: ‬لي
أنتيجونا‮: (‬بعنف‮)‬‮ ‬لم تصر علي‮ ‬ذلك هه؟ أيها العاجز السفيه أتريد أن‮ ‬يقول الشعب أن كريون قتل ابنته أنتيجونا لأنها رفضت أن‮ ‬يظل جسد أخيها في‮ ‬العراء دون قبر‮ ‬يحمه من طيور السماء تفِّزع مرقده ولا من وحوش الفلا تقد مضجع روحه‮..‬
شهريار‮:‬‮ ‬أنتِ‮ ‬لا تدافعين عن كريون الآن‮ .. ‬إنما تدافعين عن خيانته
أنتيجونا‮:‬‮ ‬تبا لتلك الأحكام الظالمة‮.. ‬وتبا لك‮ ‬
شهريار‮:‬‮ ‬إنه خائن،‮ ‬والخونة ليس لهم حق علي‮ ‬الكرام والنبلاء من أمثالنا‮.. ‬أفيقي‮ ‬أيتها الشريفة
أنتيجونا‮: ‬أي‮ ‬شرف‮ ‬يكون لأمثالنا وروحه معلقة من شراشفها في‮ ‬السماء تنتظر حفنات من التراب مجرد حفنات من التراب‮ ..‬تواريها لتنعم بالهدوء والسكمينة
شهريار‮:(‬بصوت ونظرة لها مغزي‮) ‬أخشي‮ ‬أن‮ ‬يوصم اسمك أنتِ‮ ‬الأخري‮ ‬بالخيانة‮.. ‬أو‮ ‬يقال أنك كنت شريكة له‮! ‬
أنتيجونا‮: ‬احذر‮ .. ‬لم تأت من كتب التاريخ ولو توقظني‮ ‬كي‮ ‬تتحدث معي‮ ‬بهذه الظريقة‮.. ‬لعلك نسيت من أنا وبنت من؟ هه‮..‬‮ (‬تصرخ‮) ‬أنا أنتيجونا ابنة أوديب هل تعي‮ ‬ما أقول؟ أنتيجونا أخت بولينيس أنا ابنة المأساة وأخت المأساة وأحيا في‮ ‬المأساة‮.. ‬‮ (‬تبدو متعبة‮) ‬نعم‮.. ‬حياتي‮ ‬مأساوية إلي‮ ‬درحة لا‮ ‬يتخيلها بشر‮ .. ‬وإن كان‮ ‬يريحك أن أعترف بأنني‮ ‬كنت شريكة لأخي‮ ‬بولينيس فأنا أعترف بأنني‮ ‬كنت شريكة له بل لهما معا‮.. ‬أخواي‮ ‬حبيباي‮.. ‬بولينيس و إيتيوكليس‮ ‬‮(‬موسيقي‮ ‬متوترة‮)‬‮ ‬شاركته رحم أم واحدة وحليب أم واحدة وحنو أم واحدة وقلب أم واحدة‮ .. ‬هكذا كانت جوكاستا‮.. ‬أمي‮ ‬جدتي‮ ‬شريكتهما في‮ ‬أب واحد ونلت ما نلت من فعلته الشنعاء‮.. ‬آه‮ ‬‮(‬تصرخ‮)‬‮ ‬آه‮ ‬يا أوديب‮.. ‬ذهبت هائما في‮ ‬صحراء الدنيا بعدما فقأت عينيك‮.. ‬تحررت من فعلتك التي‮ ‬فعلت وتركتنا ثمارك الحنضل‮ ‬يجني‮ ‬المر واليباب‮.. ‬آه‮ ‬‮(‬تصرخ‮)‬
شهريار‮:‬‮ ‬لن‮ ‬يتركك كريون تنجين بفعلتك هذي
أنتيجونا‮:‬‮ ‬دعك من كريون وخلك في‮ ‬روحك‮.. ‬انظر إلي‮ ‬نفسك ودعني‮ ‬ومأساة أخي
شهرزاد‮: (‬تحركها‮.. ‬وتهمس لها بصوت أثير‮ ..)‬‮ ‬تعالي‮ ‬يا حبيبتي،‮ ‬اهدئي‮ ‬قليلا‮.. ‬‮(‬تقترب منها‮ .. ‬موسيقي‮ ‬مناسبة ترقصان معا رقصة في‮ ‬نهايتها نري‮ ‬شهرزاد وأنتيجونا تتوحدا معا وتبدوان جسدا واحدا كخيال ظل فيما تهدأ الموسيقي،‮ ‬وتنفصل شهرزاد عن أنتيجونا تسرع شهرزاد إلي‮ ‬مكانها علي‮ ‬الكرسي‮ ‬في‮ ‬داخل المسرح معلقة أنتيجونا بخيوط الماريونيت‮.. ‬إضاءة‮ ‬غامضة وصوت كأنه‮ ‬يأتي‮ ‬من‮  ‬بئر عميق،‮ ‬ينادي‮ ‬بهمس لا‮ ‬يخلو من الرعب‮)  ‬كريون‮.. ‬كريون‮.. ‬‮(‬تصفو الإضاءة شيئا فشيئا ومع صفائها‮ ‬يتجسد كريون‮.. ‬في‮ ‬عمق المسرح نري‮ ‬حركات تعبيرية لشهريار وشهرزاد ومثلها لكريون وأنتيجونا،‮ ‬يتبادل شهريار وشهر زاد خيوط الماريونيت فتصير أنتيجونا مع شهريار وكريون مع شهرزاد‮.. ‬يظلم المسرح إلا من بقعة مركزة علي‮ ‬كريون وأنتيجونا ولا‮ ‬يظهر شهرياروشهرزاد،‮ ‬بل تظهر فقط الخيوط الملونة بالفسفور في‮ ‬الظلام‮.. ‬فيتواجهان بحدة ويبدوأحدهما في‮ ‬حالة هجوم والآخر دفاع‮).‬
كريون‮:(‬مقطبا ما بين عينيه بحدة‮)‬‮ ‬قلت لك لا تتحدي‮ ‬تعاليم الآلهة
أنتيجونا‮:‬إنها ليست تعاليم الآلهة‮ ..‬إنها تعاليمك أنت،‮ ‬أنت من نصّب نفسه إلها
كريون‮:‬وما‮ ‬يزعجك في‮ ‬هذا؟
أنتيجونا‮: ‬أن‮ ‬يضع البشر نفسه في‮ ‬موضع لا‮ ‬يمكنه الوصول إليه والتصرف بمقتضاه شيء مثير للقرف‮.. ‬نعم‮ .. ‬مثير للقرف خاصة إذا كانت تعاليم الآلهة صريحة وتأمر بغير ما تصر أنت عليه
كريون:ابتعدي‮ ‬عما لا‮ ‬يفيدك أنتيجونا وإلا فالعاقبة‮ ‬غير محمودة‮ (‬بتهديد‮) ‬وأظنك قد عرفتي‮ ‬بقراري‮..‬
أنتيجونا‮: ‬لا‮ ‬يهمني‮ ‬أن أموت،‮ ‬فالموت حين أريح ضميري‮ ‬قمة ما أتمني‮ ‬تحقيقه،‮ ‬الموت لي‮ ‬هو جناح الحرية الذي‮ ‬تحاول أن تقصه دائما لتجردني‮ ‬من وجودي،‮ ‬أما أنت‮.. ‬فالخوف‮ ‬يلجم فمك فلا تستطيع التصريح بأكثر من هذا التخويف الزائف‮..‬‮(‬تقترب منه‮) ‬إنني‮ ‬لا أخافك‮.. ‬انظر‮ ‬يا كريون،‮ ‬بل أنا في‮ ‬مواجهتك كأعتي‮ ‬الرجال‮.. ‬أرني‮ ‬نفسك ماذا‮ ‬يمكن أن تفعله بي
كريون‮:‬هل‮ .. ‬هل أنتِ‮ ‬مخمورة؟‮ ‬‮(‬يمسكها ويهزها‮)‬‮ ‬أفيقي‮.. ‬أفيقي‮ ‬فدورك اقترب لتصعد روحك الشعساء للسماء بجوار من صعد من عائلتك‮ ‬‮(‬باستهزاء‮) ‬عائلتك المقدسة‮..‬
أنتيجونا‮: (‬تلف حوله وتتأمله في‮ ‬حزن وشجن‮)‬‮ ‬هل أنت خالي‮ ‬فعلا؟ خالي‮ ‬كريون؟ خالي‮ ‬يعني‮ ‬والدي؟‮ ‬‮(‬تكاد تبكي‮)‬‮ ‬ما الذي‮ ‬حدث؟ أين رقة القلب التي‮ ‬كنت أراها علي‮ ‬ملامح وجهك؟ هل كنت مخطئة؟ هل كنت تلبس وجها لقاسٍ‮ ‬غيرك؟ هل‮ ‬غيّرك العرش هكذا لتصير كوحش لا‮ ‬يحمل في‮ ‬كيانه‮ ‬غير الشر والانتقام وممن؟ من ابن اختك بولينيس؟‮  ‬
كريون‮:(‬بتمثيل‮)‬‮ ‬هذه أوامر السماء‮ ‬يا عزيزتي‮ ‬ولا دخل لي‮ ‬أو لبشر فيها
أنتيجونا‮:‬‮ ‬أوامر السماء؟‮!! ‬‮(‬صارخة فيه‮)‬‮ ‬يالك من كريون مسكين‮.. ‬أنت هو من‮ ‬يمنع قانون الله أن‮ ‬يتحقق ها هنا في‮ ‬الأرض،‮ ‬وتدّعي‮ ‬أنه جاءك الوحي‮ ‬من السماء‮..‬‮ (‬باتجاه السماء‮) ‬يااا إلهي‮ ‬يا إلهي
كريون‮: ‬العدالة‮ ‬يجب أن تتحقق والخونة لا‮ ‬يدفنون ببطن الأرض‮.. ‬يظلون هكذا علي‮ ‬ظهرها كالمطاريد ليصيروا عبرة لمن‮ ‬يعتبر
أنتيجونا‮:‬‮ ‬هل واثق من أن ما تقول هو الحق أيها الكريون؟ هل أنت من‮ ‬يمنح البطولة لإيتيوكليس وتمنحه الراحة الأبدية في‮ ‬جنازة رسمية وعلي‮ ‬جثته ترشُّ‮ ‬النياشين والورود‮.. ‬وتمنح الدناءة والرداءة لأعدائك‮.. ‬بل عدوك الوحيد بولينيس؟ ما هذا الفحش والعهر‮ ‬يا رجل؟
كريون‮:‬صهٍ‮ ‬أنتيجونا‮.. ‬لا أدري‮ ‬كيف لهيمون ولدي‮ ‬بحب فتاة سليطة اللسان مثلك
أنتيجونا‮:‬‮ ‬أتسمي‮ ‬الصدح بالحق سلاطة لسان؟
كريون‮: (‬يصرخ بينما نلمحها من خلال خيال الظل تحفر تحفر الأرض وتدفن جثة بولينيس وتهيل عليها التراب وتسويها‮.. ‬يبدو شعرها مهوشا وعلي‮ ‬وجهها وملابسها البيضاء بقايا التراب‮..)‬‮ ‬زاد الكيل وطفح‮.. ‬أين أنت‮ ‬يا هيمون‮ ‬يا ولدي؟‮  ‬يا حراس‮.. ‬يا جنود‮..  ‬يا شعبي‮ ‬الذي‮ ‬يثق بي
‮(‬تقف منهارة في‮ ‬بكاء‮)‬‮ ‬بل نادِ‮ ‬شعبك الخائف الخانع،‮ ‬شعبك الجائع الذي‮ ‬يتبعك ككلب بائس‮!‬
كريون‮:(‬يحاول الانقضاض عليها تشده شهرزاد فيما تهجم عليه أنتيجونا‮) ‬فتاة لعوب تحاول التهام عقول الشعب الذي‮ ‬يتوق لسماع أي‮ ‬شيء جديد‮.. ‬
أنتيجونا‮: ‬بل صوت السماء الذي‮ ‬تحشيي‮ ‬أن‮ ‬يصم أذنيك‮.. ‬وهذا الشعب الذي‮ ‬تلوثت أذناه بتعليماتك تراه وقد صار ملك‮ ‬يمينك‮.. ‬لكن روحه ما تزال طازجة‮ ‬يمور فيها الخير وإن لم تستطع الهتاف في‮ ‬وجه قبحك،‮ ‬يكفيني‮ ‬إنني‮ ‬أفهمها وتشعر بي‮.. ‬لعن الله الخوف‮.. ‬لعن الله السلطة لعن الله كرسي‮ ‬الحكم المغموس بدم ابنيّ‮ ‬أمي‮ ‬
كريون‮:‬أنتيجونا‮.. ‬حان الوقت لأتخلص منك نهائيا‮..‬
أنتيجونا‮:‬‮ ‬لن تقدر
كريون‮:‬‮ ‬القبر الآن معدٌ‮ ‬لاستقبالك‮..‬
‮(‬نشاهد عبر خيال الظل شواهد قبور وبجوارها كوخ بالحجارة وبجواره‮ ‬يقف جنديان‮ ‬يحملان السيوف بينما تشير إلي‮ ‬القبر الكوخ وهي‮ ‬تضحك بعنف وتخبط‮ ‬يدا بيد‮)‬‮ ‬هاها هاها‮ .. ‬هاها هاها‮.. ‬قبر؟ أستدفنني‮ ‬وأنا حية؟ هل هذا قانونك العلوي؟ فلتفعل‮.. ‬لن‮ ‬ينسي‮ ‬الشعب فعلتك الدنيئة ولن‮ ‬ينسوني‮ ‬أنا أنتيجونا‮.. ‬سيسجلون اسمي‮ ‬في‮ ‬صحائفهم البيضاء‮.. ‬مهما أظهر لك خوفهم‮ ‬غير ذلك‮.. ‬أما أنت فانعم بحياتك في‮ ‬الجحيم علي‮ ‬طول المدي‮.. ‬هاها هاها‮ ‬‮(‬كلما هم ليمسك بها‮.. ‬كلما شد خيوط الماريونت الخاصة بها شهريار‮)‬
كريون‮:(‬صارخا‮)‬‮ ‬اسكتي‮ .. ‬لا أريد أن أسمع صوتك‮.. ‬ضحكاتك تقتلني‮ ‬‮(‬يغلق أذنيه‮) ‬اسكتي
أنتيجونا‮:‬‮ ‬هاها هاها‮ .. ‬لن أصمت وستطاردك روحي‮ ‬للأبد‮.. ‬وروح ابنيّ‮ ‬أمي‮ ‬وأبي‮ ‬وابنك والشعب‮.. ‬حتي‮ ‬الجمادات ستقف بوجهك‮ ‬يوما ما‮.. ‬أيها المارق
كريون‮:‬‮ ‬لا‮.. ‬لا‮ .. ‬اتركي‮ ‬لي‮ ‬ابني‮ ‬هيمون‮.. ‬لا تأخذيه معك‮..‬
أنتيجونا‮: (‬تضحك بجنون‮)‬‮  ‬كيف للطهر أن‮ ‬يعيش في‮ ‬حشاشات النجاسة والفسوق‮.. ‬أنا لم أجبره علي‮ ‬شيء‮.. ‬فقط هو من اختار‮.. ‬اختار أن‮ ‬يسبقني‮ ‬إلي‮ ‬الحرية‮.. ‬وأنا‮ ‬غير نادمة‮.. ‬‮(‬تصرخ وتنادي‮ ‬متجهة باتجاه خيال الظل نحو القبر‮.. ‬فيما‮ ‬يفك لها شهريار الخيوط شيئا فشيئا‮ .. ) ‬أيها الجنود والحراس والخدم عبيد كريون الحاكم المسبد الطاغية‮…. ‬افتحوا قبري‮.. ‬خذوا من دمي‮ ‬وعطروه بعطر محبتي‮ ‬للعدل والحق والحرية‮.. ‬نعم الحرية‮.. ‬‮(‬تدخل القبر وهي‮ ‬تكمل‮ )‬‮ ‬هيا هيا هيا‮.. ‬اغلقوا جيدا‮ .. ‬جيدا‮.. ‬الآن فقط‮.. ‬قد نلت حريتي‮ .. ‬‮(‬الجملة الأخيرة تغني‮ ‬بصوت أثير فيما تتناثر اضاءة متماوجة مهتزة تخرج من خلالها شجر الدر وكليوبترا وديدمونة وأنتيجونا‮.. ‬وشهرزاد ترقصن رقصة تعبيرية مع‮ ‬الجملة المغناة‮ .. ‬يتحكم فيهن جميعا شهريار‮ .. ‬محركا إياهن بحركات‮ ‬يديه مستغنيا عن خيوط الماريونيت‮.. ‬ومن خلفهن علي‮ ‬شاشة خيال الظل‮.. ‬يقف كريون وعطيل،‮  ‬أنطونيو،‮ ‬أيبك،‮.. ‬يتشاجرون معا ونسمع صوت سيوفهم وهمهمات‮)‬
النهاية

تنويه
لا‮ ‬يمكن استغلال هذا النص أو أجزاء منه بأي‮ ‬طريقة كانت‮ .. ‬إلا بموافقة كتابية من الشاعرة والكاتبة المسرحية صفاء البيلي‮.. ‬حيث أن النص موثق بالجهات الرسمية‮ ‬ومنشور بجريدة مسرحنا المصرية


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock