نصوص

مسرحية ” وأسميناه” للكاتبة: نهاوند الكندي


    المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص                                  

ـ

مسرحية : وأسميناه

تأليف : نهاوند الكندي

الأشخاص : رجل الدين :   الرب

الزوجان :   الشعب

عسكري برتبة جنرال :   الدولة

مسرحية : وأسميناه

تأليف : نهاوند الكندي

الأشخاص :

رجل الدين :   الرب

الزوجان :   الشعب

عسكري برتبة جنرال :   الدولة

جنديان : القوة

الطبيبة :   العلم

المكان : بيت الرب مهجور ، تعرض للقصف في وقت سابق ، باب من الحديد على شكل قوس في عمق المكان ، نافذتان صغيرتان في الجانبين  ، الزجاج مبعثر في كل مكان ، منصة ألقاء الخطب والمواعظ في الوسط ، في حالة يرثى لها ، يغطيها بعض من حطام البناء ، أحجار وحديد ، وبعض أعواد من الخشب   ، كراسي متراكمة على بعضها في كلا الجانبين ، وبعضها مرمي بشكل عبثي في المكان

الوقت : هدنة كوفيد 19 في زمن الحرب

لم نعد نملك معهم الوقت الكافي ، فهم يريدون منا الموت السريع ، ونحن نأبى ألا الموت الرحيم ، متشبثين بالحياة بقوة ، ولأخر نفس ممنوع عليهم ، يلعنون أنفسهم كل يوم ، لأننا أحياء ……

المؤلفة

(1)

البداية :

في الخارج نسمع أصوات طائرات مقاتلة ، وهي ترمي حمولتها المميتة ، أصوات أنفجارات قوية وقريبة ، صراخ ، وضجيج يملأ المكان ، الدبابات صفا واحدا ، الواحدة خلف الأخرى ، ترج الأرض بثقلها ، ويحطم المكان ضجيجها ، وقع أقدام الجنود ، الكثير منهم ، يهرولون صائحين بأصواتهم الجهورية المقاتلة ، يصوبون رصاصهم عشوائيا ، أصوات الرجال والنساء يطلبون النجدة ، الصراخ المتداخل مع بكاء الأطفال يزداد ويزداد ، تبتعد أصوات الطائرات والدبابات ، وتختفي أصوات الجنود شيئا فشيئا ، الصمت والسكون يعم المكان لفترة من الزمن

(نسمع صوت من الخارج) انتبهوا لخطواتكم أين تضعوها ، في كل خطوة تحتها أشلاء شخص ما ، لم يبرئ بعد من جراحه ، نيام حذار أن يستفيقوا من وقع أقدامكم ، فألم القتل لا يزال جديدا (صوت أقوى) عجلوا هيا عجلوا المسير ، الهدنة لن تمهلكم الكثير …

رجل الدين : ( يدخل رجل طويل القامة ، ضعيف الجسد ، لحيته طويلة مسدلة على صدره ، ثوبه الأبيض الطويل يخط الأرض  ، يتشح بوشاح أبيض إلى  منتصف جسده ، يحمل بيد عصا بطوله تقريبا ، وباليد الأخرى كتاب مقدس ، مع مبخرة فارغة ، يواصل الحديث) لم تعد صرخات القتلى تسمع في هذا المكان ، كانت صيحاتهم تفزع القلوب ، دماءهم لا تزال تفور وتنضح ، دليل عار على ما تبقى من الحياة (يحرك مبخرته الفارغة ، يبخر في الهواء ) عجلوا في الدخول ، فموتكم لا يشبه موتهم ، وصراخكم لا يسمع صداه مهما اجتهدتم في ذلك ، عكس ما كان منهم

الزوجان : ( يدخلان خلفه ، الزوج في العقد الثالث من عمره ، خائف يتردد بخطواته ، يرتدي كيسا من النايلون الشفاف ، من رأسه حتى قدمه ، تتشبث بيده زوجته الحامل في شهرها التاسع ، والتي هي في منتصف العقد الثاني من عمرها ، ترتدي كيسا من النايلون الشفاف من رأسها حتى قدمها ، تبالغ بشدها عدة طبقات من النايلون على بطنها ، ظنا منها حماية جنينها ، تتعلق بيد زوجها كلما تعثرت  ، وهي تمشي فوق الركام المنتشر في المكان )

رجل الدين : (ناصحا ، دون أن يلتفت نحوهما) لا تخافا من أي شيء ، فكل ما تشعران به ، لا معنى له  ، الخوف ، البرد ، الجوع ، وحتى التشرد ، كلها لا شيء بما هو آت

الزوج : (خائف ، يتلفت ، يتفحص المكان) ما هذا المكان الموحش ؟

رجل الدين : بيت طاهر من بيوت الرب

الزوج : (متعجبا ، يتفقد المكان) بيت الرب ؟! يبدو وكأنه من بيوت المساكين المغلوب على أمرهم ، كيف للرب ترك بيته عرضة لوحشية صناع الحرب ؟ كيف يتركه للفوضى والخراب ؟ يفارق بيته دون رجعة ؟ حتى أصبح مكانا مهجورا ، تسكنه العناكب بدلا من رعيته ، والفئران تعشش فيه ، والموت يتربع على أطلاله (بحزن) نحن نبحث عن الرب ، وهو بعيد عنا

رجل الدين : (زاجرا) أنه مكان مقدس ، لا يفارقه ربه مطلقا ، حتى لو كان خرابا ، سيبقى على مر الزمان  شاهد عيان ، على موت لا يشبه الموت ، صلبت على جدرانه الأجساد الطاهرة ، كما صلب أبن مريم القديسة ،  لن تسمعا فيه التمجيد والتهليل ، ولن تخرا فيه ساجدين ، أو مذعنين ، ولن تسمعا من يردد خلف دعائكم ، أمين ، جميعهم فقدوا النطق ، والسمع ، والبصر ، ما هي ألا دقيقة واحدة ، واحدة بين الحقيقة والخيال ، وقبل أن يدق ناقوس الصلاة ، صاروا أشلاء تحت الركام (يحرك الحطام بعصاه ، بهدوء يبعده عن طريقه) ابقيا متيقظين ، وحذرين فوق الركام ، وأنصتا بعمق لأنينهم ،  أجراس هذا الهيكل الدامي تقرع بصمت ، وبصمت شديد ،  لا يسمعها من يحمل في جعبته الرصاص  ، ليقتل الحياة ، أنهم كالجراد المهاجر ، إذا اقبل على بلدة ، جعلها خاوية على عروشها (ينشغل بتنظيف المكان بدقة ) أني أحذركما ، لا أوقات للصلاة هنا ، أن تذكرتما الموت ، فقعا  له ساجدين

الزوجة : (لزوجها وهي متعبة تلتصق بجسده ) من هذا الرجل  ؟ سرنا خلفه كالعميان ، حتى وصل بنا إلى هذا المكان الغريب

رجل الدين : (زاجرا إياها) لماذا  تهمسين له ؟ اسأليني وأنا أوجيب  ، أنا كلمة الرب ، أنا روحه في هذه الأرض الميتة ، أرفع له دعوات رعيته (بحماسة) أنا كلمة الرب ، لا أنطق عن الهوى ، أنا مرسل ، مسير ،  مأمور (يبخر في الهواء)

الزوجة : (تضحك  مستهزئة) مرسل ؟! زمن الرسل قد انتهى منذ ألف عام ، وهذا الزمن هو فقط للمجانين

رجل الدين : (يغضب) أ تنعتينني بالمجنون ؟ أ تقللين من شأني ؟

الزوجة : (ببرود) بل لا أرى فيك صدقا ما تقول (بحدة) أنت من يستخف بعقولنا ، وتستغل خوفنا من الموت…

الزوج : (يأمرها بالسكوت)

الزوجة : مرسل ، مسير ، مأمور ،  بأي شيئا أنت مأمور ؟

رجل الدين : (يقترب غاضبا شيئا فشيئا ، يستند على عصاه ، يرفع الكتاب المقدس عاليا)

الزوجان : (يتراجعان إلى الخلف)

رجل الدين : مأمور بهذا الكتاب المقدس ، أن أطهر الأرض من دنسها ، وأعيدها لملك الإنسان ، بعد ما نازعه عليها هذا الوباء القاتل ، وهو لا حول له ولا قوة

الزوجة : ( خلف زوجها ، توقفه صارخة) توقف ! أنك لا تحمل الحياة بين كفيك ، بل تحمل الموت ، في عصاك ، في جسدك ، في كتابك المقدس

رجل الدين : (يضرب الركام بعصاه غاضبا ، يتطاير بعضا منه) لا تزالين تمتلكين تلك الروح الشريرة ، بعد كل خسارتك ، ألا تعترفين ؟ طاغية ، متمردة على قوانين السماء ، بسببك أنت ومنذ الأزل ، والعالم يقاسي الأمرين ، الحياة والموت ، وها أنت سليلة حواء ، تستمعين لصوت الشيطان في داخلك ، تنعتين الرسل بالمجانين ، أنت محرومة من رحمة الرب

الزوجة : (تضحك عاليا) من ربك ؟ أهو الله الذي في السماء ، ونحن له عابدون  ؟ لا نحيد عن دربه أبدا ، ولسنا له ناكرون  ، أم هو ذاك الرب الذي على شاكلتك ؟ أملكك مفاتيح رحمته بيديك ، ترحم من تشاء ، وتعذب من تشاء ، بغير حساب ، أما هذا فنحن به كافرون

رجل الدين : (يغضب بشدة)

الزوج : (يحاول تهدئة الوضع ، يزجرها ) لا يحق لنا معارضة من يحمل بين يديه الكتاب المقدس ، فهو يحمل لنا بين كفيه نجاتنا ، كلامه هو كلام الرب ، ونحن لا نكفر بالله ، اهدئي يا عزيزتي ، ولا تخرجي عن قوانين سمائه ، فنتورط بعدائه (يحضر لها كرسي ، يجلسها ، يهمس لها) توخي الحذر بمخاطبة المدعين المجانين (يتوجه نحوه) نحن نقر ونعترف أنك رسول من الرب (يخفض صوته مستهزأ) ربك الذي يجلس خلف الكواليس ، ربك الذي لم يستطيع حماية بيته من الانهيار ، ورعيته من القتل (بصوت مرتفع) نحن نقر ونعترف بأنك مرسل ، ومأمور ، لتخلصنا من هذا الداء اللعين ، وعلى هذا المبتغى تبعناك (يخفض صوته ، وهو ينظر في المكان)إلى هذا المكان المكفهر ، الخاوي على عرشه (يرفع صوته)  تبعناك نبتغي الأرض المقدسة ، لولادة أملنا الوحيد في هذه الحياة المفعمة بالوحشية ، بعيدا عن عدوى الموت ، الذي مس كل مفاصل الحياة

الزوجة : (غاضبة بصمت ، تبحث عن كلام تردع به رجل الدين)

الزوج : (يقترب منها ، بإشارات معينة يطلب منها الهدوء)

رجل الدين : (يبتعد بغضب مسرعا ، يشغل نفسه ، يبعد الركام بعصاه عن المنصة )

الزوج : (يحاول استعادة ثقته ، يساعده في التنظيف ، يحدثان ضجة كبيرة في أبعاد الركام)

(قطع ، ظلام ، لحظات)

(2)

نسمع في الخارج صوت صفع الباب الحديدي بقوة)

الجنرال : ( يقتحم المكان مع أثنين من جنوده ، يرتدون جميعا أكياسا من النايلون ، من رأسهم حتى أقدامهم  ، الجنديان يتخذان مواقع بعيدة ، يوجهان سلاحيهما على الجميع)

الزوجة : (تهرع إلى زوجها خائفة) ماذا حدث ؟ هل انتهت الهدنة ؟ هل عادت الحرب من جديد ؟ (تنظر إلى الجنرال وجنوده خائفة ، لرجل الدين) الويل لك أيها البهلول ، لقد أوقعت بنا

الزوج : (خائف ،  يأمرها بالسكوت)

رجل الدين : (يقترب من المنصة ، يمسك بعصاه منتصبا ، يحتضن كتابه المقدس على صدره لينظروا له  ، ويبخر في الهواء ، كأنه يبعد شرهم عنه)

الزوجان : (من خلفه ، يحتميان به)

الجنرال : ( بصمت ، بعيدا عنهم  ، يطيل النظر لهم ، بهدوء ، لرجل الدين) تعودت أن أراك في هذا المكان الخرب ، كلما حدثت ضجة هنا ، تظهر لي منتصبا ، تحتضن هذا الكتاب ، وهذه العصا الطويلة ما قصتها معك ؟ وهذا الرداء الطويل ؟ والوشاح الطويل ؟ واللحية الطويلة ؟ (مستهزأ) كأنك قادم من العصور الوسطى ، هذه الصورة دائما ما تتكرر في مثل هذا الوقت التعس ، من الموت المستمر ، دائما أنت (صمت ) لا أعرف كم تملك من الأجساد والألوان والعصي ؟ كم كتابا مقدسا تحمل على مر الزمان ؟ فبكل أزمة أنت موجود (بحدة) لا تنظر لي هكذا بتعجب ، كأنك لا تصدق ، أو أنك لا تريد أن تستوعب الحقيقة ، أم هي غاية ما في نفس يعقوب ؟

رجل الدين : (بثقة) جسدا واحد ، ولونا واحد ، وكتابا واحد ، هذا ما أنا أصدقه ، أيها الجنرال

الزوجة : (خائفة ، من خلف زوجها ، لجنرال) لا ذنب لنا في أتباع هذا الجسد المنير(تشير لرجل الدين) هو ، هو يا سيدي الجنرال ، من أوهمنا بلونه الأبيض ، بزمان الموت الأسود ، خلف كتابه المقدس الذي يحمله دون أن نراه ، أو نسمعه يرتل محتواه ، أما المكان يا سيدي ، فهو هذا الخراب الموحش ، المنسي من الرب والوجود ، بحجة الأرض المقدسة

الزوج : ( بصوت منخفض ، يزجرها) أغلقي فمك أيتها الثرثارة ، ألا ترين ، نحن بين فكين ، أضعفهما قوة ، يمزق جسدينا إلى أشلاء ، أرجوك أبلعي لسانك

الجنرال : (لرجل الدين) تواجدك هنا ، في هذا المكان الخرب ، يدعوني للشك في نواياك النبيلة ، أيها القديس

رجل الدين : (ببرود) من حسن الحظ أيها الجنرال ، هنا يكون بيت الرب ، وهنا أنا للعبادة فقط ، ولا شأن لي ما يضمر يعقوب  بنفسه

الجنرال : (ضحكة قوية) للعبادة ؟! وفي هذا الخراب ؟ لا أظن ذلك أيها القديس

رجل الدين : وماذا تظن ( مستهزأ) أيها الجنرال ؟

الزوجان : ( يراقبان الوضع من بعيد)

الجنرال : (صمت ، يديه خلف ظهره ، يجوب في المكان) العم كوفيد (صمت) أعلن حربه الشاملة المدمرة ، منذ عام أو أكثر، بسلاحه الفتاك المحرم دوليا ، ينتقي الأرواح بدقة ، يحملها في قاربه الكبير الملطخ بالعار ، عبر نهر الأموات ، في العالم المظلم ، وأنت (مستهزأ) تمارس طقوسك المجنونة ، على هذه الأرض المصادرة ، التي غادرها ربها منذ أمد بعيد …

رجل الدين : (يقاطعه ، بحدة) لم يغادرها الرب مطلقا

الجنرال : (يقف ينظر له مستغربا ) وأجراس الصلاة ؟ لم تقرع فيها منذ ذلك الزمان  ، والجوقة المنشدة ؟ لم تنشد تراتيلها السماوية  ، لم يسمع فيها ألا صفير الأرواح ( متأسفا ، يضع يده على فمه ) آوه أسف ، أسف أيها القديس ، اقصد صفير الرياح ، إذا أين هو الرب ؟ (يواصل سيره وحديثه ببرود ، دون اهتمام ) والحقيقة أن هذه الحرب هي حرب فناء ، حرب النهاية ، حرب كاسحة للأجيال ، تقطع أوصال العالم ، وتذره أشتاتا ، لتفضح زيف قوته ، وصغر حجمه ، وتخرج أعدائه المختبئين خلف ستائر العظمة(يقف مكانه ، ينظر له ، مهددا ، ومؤكدا) الجميع في عداد الأموات ، أيها القديس ، الجميع ، ولكن بشكل مؤجل ، إذا ما نفع عبادتك ؟ إن صح ما تقول

رجل الدين : (يضع كتابه المقدس ، وعصاه ، ومبخرته على المنصة ، ويقترب منها أكثر)

الجنرال : ( باستخفاف) ماذا تنوي أن تفعل ؟ هل ستلقي علينا موعظة ؟

رجل الدين : (غير مبال)  نحن بصدد عهد جديد من الحروب ، ليس كما عهدتها أنت أيها الجنرال ، لا طائرات تنفث حممها فوق رؤوسنا ، ولا دبابات ترج الأرض من تحت أقدامنا ، ولا جنودا يحتلون بيوتنا ، وشوارعنا ، ودورنا المقدسة ، لا تقابل الطلقة بالطلقة ، ولا الدخان بالدخان ، حربا تنحني لهيبتها كل حروب العالم ، مع كل جيوشها الجبارة التي مزجت حدود الأرض فوق بعضها ، وتشفق من قسوتها كل الملاحم الدموية ، مع كل الموت الذي أحدثته ، من العهد القديم إلى العهد الجديد  ، هذه الحرب لا تزال حقيقتها مدفونة ، وما ظهر منها ألا القليل القليل (متهكما) أليست هذه هي الحقيقة التي يجب علينا جميعا تصديقها ، أيها الجنرال ؟

الجنرال : (غير مبال ، يداه خلف ظهره ، وهو يمشي في المكان ) وطقوسك أيها القديس ؟ يا ظل الرب في الأرض ، لم تستطع أظهار الحقيقة كاملة بعد ؟ لم تنل رضا الرب بعد ؟ ربما يحتاج ربك إلى شيئ أكبر من الصلاة ، والدعاء ، والبخور ، والى أخره

رجل الدين : (ببرود) أنها مسألة وقت

الزوجان : (مستغربان لحديثهما ، وعدائهما لبعض ، يتقدمان بعض الخطوات الخائفة ، نحو الخارج)

الجنرال : (يقف ، ينظر إلى الزوجين بغضب ، صارخا) الوقت ؟!

الزوجان : (يتسمران في مكانهما ، يتراجعان إلى مكانهما ، ممسكان بأيدي بعضهما )

الجنرال : (يواصل حديثه بغضب) الشيء الوحيد الذي يقلقنا هو الوقت ، الوقت أيها القديس ؟! نحن لا نملك منه الكثير ، كل الساعات قد توقفت عند النهاية (يتغير صوته ، يمثل) العالم لا يتحرك ، كل شيء فيه يتلاشى (يصفر ، يمثل بيديه ) كأن عاصفة هوجاء رأسها في السماء  ، ومخالبها في الأرض ، تعصف بكيانه المزيف ، تبيد الحرث والنسل ، تقلع الشجر ، والثمر ، وتضرب بالحجر ، انهيار تام ، أما الإنسان (ينفخ في الهواء) كريشة طائر يموج فيها حائرا ، كيف يخرج منها ؟ لا يعرف ما الذي يحدث له ، تباعد ، عزل ، منع ، فقر ، تجويع ، موت ، فوضى ، فوضى (بحدة) وأنت لا تزال تمارس طقوسك ذاتها ؟ وتطلب المزيد من الوقت ؟ أنت رجل تخفي في داخلك غير ما تظهر ، حتما أنك من النخبة ، تجيد اللعبة ، فكلما اشتدت عاصفة الموت قوة ، وجدتك هنا تصطاد ، تخط الأرض بثوبك الطويل ، وعصاك المقدسة ، تحتضن كتابك المقدس ، ومبخرتك تخنق الأنفاس(يشير إلى الزوجين ، بحدة) وهذان الفأران الصغيران ، هما صيدك الجديد

الزوجة : (خلف زوجها بخوف ، صارخة) لسنا بفأرين ، ولسنا في مصيدة أحد

الزوج : ( يصرخ بها) سكوت ، يا لك من عنيدة

الجنرال : (لزوجة ، مستهزأ) يا  لجرأة الفأرة الصغيرة ، تصرخ غير مبالية لوجود القط الشرس (بهدوء) يا عزيزتي ، أنت لا تزالين  صغيرة ، وصغيرة جدا ، لا تزال عيناك مغمضتين ، لا تعرفين من أي جحر خرجت ، وإلى أي وكر دخلت ، أنت وهو(يشير إلى الزوج) هل تظنان أنكما بخير ؟ عبدان صالحان  ؟ تبحثان عن الرب بعد الطوفان ، ليخرجكما من السفينة الغارقة ؟ المغلوبة على أمرها في بحر لجي ، هل سلكتما الطريق الصحيح ؟ (مستهزأ) لا أظن ذلك ، أنكما تتبعان الإله الخاطئ ، والمزيف ، أله مخادع ، يسحبكما إلى قاع الجحيم ، لغاية في نفسه ، الرب لا يمشي في الأرض ، الرب يعبد في السماء ، الأرض يعبد فيها أرباب متفرقين ، والهة كثيرة  ، كانوا يعبدون القنابل ، والصواريخ ، والنووي  ، والآن يعبدون العم كوفيد ، هل تعلمين ذلك أيتها الصغيرة ؟

رجل الدين : (ينتفض ، يقرأ في الكتاب المقدس دون أن يسمع صوته ، يبخر في الهواء ، يتحرك في المكان غاضبا)

الجنرال : (لرجل الدين ، صارخا) توقف عن الهذيان ! أنك تثرثر كثيرا ، لا تكرر هذه الصورة أمامي ، لن تخدع بصري أبدا ، أنا وأنت نعلم جيدا ماذا يجري في العالم ، أنا وأنت كلانا قاد العالم إلى الجحيم ، كلا على طريقته ، ولا ينفع البكاء عليه الآن ، الآن كل شيء يتهاوى إلى المجهول ، لم تعد تنفع كل سفننا الحربية العملاقة  ، القابعة في المحيطات ، ولا أسلحتنا النووية الجاهزة للقتل ، والإبادة الجماعية ، ولم تعد تنفع كل المواعظ والخطب ، على منصات الأرباب ، والأدعية ذات القوافي الشعرية ، لم تعد تستسيغها الآذان والقلوب

رجل الدين : (غاضبا ، لجنرال ) هذا خطابك أنت أيها الجنرال ، خطاب الخائف من غضب الرب ، أنك تعترف أمام هذين الزوجين أنك قاتل ، وأنك نادم أمام الرب ، لإزهاقك الأرواح البريئة

الزوجة : ( تستند إلى زوجها ، تعاني من ألام خفيفة في بطنها)

الزوج : ( يساعدها ، يتذمر، خائف) ليس الآن ، ليس الآن

الجنرال : (ضاحكا بقوة)  تخليت عن أيماني بالرب ، منذ أول رصاصة أطلقتها ، لتفجر أول رأس بشري ، في تلك الحرب العظيمة ، التي زحفت فيها الملايين من الجيوش ، المدججة بالأسلحة الفتاكة ، التي لم يعرف الإنسان مثيلا لها من قبل ، تزحف لأميال ، وأميال ، وأميال حتى تعبر الحدود ، كأن الأرض فتحت فاها ، لتنفض جيوش يأجوج ومأجوج من أحشائها ، لقتل الإنسان ، ولم أكن حينها ألا معتوها ، أحمقا ، صغيرا ، يخاف من ظله ، الآن في شيخوختي ؟! وبعد الملايين التي تناثرت أدمغتهم ؟! (صارخا) لا يا سيدي القديس ، فأنا سيد الحروب ، وسيد الموت ، لا وقت لي للندم ، مهما اشتدت الحروب قسوتها ، لن توقفني حرب الوباء هذه من المواجهة

رجل الدين : (مندفعا نحوه غاضبا) لن تخاف من المواجهة ؟

الجنرال : (يتراجع للخلف ، لرجل الدين ، بحدة) توقف !

الجنديان : (يتقدمان أمامه بسرعة ، يصوبان سلاحيهما نحو رجل الدين)

الزوجة : ( تتألم أكثر)

الزوج : (حائرا ، خائفا ، يتذمر أكثر) ليس الآن ، ليس الآن

رجل الدين : (يتوقف مكانه ، غاضبا) لن تخاف من المواجهة ؟! سلاحك لم يفارق جرابه من على خصرك ، منذ أن كنت معتوها أحمقا ، صغيرا ، وها أنت في شيخوختك ، تفر من الموت بخطوات ترتعش ، ترتدي الدرع الشفاف ، فوق بزتك الدموية الأبدية (يشير إلى الجنديين) تحتمي بسلاحين خائفين ، لا عجب إن تحولا ضدك (مستهزأ) لم تستسلم لحربين عظيمتين ؟ (صارخا بوجهه) بل هي حرب كونية ، تتصاغر فيها الأحجام ، وتتساقط لهيبتها الألقاب

الجنرال : (يقاطعه بضحكات مرتفعة)

رجل الدين : (غاضبا) لا عاصم اليوم من هذه الحرب ، إلى أين المفر؟ كل العالم فيها خاسر ، يواجه عدوا لا يرى بالعين المجردة

الجنرال : (يواصل الضحك بقوة )

رجل الدين : (أكثر غضبا) أنت مجنون ، هذا العدو الجديد ، ليس رجلا ، لا يسقط صريعا في ساحات الحروب ، جيشه كأنهم رؤوس الشياطين ، لا يحدثون في قتالهم ضجة ، مجنون أنت إن لم تخشى المواجهة (بحماسة ، وغضب)  قرابين الدم في الساحات لا تجدي نفعا بعد اليوم ، بل على مذابح الرب ، الدماء الطاهرة تصعد إلى ربها خاشعة ، لتهطل مسرعة ، تطهر الأرض من دنسها ….

الجنرال : (يقاطعه مستهزأ) أنك تهذي ، خطابك أصم ، وموعظتك خرساء ، لا تسمع من كان به صمم ، لن أتراجع ، أنا سيد الموت ، أنا سيد الكلمة ، أنا الإنسان ، وما دوني لا شيء

رجل الدين : (بغضب يحاول الوصول أليه ، الجنديان يوجهان سلاحيهما ، يمنعانه ) أنك عجوز هرم ، قد بلغت من الكبر عتيا ، والعالم قد شاخ على حروبك الأبدية ، لم يعد ينفع معه زجرك ، أو حتى قتلك ، أنك تهوي إلى الجحيم ، كما العالم الآن يهوي

الجنرال : (غير مبال له ، يأمر الجنديين بإخراجه من المكان )

الجنديان : ( يبعدانه تحت تهديد السلاح)

رجل الدين : (يتراجع للخلف) أنك لا تعي ما تفعل ، الجحيم قد فتح فاه ، والعالم يهوي إلى السقوط مسرعا ، أنه موجوع من دائه ، وهذان الصغيران(يشير إلى الزوجين) يحملان دوائه ، لن ابتعد كثيرا ، هذه هي الأرض المقدسة ، هنا ستنزل رحمة الرب لهذا العالم الموجوع ، أنا مأمور بإنقاذه ، لن ابتعد كثيرا (يكررها حتى يخرج مع الجنديين)

الزوجة : (لزوجها ، متألمة) أننا وقعنا بين فكيّ سفاحين  ، متعطشين للدماء ، كذب ، لا وجود للأرض المقدسة

(قطع ، ظلام)

(3)

الجنرال : (متحمسا ، يجوب المكان ، يحدث نفسه) سأقود كل المحاكم بنفسي ، لمن تجرأ على خرق قوانين العزل الإجباري (يشير إلى الزوجين) وهذان الصغيران ، سيتعلمان درسهما الأول في هذا العالم ، الذي شارف على الموت (صارخا بهما) أنتما لم تريا في حياتكما عالما أوحش من هذا العالم ، ولن تشعرا إذا ما حييتما ، حسابا أقسى من هذا الحساب

الزوج : (متردد) حساب ؟ لم نقترف ذنبا لنحاسب عليه

الزوجة : (بألم) من يتجرأ على حسابنا ؟

الجنرال : (بحدة) أنا من يحاسب الجميع ، بذنب ، أو دون ذنب

الزوجة : وما هي تهمتنا ؟

الجنرال : العصيان والتمرد

الزوجان : (ينظران إلى بعضهما بتعجب ) العصيان والتمرد ؟!

الجنرال : أجل العصيان والتمرد ، وخرق القوانين (بحدة) التواجد في أرضا مصادرة ، بكل وقاحة كسر هدنة العم كوفيد ، الفوضى والخروج على السلطة ، وهذا ما نسميه بقانون السلطة (الخيانة العظمى)

الزوجة : (تقترب من المنصة بهدوء ، كأنها في المحكمة ، متألمة تمسك بطنها) من أعطى الحق للسفاح أن يكون حاكما ؟ قاضيا ينطق بالحكم ، يضع الذنب ، ويصوغ العقاب ، على ما يشتهي هو نفسه

الجنرال : (على مسافة ، في الجهة المقابلة للمنصة) يجب أن يكون الحاكم سفاحا ، يحكم رعيته بالنار ، والحديد وألا ، فسد الحاكم ، وفسدت الرعية

الزوج : (يقترب من المنصة ، يساعدها ، الخوف باد على وجهه ، متردد بالقول) ذنبنا ! هربنا من الموت ، بعد ما أناخ الوباء في عقر دارنا

الجنرال : (صارخا) ما أعظمه من ذنب ، الموت في داركم ، خيرا من نشره بين الملأ

الزوجة : (متألمة) ذنبنا ! الخوف من أن يطال الوباء روحا ، أراد الله لها أن تعيش في عالم على شفا حفرة من الموت

الزوج : لا خوفا على أنفسنا ، في عالم لا نملك فيه شيئا  سوى هذا الوليد (يشير إلى بطنها)

الجنرال : (بغضب) أنتما القاتل ، وهو المقتول ، لا شأن للعالم بجرمكما

الزوجة : (بحدة) لا ، لا ذنب لنا ، العالم يحكمه السفاحين ، بالنار والحديد ، ينشرون الموت بين الرعية ، على طريقتهم ، دون رادع لهم

الجنرال : (يشير لهما ، غاضبا) أنتما تدعيان البراءة ، لقد خرقتما العزل الإجباري

الزوج : (مستغربا) وكيف ذلك ؟

الجنرال : لقد أقمتما الحب خلف الأبواب المحظورة ، ليقتدي بكما كل بائس ومتمرد ، والموت يقبع مع عربته الكبيرة ، خلف تلك الأبواب ينتظر ، لينثر لألئ بركاته في كل مكان

الزوج : (أكثر جرأه) لا أبواب محظورة بين العاشقين

الزوجة : (أكثر ألما ، بصعوبة) لا تستطيع أبدا ، حجر طائر عن التحليق في السماء ، وهو يرفرف حرا طليقا ، ولا سمكة عن تقبيل سطح البحر ، ومداعبة الهواء ، لتهبط راقصة لقاع البحر ، فكيف بك مع العشاق ، إن عزف الحب لهم مقطوعته الشهيرة

الجنرال : ( أكثر غضبا) والموت ؟ ألا تخشون الموت ؟ لا يجتمع الحب والموت في قلب واحد

الزوج : (حالما) الموت ؟! عربة في حلبة سباق ، جواده  الحب ، ولجامه بيد العاشقين ، الموت قدر ، أما الحب فاختيار

الزوجة : ( أكثر ألما ، صارخة ) رفعت الجلسة (تبتعد عن المنصة ، تمسك بطنها من الألم)

الزوج : (يساعدها ، خائفا ، متوترا) ليس الآن ، ليس الآن

الجنرال : (يقترب ويبتعد عنها ، حائرا ، مترددا ، ينظر لها بعطف ، متذبذبا بين الجنرال السفاح ، وبين الرجل الإنسان)

الزوجة : (بألم ، لجنرال) حان وقت بزوغ فجر الحب ، ليتنحى الموت جانبا (ألم المخاض الشديد ) سيولد الربيع ، لتلبس الأرض فستانها الأخضر ، لتغير ألوانها القاتمة (تقترب منه ، تجر نفسها)

الجنرال : (يتراجع للخلف )

الزوج : (يساعدها على المشي )

الزوجة : (لجنرال ، بألم) لماذا تتراجع للخلف مبتعدا عني ؟ خوفا من العدوى ؟

الجنرال : (صمت ، يطأطئ رأسه مبتعدا)

الزوجة : (تتقدم نحوه ببطء ، تتكئ على زوجها) أين هو ؟ أين الوحش الذي يزمجر في داخلك ؟ ماذا ترى أمامك ؟ نسرا جارحا يحاول نهش جسدك ؟ ما أنا ألا امرأة صغيرة خائفة  موجوعة ، تلد روحا من روحها ، لا تقوى على الأضرار بك ، فكيف بك إن واجهت الموت (تصرخ من الألم) كوفيد ، الحرب ، كلاهما وجهان لموت واحد ، لكن لا يهم الموت ، فحتما ستنبثق من أعماق الأرض جذورا صلبة ، لن يقتلعها شيء ، ستنبت أزهارا وثمارا ، وربيعا لا يغطيه  الخريف أبدا (تجلس أرضا ، تصرخ بشدة) أين هي ؟ أين هي ؟

(قطع ، ظلام )

(4)

(  في الخارج صوت عراك ، يشتد شيئا فشيئا )

رجل الدين : (يدخل مسرعا ، والجنديان يحاولان منعه) ابتعدا عني ، أنكما ترتكبان خطأ فادحا ، أنكما تهدران الوقت الثمين ، لا تعرفان شيء

الجنرال : ( يأمرهما بتركه) تنحيا جانبا ، اتركاه لشأنه

الزوجة : (أشد ألما) أين هي ؟ أين هي ؟

الزوج :  (مرتبك وخائف)  لا أعرف ، لا أعرف

رجل الدين : (مبتهجا ، ينظف المنصة من بقايا الركام ، مسرعا ) هنا يجب أن تسيل الدماء ، ليأخذ القربان محله ، لتغتسل الأرض من دنسها ، الرب فاتح ذراعيه ، ينتظر قرع الأجراس بصوت مدوي ، لترتفع أصوات الجوقة ، تنشد التراتيل  الربانية من جديد ، القربان ، احضروا القربان إلى هنا ، لتشتعل النيران حول المذبح من كل الجهات ، الرب الآن في أوج رحمته لاستقبال القرابين (يتجه نحو الزوجة ،  يأمر الزوج  برفعها على المنصة) أسرع ، كلما زاد الألم فوق المذبح ، كلما كانت رحمة الرب اقرب

الزوج : ( يبعده) ماذا تظن نفسك فاعلا ؟ أبتعد عنها ، ولا تلمسها أبدا

الجنرال : (  يأمر جنوده بالمغادرة )

رجل الدين : (لجنرال ) بل دعهم في أماكنهم

الجنرال : ماذا تنوي أن تفعل ؟

رجل الدين : أنه نداء مدوي ، ألا تسمع ؟ أنه يصم الآذان ، متلهف ، لعابه يسيل لطعم الدم (يدور في المكان) من بين الجدران ينادي (يستمع) أني أسمعه ، القربان ، القربان ، من خلال هذه النوافذ المحطمة ، وهذا السقف النازل على رؤوس المصلين ، القربان ، قربوا القربان ، ليسيل الدم ، جائزتكم إن تبرئ الأرض من دنسها (بحماسة ، وفرحة عارمة) الدم ، الدم ، الدم

الجنرال : ( لرجل الدين ، زاجرا) ألم ترتوي هذه الأرض بعد من غزارة الدماء ؟ ألا يشبع هذا العالم الكسيح من القرابين ؟ منذ عشرات السنين وأنا أملأ الأرض قرابين ، وأرويها من الدماء الطاهرة ، حتى هرمت لفعل ذلك ، ولم أراها قط ، قد برأت من دنسها (مشمئزا) هذا العالم ملعون منذ ولادته ، والأرض مدنسة منذ هبوط أدم عليها

الزوجة : (صارخة من الألم باكية) أين هي ؟ أين هي ؟

الزوج : (بخوف ، وتوتر يحاول مساعدتها) لا أعرف ، لا أعرف

رجل الدين : (لزوج) لا تتوتر ، أو يمتلأ قلبك رعبا ، سيزول كل شيئا عما قريب ، وسيخلد أسميكما في صفحات التاريخ الذهبية ، لمئات من السنين سيشار لكما بالبنان ، هذان من رميا طوق النجاة ، لهذا العالم المشرف على السكون الأبدي ، حتما كل العالم سيجثو تحت قدميكما ، وهو يقدم لكما جائزة نوبل للسلام العالمي

الزوج : (مستغربا ، يوجه نظره نحو الجنرال تارة ، ولرجل الدين تارة أخرى ، وهو يحتضن زوجته المتألمة ) أن قلبي قد امتلأ رعبا منكما ،  ماذا تنويان أن تفعلا ؟! هل نحن فعلا فأران في مصيدة ؟

الزوجة : (تتألم ، صارخة)

رجل الدين : ( بسعادة ، لزوج  ، مسرعا) بل أنتما منقذان ، أنتما من سينجي هذا العالم من مرضه المستعصي ، هيا يا بني بسرعة ، ساعدني لحمل هذه المرأة المسكينة ، نخلصها من عذاباتها ، وآلامها

الجنرال : (مسرعا ، يسحب رجل الدين بعيدا ، بصوت منخفض) ماذا تظن نفسك فاعلا ؟

رجل الدين : أقدم القربان للرب ، أنه باسط ذراعيه بالرحمة ينتظر

الجنرال : (مشككا ) وأين هو هذا القربان ؟

رجل الدين : (هامسا) ما تحمل هذه المرأة في أحشائها

الجنرال : (صارخا) ماذا ؟ (يبتعد غاضبا ، يجوب المكان)

الزوجة : (يشتد ألم المخاض ، لزوجها ) أين هي ؟ ألم تخبرك أنها في أثرنا ؟ أذهب وراقب الطريق

الزوج : (يحتضنها) وأنت في هذا الحال ؟ لا أستطيع تركك

الزوجة : (متألمة ، بحدة) لا تقلق ، أليس هو ظل الرب هنا ؟ (تشير لرجل الدين) أليس هذا المكان مقدس لا يخلو من وجود الرب أبدا ؟ أذهب وراقب الطريق

الزوج : (بخوف وتردد ، يغادر المكان ، وهو ينظر لها)

رجل الدين : (لجنرال وجنوده) هيا الآن ، قد شاء الرب لحظة التضحية ، الزوج غاب ، والزوجة لا طاقة لها بالمقاومة ، والرب ينتظر

الجنرال : (بحدة) لن أكون وجنودي شركاء في هذه الجريمة المخزية ، إن تقبل الرب هذا القربان ، فعارعلى الرب أن يرضى (يأمر الجنود بالمغادرة)

الزوجة : (يشتد صراخها )

رجل الدين : (يستوقفه ، بغضب) لقد اشتركت وجنودك ، بجرائم أكثر خزيا من هذه

الجنرال : (صارخا بوجه) أنما هي الحرب أيها القديس ، حرب الرجال ، رجالا يحملون الموت على أكفهم ، يزحفون على أربع لمثواهم الأخير ، مودعين الحب والحياة  (صارخا) لا نساء خائفات ، يحاربنّ الموت بأجسادهنّ الواهنة ، يلدنّ للحياة رجالا ، رجالا للحرب ، لا قرابين للشيطان (غاضبا ، يأمر جنوده بالخروج)

رجل الدين : ( يواجههم ، يمد عصاه أمامهم ، يمنعهم من الخروج ، لجنرال) أما نحن ، وأما هم (يشير للزوجة المتألمة) لم تعد الأرض تتسع لأفواه جديدة ، أختلت موازينها ، لم تعد الحرب علتها الوحيدة ، لا بل لم تعد ترعبهم ، لا بل الموت لم يعد يرعبهم ، وها هم يتكاثرون ، رغم الحجر ، والعزل ، والابتعاد ألقصري ، دع العم كوفيد يقضي عليهم ، بعنادهم ، بفوضويتهم ، باستهتارهم اللامتناه ، ودعني أقدم مواليدهم قرابين للرب ، دماء طاهرة تصعد إلى ربها نقية ، فتهطل مسرعة تبرئ الأرض من علتها ، ساعدني قبل أن يعود الزوج

الجنديان : (يدفعان العصا نحوه ليبعداه )

رجل الدين : (يقاومهما بقوة)

الجنرال : ( من خلفهم ، بحدة ) تخاريف ، أنك تنطق تخاريف ، أي رب يتقبل منك هذا القربان ؟ أهو الذي بعت له روحك  القديسة ؟ بطقوس الأولين في الغرف المظلمة ؟ الرب لا يقتل أبنائه ، نحن المجرمون ، نقدم أبنائه قرابين للحرب ، وللأوبئة القاتلة ، وللجوع والتشرد ، وللجهل الذي ينسيهم الله ، ربهم الأوحد ، كما نحن نسيناه (مستهزأ) هذه الحقب المظلمة ولت مع ربك الملعون الرجيم (يدفعانه بقوة ، يبعدانه عن طريقهم ) لنذهب أنا وأنت وربك إلى الجحيم ، ولندعهم إلى ربهم الذي هم به مؤمنين

الجنديان : (يسرعان ، يجرانه إلى الخارج )

الزوجة : (صارخة ، متوسلة) أين هي ؟  أي هي ؟ ليتفقد أحدكم الطريق ، لعلها لا تعلم أنه المكان المقدس

الجنرال : (يقترب منها ويبتعد ، ينظر لها متحيرا ، يجوب في المكان )

الزوج : (مسرعا أليها ، خلفه الطبيبة ، ترتدي كيسا من النايلون ، من رأسها حتى قدمها ، تحمل حقيبتها الطبية)

الجنرال : (مسرعا ، يهم بالخروج)

(قطع ، ظلام)

(5)

(في الظلام ، الزوجة في اللحظات الأخيرة قبل الولادة ، صراخ ، وابتهالات لله ، وأخيرا صوت بكاء الطفل)

الطبيبة : ( تحمل الطفل ، تحتضنه بحذر ، تلفه بقطعة قماش بيضاء ، تذهب به إلى المنصة لتفحصه )

الزوجة :  (ممدة على الأرض متعبة ، متألمة ، تنظر لطفلها خائفة ، حذرة ، بحدة ، لطبيبة) لا ، لا تضعيه هناك ، لا تدعي هذه المنصة الملعونة ، تلمس جسده المقدس

الزوج : (عند رأسها) هوني عليك ، أنه بين يديها أمنا مطمأنا ، ساكنا كالملاك يغفو

الزوجة : (باكية ، لزوجها) لا تعلم ما كان قد أضمر له ، فوق تلك المنصة الملعونة ، أي مصير أسود كان ينتظره ؟ أي موت كاد يخطفه من أحشائي ؟ قبل نزوله حرا إلى دنياه ، لولا روح الله التي  تسكن في هذا المكان ، لكان أبنك قربان مذبوحا ، يطهر دمه الأرض من دنسها

الطبيبة : (مبتسمة ، تسكن خوفها ، تهدئ حزنها ) ها هو الصغير في أتم صحته ، لا خوف عليه ، ولا أنت تحزنين

الزوج : (يساعدها على الجلوس، يحمل الطفل بين يديه بشوق ، سعادته امتزجت بحزن عظيم ، وهو يتمعن في وجهه ، لزوجة) أي حياة سنمنحها لهذا الطفل البريء ؟ أي أرث من المصائب والعلل سنورثه إياه ؟ ماذا نخبره عن هذه المحنة التي ولد فيها ؟ ماذا نخبره عن الموت الذي طرق أبواب الجميع ؟ لم يترك الكبير ولا الصغير، ولا الغني ولا الفقير ، ماذا سنخبره عن السفاح القاتل المتسلسل ، العم كوفيد  ؟

الزوجة : (بتعب ، وحزن شديدين) لن نخبره بشيء ، يكفينا أن نورثه الحب ، به بدأ والداه ، وبه هو ينتهي

الطبيبة : (تقترب منهما ، مبتسمة لهما) كفانا حزنا وبؤسا ، وفكرا في أسم جميل ، لهذا الحمل الصغير

(يعم الصمت المكان ، الزوجان ينظران إلى بعضهما ، عيونهما تتكلم ، يضحكان مطولا)

الزوج : هل فكرت بما فكرت ؟

الزوجة : (بصعوبة ، ضاحكة) نعم

الزوج : وهل توافقين ؟

الزوجة : أجل

الزوج : دون رجعة ؟

الزوجة : أجل

(يضحكان مطولا)

الطبيبة : ( تضحك معهما دون معرفة السبب ) لماذا تضحكان كالمجنونين ؟  أخبراني

الزوج : أنخبرها ؟ (يضحك)

الزوجة : (تضحك ) حتما نخبرها

الطبيبة : (متشوقة) هيا أخبراني

الزوج : (يساعد زوجته على النهوض)

الزوجة : (تحمل الطفل متجه إلى الأمام ، رافعة طفلها  إلى السماء ) اللهم أني نذرت ما أحمل بين يدي ، قربانا خالصا لك ، بسمه الذي اخترناه له ، في زمن الموت الأسود (صارخة ) كوفيد

انتهت…..

نهاوند الكندي

17\12\2020

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock