من إخراج د. هشام زين الدين.. مونودراما «تفل قهوة» لمروة قرعوني على تياترو فردان في بيروت
المسرح نيوز ـ لبنان ـ متابعات
ـ
«تفل قهوة» اول عمل مسرحي مونودرامي لمروة قرعوني كتب نصه المسرحي د. هشام زين الدين عن قصة لهيثم الطفيلي، تقدم عروضه على خشبة تياترو فردان في سنتر «Dunes»، لينطلق اسبوعياً في عرضين كل يوم أربعاء وأحد.
شخصية المسرحية (مريم) تبوح على الخشبة بتناقضات علاقتها بنفسها والمجتمع والرجل والسياسة والدين في تمرد على العادات والتقاليد الاجتماعية والمعتقدات ورفض العيش رهينة كذب الآخرين على المستويات كافة، السياسية والاجتماعية والثقافية الى قضايا الحب والواقع والحلم في محاولة كسر «تابو» قائم اوصلها الى قرار الانعزال.
المسرحية صرخة طويلة موصولة بكل المناخات التي تحيط بها من صراع شديد بين الحرية والتقاليد، بين الحب والتمرد على القلب والعاصفة، وهي صرخة على كل الأوقات التي تجعل من الحياة رهينة في مواجهة عزلاتها واختناقاتها. مونودراما امرأة من المسرح الحديث الذي تدخله عناصر سينمائية من ضمن رؤية الاخراج المسرحي المتمكن من تفاصيل اللعبة. مونودراما مجبولة بكل عناصر الرفض والصراخ من اجل التغيير الشامل في السياسة والاجتماع والمسائل الوطنية وفي ذاتية المرأة وعلاقتها مع جسدها ومع المدينة والسياسة والجنس مسرحية نص، وافكار تحاول الخروج على السائد ومن السجن الشامل، حيث “مريم” تصرخ من كل الجهات وبالكثير من الصراخ ومجالاً خصباً لمسرح الذات والأدب والفلسفة والكينونة الانسانية. ثم هي اعترافات امرأة عاشت تجارب متعددة وحسمت امرها وانخرطت في نقد الرجل والقوانين والاحزاب والدين وحروب الأمن والعادات الاجتماعية وكل اشكال الوصايات والممارسات.
ساعة من الوقت امام جمهور «بوكوحرام» ازاء اشكال العنف والوصاية والكذب وجمهور صامت وسلبي امام صرخات امرأة من غرفتها، كرسي حمراء، تخت احمر، شبابيك مغلقة، ساعة حائط معلقة، ركوة قهوة، عقاقير على الطاولة وفساتين اعراس بيضاء، سينوغرافيا هادفة وموظفة بحرفية للمخرج هشام زين الدين من خلال تشكيلات بصرية وصوتية متداخلة مع شاشة سينمائية وخلفيات موسيقية وغنائية لها معنى خاص يتصدى لجرح عاطفي، حب حياة واقعي، حكاية ضد الاستلاب الاغتصاب، الكذب، وكل عنف يمارس على امرأة، وما يتجاوز مونودراما امرأة. يتناول النص مسألة الخضوع في مدينة بكاملها ما يجعل من الذات هويات متوازية وبما يشبه الانفصام والجنون والحريات المنعدمة ودولة المعيش المنعدمة النص قدم شخصية تعددية/انفصامية ايضا بالجسد والصوت الموصول بكل المكونات الأخرى والجسد الملتصق بكينونته الانسانية با”التخت الاحمر” التي يختزن مفارقات الولادة والحب والزواج والطلاق والمال والسلطة والجاه والسياسة والقوة والضعف، والجسد والصوت والحواس الأخرى ترتبط به فيما يشبه رواية العرض وغربتها المتمادية في عاداتها الاجتماعية المرتدة.
السينوغرافيا مشهدية وبتصويت عال من حيث الأداء وتعبيراته المباشرة او الدرامية ومن خلال تابلو راقص على خلفية مقاطع غنائية لفيروز وصباح فخري «خمرة الحب اسقنيها» وضعت كلها في اطار متماسك يجمع عناصر متضاربة بين ما هو قريب وجارح ونافذ وبين ما هو خارجي وبارد في العلاقات العاطفية. والنص المسرحي حقيقي حتى الجرح. أما الديكور فصنع بأدواته ما يشبه موسيقى الفرقة ودائما تحت الأحمر وتحت اضاءة موحية على خلفية موسيقى مؤثرة بما يخدم اداء متصادماً مع الأنا وكل ما يحيط بها من اخفاقات وانتظارات لا تفضي الى هوامش متفائلة. الممثلة قرعوني عرفت كيف تقبض على ساعة العرض وتكسرها وعرفت كيف تقبض على صمت الجمهور، بحضور حي وأداء متنوع وحركة لولا مبالغة في التصويت حينا والنزوع الى بعض التعابير الميلودرامية. والعرض ناقد، وغاضب جداً، وقاس فيها نوع من دعوة اغضبوا» على الأوضاع المقيمة كافة وبظواهرها المختلفة والتي تعود بالسياسة والاجتماع والثقافة اليومية الى معوقات ذهنية.
مسرحية جريئة، تجريبية فيها تداخل بين المسرح الكلاسيكي والتجريبي الحديث وتمزج بين فوضى الافكار، تقول اشياءها من المسرح السياسي الى بوح امرأة تقول اشياءها وجنونها وبعض التشتت حيناً. أجمل لقطات العرض لكل السينوغرافيا الحركية يتحرك الجسد في تشكيل بصري من رقص الدراويش يتحرك فساتين الاعراس المعلقة وكأنها امرأة في نساء آخريات او عروس افتراضية وأخرى. مروة ممثلة تقدم هذا الاداء التجريبي الأول والمونولوج الطويل الممسوك والموصول بصرخة انثوية وبصرخة مجتمع بكامله وتلك حالاتها العاطفة والناقدة والمتمردة والمفصومة القوية حيناً، والمكسورة والمخرج هشام زين الدين ملم بتقنيات المسرح الكلاسيكي والحديث ونصه المسرحي نافد الى صراع الهوية،
ونجح في تقديم شخصية تعددية وبالصوت العالي الموصول بالآخر المتهادي الى العرض بالسر والعلن. واللون الأبيض ربما تعبيراً مجازياً عن المزاج القلق، المرأة بين اليقين والتمرد، عدم الثقة بالنفس والآخر ومن نوع الانخراط في تفاديه الوان ما بين الابيض الحكم الطفولي والولادة وبين الاحمر اختيار الحرية والحب والثورة والوعي الحاد والاصرار على المواقف الرافضة. مادة هذا المقال منقولة بغالبيتها عن جريدة المستقبل اللبنانية، بقلم الكاتب يقظان التقي.