مسرح بابل يعرض مسرحية: “وجوه” .. مسرح الثرثرة من دون جسد!
جهاد أيوب
ـ
ليس معيباً أن نجرب في الفن، ولا عجباً ان اجتهدنا إلى الأفضل، ولا وجود لجريمة إذا حاولنا بمعرفة وعلم، ولكن أن نرتجل وتحديداً في المسرح فهذا خطأ يربك العمل خاصة إذا عرض للجماهير، وفي هذا الزمن من الثقافة البصرية المنتشرة بسهولة لم يعد جائزاً أو مسموحاً أن نرتجل أو نستخف بالمسرح وأدواته ومفرداته وهو حتى البرهة لا يزال أبو الفنون ومثقِف الجسد والحركة واللسان وأداء الصوت الممثل، وهنا علينا إعطاء الرأي والنقد دون مجاملات وهذه الأخيرة جعلت من الفن غباء ومن الابداع ضياعا ومن الجهود كذبة، فالفن العربي متخما بمسح الجوخ والمفردات المهرولة، لذلك سنسمح لرأينا أن يسجل ما شاهده وسمعه وعاشه في مسرحية ” وجوه”.
تتمحور مسرحية ” وجوه” حول علاقة حب تكللت بالزواج حتى اغرقت بالملل والوحدة مع اسقاطات الواقع وتداعيات الحياة المعاصرة… الفكرة جميلة كتبت بذكاء وحساسية تميل إلى الكوميديا، واستطاع النص أن يكون هو البطل في العمل لكونه كان مشبعاً بكوميديا الواقع عابه تطويل الجملة المرهقة خاصة في نص الجارة الثرثارة، وهنا كان على المخرج أن يحطم النص ويعيد صنع تأليف جمله على المسرح كي يترك الرشاقة لحركة الممثل لا أن يسجن الممثل في حفظ جملته مما يزيد من ارباكه كما حدث، وهذا جعله يمثل بيده وبالكلام فقط لا غير بعيداً عن حركة الجسد ودائرة الانطلاق من نقطة غائبة عن المشاهد وحاضرة في أمر المخرج وحركة الممثل وللأسف هذا لم يكن حاضراً!!
المسرح فكرة جيدة ونص يكسره المخرج حتى ينسجم مع رؤيته وجسد ممثل مطواع فعلاً ونطقاً، وهذه النقطة غابت عن المخرج الذي أغنى نصه بالصور والبوح الذهني واللفظي دون أن يتمكن من تحريك الممثلين، تركهم للثرثرة ليس أكثر، مع غياب كلي لمفردات وادوات المسرح من اضاءة مسطحة، ووتيرة صوت موحدة وعلى مستوى واحد، ولا تداعيات للمشهد أو تطور حركة الحوار، وتجاهل ما يزيد من وهج المشهد كما هو حال رقصة الحبيب مع حبيبته حيث تركهما في زاوية ضيقة ومظلمة لم نشعر بوجودهما، لو امتلك المخرج الجرأة لجعل من هذا المشهد مسرحية قائمة وليس مجرد حشو مشهد والسلام، وخوف المخرج من السينوغرافيا كان واضحاً حتى تم اخفائها في الظلمة بحجة العودة إلى الماضي أو الذات!
اقحام الشاشة للعودة إلى الذاكرة لم يكن مزعجاً ورغم جمالية مشاهد شهر العسل في باريس ” دقيقتين” إلا أنها كانت طويلة وصلت إلى الملل ” الدقيقة على المسرح ساعة”، كما لا بد من توجيه باقة متميزة إلى مخرجة الكليبات التي عرضت رودي قليعاني، كانت ذكية في التقاط الحدث المحور وجماليات المكان بعفوية، و أن استغلال عزف البيانو والغناء أضاف الكثير من البعد الرومانسي والنفسي وابعد المتابع عن الملل الذي فرضه الإخراج المدرسي وجمود الممثل والديكور والاضاءة المزعجة والحوارات الطويلة!!
التمثيل
نيلي معتوق موهبة حاضرة لديها مقدرة في النطق السليم مع استخدام نفسها بذكاء، ووفية لجسدها الذي من الممكن تحريكه دون أن يدرك المخرج لذلك، تركها تتصرف بحرية غير مدروسة واستخف بحركة جسدها حتى بدت في كثير من الأحيان تسمع استظهاراً في الصف، وريتا جبر في دور الثرثارة وهو اهم دور في المسرحية اضاعت فرصة مهمة اعتمدت على كثرة الكلام وتحريك يدها اليمين فقط بعيداً عن أصول التمثيل ونسيت أنها على المسرح تؤدي كاركتير مهم، عليها أن تجعل من دورها الغني شعلة من الرشاقة وتزاوج الجسد مع القول والفعل، ولو أنها شاهدت ماري منيب وزينات صدقي وفريال كريم ولمياء فغالي وهن يجسدن هذا الدور بتفوق لكانت استفادت كثيراً، وجورج تابت لا يصلح للتمثيل وتلعثم نطقه أكثر من مرة مما أعاق وصول حواراته، ويا ليته يصب جهوده في الكتابة بعيداً عن التمثيل، وإذا أصر على الإخراج عليه باستشارة أساتذة نتعلم منهم!
المغنية المنشدة المؤدية مايا قصيفي صوت الإحساس المرهف والحضور المحبب، تؤدي بذكاء وعليها التدرب على الغناء الشرقي أكثر من الذهاب إلى الغناء الغربي، فهي متمكنة بأداء كل الوان وأنواع الفنون، وزياد حاج بطرس عازف بيانو مرهف ورشيق نفذ ما طلب منه بثقة.
مسرحية ” وجوه” تعرض على مسرح بابل في الحمرا، فصل واحد لمدة 60 دقيقة من تأليف وإخراج وبطولة جورج تابت، شارك في الإخراج رودي قليعاني، بطولة نيللي معتوق، وريتا جبر، وفريج ترزيان، وغناء مايا قصيفي، وعزف بيانو زياد حاج بطرس، شعر باتريك المستحي، و الحان نادر خوري، أزياء كمال الدين سردوك، وديكور منير يوحنا، وهندسة صوت سيمون الحاج، وماكياج طوني فرنسيس، وتصفيف شعر جورج معتوق، و إضاءة إياد الشيخ.
ــــــــــــ
الجرس