نص مسرحية “غائب لا يعود” للكاتب.. محمود القليني
مسـرحـية
غــائب لا يعود
تأليف :
محمود القليني
(النص فائز بجائزة الهيئة العربية للمسرح 2017)
الشخصيات
- عنترة
- عبلة
- عمران ………………………………………… والد عنترة
- الشهباء ………………………………………..زوجة عمران
- سلمى ………………………………………….ابنة عمران
- سيف…………………………………………..ابن سلمى
- حسام …………………………………………ابن سلمى
- فجر ………………………………………….حبيبة سيف
- صخر
- عسران
- غيظ ] …………………………..شيوخ القبائل
- فاتك
- شبكشي
- سيد ] ………………………….ولاد البلد مجموعة من الحرفيين
- أنس
- مرزوق
- المرأة
- الحطاب
- الفارس
مجموعة من الشباب
راقصات
مغنيات
المكان : قرية على حافة الصحراء
الزمان : الحاضر
تنــويـــــه
لا علاقة بين الشخصيتين الرئيستين – عنترة وعبلة – في المسرحية وبين الشخصيتين التاريخيتين ، وإنما هما مجرد مشجب علقت عليه هموما معاصرة ، ووجدتهما – الشخصيتين – مجالا يتيح لي عرض بعض القضايا الملحة ، التي تضغط بكل عنف وقسوة على الوجدان العربي في هذا الزمن ، كذلك الجو المحيط بالشخصيتين .
وإن كنت وظفت فنيا بعض ما ترمز إليه الشخصيتان في وجداننا من خلال وجهة نظر ذاتية .
والأحداث في المسرحية عبارة عن مراوحة ومزج بين الماضي والحاضر ، يجمعهما خط واحد ، هو الحلم الذي يؤرق ليل الضمير العربي المعذَب – دائما – بالبحث عن طريق يتيح له الخروج من هذا المازق الحضاري ، الذي يعيشه وسط عالم لا يرحم التائهين ولا الضالين عن حقيقتهم .
الفصل الأول
المشهد الأول :
داخل خيمة على طرف الصحراء ، في جانب يجلس عجوزان ، المرأة بيدها نول تغزل عليه ، والرجل بيده مصحف يقرأ فيه ، وفي جانب آخر امرأة شابة تعد القهوة على نار مشتعلة وبجوارها فتى بيده قطعة من الخبز ، وباليد الأخرى كوب من الماء ، حبل ممتد وسط الخيمة معلق علية قطع من الملابس ….أصوات عاصفة ومطر بالخارج .
عمران : ( مخاطبا المرأة الشابة ) سلمى يا ابنتي … ألق مزيدا من الحطب على
النار ، فالبرد قارس اليوم ،(مشيرا إلى حفيده ) وأنت يا (حسام) اقترب
مني واعطني جرعة ماء .
الشهباء : ( ترفع المغزل وتقربه من عينيها ، وتنذر شذرا إلى زوجها ) اذهب
وابحث لك عن قبر تستدفئ فيه .
سلمى : ( تقدم لهما القهوة ) ولم يا أمي ؟! ألا يؤنس أبي وحشتك على الأقل ؟
الشهباء : ( تتناول القهوة ) لم يعد في حياتكم ما يؤنس … لا أدري ما يؤخر الموت
عنكم ؟
سلمى : ( تعود إلى مكانها أمام النار وتضع الحطب ) لم أر أحدا يا أمي يتمنى
الموت لنفسه وللآخرين مثلك .
عمران : دعيها يا سلمى …فعيناها الكليلتان لا ترى في الحياة إلا ما يسوء ويمرض
الروح …
الشهباء : ( مقاطعة ) وهل فيها شيء يريح النفس ، لو كنت أملك مصائر الخلق …..
حسام : ( يقترب من جدته مقلدا إياها ) لأشعلت فيهم النار ، ونثرت رمادهم في
الصحراء.
عمران : ( ضاحكا ) أصبح أحفادك يحفظون عنك أسوأ ما يجري على لسانك .
الشهباء : إنهم أسوأ خلف لأشر سلف .
حسام : ( مقتربا منها ممسكا بيدها ) جدتي … جدتي .. أين أسنانك ؟
عمران : ( ضاحكا ) كسرتها كلماتها القاسية .
الشهباء : : بل كسرها زمانكم …. زمن الهوان والذل .
عمران : ( يضع المصحف جانبا ، وينهض من جوارها ، ويجلس قريبا من النار ) ما
عيب زماننا يا شهباء ؟ ها نحن أولاء نعيش أيامنا …. ونحمد الله على ذلك .
الشهباء : ( تنهض وتقترب من النار وتنزع الغزل من النول وتلقيه في النار ) تعيشون
في أكفان قناعتكم .
سلمى : ( متعجبة ) رجعت تلقين الغزل في النار … لم تفعلي ذلك يا أمي ؟
عمران : فعلها عجيب ! فبعد أن تقضي الليالي والأيام في غزله تلقيه في النار .
حسام : ( يعبث بعصا في النار ) لقد طلبت منها أن تعطيني إياه … ولكنهاكانت ترفض في كل مرة .
عمران : (يقف ، ويقترب من باب الخيمة ، ويصيخ السمع ) ………
حسام : ( يقترب منه ) جدي … يا جدي …
عمران : ( يشير له بالصمت ) أتسمعون ما أسمعه ؟ … إنها تقترب … تقترب .
سلمي : عما تتحدث يا أبي ؟ نحن لا نسمع شيئا .
عمران : صهيل خيول كثيرة … أمعقول لا تسمعون ما أسمعه ؟!
الشهباء : كنت أظنك قد شفيت من مرضك اللعين الذي يصور لك أشياء لا وجود لها .
عمران : ( يعود ويجلس ) حتى الأمل تريدين أن تحرمينا منه .
الشهباء : ( ترفع النول الخالى أمام عينيها ) حياتك كلها ليل مظلم تحاول أن تبدده بأوهامك ، الذي ذهب لن يعود …. لم يذهب أحد وعاد .
عمران : كنت أظنك تحبينه … فمن المفروض أن يكون ابنك ، فقد نعم برعايتك واهتمامك بعد موت أمه .
الشهباء : نعم ، كنت أحبه ، لا لأنه أبنك من زوجتك الأولى التي ماتت ، ولكن لأنه كان يستحق الحب ، وكانت كل النساء في القرية يتمنين أن ينجبن مثله .
عمران : ( متعجبا ) كنت تحبينه … والآن !!
الشهباء : أحمد الله أن بطني لم تكن وعاء له ، ولم ألده .
عمران : كل هذا لأنه تركنا ورحل ، فالكثيرون رحلوا .
الشهباء : تقصد باعنا … خاننا .
[ يدخل شاب من باب الخيمة مسرعا يتعثر وينهض ]
سلمي : ( تسرع إليه وتجفف ماء المطر من على وجهه ) ما وراءك يا سيف ؟ ولماذا تسرع هكاذا ؟
سيف : ( يمسك بيد أمه ) لقد عاد ، ورأيته بعيني ، نعم رأيته بعيني يا أمي ، لقد عاد يا جدي .
عمران : ( يقترب منه ويمسك به ) عاد …ألم أقل لكم … كنت أسمع صهيل جواده .
سلمى : أتقول الحق يا ولدي .. عاد بعد هذا العمر الطويل … كدنا ننساه .
سيف : نعم عاد ،وخرج الرجال والنساء والأطفال يستقبلونه بالورود والرياحين والزغاريد والأغاني .
حسام : ( يتجه نحو باب الخيمة ) إني ذاهب لأشاهده وأقبله .
سلمى : ( تمسك به ) لا تخرج ، سوف يأتي هنا ليرانا ، إن كان ما يقوله سيف هو الحق ..
سيف : ( مقاطعا ) أقول لك لقد رأيته يا أمي ألا تصدقين ؟!
حسام : هل قبلته ؟
سيف : ( يتناول فنجان قهوة من يد أمه ) لم استطع الوصول إليه ، فأتيت لأخبر جدي .
سلمى : ( تحتضن حسام ) إن كان عاد حقا ، فسنودع أيام الحزن وليالي الأسى ، وتهجر الدموع عيون النساء .
حسام : ( محاولا التخلص من أمه ) وتخضر حكايا البطولات على شفاهنا .
سيف : وتزدهر أرضنا بانتصارات البطولة .
سلمى : ( تذهب إلى والدها وتمسك يده ) أتبكي ؟! ألم تكن ترغب في عودته ؟
عمران : ( يجفف دمعه ) ما شككت يوما في عودته يا ابنتي .
الشهياء : ( تترك النول جانبا وتنهض وتقف بجوار عماد الخيمة ) أنتم حمقى … لم يذهب أحد وعاد .
سيف : ( مقتربا منها ) جدتي … لقد رأيته ، هل أكذب عيني ؟!
الشهباء : ( تمسك به ) ما تقوله هراء … هل رأيته بشحمه ولحمه ؟
سيف : ( متخلصا منها ) …………………………
سلمى : ( تقترب منه وتمسك بيده ) أكنت تخدعنا يا سيف ؟
سيف : ( يجذي يده من يدها ) ما خدعتكم .
سلمى : إذن لماذا لا تجيب على جدتك … هل رأيته ؟
سيف : ( مبتعدا ) نعم .
الشهباء : ( تدق على عماد الخيمة ) بشحمه ولحمه .
سيف : ( يحاول أن يتوارى ) ……………
الشهباء : ( ضاحكة وتدور حول عماد الخيمة ) ألم أخبركم ….لم يذهب أحد وعاد يا
حمقى .
سلمي : ( تمسك بسيف وتعنفه ) أتعبث بنا ، أتسخر منا ؟ أتستغل شوقنا ولهفتنا ؟
سيف : ( متخلصا منها ) لا …. ولكن …
عمران : ما لك يا سيف ؟ رأيته أم لم تره ؟
الشهباء : لم يذهب أحد وعاد يا حمقى … لم يذهب أحد وعاد ..
سلمى : ( غاضبة ) لن أسامحك أبدا يا سيف .
عمران : إن كنت تكذب ….
سيف : ( مقاطعا في أسى ) إنه ليس عنترة يا جدي .
سلمى : ( متعجبة ) ليس عنترة … كيف ؟ تحدث يا سيف … قل لنا ما شاهدته .
سيف : ( يقف وسط الخيمة ) كنا ورفقائي نتسابق تحت المطر ، ومر بنا فارس
معلنا وصوله ، لمنصدق ، ومر فارس ثان وثالث ، فخرجنا نستقبله ، ووجدنا
الآلاف ينتظرون ، راينا موكبا لم نر مثله من قبل ، كان يتقدمه فارس ، اخذ ينثر الدنانير الذهبية على الجميع ، وحينما تجاوزنا الموكب ، سأل الجميع : أين عنترة ؟ فقالوا : إنه الفارس الذي كان ينثر الدنانير ويتقدم الموكب .
سلمى : ( مندهشة ) سأل الجميع !! ألا يعرفونه ؟
عمران : أمعقول هذا ؟!
سيف : إنه ليس عنترة الذي حكيت لي عنه يا جدي ، ليس عنترة ز
عمران : ربما يا بني اصاب عينيك شيء .
سيف : لا يا جدي كل الناس عادوا ، وقد داست أقدامهم الورد والرياحين ، حتى الدنانير لم يلتقطها أحد ، ولمحت الدموع في عيون النساء ، والأسف والوجوم على وجوه الرجال .
سلمى : ( تمسك بيده وتجذبه نحوها ) أنت لم تر عنترة من قبل يا سيف ، فحينما رحل كنت ما تزال صغيرا .
سيف : ولكني أعرفه أكثر ممن رآه ، أنا لا أرى وجهي في المرآة وإنما وجهه ، أرسم ورفقائي ملامحه على الرمال ، نقلد صوته ، مشيته ، امتطاءه جواده ، رفعه لسيفه ، قسوته على أعدائه ، نحفظ ونردد شعره ، عشقه لعبله ، كل هذا عرفته من حديثك عنه ، ورفقائي عرفوا كل هذا مني .
عمران : لا يصفه هذا الوصف إلا من رآه … غذن كيف لم تعرفه يا سيف ؟
الشهباء : إلا إذا ما كنت تحكيه كان خداعا ووهما .
سيف : ( يقترب من جده ) أمعقول يا جدي ، كل ما حكيته كان خداعا ووهما؟ كل تلك الحكايات لي ورفقائي ، حينما كنا نجلس إليك ونتحلق ساعات طوالا .. قبل ان أحضر إلى هنا تشاجرت معهم لأن بعضهم تجرأ وقال ذلك .
عمران : ماذا قالوا ؟
سيف : قالوا كل ما سمعناه من جدك كذب وضلال … وإلا فأين هو ؟
الشهباء : رى وجهي في المرآة أر ( تخاطب عمران ) سقيتهم السم … جففت عقولهم … أمت قلوبهم .
عمران : ( يقترب من الشهباء غاضب رافعا عصاه نحوها ) أنت دون غيرك تعلمين أن كل ما حكيته كان حقا وصدقا .
الشهباء : ( ساخرة ) كان … قد يأتي حين على الحقيقة لتصبح وهما ، والصدق كذبا .
سيف : كيف يا جدتي والحقيقة والصدق شيئان ثابتان لا يتغيران ؟ هكذا تعلمنا منكم .
الشهباء : هذا في زمن الحقيقة والصدق ، أما في زمانكم فالأمر مختلف .
عمران : لا تسممي بدنه ، فغن عظامه ما تزال لينة .
سيف : ( يقترب من جدته ويمسك يدها ) جدتي … أعلم أنك قاسية علينا ، وكلامك كثيرا ما يجرح كبرياءنا ويزيزل غرورنا ، ومع ذلك أشعر بنبرات الحقيقة والصدق في كلامك ، زمني هذا لا أفهمه حتى احكم عليه ، فلم زماننا هكذا ؟ وكيف نصلحه ؟
الشهباء : لو كان العيب في زمانكم لهان الامر ، ولكنه فيكم أيضا .
سيف : ( متعجبا ) ..كيف ؟!
الشهباء : ( تشير إلى زوجها ) أكبر عيب فيكم أنكم أبناء وحفدة مثل هذا الرجل .
سيف : وهل هذا ذنبنا ؟
الشهباء : نعم .
سيف : إذن نتبرأ من أجدادنا … من أصلنا .
الشهباء : لا …ولكن من أفعالهم ….من تفكيرهم ، من كل شيء كانوا يسيرون عليه .
سيف : لماذا يا جدتي …لماذا ؟
الشهباء : لأنهم هم الذين أوصلوكم إلى ما أنتم عليه ، فأنتم نتيجة كل أخطائهم .
عمران : وفيم أخطأنا يا شهباء ؟
الشهباء : أكبر مصيبة أنكم تجهلون أنكم أخطأتم .
عمران : ( يجلس بالقرب منها ) طالما نصبت من نفسك قاضيا وحكت علينا بالفساد ، والضلال ، إذن ليتفضل القاضي العادل ويقول فيم أخطأنا ؟
الشهباء : أنكم اعتمدتم عليه في كل شيء ، ألقيتم عليه كل همومكم وعيوبكم ، وعشتم كالمدللين الذين لم يفطموا بعد ، حتى بعد أن رحل عنكم ، علمتم أولادكم وأحفادكم فضيلة الانتظار المر ، الذي حولهم إلى أشباح قلقة حائرة عاجزة عن فعل أي شيء .
سيف : (بحماس وانفعال ) لا يا جدتي ، لسنا أشباحا و…
الشهباء : ( تقاطعه ) ماذا فعلت أنت ورفقاؤك ؟ ( ساخرة ) لا ترى وجهك في المرآة ، إنما وجهه هو ، إذن أنتبلا وجه ، مسخ بلا ملامح ، ترسم ملامحه على الرمال ، وأين ملامحك أنت ، أليس من الأولى أن ترسمها … تقلد صوته ، مشيته ، رفعه لسيفه … تقلد … تقلد ..لماذا . ولم لا تفعل أصلا ؟ ولكن لستم الملومين ولكنه هو ( تشير إلى زوجها ) استغل سذاجتكم وعطشكم إلى البطولة ، جعلكم تعيشون في وهم وضلال ، حياتكم كلها حكايا ضباب ، ماض بلا حاضر ولا مستقبل ، أنتم مازلتم في رحم الغيب ، لم تولدوا بعد .
سيف : ( مقتربا من جده ) لم لا ترد على جدتي ؟ ما سبب صمتك ؟ هل كل ما قالته حقا وصدقا ؟ لم ارها قاسية هكذا من قبل ، ولكن ملامحك تقول إن ما قالته هو الحق ، ومع ذلك أتمنى أن تكذبها ، أن تقول أن كلامها محض افتراء … قل يا جدي … تكلم
عمران : ( يضع يده على فمه ) ……………………
سيف : وأنت القوال … عمرنا كله قضيناه في الاستماع إليك ، ننام على صوتك ، ونستيقظ على صوتك ، نغني كلماتك ونرددها ونعيش بها وفيها ، الآن تصمت ترفض أن تتكلم …..ولكن ماذا ستقول ؟ لقد قلت كل شيء ، ولم تقل أي شيء . ( يذهب إلى جدته ويقبل يديها ) وأنت يا جدتي ، اتهمناك بالقسوة ، غطينا أعيننا كي لا نراك ، وحجبنا اسماعنا حتى لا نسمع كلماتك الحادة ، لم ندر أنها ليست كلمات ، وإنما هي الحقيقة ، ولكن لماذا الحقيقة دائما قاسية ومؤلمة ؟ أم نحن كالخفافيش نهرب من نور الحقيقة ، ونعيش في كهوف الخداع والضلال ؟ ونرى كل شيء مقلوبا … لك الله يا جدي .
عمران : إلى أين أنت ذاهب يا سيف ؟
سيف : ( يتجه نحو باب الخيمة ) أبحث عن نفسي التي ضاعت زمنا مني ، وإذا وجدتها سأكون قاسيا معها ، ومع الآخرين .
( ستار )
المشهد الثاني :
تجلس (عبلة) ، وبجوارها عنزتان ، وخلفها كوخ وبجواره شجرة جرداء يابسة الأغصان ، وفي الخلفية الصحراء الممتدة ، صوت الرياح يتردد صداه في هذا المكان الخالى المهجور ، تنهض وتدخل الكوخ ، ثم تخرج وبيدها غناء به ماء تضعه للعنزتين ، فتظهر في ثيابها السوداء طويلة نحيفة ، تعود لتستانف عملها في خض اللبن في قربة أمامها ، يدخل رجل متأنقا في ثياب حريرية بيضاء ملتصقة بجسدة فيظهر قراقص باليه ، حول عنقه سلسلة ذهبية ، وحول معصمه اساور ذهبية ، يتدلى من نطاقه جراب سيف مهترئ فسفوري اللون ، شعره الناعم منسدل على الجانبين ، بشرة وجهه شديدة البياض .
الرجل : ( يدخل متهاديا متأملا المكان) كنت أعلم أنك ستكونين هنا ، حيث كنا نلتقي دوما .
عبلة : ( تجفل ، تترك ما بيدها ، تنهض ، تقترب منه متجاهلة يديه الممدودتين ، تتأمله ، تدور حوله ، تتحسسه ،ثم تعود إلى ما كانت فيه ) لماذا رجعت يا عنترة ؟
عنترة : ( مندهشا ) ظننت أنك …
عبلة : ( تترك ما بيدها وتنهض لتستند إلى الشجرة ) لماذا رجعت ؟
عنترة : ( حزينا ) غيابي غيرك لتلك الدرجة يا عبلة .
عبلة : (تدير وجهها إلى الجهة المقابلة وتدق بيدها على جذع الشجرة ) لماذا رجعت يا عنترة ؟
عنترة : ( يقترب منها مترددا ) حتى وجهي لا تريدين النظر إليه .
عبلة : أي وجه تقصد ؟ الذي ذهبت به ، أم الذي عدت به ؟
عنترة : ( متحسسا وجهه ) ليس لي إلا وجه واحد .
عبلة : ( تستدير إليه ) كذبت ، بل لك ألف وجه .
عنترة : ( في أسى ) أهذا الكلام لي أنا … أنا عنترة .
عبلة : ( تقترب منه ) أتقسم أنك عنترة ؟
عنترة : ( يدور حول نفسه ) ومن أكون إن لم أكنه ؟
عبلة : ( تجلس وتضم ذراعيها حول جسمها ) عنترة مات ( تضحك ) ألم يخبروك بذلك ؟
عنترة : ( متعجبا ) يخبرونني أنني مت !!
عبلة : نعم ، الموت هنا بقرار .
عنترة : وبيد من هذا القرار ؟
عبلة : بيدهم … فإذا قالوا إن عبلة ماتت ، فلابد أن تصدقهم ، أو قالوا لك لإنها وهم فلابد أن تصدقهم .
عنترة : كيف وأنا اتحدث معك الآن ؟!
عبلة : إذن أنت تتحدث مع ميت أو وهم .
عنترة : ( متعجبا ) كيف ذلك ؟
عبلة : لأن في بعض الحالات تتساوى حياة الإنسان مع موته .
عنترة : وهل تلك الحالة تنطبق على أنا ؟
عبلة : نعم .
عنترة : لم ؟
عبلة : حينما رحلت ، اختلت موازين الكون ، ضاعت الشمس ، وضل القمر ، وتحطمت سدود ، فانثالوا علينا ، سرقوا أعمارنا ، نهبوا عقولنا ، اغتصبوا ذاكرتنا ، زحف السوس علينا ينخر وجودنا ، اصبحنا كالغرباء في بلادنا ، تنكرنا ارضنا ، تتبرأ منا سماؤنا ، حينما رحلت …
عنترة : ( يجثو أمامها ) ولماذا لم ترسلوا إلي ؟
عبلة : ( تخلع الوشاح من فوق رأسها وتبسطه أمامها على الأرض ) تعبت قلوبنا من طول النداء ، ضج ليلنا من كثرة المناجاة ، أرسلنا لك الكثير ، لم يعد أحد ، افترشنا قمم الجبال نتنسم أخبارا ، قالوا إن وحوش البرية أكلتهم فيمن أكلت ، والرحل والتجار قالوا الكثير .
عنترة : ماذا قالوا عني ؟
عبلة : إنك وجدت عالما أفضل فمكثت ، قالوا إنك نسيت ، إنك هربت ، إنك هزمت ، وصفوك بأوصاف تساقط شعر رأسي حزنا وألما لسماعها .
عنترة : ( يضع يده على نطاق سيفه ) ولكني لم أهرب ، ولم أهزم ، ولا ينكر صفاتي إلا جاحد .
عبلة : وبماذا تسمي ما حدث ؟
عنترة : ( يحاول أن يهرب من نظرات عينيها مبتعدا عنها ) أنا لم أرحل إلا حينما …
عبلة : أكمل أم أنك نسيت لغتنا ، إن شئت تحدث بالإنجليزية فإني أتقنها ، أو بالعبرية فإني أعرفها .
عنترة : لم أرحل إلا حينما قالوا اكسر سيفك ولا تروه بدماء الأعداء ،فنحن في عصر السلام ، مع أعدائنا أصدقائنا نتبادل الرياحين وندق الكؤوس ، قالوا اخلع لامة الحرب والدروع واصهرهما والرمح ، واصنع منهم تنورا تخبز فيه الأرغفة ، لتطعم الجياع ، قالوا لي روض جوادك أن يسير بين حدائق الياسمين وفوق عشب الخمائل ، واطعمه السكر ، واسقه الخمر ، وعلمه يرقص على نغمات المزمار ، فنحن في عصر السلام ، فيه نجلس مع أعدائنا أصدقائنا ، على أرضنا المقدسة ، نلعب الشطرنج ، نلوك أوصاف النساء ، نتحسس الأرداف والنهود .
قالوا مزق قصائد الحرب والفروسية ، لا تكتب غير قصائد الحب والغرام
والذل والهيام ، واسهر ليلك ، وناجي قمرك ، ونم على وسائد أحلامك ، فنحن
في عصر السلام .
قالوا اطمس من أمسك الدموي مشاهد النصر والفخار ، حتى لا تؤرق ليلك ، وبدد وحل الهزيمة والانكسار لتطفئ نيران ثأرك ، فنحن في عصر السلام .
عبلة : لهذا تركتنا .
عنترة : قلت ابحث عن عالم آخر لا يصدأ فيه سيفي ، لا يفسد فيه جوادي ، لا تضمر فيه نخوتي ، لا تذوب فيه رجولتي .
عبلة : ووجدته … ووجدت ما تبحث عنه .
عنترة : حينما رحلت ، كأن تلبس جسدي شيطان ، ساقني ليطوف بي العالم ، لم أترك حانة إلا ودخلتها ، نزفت فيها عقلي ، واذبت في خمرها ذاكرتي ، وفقدت فيها عزريتي ، خلعت فيها كل قيودي ، ورقصت عاريا خفيفا كريشة في مهب الريح ، وحينما كنت أفيق ، اكتشف أن كل شيء باطل ، حياتي فقاعة صابون يلهو بها طفل أخرق ، ( يجلس ويمسك بجراب سيفه ) كل انتصاراتي اغتصبت ، دمائي في ميادين الوغى أنبتت شجرة عقيما لا ثمر ولا ظل ، تساوت انتصاراتي وهزائمي ، كلاهما يدفن في متاهات النسيان .
عبلة : حينما رحلت انتظرنا أن تطرح علينا أرحام النساء من يكشف علينا الغمة ،ولكن كما وصل العقم إلى كل شيء في حياتنا ، تغلغل حتى في أرحام النساء .. حينئذ عرفت أن الغيب مسطور علينا وبما نستحقه … ولكن لم تجب عن سؤالي …. لماذا عدت ؟
عبلة : ( ينهض ويقترب منها ويمسك بيدها )عدت … عدت لتنتشليني من الوحل الذي أعيش فيه ، وتخلصيني من الخزي المطبق علي ، أريد أن أعود إلى نفسي ، التي ضللت عنها ، طفت على أطباء وحكماء العالم ، ولكنهم عجزوا ، حتى قابلت راهبا ، قال لي عد إلى أمك التي لم تلدك ، ولكنها تحملك ، فقلت له : صفها لي ، فوصفك لي .
عبلة : وما بيدي لأفعله لك الآن ؟
عنترة : بيدك الكثير .
عبلة : ( تخلص يدها من يده ) ضاعت أشياء كثيرة ، مستحيل إرجاعها ، مثل تلك الشجرة التي ماتت .
عنترة : ( يعود ويمسك يدها ) نزرع غيرها … الآف الأشجار نرويها بعرقنا ، لا تتخلي عني ، وأنت معي استطيع أن أفعل المستحيل .
عبلة : استطاعوا أن يمحو كل شيء فيك إلا عنادك .
عنترة : لم يبق لي إلا أنت …ولنعيد أيام ….
عبلة : ( مقاطعة ) لا شيء يعود .
عنترة : ولكني عدت .
عبلة : عنترة لم يعد بعد .
عنترة : ( يقترب منها ويعانقها ) إذن ساعديني لأعود …فإني في حاجة إليك … في حاجة إليك .
( ستار )
المشهد الثالث :
المكان كأنه كهف عتيق ، خيوط العنكبوت منتشرة في الأركان ، والظلام يعشعش في الزاويا والأركان ، وفي جانب منضدة وعليها أطباق الفاكهة وكؤوس الخمر ، ومبخرة يتصاعد منها الدخان .شيوخ القبائل وعدد من الرجال الطاعنين في السن ، مختلفي الحجام والطوال ، بعضهم مفرط في الطول ، والاخر مفرط في القصر ، وأحدهم نحيف للعاية والآخر سمين سمنة مفرطة ، الجميع يرتدي ملابس بيضاء فضفاضة كالأكفان .
شيخ 🙁 يشرب من الكأس ) لقد عاد يا عسران .
عسران :(يلقي ببقايا تفاحة جانبا ) نعم يا صخر ..بعد هذا العمر الطويل رجع.
( ينظر بجواره ) ألهذا السبب أنت مهموم يا فاتك ؟
فاتك :(يعبث في شعر لحيته ) رغم كل ما وضعناه من عقبات، إلا أنه رجع.
عسران : لقد رتبنا كل أمورنا على عدم رجوعه … طوال الجلسة لم تتكلم ما بك يا ( غيظ ) ؟
غيظ : ( منتبها) قد يهدم كل ما بنيناه طوال تلك السنين .
عسران : ( ينهض ويصب خمرا في كأسه ) تقصد أن يعيد بناء ما هدمناه .
فاتك : ( غاضبا ) اسكتوا هذا الرجل أو اقطعوا لسانه .
غيظ : اسكت يا (عسران) لا تردد مثل هذا الكلام .
عسران : تريد قطع لساني الآن ،بعد ان استقر الأمر لكم …لكم تدينون للساني بكل ما أنتم فيه ، هو الذي خدع الملايين ، ولكن إذا كنتم بالأمس في حاجة إليه ، فأنتم اليوم في أشد الحاجة إليه .
صخر : نعم ، فقد عاد …والنيام سيوقظهم ، والضالين سيهديهم .
فاتك : وماذا سيفيدنا لسانك الآن ، الأمر في حاجة إلى تدبير .
غيظ : مالكم خائفون هكذا ؟ وماذا بيده أن يفعل ؟
عسران : بيده أن يفعل الكثير والكثير ، وأول شيء سيبدأ به نحن .
صخر : لقد سرت في جسدي قشعريرة حينما سمعت باسمه .
عسران : أنتم تتفقون أنه يمثل خطرا علينا .
صخر : لم نكن معرضين للخطر مثل الآن .
فاتك : إذن نقتله .
الجميع : ( في صوت واحد ) نقتله .
فاتك : ( بنهض ويسير مختالا وسط المكان وبيده كأس من الخمر ) لقد قتلنا الآف ، فما المانع أن نقتله يا شيوخ القبائل .
غيظ : ( ينهض ويتجه نحو فاتك ويشد على يده ) نقتله .
صخر :(يقف معهما ) نقتله .
عسران : ( يقف في الجهة المقابلة ) إلا قتله … بيدكم أن تفعلوا أي شيء ، وكل شيء إلا قتله .
الجميع : ( في صوت واحد) ولماذا لا نقتله ؟
عسران : كثير من البذور الجافة متناثرة في أرض القرية ، بذور الكراهية والحقد والتمرد والثورة علينا ، ولو قتلناه ربما قطرة واحدة من دمائه تروي بذرة من تلك البذور ، والبذرة تنبت شجرة ، والشجرة تطرح علينا ألف عنترة .
فاتك : والحل ؟
عسران : ( يدور حولهم مفكرا ) أن يرجع من حيث أتي ، هذا شيء لا نستطيعه ، أن نقتله هذا شيء لا نريده ، لابد أن يكون هناك أمرا ثالثا ، يكون في غير مصلحته ، وفي نفس الوقت في مصلحتنا … فكروا معي ، أم أن عقولكم تحجرت ، كما تحجر كل شيء في القرية ؟
فاتك : أين هو الآن ؟
صخر : لقد سمعت أنه يبحث عن عبلة ، وأظن أنه عثر عليها .
عسران : ( صارخا ) عبلة …عبلة .
صخر : ( متعجبا ) كأن عقرباء قد لسعتك حينما سمعت باسم عبلة .
عسران : يجب أن نبعد عبلة عن عنترة بأسرع وقت .
فاتك : أجننت يا شيخ .. وما شأن عبلة بما نحن فيه الأن ؟
صخر : نعم ، أجننت يا شيخ …وما شأن عبلة بما نحن فيه الآن ؟
غيظ : نعم ، أجننت يا شيخ …وما شأن عبلة بما هما فيه الآن ؟
عسران : ( يلتقط تفاحة ويقضم منها ) أنسيتم أننا لم نستطع أن نؤثر في عنترة ونقنعه بترك القرية إلا بعد أن أبعدناه عن عبلة ، وبذلنا الجهد لنحول بين لقائهما ؟
فاتك : ( يعبث في عمامته ) معك حق … أكاد أجزم أنه لم يعد إلا من أجل عبلة .
صخر : ( يعبث في عمامته ) بدليل أن أول شيء سأل عنه بعد عودته هي عبلة .
عسران : ( ضاربا يدا على الأخرى ) وجدت الحل الذي سينقذكم جميعكم .
فاتك : ما هو ؟
عسران : لو استطعنا أن نبعد عنترة عن عبلة ، نكون اقتربنا من تحقيق هدفنا .
فاتك : لقد حكمنا عليها أن تعيش بقية عمرها خارج القرية ، على أطراف الصحراء ، كي لا تحرض الشباب علينا ، وتخبرهم بأشياء لا يجب أن يعرفوها .
غيظ : ولكن هذا الحكم لا يعرف عنترة عنه شيئا ، ولكي نجبر عبلة على الخضوع هددنا أننا قد نقتل أهلها جميعهم ، وأظن بعد رجوع عنترة لن نستطيع تنفيذ هذا التهديد .
عسران : المهم كيف نبعد عبلة عن عنترة ، فهي لم تتزوج للآن ، ولم تتغير طوال تلك المدة ، ونفيها في الصحراء لم يلن من صلابتها .
صخر : بهذا نكون قد وصلنا إلى طريق مسدود .
فاتك : إذن ليس أمامنا إلا أن نقتل عبلة .
صخر : حيئذ لن يبقى أمام عنترة إلا أن يتجرع غصص الندم والحزن بقية حياته ، أو يعود من حيث أتى .
عسران : وقد يتحرك المارد الذي نجحنا في تخديره أو تنويمه ، فالأمر على هذا ليس مضمونا .
صخر : معك حق … وقد يكتشف من وراء قتلها ، وبذلك يناصبنا العداء .
غيظ : دائما نصل إلى طريق مسدود .
عسران : إذن نميتها ولا نقتلها .
صخر : كيف ؟
عسران : تختفي عبلة من حياة عنترة ، مثلما اختفت من حياة القبائل كلها .
غيظ : ( يهز رأسه ويتحسسها ) إما أن رأسي قد أصابها عطب ، أو أني قد جننت ، كيف تختفي من حياة عنترة وهو معها الآن ؟ كان هذا ممكنا قبل أن يقابلها ، كنا أخبرناه أنها ماتت ، او ضلت في الصحراء ، أو افترسها ذئب ، ولكن هو الآن معها يحدثها وتحدثه ، ولا ندري ماذا يحدث بينهما الآن ؟
عسران : كل هذا وهم … لم يحدث .
غيظ : ( يمسك رأسه ) أنا على يقين أني مازلت أحمل رأسي فوق كتفي ، يا مثبت العقل يارب …. أتفهمون أنتم شيئا ؟
الجميع : ( في صوت واحد ) لا .
غيظ : ( يتحسس رأسه ) الحمد لله ما زالت رأسي بخير .
عسران : ( يشير للجميع ) اقتربوا مني يا شيوخ الشر … سنقوم بإخفاء( عبلة ) طبعا بعد مقابلتها للمرة الأولى بعد أن عاد ، سيتركها ،على أن يقابلها بعد ذلك ، أليس كذلك .
غيظ : بل قل سيتقابلان ويتقابلان ، ليس هذا فحسب ، بل ويتقابلان أيضا .
عسران : لن يحدث هذا .
الجميع : ( في صوت واحد) لن يحدث هذا ! كيف ؟
عسران : طبعا بعد المقابلة الأولى سيسعى عنترة ليقابل عبلة للمرة الثانية ، فإذا عاد وسأل عنها ، سنجيبه أنها اختفت بعد رحيله ، ونأتي وندفع له في طريقه من يؤكد على ذلك ، كل من سيقابله سيخبره أن عبلة وهم ، وليس لها وجود بالمرة ، وبذلك يتأكد أن ما قابله وتحدث معه وحاوره اليوم وهم وليس عبلة .
فاتك : ولكن قد يجن عنترة .
غيظ : بل قد يفقد عقله .
عسران : وهذا ما نريده بالضبط .
غيظ : ونشيع في أرجاء القرية أن عنترة قد جن وفقد عقله .
صخر : ونطلق عليه عنترة المجنون .
فاتك : ويسجن في مستشفى المجانين .
صخر : وهل لدينا متستشفى بهذا الاسم ؟
عسران : ( ضاحكا ) قريتنا اكبر مستشفى للمجانين .
الجميع : ( في صوت واحد ) ونحن العقلاء الحكماء .
عسران : ( ضاحكا ) بل شيوخ الشر .
( ستار )
الفصـــل الثــانــي
المشهد الأول :
بالقرب من بئر ماء يجلس ( سيف ) ووجهه إلى الصحراء ، ويعطي ظهره للمشاهدين ، بيده عصا يخط بها في الهواء ، وتارة يخط بها على الأرض ، في جانب المكان عدد من النخلات والأشجار ، صوت نسائي يتغنى بأبيات من الشعر ، تدخل فتاة ، ومعها إناء لتملأه من البئر ، تحدث أصوات ، فلا يتحرك ( سيف ) فتطيل الوقوف ، وبعد ذلك تلقي بالإناء فيتنبه ( سيف )
سيف : ( متجها نحوها ) فجر … لم انتبه لمجيئك .
فجر : ( تبتعد عنه قليلا ) لم أنت جالس وحدك ؟ وأين رفقاؤك ؟
سيبف : ( يلتقط عددا من الحصي ويقذف بها ) …………
فجر : ( تقترب منه ) أغاضب علي ؟
سيف : لا با ابنة العم ، ولكني غاضب من نفسي ، بل ومن العالم كله .
فجر : ( تلتقط الإناء وتعود إليه ) لم أرك قانطا هكذا من قبل …ماذا حدث ؟
فجر : ( يذهب ويجئ ) أشعر أن كل شيء داخلى قد أنهار ، أحس بالضياع ، بالحيرة ، بالتشتت .
فجر : كنا معا أول أمس ، وكنت سعيدا ، منطلقا كشعاع ضوء .
سيف : كنت ساذجا ، واهما ، بنيت عالما من خيال وكلمات ، وأكاذيب الآخرين ، تصوري يا بنة العم ، هذا العالم الذي تعيشين فيه عمرك ، وتعتقدين أنه يعمره الحق والخير والجمال ، وفجأة ينهار هذا العالم فوق رأسك ، لأنه كان مبنيا على الكذب والخداع والضلال ، وينهار داخلك كل شيء طاهر وجميل ومقدس .
فجر : ( تقترب وتمسك يده ) لقد حذرتك يا سيف من اندفاعك وتهورك وسعيك خلف الوهم ، إنك أحيانا تخيفني ، حتى حبك لي يسبب لي الخوف والرعب ( تبتعد في خجل ) أتتذكر وقت أن حضرت لي ذات يوم ، ومعك حصان أبيض ، وثوب أبيض ، وزهور بيضاء ، وتعرض على أن نهرب لنتزوج ؟
سيف : ( ثائرا) وماذا كنت أفعل إذا كان عمي قد رفض زواجي منك ؟ لو كان الأمر بيدي لقتلت شيوخ القبائل كلهم ، وأولهم عمي .
فجر : ( غاضبة ) لا تنس أنه أبي ، ثم إني لست بمن تهرب لترضي قلبها .
سيف : ( يقترب منها ويمسك يدها ) يومها شككت في حبك لي .
فجر : ( تتخلص من يده ) ليس معنى أني أحبك ، أن أهرب معك .
سيف : ( يعود ليخط بالعصا على الأرض ) الحب أيضا من الأشياء التي فهمتها خطأ .
فجر : اندفاعك وتهورك يدفعانك أن تفهم أمورا كثيرة خطأ .
سيف : ( مندهشا ) أفهم خطأ !! ولماذا لا يكون كل ما حولنا خطأ ؟
فجر : ( متراجعة ) هذا ما يفزعني ويخيفني منك يا ابن العم .
سيف : شباب القبائل كلهم يتفقون معي ويرون ما أراه .
سيف : أعجبوا بشجاعتك وجراتك وثورتك ….بشعاراتك المخيفة المرعبة ، وهذا طبعكم أيها الشباب .
سيف : ( مختالا ) أتنكرين أنك أعجبت بي أيضا .
فجر : ( بدلال وتتبختر هنا وهناك ) لا أنكر هذا …ولكن قد يقودك كل هذا إلى الجنون ، أو الموت غما وحزنا .
سيف : الذي سيقودني إلى الجنون حقا ،هذا العالم الذي يتملكه شيوخ القبائل التي تجمدت الدماء في عروقهم ، ويبست مفاصلهم ، وتحجرت عقولهم ، أيمكن أن يتحكم في عالمنا إناس نصفهم موتى والنصف الآخر يحتضر ، أحيانا أشعر أن قريتنا بيوتها عبارة عن قبور ، وسكانها ظلال واهية .
فجر : لقد رجعت تهاجم الشيوخ ، أنا لا أفهم سر نقمتك عليهم ، مع أنهم جعلوا عالمنا هادئا وثابتا ومستقرا ، لا حروب لا منازعات …
سيف ( مقاطعا في غضب ) ثابت ومستقر لأنه عالم ميت ، ليله مظلم ، لا يضيئه حلم ، نهاره ممل لا يحركه أمل ، هواؤه فاسد ، رجاله أشباح ، أرضه ملعونة لا تنبتت سوى نباتات شيطانية ، تروى بماء الحسرة والاحباط ، حكاياته مزيفة مضلة ، حتى من كنا نعيش على أمل عودته .
فجر : ( مندهشة ) عنترة !! لقد كنت تحبه .
سيف : كنت … وشباب القبائل ، كالأرض التي تشققت من طول الإنتظار ، تنتظر قطرة ماء لتبعث فيها الحياة ، نعم ، عاد ، ولكن كالماء الملح الذي قتل كل ما في الأرض من أمل .
فجر : المهم أنه عاد .
سيف : ( ثائرا ) ليت أسود الصحراء قد مزقته ، أفاعي الجبال أفرغت سمها في قلبه قبل أن يعود .
فجر : ( تبتعد عنه في خوف وفزع ) أيمكن أن يكون لك هذا القلب الذي يتحول فيه الحب والإعجاب إلى تلك الكراهية المرة ، وماذا فعل عنترة ليستحق منك كل هذا ؟
سيف : كنا ننتظر فارسا أسمر ، مشرق الوجه ، وضاح الجبين ، تشع ملامحه بزهوة النصر ، ووراءه جنوده ورؤوس أعدائه معلقة على أسنة رماحهم .
فجر : وكيف عاد ؟
سيف : ( يعود ويجلس على الصخرة ) لم يعد … للأسف إنه ليس عنترة ،كما قالت الشهباء ، من يذهب لا يعود ، فالشهباء تقول الحق .
فجر : المجنونة !!
سيف : ( ينزل من فوق الصخرة ) الحقيقة الوحيدة في عالمنا هي الشهباء ، فكل ما تقوله حق .
فجر : وماذا قالت ؟
سيف : ( ينصرف ) ليس هذا وقت الكلام … لقد حان موعد لقائي بالرفاق .
( ستار )
المشهد الثاني
داخل مقهى ، مجموعة من الرجال يجلسون ناحية اليمين ، يلعبون الشطرنج والدمينو والورق ، ويدخنون ، وبينهم شاب كفيف بيده آلة عود يدندن عليها ، ويجلس ناحية اليسار مجموعة أخرى من الشباب ، يراقبون ما يجري أمامهم في صمت .
رجل : ( مخاطبا آخر بجواره ) يا شبكشي … الناس بتقول إيه النهاردة ؟
شبكشي : وأنت مالك والناس يا ( أنس )…خليك في الزفت اللي بتشربه طول الليل والنهار .
أنس : ( يخاطب الذي يدندن على العود ) قال يعني هو ما بيشربش زفت يا ( سيد ) .
سيد : مين قال إنه بيشرب زفت يا (أنس) ؟
أنس : أمال بيشرب إيه ؟
سيد : بيشرب نيلة …. ثم أنت عايز تعرف الناس بيقولوا إيه ليه ؟
أنس : أنت عارف أنا طول النهار والليل هنا ، ما بقراش جرايد ولا بشوف قنوات فضائية .
شبكشي : حتى لو قريت وشفت … أنت ح تفضل حمار .
سيد : ( ضاحكا ) حمار مثقف ، أحسن من حمار جاهل .
أنس : ( مندهشا ) هو فيه حمار مثقف ؟
سيد : هو يعني فيه حمار جاهل يا أنس .
شبكشي : تعرف يا (أنس) … أنهم بيقولوا الإنسان أصله حمار .
أنس : هم مين دول ؟
سيد : أكيد الحمير يا ( أنس ) .
أنس : أنتم ح تلخبطوامعلوماتي ليه … هم مش كانوا بيقولوا الإنسان أصله قرد ؟
سيد : دا كان زمان يا ( أنس) ، لما كان الإنسان بياكل موز وسوداني .
أنس : أمال بياكل إيه اليومين دول ؟
سيد : فول وطعمية .
أنس : ( مندهشا ) الحمار بياكل فول وطعمية !!
سيد : وكشري بالشطة .
أنس : الحمار !
سيد : لا يا بني آدم…… الإنسان ، هو فيه حمار ياكل كشري بالشطة .
أنس : يا سلام يا شبكشي .. الواحد ما يعرفش يستفيد منك حاجة خالص .
سيد : قل له يا شبكشي الناس بيقولوا إيه وريحه .
شبكشي : بيقولوا يا دي الشيلة يا دي الحطة ..راح على جمل ورجع على بطة .
أنس : دي تنفع تعمل عليه أغنية يا سيد .
سيد : وأنت الصادق ، تنفع تعمل عليها ملوخية ،
أنس : على إيه ؟
سيد : على البطة اللي رجع عليها .
شبكشي : سيب الملوخية لما يروح ويرجع المرة الجاية .
أنس : ليه ؟
شبكشي : مش جايز يرجع المرة الجاية على أرنب .
سيد : ونزغط البطة وندبحها على العيد .
شبكشي : ( يتلفت حوله ) واد يا شلفطة … شلفطة .
شلفطة : ( يتقدم وعلى يده صينية عليها مشروبات ) أيوه يا سي شبكشي .
شبكشي : ( يضع في يده شيئا ملفوفا بحرص ) اعملي تعميرة من الصنف ده .
سيد : صنف جديد ده يا شبكشي ؟
شبكشي : ( متلفتا حوله ) أيوه .
سيد : اسمه إيه ؟
شبكشي : رحت في إيه ، ورجعت ليه .
شلفطة 🙁 يشم اللفافة ) فيه صنف لسه نازل السوق يا أساتذة .
سيد : اسمه إيه يا شلفطة ؟
شلفطة : راجع راجع تاني … راجع بعد الشوق ما ضناني .
سيد : واد يا شلفطة … دوقني ضناك ده يا ولد … بس ما تنساش طبق
الشوربة .
أنس : ( مشيرا إلى رجل يدخل ويتقدم نحوهم ) وهو ( مرزوق ) رجع لنا تاني .
شبكشي : ( يصافحه ) وإحنا بنقول يا ترى أنت فين يا ( مرزوق ) ؟ بقالك يومين غايب عنا .
أنس : إيه آخر الأخبار يا ( مرزوق ) أفندي .
مرزوق : ( يتلفت حوله ) ورد نوع جديد ، إنما في غاية الجمال يا رجالة .
أنس : ( غاضبا ) هو إحنا ما لناش سيرة غير الحشيش والمخدرات ، إيه البلد حصل فيها إيه ؟
مرزوق : ومين جاب سيرة الحشيش والمخدرات ؟ أنت ح تودينا في داهية يا جدع أنت .
سيد : أنت مش بتقول ورد نوع جديد .
شبكشي : يا سيد ، ( مرزوق ) قال نوع مش صنف .
سيد : وهي تفرق .
شبكشي : طبعا … صنف يعني مخدرات ، نوع يعني نسوان .
سيد : معك حق … فيه فرق … ومنين النوع ده يا ( مرزوق ) ؟
مرزوق : من الخارج … ما هو من ساعة مااسم النبي حارسه وصاينه رجع وبيورد علينا أنواع جديدة .
سيد : إنما قولي يا ( مرزوق ) يا خويا ، النسوان اللي من الخارج دول حلوين ، ولا زي رجال المطافي اللي عندنا .
شبكشي : معك حق يا ( سيد ) نص اللي عندنا رجال مطافي ، والنص الباقي مخبرين ، تلاقي الواحدة من دول رابطة دماغه ، ومشمرة وعينيها بتشر غيظ وقاعدة ورا باب الشقة ، أنت داخل في سلام وأمان ، وتلقى الصوت الحياني … ارفع أيديك ، طلع اللي في جيوبك ، كنت فين يا متنيل لحد دلوقت ، وسين وجيم ، تيجي علشان تنام وتحب تهزر شوية قبل النوم وتفرفش حبتين … تيجي ذاغرة لك وتقولك : أنت عايز إيه ؟ اتخمد … أنا تعبانة طول النهار باطبخ وأغسل ، تحس أنك نايم جنب كومة من النكد والعكننة .
سيد : ومع ذلك يا أخي عندنا زيادة نسل .
شبكشي : من الغيظ والنكد اللي الرجالة فيه .
أنس : إيه علاقة الغيظ والنكد بزيادة النسل ؟ أنت دماغك بدأت تلف ولا إيه ؟
سيد : إيوه يا شبكشي ، إيه علاقة ده بده ؟
شبكشي : هو يا جماعة مش فيه دول متقدمة ودول متأخرة .
مرزوق : لو سمحت … لو سمحت أنا أحتج .
شبكشي : أنا قلت حاجة غلط .
مرزوق : دول نامية مش متأخرة .
شبكشي : هو نامية يعني إيه يا مرزوق ؟
مرزوق : يعني متأخرة .
شبكشي : مش فيه دول نامية ومتأخرة .
مرزوق : قصد دول متاخرة .
شبكشي : الذيادة السكانية في أي الدول ؟
مرزوق : في الدول النامية .
شبكشي : ليه فيه زيادة في الدول النامية ، وما فيش في الدول النامية ؟
سيد : جاوب أنت يا شبكشي ، أصل إحنا ما بنفهمش حاجة في العولمة .
أنس : يعني إيه عولمة ياشبكشي ؟
سيد : العولمة دي خطة بعيدة المدي لجعل الشوارع كلها زي شارع محمد على زمان ، كله عوالم في عوالم .
أنس : على كدة العالم كله ح يكون مظبوط على واحدة ونص .
مرزوق : وأكتر ناس يفهموا في العولمة الراقصات .
سيد : كأن الواحد لو حب يعرف أكتر عن العولمة .
شبكشي : على أقرب كابريه ، وهناك ح تعرف كل حاجة عن العولمة …
سيد : بس أنت لسة ما جاوبتش عن السؤال يا شبكشي .
شبكشي : سؤال إيه ؟
سيد : ليه فيه زيادة سكانية في الدول النامية ، وما فيش في الدول المتقدمة ؟
شبكشي : شوف يا سيدي … الدول النامية فيها ناس متغاظين ومحبطين ، ودايما متنرفزين ومتضايقين ، علشان كده تلاقيهم عايزين يفضفضوا ، يتبحبحوا ، ينفسوا عن نفسهم ، يقوموا يعملوا إيه … يخلفوا .
سيد : هو علشان الناس محبطين يخلفوا ؟ !
شبكشي : أهوه يحسوا أنهم عملوا حاجة والسلام ، ما هم مش قادرين يعملوا أي حاجة في النور .
سيد : يقوموا يعملوا في الضلمة .
شبكشي : الله ينور عليك .
سيد : إنما قولي يا مرزوق النسوان اللي من الخارج ، دول حلوين ؟
مرزوق : يا سلام يا ( سيد) ، ما تقلش قوالب زبدة ، صفايح قشدة ، براطيم عسل أبيض ، حلل لحمة ضاني .
سيد : أتاري عنترة طلع برة وقال عدولي ، ولما رجع اصبح حاجة تانية خالص .
شبكشي : من اللي شافه برة ، حتى لونه أبيض ، عمرك شفت واحد يطلع أسود ، يرجع أبيض .
سيد : أظن دا العجل في بطن أمه .
أنس : يا ( مرزوق ) عايزين نقضي ليلة في صفايح القشدة والزبدة اللي بتقول عليها .
سيد : قول نستحمى في براطيم العسل الأبيض .
مرزوق : في ليلة نلبس فيها اللي على الحبل ، ونروح نسهر .
سيد : إحنا رايحين علشان نلبس ولا نقلع يا (مرزوق) ، ثم إيه الموجود عندنا على الحبل علشان نلبسه ؟
مرزوق : وأهو نسمعهم موال من مواويلك .
سيد : موال إيه …هم بيفهموا عربي ؟
مرزوق : دول بيفهموا عربي أحسن منا .
سيد : بس ح أغني لهم أي موال ؟
شبكشي : موال الصبر .
سيد : بس دا ح يكون مر قوي يا شبكشي .
شبكشي : على رأيك يا سيد ، موال الصبر مر قوي ، وبالأخص لما صبرك ييجي على فاشوش ، صبرنا …وصبرنا ….وصبرنا ..هيه ، ما منهوش فايدة .
مرزوق : أنت ح تغمق السهرة ليه يا شبكشي … سمعنا حاجة يا سيد .
سيد : ( يعتدل ويدندن ) أغني إيه … أغني إيه … يادي الشيلة يا دي الحطة ….راح على جمل ورجع على بطة .
[ ننتقل إلى الناحية اليسرى للمسرح ]
شاب 1 : ضائعون …يبحثون عن مهرب من واقعهم .
شاب2 : بالأمس كانوا غرقى في الأحلام ، واليوم هم غرقى في المخدرات والنساء والأغاني .
شاب3 : أصيبوا بالاحباط بعدما صدموا .
شاب 1 : انتظروا كثيرا عودته ، يرجع ومعه الحلم والأمل ، ليصلح حياتهم .
شاب2 : وهل سنمضي حياتنا كلها في الكلام ، نشَخصُ ما حدث وما سيحدث لنا ، ونعدد الأسباب .
شاب3 : وما تظننا سنفعل ؟
شاب : أي شيء نفعله ، نخرج من دائرة الكلام ، وندخل في دائرة الفعل ، .
مرة واحدة في التاريخ ، نمسك أقدارنا بأيدينا ، نصرفها كما نشاء ، ولا ننتظر الآخر .
شاب1 : هذا العالم مظلم وظالم ، لا مكان لنا فيه .
شاب2 : نبرر انهزامنا ، وضعفنا وخضوعنا ، بقولنا أن هذا العالم ظالم.
شاب1 : ( يتلفت حوله ) أين ( سيف ) ؟ لماذا لم يحضر للآن ؟
شاب2 : إنه أشدنا إحباطا وحزنا ..ها هو ذا قادم .
سيف : ( يجلس متهالكا على المقعد ) كيف حالكم يا شباب ؟
شاب2 : إلى متى سنظل على هذا الوضع ؟
سيف : ( متضايقا ) أحيانا اتمنى لو لم اكن موجودا .
شاب1 : أنت أقوانا واشدنا إيمانا بالخير والعدل ، منك نستمد القوة ، فإذا كنت تقول هذا ، فماذا نقول نحن ؟
شاب2 : ( سيف ) ، أنت آخر أمل نتعلق به ، فإذا تسرب إليك اليأس ، فخير لنا أن نترك هذا العالم ، ونرحل للبحث عن عالم آخر .
سيف : ولكن بهذا نخون أنفسنا ونتخلى عن رسالتنا .
شاب1 : كأن عنترة خان نفسه ، وتخلى عن رسالته .
شاب2 : نحن للآن نجهل لم رحل .
شاب3 : ونجهل لم عاد .
سيف : كل ما فعلناه أننا أرجعنا فساد عالمنا إلى غيابه ، وعلقنا صلاح هذا العالم على رجوعه . وانتظرناه طويلا … لم نكن نعرف أننا كنا ننتظر المجهول .
شاب1 : وهل فعلا فساد عالمنا بسبب غيابه ؟
شاب2 : وهل يستطيع أن يصلح هذا الفساد ؟
سيف : ( متضايقا ) إنه وهم … ولابد أن نتخلص منه .
شاب3 : حتى ولو كان وهما .
شاب1 : فقد مزجناه بدمائنا وأحلامنا وأعصابنا .
سيف : وهذا ما يسمم دماءنا وأحلامنا .
شاب1 : ماذا تقصد ؟
سيف : كل الخيارات مفتوحة أمامي لأتخلص منه .
شاب3 : لا نملك حق هذا يا ( سيف ) .
شاب2 : حتى ولو كان وهما ، فلم يخولنا أحد أن نتخلص من هذا الوهم .
سيف : ( يشير إلى الجالسين في الجهة اليمنى ) هم لا يعرفون شيئا ، انظر إليهم أنهم كالريشة في مهب الريح .
شاب1 : لن نستطيع أن نخلصهم من هذا الوهم بدون أن نقدم لهم البديل .
شاب2 : البديل هما الحقيقة واليقين .
سيف : لا أملكهما .
شاب3 : إذن ليس من حقك أن تقضي على الوهم .
سيف : ( غاضبا ) أأنتم معي أم ضدي ؟
الجميع : ( في صوت واحد ) نحن مع الحق .
سيف : ( ساخرا ) الذي لا نملكه .
شاب1 : الذي نتمنى أن نكون قريبين منه .
سيف : سأتحمل وزر ذلك وحدي .
شاب2 : ولم أنت بالذات ؟
سيف : لأني كنت أكثركم وهما ، وأشدكم تمسكا به ، وأنا الذي أقنعتكم به ، وفتحت في قلوبكم مسالك له .
شاب1 : نحن المسؤولون أيضا ، فقد كنا في شوق لمثل هذا الإيمان .
سيف : ( ثائرا ) كفوا عن جدالي ، فلم أعد أحتمل ، لابد أن نطهر حياتنا من الوهم الذي عشنا معه ، وهمٌ أن ننتظر المخلص .. المنقذ الهادي ، نجلس على تخوم المدن ، نتسلق قمم الجبال ، ننتظر الريح أن تأتي بأخبار الغائب ، ننتظر نبيا في زمن يذبح فيه الأنبياء ، ليس هذا زمن الأنبياء .. ليس زمن أحد سوانا ، نحن … نحن .
شاب1 : اتبعناك في اندفاعك وراء الوهم ، ونخشى اتباعك في التخلص منه .
سيف : ( ينصرف ) أظن ستقولون ننتظر ، الانتظار جمرات تشتعل في دمي ، الانتظار ذاته وهم وعجز ، اتركوني أفعل ما أراه صوابا .
( ستار )
المشهد الثالث
يقف ( عنترة ) في المكان الذي قابل فيه ( عبلة ) من قبل ، يتلفت حوله ، ينظر داخل الكوخ ، ويدور حوله ، في جانب الكوخ عجوز تدير رحي في صمت .
عنترة : ( يحدث نفسه في صمت ) أين ذهبت ؟ كانت هنا بالأمس ! وتعرف أني سأحضر اليوم ، أين ذهبت يا ترى ، ربما ذهب لتملأ جرتها من البئر القريب من هنا … ولكني هنا منذ مدة طويلة ، ولا أرى أي أثر للحياة ، ولا أرى أحدا يمر من هنا [ يمر فارس ] أيها الفارس …. أيها الفارس .
الفارس : ( يتوقف متضايقا ) ماذا تريد يا هذا ؟
عنترة : ألا تعرفني ؟
الفارس : ( يتأمله ) من أنت ؟
عنترة : ليس هذا مهما الآن … كانت ( عبلة ) موجودة هنا بالأمس ، أتيت اليوم فلم أجدها .
الفارس : ( متعجبا) إني أمر من هنا كل يوم ، ولم أر أحدا يعيش هنا .
عنترة : كيف ؟! هذا كوخها .
الفارس : ( ينظر إليه ) إنه مهجور من سنوات .
عنترة : (وكأنه يحدث نفسه ) ومع من كنت أتحدث بالأمس … أأنت على يقين أنك تمر من هنا .
الفارس : كل يوم يا هذا ، المكان مهجور ، ولا يوجد سوى تلك العجوز ، التي تجلس أمام الرحي تطحن ، لعلك تقصدها
عنترة : ( ينظر نحو العجوز ) إني لم ألحظها من قبل ، لا ، أنا أقصد ( عبلة ) ألا تعرفها ؟
الفارس : لا … خلي سبيلي يا هذا لأنصرف .
عنترة : ( يتأمله ) ولكن أين سيفك يا هذا ؟
الفارس : ليس معي سيف ، وماذا سأفعل به ؟
عنترة : لا أتخيل فارسا بدون سلاحه .
الفارس : معك حق ، أنا نفسي لا أشعر أني فارس .
عنترة : إذن ماذا تكون ؟
الفارس : خيال مأته … شيء يخيفون به الأطفال الأشقياء .
عنترة : ألا تدخلون معارك أو تخوضون حروبا ؟
الفارس : تلك الأشياء لم يعد لها وجود .
عنترة : كيف ؟ وإذا دعت الضرورة إلى حرب .
الفارس : نحن على استعداد أن نفعل أي شيء إلا الحرب .
عنترة : تقصد تقدمون تنازلات كي لا تقوم حرب .
الفارس : تلك الأسماء فقدت بريقها ، ولم تعد تحرك ساكنا … ثم من أنت حتى تسألني كل تلك الأسئلة ؟ لعلك جاسوس .
عنترة ( ساخرا ) وهل هناك مبرر للجواسيس ، طالما لا يوجد حرب .
الفارس : نعم ، فنحن في عصر السلام .
عنترة : ( يتقدم منه ) انظر إلى جيدا …ألا تعرفني … لعل لون بشرتي تغير بعض الشيء .
الفارس : ( متأملا) لا أعرفك يا هذا .
عنترة : أنا ( عنترة ) ألم تسع عن معاركي وانتصاراتي .
الفارس : ( بدون اكتراث ) أظن بعض رفقائي تحدث عنك حديثا مقتضبا في ليلة كنا ندرب فيها كلاب الصيد .
عنترة : ألا تحفظ شيئا من قصائدي ؟
الفارس : لا .
عنترة : إذن ماذا تنشد حينما تريد أن تروح عن نفسك ؟
الفارس : أغاني كثيرة يا هذا … فأكثر شيء نفعله أن نغني
عنترة : أيمكن أن تسمعني بعضا منها .
الفارس : ( يتمايل ) سو يا سو …حبيبي حبسوه … البحر بيضحك ليه وأنا نازلة أدلع أملا القلل ….ماشي كده وعينه مني … وعامل أنه مخاصمني …الطشت قالي الطشت قالي …
عنترة : كفي … كفي …
الفرس : ( راقصا ) ولعها ولعها … شعللها شعللها …
عنترة : ( متوسلا ) كفي … قلت لك كفي … أتنشدون تلك الأشياء .
الفارس : نعم ، ليل نهار .
عنترة : والنشيد القومي … ماذا تقولون ؟
الفارس : الله عليك يا سيدي … قلبك داب في إيدي …. وتم تغييره .
عنترة : الحمد لله ..لأنه صراحة لا يصلح حتى لفرق الكشافة ، وماذا تقولون بعد تغييره .
الفارس : (راقصا ) إس … إس .. السلام عليكم إٍ س إس السلام عليكم ..
عنترة : ( مقاطعا ) ألديكم في الجيش سلاح راقص ؟
الفارس : لم ؟
عنترة : لأنك لم تتوقف عن الرقص .
الفارس : إني أتدرب .
عنترة : لم ؟
الفارس : سأدخل في مسابقة للرقص .
عنترة : ( متعجبا ) فارس يدخل مسابقة للرقص !!
الفرس : نتسلى في أوقات فراغنا . …أتريد شيئا آخر أيها الغريب ؟
عنترة : لا ، تفضل بالانصراف أيها الفارس الهمام . ( يحدث نفسه ) لقد تغيرت أشياء كثيرة أثناء غيابي …معقول ما أسمعه …ربما يكون هذا الفارس قد جن ،أو أصيب بلوسة ( يقلده ) ماذا… ولعها ولعها ….شعللها شعللها …والله عليك يا سو …حبيبي ولا أبويا حبسوه .. ( يتلفت حوله ) لأنتظر شخصا آخر لأسأله .
[ يدخل حطاب ، يحمل كومة من الحطب ]
عنترة : أيها الحطاب ، أريد أن أسألك .
الحطاب : ( يضع كومة الحطب على الأرض ) بدينارين .
عنترة : ( متعجبا ) السؤال !!
الحطاب : كومة الحطب .
عنترة : ولكني لا أريد حطبا .
الحطاب : إذن ماذا تريد يا هذا ؟
عنترة : أريد أن أسألك سؤالا .
الحطاب : أترى ماذا أبيع .
عنترة : ( متعجبا ) تبيع حطبا .
الحطاب : حطبا وليس أسئلة .
عنترة : نعم .
الحطاب : إذن ما تطلبه ليس عندي ، ولا تعطلني ، حتى أبيع الحطب لأشتري لأطفالي خبزا ، فلم يأكلوا منذ أمس .
عنترة : لم ؟
الحطاب : بعد أن بعت الحطب بالأمس ، وأثناء عودتي قابلني جابي الضرائب ، وأخذ كل ما معي من مال .
عنترة : ( متعجبا ) ضرائب على بيع الحطب . !!
الحطاب : هنا تفرض ضرائب حتى على من ينام في ظل شجرة .
عنترة : أتقول الحق ؟!
الحطاب : في يوم وأنا ذاهب إلى الغابة ، شعرت بالتعب ، فغفوت قليلا تحت ظل شجرة ، فإذا بجابي الضرائب يوقظني ويطلب مني دفع ضريبة النوم تحت الشجرة .
عنترة : لتلك الدرجة !!
الحطاب : أتريد شيئا آخر أيها الغريب ؟
عنترة : كانت هنا امرأة قابلتها بالأمس ، ألا تعرف أين ذهبت ؟
الحطاب : لعلك مخطئ ، فأنا أمر كل يوم منذ عشرين سنة ، ولم أر أحدا هنا .
عنترة : أأنت متأكد ؟
الحطاب : ( مشيرا إلى العجوز ) ربما تقصد تلك العجوز التي تدير الرحى .
عنترة : لا ، ما أقصدها كانت تجلس أمام هذا الكوخ ، وكانت شابة وجميلة .
الحطاب : ( يحمل كومة الحطب منصرفا ) لم يكن أحد يعيش هنا .
عنترة : ( يقترب منه ويمسك به في عنف ، فتسقط كومة الحطب ) كيف ؟ لقد كنت هنا بالأمس وتحدثنا سويا .
الحطاب : ( مفزوعا ) لا شأن لي بأحد ، لعلك غريب عن هنا ، الناس هنا لا يهتمون إلا بأنفسهم ، لا شأن لأحد بالآخرين .
عنترة : ( يتركه ) لم ؟
الحطاب : قيل لنا هذا .
عنترة : من الذي قال ؟
الحطاب : ( يحمل كومة الحطب ، وينصرف ) أظنك لا تريد حطبا ، إذن دعني ألحق السوق ، قبل أن ينفض .
عنترة : ( محدثا نفسه ) لشد ما تغير الناس ، أشم رائحة الفساد تنبعث من أركان هذا العالم ، …أين أنت يا ( عبلة ) ؟ أمعقول ما تحدثت إليه بالأمس كان وهما ؟! [ تدخل امرأة ومعها صبي ] لأسأل تلك المرأة ، علها تدلني على شيء …. يا أمة الله …يا أمة الله .
المرأة : ( مفزوعة ) ابعد عني أيها الرجل ، وإلا أصوت وألم الناس عليك وأفضحك ، وكفاية اللي أنا فيه من هم وكرب .
عنترة : ( ناظرا حوله ) أين هم الناس ، ما قصدت بك شرا .
المرأة : أنا أعرفكم أيها الرجال ، ما تكادون ترون امرأة ضعيفة وجميلة ، حتى تحاولوا استغلالها .
عنترة : أنا لا أرى فيك ضعفا ولا جمالا .
المرأة : نعم يا خويا .
عنترة : ( يمسك بيد الصبي ) لا أقصد ، ولكن لا أظنك ضعيفة ومعك هذا الرجل .
المرأة : ( تحيط الصبي بذراعيها ) إنه ابني .
عنترة : ولكن ما الهم والكرب الذي أنت فيه ؟
المرأة : زوجي .
عنترة : ما به ؟
المرأة : طفش يا خويا .
عنترة : لا أفهم ما تقصدين ؟
المرأة : ( تبكي ) ترك البلد وطفش ، وأنا وابني لا أحد يرعانا .
عنترة : ولكن ما سبب طفشانه ؟ أيمكن أن تكوني السبب ؟
المرأة : أبدا والله ، لقد كنت فرشه وغطاه ، وكنت أقبل الأرض التي يسير عليها .
عنترة : إذن ما سبب طفشانه ؟
المرأة : كان سعيدا ، ويضحك كثيرا ، وفجأة أصبح لا يتحدث ، ويمضي أكثر أوقاته شاردا ، وترك العمل واعتزل الناس وحبس نفسه في البيت .
عنترة : وما سبب كل هذا ؟
المرأة : ( مترددة ) حينما سألته عن سبب ذلك ، قال … قال إنه لا يشعر برجولته .
عنترة : أي لا يؤدي واجبه الزوجي .
المرأة : لا والنبي يا خويا … لم يتوقف ليلة واحدة عن أداء واجبه ، اسم النبي صاينه وحارسه .
عنترة : إذن ما معنى أنه لا يشعر برجولته ؟
المرأة : كان يتحدث عن أشياء لا أفهمها ، مثل الحرية والانهزامية والانسحابية ، ومدرك إيه ..
عنترة : زوجك نوع غريب .
المرأة : أغلب الرجال فعلوا ما فعلوا زوجي .
عنترة : تقصدين أن الكثير من الأزواج تركوا زوجاتهم ، وأولادهم وطفشوا ؟
المرأة : نعم .
عنترة : ولنفس السبب ؟
المرأة : نعم .
عنترة : وذهبوا يبحثون عن رجولتهم خارج الوطن ؟
المرأة : نعم .
عنترة : ولماذا لم يأخذوكن معهم ؟
المرأة : أظن لأننا نمثل عبئا عليهم .
عنترة : ( ساخرا ) أو لكي بحثوا عن رجولتهم كما يجب .
المرأة : ماذا تقصد يا رجل ؟
عنترة : الأمر واضح ، هم لم يطفشوا إلا منكن ، وذهبوا ليبحثوا عن نساء أخريات ، في أماكن أخرى ، لا تصلن إليها .
المرأة : ( غاضبة ) لا …لا …زوجي يحبني بصدق ، ( تجثو على ركبتيها وتحتضن ابنها ) ويحب ابنه ، لقد بكي كثيرا أثناء توديعنا ، إنه يحبه ويحب هذا الوطن .
عنترة : ( متعجبا ) إذن لماذا ترك وطنه ؟
المرأة : ليظل حبه موجودا في قلبه ، لقد أخبرني أن كل ساعة يقضيها هنا تنتقص من حبه ، وهو لا يريد أن يكرهه ، ولكن طالت غيبته ، البعض قالوا لي إنه مات ، والبعض قال إنه تزوج غيري ، والبعض قالوا إنه عاد ولكنهم سجنوه ، والبعض قالوا إنهم قتلوه .
عنترة : ( متعجبا ) من هؤلاء ؟ ولم يسجنوه ؟ ولم يقتلوه ؟
المرأة : لا أعرف .
عنترة : أنت تبحثين عن وهم .
المرأة : أن أقضي عمري أبحث عنه خير من أن أموت حسرة عليه ، وهذا الطفل الذي يستيقظ في جوف الليل ، يسألني عن والده ، ولا يعود إلى النوم إلا بعد أن أعده أننا سنبحث عنه في الصباح علنا نجده .
عنترة : قلبي معم أيتها المرأة المحزونة ، أعطيني اسمه لأبحث لك عنه .
المرأة : ( تنصرف ) اسمه عبد الرحمن ، ولو وجدته أخبره أو زوجتك فاطمة تنتظرك ، وابنك ( لولو ) ، نحتاجه ليبدد حزننا وينهي ليلنا الطويل .
عنترة : ( يضحك ) رجال يطفشون ، يبحثون عن رجولتهم … ولم فقدوها أصلا ؟ على هذا فالرجال الموجودون بلا رجوله … أه تذكرت …أيتها المرأة … أيتها المرأة ، يا أم ( لولو) ..نسيت أن أسألها . ( يجلس على صخرة في جانب المسرح ) وهل سأظل جالسا هكذا انتظر من يمر على ( ينهض ويتجه نحو العجوز ) لم يبق أمامي إلا أنت أيتها العجوز ، وما يدريني لعلى أجد عندك إجابة … السلام عليك يا أمي .
العجوز : ( تدير الرحي بيد ، وتشير له أن يجلس بجوارها باليد الأخرى ) …
عنترة : ( يجلس ) لم لا تتحدثين يا أمي ؟
العجوز : ( تحرك يدها علامة على عدم الفهم ) …
عنترة : ( يشير إلى فمها محاولا أن يفهمها ) ألا تتحدثين ؟
العجوز : ( تومئ بالإيجاب ) ….
عنترة : ( مفزوعا ) يا ربي …خرساء ، كيف سأفهمها ما أريده ؟ وصل بك الأمر يا عنترة أن تسأل خرساء …ربما تعرف شيئا ( يشير إلى حيث كانت تجلس عبلة ) عبلة كانت هنا بالأمس … ألا تعرفين أين ذهبت أو متى ستعود ؟
العجوز : ( تشير له أنها فهمت ما يقصده .. ثم تشير له أنها لن تعود أبدا )
عنترة : ( فرحا ) الحمد لله … إنها تعرف أن عبلة كانت موجودة …ولكن ما معنى أنها لن تعود أبدا ، ( يشير إليها متسائلا ) لم لن تعود أبدا ؟
العجوز : ( تشير إلى حيث أشار عنترة نحو مكان عبلة ، إنها لا توجد ،ثم تشير إلى رأس عنترة ) …..
عنترة : ( مندهشا ) ما معنى ذلك ؟ !
العجوز : ( تكرر ما فعلته ، وتضع إصبعها باتجاه رأس عنترة ) …
عنترة : تقصدين لا وجود لعبلة إلا في عقلي … أنها وهم ٌ.
العجوز : ( تشير بالإيجاب ) …
عنترة : ( غاضبا ) أنت لست خرساء ، ولكن مجنونة أيضا ، لقد أخبرتك أنني كنت هنا بالأمس ، وتحدثت معها .
العجوز : ( تشير إلى نفسها ، وكأنها تسأل هل رآها بالأمس ) …
عنترة : ( مندهشا ) الغريب أني لم أرك !
العجوز : ( تبسط أصابع يدها العشر ، وتشير للخلف ، بأنها قضت عشر سنوات لم تفارق المكان ) ….
عنترة : ( متلفتا حوله ) ربما أخطأت المكان …. ولكن هذا هو المكان الذي كنت فيه بالأمس ، ربما تقصد امرأة غير عبلة ، ( يخاطبها مستعينا بالإشارات ) أتعرفين عمن أتحدث ؟
العجوز : ( تشير بالإيجاب ) …
عنترة : اسمها عبلة …. عبلة .
العجوز : ( تشير إلى رأسه ) …
عنترة : ولكن ما الذي يدفعني أن أصدقك ، ربما تكونين مجنونة أو مخادعة .
العجوز : ( تتأمله ، ثم ترفع طرف البساط الذي تجلس عليه وتخرج وشاحا )…
عنترة : ( يختطف الوشاح ) أنه وشاحها ، إذن هي عبلة ، وهي حق وليست وهما كما تقولين … كدت أجن … دليلني أين هي ؟
العجوز : ( تكرر إشارتها له أنها موجودة في رأسه فقط ) …
عنترة : ( محتدا) كيف تقولين هذا … وهذا وشاحها ، إذن هي حقيقة وموجودة ، ( يجثو على ركبتيه ويمسك بيدها ) لن أتركك حتى تخبرينني عن مكانها .
العجوز : ( تتخلص منه ، وتنهض وتدخل الكوخ ) …
عنترة : ( يتأمل الوشاح بين يده ) أيتها العجوز … اخرجي وإلا دخلت لك .
( يدخل الكوخ ثم يخرج ) أكاد لا أصدق ، العجوز ليست بالداخل ، والكوخ ليس له إلا باب واحد ، بدأت أخاف ، أحس بالرعب يزحف على جلدي ، ربما أصبت بالجنون ، أتخيل اشياء لا وجود لها ، قدماي ترتعشان ، جبيني يتفصد عرقا ، ولكن الوشاح ، ربما يكون هو الآخر وهما ، ولو سألت عن العجوز سيقولون لا يوجد هنا عجوز ، تلك التي كانت تجلس أمامي طوال الوقت وتطحن ، ( يدير الرحي) ما هذا ؟ لم تكن تطحن شيئا طوال الوقت ، كانت تدير الرحي وحسب ( يدير الرحى ) لا شيء ، أي شيطان هذا الذي يعبث بي ، … أخرج وواجهني ، أخرج وسوف ألقنك درسا لن تنساه ، ما هذا الذي تقوله يا عنترة ؟ الجنون يدنو منك في ثقة …. تماسك …اجلس على تلك الصخرة القريبة ، واستعد ما حدث بالأمس …سألت عن ( عبلة ) فقيل لك إنها تعيش هنا ، ( يضرب رأسه ) يا ويلتي ، ما الذي جعل ( عبلة ) تعيش هنا منفردة وسط الصحراء القاحلة ؟ ولم تركت العالم والناس لتعيش هنا ، في هذا المكان المنعزل والذي أشعر أنه مسكون بالشياطين ؟ ها هو رجل آخر يقترب ، لأسأله …. أيها الرجل كان يوجد هنا .
الرجل : لا يوجد أحد هنا يا هذا .
عنترة : ( صارخا ) لا …لا ..شياطين الأرض تعبث بي ،أكاد أفقد عقلي ، أكاد أجن .
( ستار )
الفصــل الثـالــث
المشهد الأول :
مجلس شيوخ القبائل ، كؤوس الخمر على المناضد المتفرقة في المكان ، وبجوارها أطباق الفاكهة من كل صنف ونوع ، عدد من الحسناوات يعزفن ، وعدد آخر يرقصن ، والشيوخ يشربون ويأكلون ويستمتعون بالغناء والرقص والطعام ، يدخل عنترة .
عسران : جئت في وقتك ، اجلس وروح عن نفسك ، عش أيامك ، عش لياليك ، خلي شبابك يفرح بك .
عنترة : ( يتقدم ويقلب منضدة عليها زجاجات الخمر ، تتوقف الحسناوات عن العزف والغناء ) عندكم وحدكم سأجد الحقيقة ، بدونها قد أجن .
غيظ : أية حقيقة تلك التي تبحث عنها ؟
عنترة : حقيقة ما يحدث هنا … ماذا فعلتم بالعالم ؟
صخر : كل خير ، كل الأمور على ما يرام ، والأمن مستتب .
عنترة : كيف ؟! أنا لم أترك شارعا أو زقاقا ، سهلا أو واديا … كل شيء تغير .
فاتك : ( رافعا كأس الخمر ) تلك سنة الحياة يا عنترة .
عنترة :التغير إلى الأحسن هي سنة الحياة ، أما إلى الأسوأ فهي سنة الموت .
فاتك : وماذا بأيدينا أن نفعله … إذا كان الناس يريدون ذلك ؟
عنترة : الناس يريدون الحياة ، أنتم أفسدتم على الناس حياتهم .
عسران : وما الذي سيعود علينا من إفساد حياتهم ؟
عنترة : بقاؤكم مرتبط بهذا الفساد .
فاتك : ( غاضبا ومتقدما نحوه ) إلزم حد الأدب يا عنترة ، أنسيت من تخاطب ، أم غرك منا حسن استقبالك والحفاوة بك منذ رجوعك ؟
عسران : ( يتقدم من عنترة ويأخذ بيده ) مع من تقابلت ؟ وفيم تحدثت ؟
عنترة : ماذا تقصد ؟
عسران : هناك أخبار تملأ القرية ..أنك ترى وتسمع أشياء لا وجود لها وتهذي بأشياء غريبة ، وتسألهم عن أشياء لا وجود لها .
عنترة : ( يتخلص منه ) أين عبلة ؟
غيظ : ( يتذكر ) من عبلة تلك ؟
صخر : أظنني سمعت بهذا الاسم من قبل .
فاتك : ما أكثر الأسماء التي نصادفها في الطرقات .
عسران : وأين تلك الذاكرة التي تتسع لكل تلك الأسماء .
عنترة : ( متعجبا ) ألا تعرفون ( عبلة ) ، عروس قصائدي ، ريحانة آمالي ، قمر ليلي … ما من امرأة أو فتاة ألا وتمنت أن تكونها ، ما من رجل أو شاب غلا ويتمنى أن تكون حبيبته ؟!
الجميع : أه …. عبلة .
عسران : بعد أن رحلت وغبت تلك الغيبة الطويلة ، على ما يبدو أنها كانت تحبك ، فلم تحتمل بعدك عنها .
غيظ : فأثر عليها العشق .
فاتك : وأفسد عقلها .
صخر : وأخذت تهيم في الصحراء كالمجنونة .
عسران : ثم انقطعت أخبارها ، ولم نعد نسمع عنها شيئا .
فاتك : ربما تكون وحوش البرية أكلتها .
غيظ : أو هوت من فوق جبل فدق عنقها .
صخر : أو دفنت في رمال الصحراء بعد عاصفة هوجاء .
عسران : ثم ما سؤالك عن عجوز حيزبون ، وقد رجعت ومعك أجمل النساء وأطيب الفتيات .
صخر : جميع شباب ورجال القرية يكادون أن يجنوا من جمالهن .
عنترة : ومن أخبركم أنها عجوز ، وأنتم تقولون أنكم لم تروها منذ زمن بعيد ؟
صخر : نقصد أنها حتى ولو بقيت على قيد الحياة ، لصارت الآن عجوزا .
عنترة : ولكني رأيتها ، وما تزال في شابة .
صخر : ( متعجبا ) رأيتها .. وما تزال شابة ، إذن أنت في حاجة إلى طبيب .
عسران : ( يأخذ بيد عنترة ويجلسه على مقعد ويقدم له ماء ) أين ومتى رأيتها ؟
عنترة : ( يلقي بكأس الماء ) أتظنون بي الجنون ؟
عسران : لسنا نحن … ولكن الناس من تظن ذلك أيها المسكين .
غيظ : أنا لا أدري سبب بحثك عن ( عبلة ) لم تنظر للخلف ، لقد هاجرت عالمك القديم .
صخر : لم تود العودة الرجوع إليه ؟
فاتك : ذلك العالم لم يعد له وجود … أنت نفسك تغيرت ، لم يعد هناك علاقة بين عنترة الأمس وعنترة اليوم ، غير الاسم .
غيظ : ولو أنا منك ، أغير الاسم .
عسران : لا ادري ما سبب شغفنا بكل ما هو قديم ،وعشقنا الماضي .
صخر : نوع من المرض ، وينبغي أن نعالج منه .
عنترة : ( متعجبا ) أنتم الذي تقولون ذلك … الشيوخ !!
عسران : ( يحتضن فتاتين ) أنت الوحيد الذي يطلق علينا هذا الاسم ، نحن لسنا شيوخا يا عنترة .
غيظ : لا يغرك بياض الشعر .
فاتك : أو احدوداب الظهر .
صخر : أو وهن العظم .
عسران : هناك أمور كثيرة تختلط عليك يا عنترة .
غيظ : ( ينهض وينهض الجميع ) نحن مدعوون على سهرة صباحي ، عند أحد الأصدقاء ، فيها كل ما لذ وطاب ، وقد حان موعدها ، ما رأيك أن تصحبنا إلى هناك .
عسران : ولن تندم على ذلك .
عنترة : ( زائغ العينين ، واضعا يده على رأسه ) لا، اذهبوا أنتم ، فسأبقى .
[ ينصرف الجميع ، ويبقى عنترة بمفرده ، ويسود القاعة ظلام ]
عبلة : ( تدخل وتقترب منه ) هل الوشاح ما زال معك .
عنترة : ( يخرج الوشاح من جيبه ، ويشمه ، وكأنه يحدث نفسه ) ها هو ذا ؟
عبلة : أعطني إياه .
عنترة : ( منتبها واقفا ) أنت ؟ … أنت حقيقة أم وهم ؟
عبلة : ( تأخذ الوشاح ) أصبحت عاجزا حتى عن التفرقة بين الحقيقة والوهم .
عنترة : ( يدور حول عبلة ) لقد أخبروني ..
عبلة : ( مقاطعة ) أعرف ما قالوا لك … ( تدلل في مشيتها ) والآن ما رأيك ، أأنا حقيقة أم وهم ؟
عنترة : لعل حواسي تخدعني .
عبلة : وقلبك ؟
عنترة : حائر .
عبلة : وعقلك ؟
عنترة : متردد .
عبلة : ( ساخرة ) أنت إذن في مأساة .
عنترة : بيدك أن تخرجيني منها .
عبلة : كيف … وأنت للآن لم تعرف إذا كنتُ حقيقة أم وهما ؟
عنترة : اتمنى أن تكوني حقيقة … ولكن كل من حولي يقولون إنك وهم ، وإنك لا تعيشين إلا في خيالي .
عبلة : ( تذهب وتجيء وتجلس وتقف ) ولكني حقيقة أمامك .. وأتحرك ، وأجلس وأقف .
عنترة : لقد قرأت أن الإنسان إذا أحب وصدق في حبه ، يتحول الوهم عنده إلى حقيقة ملموسة .
عبلة : إذن أنا حقيقة ملموسة .
عنترة : نعم ،ولكن هذا بالنسبة لي فقط .
عبلة : وما شأنك بالآخرين .
عنترة : كيف لقد اتهموني بالجنون ؛ لأني أبحث وأسأل عن شيء لا وجود له .
عبلة : إذن اعتبرني وهما .
عنترة : لا أقدر .
عبلة : لم ؟
عنترة : لأني في حاجة إلى حقيقة .
عبلة : مشكلتك في أن تقنع الناس أن ما تراه حقيقة وليس وهما .
عنترة : وكيف أستطيع ذلك ؟
عبلة : أن ترجع إلى الناس .
عنترة : ( متضايقا ) إنهم يسخرون مني ،ويهزأون بي ، في نواديهم والمقاهي والحانات .
عبلة : ينفسون عن أنفسهم .
عنترة : بالسخرية والتكيت .
عبلة :لأنهم يحبونك .
عنترة : وأنا أحبهم .
عبلة : ما أحببت إلا نفسك . …إذا أردت أن تخرج من تلك المأساة ،فعد إلى الناس .
عنترة : لم أعد إلا من أجلك .
عبلة : أنا واحدة من الناس ، وإذا كان حبك لي سيمنعك من العودة إليهم ،فخير لك ولي أن أظل وهما .
عنترة : الناس هم أكبر وهم … اسم بدون مسمى .
عبلة : بدونهم أنت عاجز عن فعل أي شيء .
عنترة : ( بنفاد صبر ) في حاجة إلى أن أعود إلى نفسي ، لقد تغربت كثيرا عنها …لم استطع أن أكون شيئا غير عنترة … وفي نفس الوقت ضللت عنه ..أنا تائه تائه .
عبلة : بهم ومعهم ستجد كل ما تبحث عنه .
عنترة : ( يستدير ويسير إلى آخر المسرح ،ثم يستدير إليها فلا يجدها ، يجري في اتجاهات مختلفة ) عبلة ….. عبلة ( يقف وسط المسرح ويجثوعلى ركبيتيه) أي شيطان لعين يعبث بي ؟ أم أن عقلي قد اصابه عطب ؟ أم أن ما أراه روح عبلة تنتقم مني ، ولكن روحها رحيمة لا تضمر الانتقام ، وكلامها يدل على أنها ما تزال تحبني ( ينهض ) إنها الروح الرحيمة … رحماك … رحماك .
( ستار )
المشهد الثاني :
الشهباء وعمران يجلسان أمام الخيمة ، ومعهما عنترة ، في الخلفية صحراء ممتدة ، وعدد من النخلات ، وعدد من العنزات تمرح هنا وهناك ، صخور متناثرة .
الشهباء : ستظل هكذا تائها حائرا ، لأنك لا تريد أن تفهم شيئا .
عمران : شهباء .
عنترة : أرجوك يا والدي ، دعها تتكلم ( ملتفتا إليها ) ما هذا الشيء الذي لا أريد أن أفهمه .
الشهباء : لقد عدت وفي ظنك أن العالم الذي تركته هو هو …. حتى أنت .
عنترة : ( يحدث نفسه ) لا العالم عالمي … ولا أنا أنا … وإذا رفضت كلامك أن العالم هو هو لم يتغير ، وأني أنا لم أتبدل ؟
الشهباء : ستظل في حيرتك وضلالك .
عنترة : ( غاضبا ) كلامك ينفذ كالسم إلى أعضائي ، يهد قواي ، ولكن لا … إنكم تتأمرون على ، منذ أن وطأت قدماي الأرض هنا ، وأشعر أن لعنة قد حلت بكم وبي ، طاب لكم غيابي ، وظننتم أني لن أعود ، ولكني عدت ، وسأثبت لكم أني عنترة ، وهذا سيفي سأحطم رأس كل من يقف أمامي .
الشهباء : ( ساخرة ) كالثور الذي يحاول أن يدفع بقرنه العالم إلى الوراء .
عنترة : ( متجها إلى أبيه )… وأنت يا أبي … لم لا تتكلم .. أتوافقها على ما قالته ؟
عمران : للأسف يا بني ، كل ما قالته الشهباء صحيح .
عنترة : ( يتهاوى على صخرة ) لو نزلت على صاعقة من السماء لكانت أخف من أثر كلامك ( ساخرا ) أول مرة أراك تتفق والشهباء … طوال عمركما مختلفان ، إلا على هذه المرة ، فأنتما متفقان على أن تدفعاني إلى الجنون ….( ينهض ) ولكني سأقف أمكامكم كلكم ، وليست المرة الأولى التي أقف فيها أمام العالم .
الشهباء : أنت تريد أن تعيد العالم إلى الوراء .. وقد تستطيع أن تفعل أي شيء إلا هذا .
عنترة : ( غاضبا ) إذا كان صلاح العالم في عودته إلى الوراء ، سأعيده ، وبسيفي هذا .
سيف : ( يدخل ويتأمل عنترة ) أأنت ؟
عنترة : من أنت ؟ فإني لا أعرفك .
سيف : ( يدور حوله ) ولكني أعرفك … أكبر أكذوبة في التاريخ .
عنترة : ( يلمس مقبض سيفه ) متآمر آخر من المتأمرين .
عمران : إنه (سيف ) ، بن سلمى ، كان صغيرا حينما سافرت .
عنترة : إذن هو لا يعرفني .
سيف : سقاني جدي تاريخك ، ولكنه للأسف أكاذيب ملفقة .
عنترة : ( مخاطبا والده ) ماذا حكيت له عني ؟
عمران : كل شيء .
الشهباء : جعلت كل أيامه حكايات عن غائب لا يعود ، لم تحرضه على الفعل ، جعلت منه متيما بصنم ، يقضي عمره بالطواف حوله .
عنترة : أنا لست صنما يا شهباء ، لست صنما يا والدي ، أتفهم يا ( سيف ) لست صنما ، أخرج سيفك لترى من أنا .
سيف : ( يستل سيفه بدون تفكير ) كنت اتمنى تلك اللحظة ، وها هي .
عمران : ( منزعجا ) اغمد سيفك يا ( سيف) فلا قدرة لك بمواجهة عنترة .
سيف : أظنك ما زلت تواصل خداعي يا جدي ،لقد صدأ سيفه ، ولم تعد يده قادرة على حمله ، إنه يرتعش .
عمران : ( متضرعا ) إذن أغمد سيفك يا عنترة .. فلا قدرة له على مواجهتك .
عنترة : لم تعلمه أن يحترم سيده .
سيف : ليس لي سيد إلا نفسي .
عمران : لا أصدق أن يلتقي سيفاكما .
الشهباء : كان لابد أن يلتقيا أيها الشيخ المأفون ، وماذا كنت تظن غير ذلك .
عمران : أنت شيطانة ، كلماتك أشعلت النار التي حاولت أن أطفئها منذ أن عاد .
سيف : ( يبارز) سأريك أني لم أعد صغيرا .
عنترة : ( يبارز) من علمك هذا الأسلوب في المبارزة أيها الغر ؟
سيف : علمني من علمك .
عنترة : ( يتفادى ضربة ) تنقصك الخبرة .
سيف : ( يتلقي ضرب قوية بسيفه ) وأنت تنقصك القوة التي فقدتها بمرور الزمن .
عنترة : الزمن لم يزدني إلا قوة أيها الأرعن .
سيف : (يطير السيف من يده ) لقد خدعتني وفجأتني .
عنترة : أظن أن سيفي لم يصدأ .
سيف : ( يقفز ويلتقط سيفه ) لا تظن أني سأستسلم بسهولة .
عنترة : ( يعاود المبارزة ) حركة طائشة كان من الممكن أن تكلفك حياتك . سيف : ولم لا تكون حركة طائشة كان من الممكن أن تكلفك حياتك ؟
عنترة : إن مظهرك خادعا ، فأنت ماهر في استخدام السيف .
سيف : حكمك على الأشياء لا يصادف الحقيقة .
عنترة : ( يضرب بقوة فيطير السيف من يد سيف ) مع مهارتك ينقصك الكثير .
سيف : ( يقف أعزل ) لك أن تغمد سيفك في قلبي .
عنترة : أظن أن هذا برهان ان سيفي لم يصدأ .
سيف : وربما تنقصني المهارة كما قلت .
عنترة : ( يخرج ) إذن خذ وقتك لتدرب ، وسنعاود المبارزة أمام أكبر تجمع في القرية ، اذهب والتقط سيفك .
عمران : ( يسرع إلى سيف ) لم اكن أتصور أن يصير الأمر إلى ما صار إليه .
الشهباء : وهل تخيلت في يوم أن الأمور تسير على ما تهوى أيها المأفون .
عمران : سيف …. لن تعاود مبارزة عنترة ….. أنسيت من هو ؟
سيف : لن أشفى إلا بقتله .
عمران : أنت لم تناقشني في هذا الأمر .
سيف : هذا قرار اتخذته بنفسي .
الشهباء : الشيء الوحيد الذي مارست فيه حريتك .
سيف : ولكن لا أدري إن كان خطأ أم صوابا .
الشهباء : لتخطيء بملء حريتك ، لأنك ستتحمل بكامل مسئوليتك .
عمران : أنت تدمرين كل شيء ، لو كنت أعرف أنك ستتكلمين ، لقطعت لسانك .
سيف : (يذهب إلى جدته ويقبل رأسها ) كثيرا ما أسأل نفسي يا جدي ، ماذا لو كانت الشهباء هي التي تولت تعليمي ، وتربيتي بكل قسوتها وشدتها وصراحتها ؟
عمران : كنت ستكره كل شيء جميل في الحياة .
سيف : ( يقلب سيفه بي يديه ) على الأقل كنت لن أخدع .
عمران : ما خدعت ، ولكن الأقدار … الإنسان كائن قدري مساق أمام القدر ، كلنا دمى في يديه .
الشهباء : هذا ينطبق عليك وحدك … الإنسان قوي يملك مصيره ، الأمر في حاجة إلى قسوة وشدة على النفس ، ولكنك أفسدت كل شيء .
عمران : ( يجذب سيف ) لا تصغ غليها يا سيف … المهم الآن ألا تقابل عنترة …فهو مجروح .
سيف : أعرف ذلك ،وسيتخذني دواء لجرحه … عنترة انتهى سواء قتلني أم قتلته .
( ستار )
المشهد الثالث :
يقف ( سيف ) وسط المسرح ، بعض الشجيرات هنا وهناك ، جزع شجرة يجلس علسه ، ينهض خطوات ، يسل سيفه ويطعن في الهواء ، ويوقم ببعض الحركات البهلوانية ، تدخل ( فجر ) .
فجر : لقد بحثت عنك في كل مكان … أحقا ما سمعت ؟
سيف : ( يغمد سيفه ) وما سمعت يا حبيبتي ؟
فجر : أنك ستبارز عنترة .
سيف : وهل في هذا ما يدعو للعجب ؟
فجر : ( تجلس على جذع الشجرة ) منذ أن أحببتك ، لم تعرف الراحة والاطمئنان طريقهما إلى قلبي .
سيف : لم كل هذا ؟ أفعلت ما يسوء ؟
فجر : معنى انك ستبارز عنترة أنك مقتول لا محالة .
سيف : ( يخرج سيفه من غمده ويتأمله ) عنترة لم يعد كما كان .
فجر : حتى لو لم يكن عنترة .
سيف : لم ؟ ألا تثقي في يا فجر .
فجر : تهورك جعلم هدفا لعنترة ليثبت لك قوته .
سيف : وأنا سأثبت عكس ذلك .
فجر : ( تنهض وتقترب منه ) ما الذي تريد أن تثبته للناس ظ
سيف : أنه وهمٌ .
فجر : هم يدركون ذلك .
سيف : ولكنهم في حاجة إلى من يطهرهم من هذا الوهم .
فجر : لا يا سيف … أنت الذي تريد أنتطهر نفسك .
سيف : وأنا واحد من الناس .
فجر : الناس لا يريدون ذلك .
سيف : ولكني أريده .
فجر : إذن هو ثأر شخصي .
سيف : ثأر جماعي …ولكن على وحدى الأخذ به .
فجر : على هذا لابد أن تقتل شيوخ القبائل ، وجدك وأبي … فهم شركاء في الخداع ، أو الذي تعتقد أنه كذلك .
سيف : نعم ، فهم مسئولون عن الفساد الذي نعيش فيه ، وعما صرنا إليه .
فجر : ألا ترى أنك جزء من ذلك .
سيف : وما سوف أفعله إبراء لذمتي ،وتكفيرا عن ذلك .
فجر : وإذا قتلك عنترة ؟
سيف : ستطهر دمائي الناس من الوهم .
فجر : الناس … الناس .. وما شأنك والناس ، أتظن بعد أن تقتل سيستذكرك أحد .
سيف : الذكرى ليست ثمنا للدم .
فجر : إذن ما جدوى ما تفعله ؟
سيف : أن تكون للحياة قيمة .
فجر : بالموت ظ
سيف : في بعض الأحيان تكون المعادلة هكذا ، الحياة تساوي الموت ، والموت يساوي الحياة .
فجر : ( متضايقة ) كما عودت قلبي على حبك ، كان يجب أن أعوده على كراهيتك .
سيف : (يقترب منها ممسكا بيدها ) وهل تستطعين ذلك ؟
فجر : ( باكية ،تخلص يجها من يديه ، تنصرف ) اترك يدي ، لقد أحببت إنسانا مجنونا .
سيف : لو تعلمين كم أحبك .
[ يدخل شابان ورجل ]
سيف : لقد أنتظرتكم طويلا .
شاب1 : أمازلت مصرا على موقفك ؟
سيف : ( غاضبا ) كفانا إضاعة للوقت .
شاب2 : هاهو ذا من سيدربك على الاستخدام الجيد للسيف ز
سيف : أأنت ماهر في استعمال السيف .
الرجل : أنا الوحيد في العالم الذي لم يهزمني عنترة .
سيف : ( مندهشا ) لم ؟
الرجل : ( ضاحكا ) لأنه لم يبارزني .. ولكنك لم تخبرني ..لماذا ستبارز عنترة .
سيف : ليس هذا شأنك .. أريدك أن تعلمني جميع فنون السيف ، القديم منها والجديد ، لا أريد أن أكون الخاسر .
الرجل : ( يخرج سيف) إذن سل سيفك ، ولا تهدر وقتك .
( ستار )
المشهد الرابع :
المقهى : رواد كثيرون يرتدون ملابس غريبة ، ويضعون السيوف على المناضد ،والبعض يحد شفرة سيفه ، واثنان وسط المكان يتبارزان .
شبكشي : لا حول ولا قوة إلا بالله ن البلد اتجننت ، كل واحد معلق سيفه برقبته ، وهجروا كل الألعاب من كورة وشطرنج وطاولة ، وليل نهر يتدربون على السيوف .
مرزوق : من ساعة ما انتشر خبر مبارزة الشاب لعنترة .
سيد : سمعت أنه سيبارزه هنا في الساحة أمام المقهى .
أنس : يا أخي حاجة غريبة ، اثنان سيتبارزان ، ما شأن بقية الناس ؟
شبكشي : بيقولوا أن كصيرا من الناس ح يتبارزوا على هامش المبارزة .
مرزوق : يعني إيه على هامش المبارزة يا شبكشي ؟
شبكشي : أنت مش بتسمع أخبار لما مؤتمر القمة بيعملوه ؟
مرزوق : أنت عارف أني ماليش دعوة بالسياسة ، ثم إني كل ما افتح التليفزيون ألاقي مؤتمر قمة ، أروح قافلة تاني … أنت بتقصد أي مؤتمر .
شبكشي : المؤتمر اللي شتموا وضربوا بعض .
مرزوق : قول كده …. أنا عرفت دلوقت .. إيه لزمة تقولي مؤتمر قمة وتوهني ، أنت تقول المؤتمر اللي بيحصل فيه ضرب وشتيمة ، وأطباق بتطير ، وكراسي في الكلوب .
شبشكي : بس المؤتمر ما كنش فيه كلوبات يا مرزوق .
سيد : هو فرح بلدي يا مرزوق .. كلوبات إيه ، وكراسي إيه ، قول كرسي فوتيه في النجف .
أنس : إنما قولي يا شبكشي …ليه الجماعة دلهم ما يتعاركوش ويشتموا بعض قبل ما يدخلوا الفسحة الكبيرة ؟
شبكشي : تقصد القاعة .
أنس : إيوة القاعة .
الشبكشي : الظاهر يا أنس يا خويا أرض القاعة مرشوشة بمية عمل ، اللي ما يتسموش جابوا اسم أم كل واحد، وجابوا أتره ، وعملوا لهم عمل بالكره ، تلاقيهم حلوين وهاديين قبل ما يدخلوا ويترستأواعلى كراسيهم ، تلاقي فجأة كل واحد شايط في التاني ، وهات يا ضرب ، وهات يا شتيمة .
أنس : ( ضاحكا ) حقهم يرشوا الفسحة بمية وملح ، علشان يبطلوا العكوسات دية .
سيد : تقصد بمية وسكر .
مرزوق : كده الدبان ح يتلم عليهم .
سيد : ولا القرارات ح تكون ملزقة قوي .
شبكشي : المهم يا (أنس ) فيه اجتماعات بتحصل على هامش المؤتمر .
سيد : تقصد اجتماعات ومناقشات دكاكيني من تحت لتحت .
سيد : يا بني من فوق لفوق … دا اسمه مؤتمر قمة .
شبكشي : أنت النهاردة شارب إيه يا ( أنس ) .
أنس : قرفة .
شبكشي : أنت مخك يقرف بلد … المهم فيه ناس ح تتبارز قبل وبعد مبارزة عنترة مع الشاب إياه .
سيد : بس تفتكروا مين ح يغلب ؟
أنس : عنترة طبعا .
مرزوق : ليه يا فالح ؟
أنس : يا أخي الدهن في العتاقي برضة .
مرزوق : ما تنساش ، برضه الشباب كله قوة وفتوة .
شبكشي : ما حدش يعرف الشاب دا اسمه إيه ولا شكله إيه ؟
أنس : نسأل شلفطة ، يمكن يعرفه … يا شلفطة .
شلفطة : ( يتمنطق بسيفين ) أيو جاي .. تشربوا إيه ؟
شبكشي : ( ضاحكا ) حتى انت يا شلفطة ، تحمل سيفا .
شلفطة : أوامر المعلم .
شبكشي : طاب أنت شايل سيفين ليه ؟
شلفطة : يمكن حد يطلب سيفا مع المشاريب .
شبكشي : ألا ما تعرفش مين اللي ح يتبارز مع عنترة ؟
شلفطة : أنت مش كنت بتشوف الشاب اللي بيقعد في الركن هناك ده .
شبكشي : إيوه … الشباب اللي طول الوقت بيتكلموا كلام غريب ما نفهموش .
شلفطة : فيهم شاب زي ما تقول كده زعيمهم ،كلهم بيحترموه وبيسمعوا كلامه ..اسمه ( سيف ) .
أنس : وإيه الفايدة من المبارزة دي ، وإحنا ح نستفيد ؟
شبكشي : أي حاجة تتعلق بعنترة تهمنا ، أنت نسيت عنترة بالنسبة لنا إيه ؟
أنس : زمان … أما دلوقت .
شبكشي : إزاي تنسى يا (سيد) دا عمرنا كله ، وكان الزمن الجميل .
سيد : ( يحرك أوتار العود) كنا مجانين .
شبكشي : كانت حياتنا حلوة بالجنون ، دلوقت مش قادرين نكون مجانين .
مرزوق : أنا دلوقت عرفت … أنتم عارفين الشاب عايز يبارز عنترة ليه .
أنس : ( ساخرا ) ليه يا عبقري زمانك وفريد عصرك وأوانك ؟
مرزوق : علشان ياخد مكان عنترة .
سيد : هوعاد له مكانة .
أنس : مش لو انتصر الشاب على عنترة .
شبكشي : متنساش أن عنترة بيدافع عن مكانته أمام كل الناس ، اللي شعر أنه فقدها بعد رجوعه .
رجل عجوز : ( يقترب منهم يدب على عصاه ، وكان يجلس يتابع كلامهم ) إن سمحتم أتدخل في الكلام .
شبكشي : ( يتأمله ) مين أنت ؟
العجوز : اعتبرني عابر سبيل .
شبكشي : اتفضل قول اللي أنت عاوزه يا عابر سبيل .
العجوز :انتم دلوقت مش راضين عن عيشتكم …صح .
شبكشي : مافيش حد راضي عن عيشته يا ولدي .
العجوز : وكنتم سعداء وراضين أيام عنترة ؟
أنس : أيوة .
العجوز : أمال أنتم كارهين عنترة ليه ، وكارهين إن أيامه تعود ليه ؟
شبكشي : أما إحنا كارهين عنترة ، فده غير صحيح ،وأما إن أيامه تعود فده مستحيل ، ولو عادت مش ح تكون أيام عنترة .
سيد : ( يدندن على أوتار العود ) عمر اللي فات ما ح يرجع تاني ، كان حلم جميل .
أنس : قدر ومكتوب علينا … فيه ألف عنترة مكن يعملوا اللي عمله ، بس إحنا عبيد الماضي ، وبنخاف من الجديد .
مرزوق : ماهو مش ح ياخد زمنه وزمن غيره .
العجوز : ومين غيره تقصد ؟
مرزوق : الشاب اللي زي الورد .
العجوز : طول غيابه محدش من الشباب اللي بتتكلم عنهم حل محله .
مرزوق : كانوا منتظرين .
سيد : فاكرين اللي فات ح يرجع تاني .
العجوز : وأنتم تتمنوا مين اللي يغلب … الشاب ولا عنترة ؟
شبكشي : إحنا خايفين على الشاب .
سيد : وفي نفس الوقت زهقنا من عنترة .
العجوز : أفهم من كده انكم لا تتمنوا الشاب يغلب ولا عنترة ؟
مرزوق : نضمن منين اللي يجي بدل عنترة انه ما يعملش زي ما عمل عنترة ؟
أنس : ويمكن تتزفت الحكاية على إيده أكتر ما اتنيلت على إيد عنترة .
شبكشي : الله يا أنس …ما هو لابد يكون فيه واحد نمشي وراه … علشان يصلح حالنا … أمال مين يقودنا ، ومين يحقق أحلامنا ؟
العجوز : أنتم .
الجميع : ( في صوت واحد ) إحنا ؟!
العجوز : ليه لابد يكون فيه واحد هو اللي يتولى تحقيق أحلامكم ، حققوها أنتم .
شبكشي : بس إحنا على قد حالنا ، لا عندنا علم ولا خبرة ، ولا جرأة ولا شجاعة ، والأهم ما فيش وقتعندنا ، طول النهار نسعى على لقمة عيشنا ، وبنتجمع هنا كل يوم ىخر النهار ساعة ولا ساعتين نفضفض عن نفسنا .
العجوز : على كدة ح تبقوا طول عمركم في الهم والكرب دهمستنين فلان وعلان ؟
شبكشي : والله كلامك معقول .
سيد : والله كلامكم أنتم الاتنين فاضي … يا جماعة لابد يكون فيه واحد نمشي كلنا وراه ، هي الحكاية إيه سبههلة !
شبكشي : قصدك يمشي وإحنا نقعد ، يعمل وإحنا نحلم ، ننام وهو صاحي ، ما عدش ينفع الكلام ده يا ( سيد ) كلام العجوز كشف لنا حاجات كتيرة كنا غافلين عنها .
أنس : أنا موافق على كلامك ، فلو كنا مع عنترة ، خطوة بخطوة ، ما سمحنا له أن يتركنا ،ويغيب الغيبة الطويلة دي ، وييجي شيوخ القبائل يفسدوا علينا كل شيء .
مرزوق : إحنا ما نقدرش نعمل لوحدنا … على الأقل يكون فيه واحد متنور ، وإحنا معاه ، وإن غلط نقول اللي ح تعمله ده غلط ، وإن كان ح يعمل حاجة مش على مزاجنا نقول له لا يا عسل .
سيد : وإن عاملها غصب عنا .
مرزوق : نقول لع على كيفك يا بصل .
شبكشي : انتو وجعتوا دماغنا .. هاتوا حاجة نشربها ، وغني لنا حاجة يا ( سيد) وشوفوا العجوز يشرب إيه … منور يا با .
( ستار )
المشهد الخامس
المكان الذي قابل فيه ( عنترة ) ( عبلة ) أول مرة ، يجلس مفكرا، فتدخل عليه ( عبلة ) كطيف .
عنترة : ( ينتبه ويتجه إليها ) وهمٌ أم حقيقة ؟
عبلة : لا يشغلنك هذا الأمر … ماذا فعلت منذ أن تركتك ؟
عنترة : تخفيت وتنكرت في أشكال كثيرة ،وتجولت في القرية ، لم أترك مكانا إلا وجلست وتحدثت وتناقشت وتحاورت .
عبلة : وبماذا خرجت ؟
عنترة : ( ينكس رأسه ) كل ما قالته (الشهباء) صواب … تلك التي كنا نظن بها الجنون ، وأنت يزيد يقيني كل لحظة أنك لست وهما ، حينما اخبرتيني أنا أجالس الناس … وكأنك ترشديني إلى البوصلة التي استعين بها لأحدد طريقي .
عبلة : واهتديت ؟
عنترة : ( يقف ويسير خطوات ) الناس لا يريدون عنترة ، أصبحت بالنسبة لهم ، شيئا جميلا يتفكهون به وعليه في ليالي الصيف الجميلة ، أو يتندرون عليه في وقت الشدة .
عبلة : وماذا يريدون ؟
عنترة : لا يعرفون … هم تائهون ، لأنهم لم يتعلموا الدرس .
عبلة : أي درس ؟
عنترة : درس غيابي عنهم ،وألا يضىعوا أحلامهم على أكتاف من يحققها لهم .
عبلة : وعلى أي أكتاف يضعونها ؟
عنترة : على اكتافهم هم ، لا أدري من زرع في قلوبهم وعقولهم أنه يجب أن يكون هناك بطل عظيم أقوى منهم ، قادر على ما لا يقدرون عليه .
عبلة : وما في ذلك ، لقد قمت به زمنا .
عنترة : لا ، الناس ليسوا في حاجة إلى مثل هذا الشخص ، وإنما هم في حاجة إلى بعضهم البعض ، يصلحون فيما بينهم أولا ، لأنهم الآن متقاطعون منفصلون ، كل منهم يتحدث لغة غير التي يتحدث بها الآخر ، أحلامهم مختلفة ، أمانيهم متناقضة ، نظراتهم ، عقولهم ، إنهم عقد انفرطت حباته ، واصلاح هذا لابد أن ينبع من داخلهم ، لا أحد يستطيع ذلك غيرهم .
عبلة : ( تتأمله ) لم أعلم أنك تحب الناس إلى تلك الدرجة ، لقد تغيرت كثيرا يا عنترة ، وكأني اتحدث مع شخص لا أعرفه .
عنترة : كنت أعيش داخل قوقعة ، لم أكن أحب إلا نفسي وأنت ، ولكن حبنا جعلني اقترب منهم وتعايشت معهم ، أشفقت عليهم مما هم فيه .
عبلة : وماذ ستفعل بشأن المبارزة ؟
عنترة : لست حريصا على قتل ( سيف ) .
عبلة : ولكنه حريص على قتلك .
عنترة : لم ؟
عبلة : ألم تشعر بذلك ؟
عنترة : نعم ، أثناء المبارزة ، ولو مكنته من ذلك لقتلني ، ولكن لم أسأل نفسي عن سبب إصراره على قتلي .
عبلة : مع انه كان أشدهم حبا وإعجابا بك ن إنه يحفظ شعرك كله ، وكان يقلدك في كل شيء ، والويل لمن ينالك بسوء أمامه .
عنترة : ( متعجبا ) عجبا له ، أيدفعه كل هذا الحب إلى قتلي ؟ أيمكن أن يحدث ذلك ؟ حب إلى درجة القتل !
عبلة : لم لا ؟ ألم تكن تهددني بالقتل أثناء سورات غضبك ، والدافع لذلك حبك لي .
عنترة : لا ، الأمر مختلف مع هذا الولد ، فهو الوحيد الذي استطاع أن يتحرر من الوهم ، يتخلص من الحب المدمر ، الوحيد الذي استطاع أن يقتلني داخله ، ولكن الذي لا أفهمه لم يريد أن يقتلني حقيقة .
عبلة : لا أفهم مما تقوله شيئا .
عنترة : ( يقترب منها ويمسك بيدها ) هل من المعقول أن نضيع تلك اللحظات في هذا الحديث الممل ؟
عبلة : ( تقترب منه أكثر ) إذن فيم نتحدث ؟
عنترة : في الحب .
عبلة : حب من ؟
عنترة : حبك … أريد أن أكتب قصائد لم أكتبها من قبل ، جوانحي تفيض بالحب والعشق .
عبلة : ( تتخلص منه ) حتى لو كنت وهما لا وجود له .
عنترة : حتى لو كنت وهما وخيالا…. فما نحن إلا خيالات على صفحة الزمن .
عبلة : ( تقترب منه وتمسك بيده ) وهم ٌ يحب وهما .
عنترة : ( يعانقها ) إذا كان الحب يجمع بيننا ن فما ضرنا إذا كنا وهما .. دعيني أشعر بدفء الحب ، فجبال من الثلج تطفو في عروقي .
( ستار )
المشهد السادس :
الساحة الواسعة أمام المقهى ، يتجمع فيها أغلب شخصيات الحدث ، وعدد كبير من الشباب يتدربون بالسيوف انتظارا لقدوم عنترة، الجميع في حالة قلق واضطراب .
سلمى : لم أتصور أن يأتي يوم تعصي فيه أمري يا (سيف ) .
سيف : لقد تناقشنا طويلا في هذا الأمر يا أمي .
سلمى : ( تبكي ) لا أتخيل أني سأفقدك بعد وقت قصير يا (سيف ) .
سيف : ( متعجبا ) اطلعت على الغيب يا أمي … ربما أقتله .
سلمى : محال يا بني … لم يبارز عنترة أحدا إلا وانتصر عليه .
سيف : ( يجهز سيفه ) وقت أن كان عنترة .
سلمي : ألم يبارزك بالأمس القريب وأوشك أن يقضي عليك ؟
سيف : لقد فاجأني .. وأخذني على حين غرة .
سلمي : ( تحدث الشهباء متضرعة ) ألا تخافين على حفيدك يا أمي ؟!
الشهباء : ( بثبات ) وعنترة ابني .
سلمي : ستفقدين أحدهما .
الشهباء : أفضل من أن أفقد كليهما .
سلمى : ولم ؟
الشهباء : القدر يا ( سلمى ) ، القدر يا بنتي .
سلمى : (تتجه إلى والدها) أبي .. تحدث إلى ( عنترة ) لينهي تلك المهزلة .
عمران : لن نستطيع أن نقف أمام القدر يا حبيتي ، فوضي الأمر لله .
سلمي : ( بعناد ) إذن سأتحدث مع (عنترة) وأقنعه .
عمران : لقد عجزت عن إقناع ( سيف ) فما بالك بعنترة ؟
سلمي : والعمل يا أبي ؟
عمران : كما قلت لك ، فوضي الأمر لله .
شاب1 : ( يتقدم من سيف ويسر إليه ) مازال أمامنا متسع من الوقت لننسحب.
سيف : لا تخش شيئا ، وقدر الله نافذ .
شاب1 : أتيتك بمجموعة من الشباب الأشداء ، ما رأيك يتدخلون في الوقت المناسب ويجهزون على عنترة .
سيف : ( يقلب السيف بين يديه ) إذا كنا ننوي فعل ذلك ، فالانسحاب أشرف لنا .
شاب1 : الكثيرون لا يتوقعون لك الفوز .
شاب2 : ( معاتبا ) أهذا الوقت المناسب لتقول ذلك ؟
شاب1 : الواجب علينا ان نبصره بما هو مقدم عليه .
شاب2 : لقد تعدى تلك المرحلة ، وليس أمامه إلا المبارزة ، مهما كانت العواقب .
شاب 1 : على الأقل تدرب معهم ، ليعلموك بعض الحيل .
سيف : لقد تدربت بما فيه الكفاية … وإن كنت لا أرى بأسا في ذلك هيا .
الشبكشي : ( يدخل ورفقاؤه ) البلد كلها هنا يا ( سيد) ، وكأن اليوم عيد ، إيه الحكاية .
سيد : ( ضاحكا ) يمكن حد قالهم إني جاي النهاردة .
مرزوق : النهاردة يوم المبارزة أنتم نسيتوا ولا إيه .
سيد : مش كان الواجب إني اشتريت سيف برضه .
مرزوق : وح تبارز به مين يا سيد ؟
سيد : نشوف واحد كفيف زي .. أهة نهبط سوا والسلام .
شبكشي : بس ممكن تجرحوا بعض بالسيف ، وأنتم مش شايفين حاجة .
سيد : ومين قال إحنا ح نبارز بعض ؟
مرزوق : امال ح تعلماو إيه بالسيوف ؟
سيد : ح نسلك بها اسنانا ، اصل اليويمن دول اللحمة نية شوية … المهم يا (مرزوق) أنا حاسس أن الدنيا هنا زحمة قوي .
مرزوق : فوق ما تتصور يا سيد .
سيد : ( يقترب من أذنه) فيه نسوان حلوة يا ولد ؟
مرزوق : ( يتنقل ببصره ) كتير يا سيد .
سيد : بس يا وله يا ( مرزوق ) أنا ما شفتش ستات في جمال وحلاوة ستات برة … فاكر الليلة إياها .
مرزوق : ( يتأمله ) أنت بتشوف يا ( سيد) ؟
سيد : ليه هو أنت فاكرني اعمى يا وله ، أنا بأشوف بودني وبصولبعي وبعقلي .
مرزوق : ( ضاحكا ) طاب وبتشوف أن الست اللي قدامك جميلة إزاي ؟
سيد : هو أنا بأشوف يا حمار .
مرزوق : قصدي بتعرف بتحس ان الست جميلة إزاي ؟
سيد : من درجة حرارتها .
أنس : ( متدخلا في الحديث ) وإيه علاقة درجة الحرارة بالجمال يا ( سيد) ؟
سيد : هو الواحد لما يشوف واحدة جميلة مش بيتلسع .
أنس : إيوه .
سيد : وكما بيقولوا الشوق نار والحب حراق ، فلما بتكون الواحدة جميلة تحس كده أنك قدام فرن بيطلع هبو .
مرزوق : ولما تكون الواحدة وحشة ؟
سيد : تحس أنك في شهر طوبة ، أو أنك قدام تلاجة عشرين قدم ، وده السبب أن دمنا بينشف وإحنا في بيوتنا .
مرزوق : دا مش بينشف .. دا بيهرب .
شبكشي : مش عيب يا جماعة تتكلموا في المواضيع الفاضية دية ، واتنين ح يموتوا بعض .
سيد : هما ح يموتوا بعض ولا ح يتبارزوا يا شبكشي ؟
شبكشي : وهي تفرق .
سيد : تفرق كتير … تفرق في النية .
شبكشي : ودي ح نعرفها إزاي ؟
سيد : تعرفوا يا جماعة أنا ما زعلتش على ضياع نظري ، وتمنيت أن ربنا يرده لي إلا علشان حاجة واحدة بس .
مرزوق : أكيد تشوف مراتك أم العيال .
سيد : يا تك نيلة في ملافظك ، يا وله دي الحاجة الوحيدة اللي بنحمد ربنا أنه أخد نظري ، مش كفاية بنسمعها ، ح نشفها كمان .
شبكشي : ( ضاحكا ) أيه هية ىالحاجة دي يا ( سيد ) ؟
سيد : إني أشوف عنترة .
شبكشي : غريبة اللي بتقوله ده… على كده أنت كنت بتحبه ؟
سيد : هو كان فيه واحد ما بيحبهوش … ممنهوش فايدة … وله يا ( مرزوق ) هو فيه حد بياكل جنبنا ؟
مرزوق : ليه ؟
سيد : أصلي سامع صوت شوك ومعالق بتخبط في بعضها .
مرزوق : دا صوت السيوف … الشباب بيتدرب .
سيد : طاب ما تشوفلي سيف وحياة أبوك .
مرزوق : تسلك به سنانك برضه .
سيد : لا وأنت الصادق ، العب بيه عشرة بلدي .
مرزوق : ( متعجبا ) بالسيف !
سيد : ( ينهض ويتحسس الطريق ) لا ، بخبتك .
شبكشي : رايح فين يا ( سيد) ن الدنيا زحمة .
سيد : قعدني جنب ( أنس ) .
شبكشي : ليه ؟
سيد : علشان يوصف لي اللي بيحصل قدامي .
شبكشي : اشمعنا ( أنس )
سيد : ( يجلس ) أصله حمار ما بيعرفش حاجة .. لا مؤاخذة يا ( أنس) .
مرزوق : ( متعجبا ) وعلشان حمار وما بيعرفش حاجة هو اللي ح يوصف لك .
سيد : إيوه .. لأنه ح يقول اللي بيحصل قدامه بالضبط ، ولا ح ينقص ، ولا ح يزود من عنده ، وده اللي أنا عايزة … واد يا ( أنس ) الساعة كام دلوقت .
أنس : ( غاضبا ) أنت مش معاك ساعة .
سيد : إيوه .
أنس : طاب ما تشوفها .
سيد : يا بني أنا ضرير … أشوف إزاي !
أنس : وشايلها ليه ؟
سيد : علشان واحد تلم زيك يسألني الساعة كام .. أقول له إني ضرير .
[يسمع أصوات أبواق وطبول وصوت صهيل خيول …الجميع يقف مترقبا ظهور عنترة ، يدخل صفان من الفرسان ، ثم يدخل عنترة ]
عنترة : ( يسير خطوات ينقل بصره بين الوقفين والجالسين ) أول مرة أتقابل معكم وجها لوجه ، علاقة غريبة كانت تربطنا بيننا … أنا لم أفكر إلا في الحروب والانتصارات والأعداء ، وأنتم لم تنظروا إلى إلا كبطل ، وفارس الفرسان ، لم أفكر لحظة ماذا تريدون ، وهل تريدون شيئا غير ما أقدمه لكم ، وأنتم لم تنظروا إلى كإنسان بسيط لي لحظات ضعف ، ولي نزواتي وأخطائي … وحينما أخطأت … وأعترف ..حينما أخطأت انهار العالم حولكم .
سيد : الرجل بيقول كلام معقول أهه … أمال بيقولوا عليه اتجنن ليه .
مرزوق : وأنت فاهم حاجة من اللي بيقولها ؟
سيد :لا .
مرزوق : امال بتقول كلام معقول ليه ؟
سيد : ماهو طالما إحنا مس فاهمينه فهو معقول .
شبكشي : اسكت يا ( سيد ) خلينا نسمع .
شاب1 : ماذا كنت تتوقع أن يحدث لنا ؟
عنترة : لقد فكرت في كل شيء ، إلا ما سوف يحدث لكم ، فلم أكن أشعر بوجودكم أصلا ، وهنا أيضا كان خطأي .
الشهباء : وهم لم يفكروا بأي شيء ، إلا فيك ، كنتم كأطفال لم يفطموا … ضاعت أمهم فضلوا وتاهوا .
سيد : إحنا قاعدين في حضانة أطفال ولا إيه يا مرزوق .
مرزوق : ليه هم جابوا لك الرضعة ولا إيه يا (سيد ) .
الشهباء : هم يستحقونكل ما حاق بهم ، وانت تستحق كل ما حدث لك .
عنترة : لقد كفرت عن أخطائي ، وصارحتكم بكل شيء واعترفت .
الشهباء : باقي أن تكفرون عن أخطائكم .
سيف : ( يتقدم شاهرا سيفه ) وهاأنذا أقوم بذلك عنهم .
سلمى : ( متضرعة ) ولم أنت دونا عن الآخرين ؟
عمران : ( يجذبها ) سلمى … أنت قاتلة ( سيف ) بما تفعلينه … دعيه .
الشهباء : دعيه يسير في الطريق الذي اختاره بنفسه ، إنه لم يعد ابنك .
سلمى : إذن ابن من ؟
الشهباء : ابنهم .
سلمي : وقلبي الذي يحترق من أجله .
الشهباء : نحن لا ننجب البناء لنسعد بهم .
سلمي : أأننجبهم لنشرب نارهم يا أمي ؟!
الشهباء : ننجبهم لنظل واقفين .
عمران : تعالي يا بنتي ، واجلسي بجواري .
عنترة : ( مخاطبا سيف ) اتعرف خطورة ما أنت مقدم عليه ؟
سيف : نعم .
عنترة : قد تفقد حياتك بين لحظة وأخرى .
سيف : أعرف ذلك .
عنترة : كم تساوي حياتك ؟
سيف : الكثير .
عنترة : وفيم ستضحي بهذا الكثير ؟
سيف : في سبيل ما أؤمن به .
عنترة : وهل وصلت في إيمانك إلى درجة اليقين ؟
سيف : لا أظن .
عنترة : ومتى ستصل ؟
سيف :في اللحظة التي أضحي فيها بحياتي .. عندئذ أصل إلى درجة اليقين .
عنترة : وقبل تلك اللحظة .
سيف : تلك لحظة قرار الوصول إلى اليقين .
عنترة : ألا يمكن أن تكون على خطأ في قرارك هذا ؟ وبذلك تكون قد ضحيت في سبيل لا شيء .
سيف : وفيم ننفق حياتنا ؟
عنترة : ألا يكون هذا تهورا ؟
سيف : فلنسمه قوة إيمان بمبدأ .
عنترة : ما هو ؟
سيف : أما كل شيء أو لا شيء .
عنترة : ( يسل سيفه ) فلتدافع عن هذا المبدأ .
سيد : إيه اللي بيحصل يا ( أنس) ؟
أنس : عنترة وسيف يتبارزان مبارزة حامية .
سيد : أنا عارف أنك حمار ، بس مش للدرجة دي ، اللي بتقوله أنا سامعه كويس ، أوصف لي إيه اللي بيحصل .
أنس : ما شفتش مبارزة حامية زي دي .
سيد : إذا كنت أنت بتقول كده … أمال أنا أقول إيه ؟
أنس : عنترة ح يطعن (سيف ) ، وسيف يبتعد ، سيف يحاول يطعن عنترة ، عنترة يزوغ من الطعنة .
سيد : ( واقفا ) الله سكتوا ليه … موتوا بعض ؟
أنس : عنترة رمى سيفه .
سيف : (متعجبا ) لم رميت سيفك ؟!
عنترة : لأنك انتصرت .
سيف : ولكني لم أهزمك !
عنترة : ليس من الضروري أن يكون هناك مهزوم ليكون هناك منتصر .
سيف : ( غاضبا ) إنك تفسد على كل ما أود القيام به ، التقط سيفك واستأنف القتال .
عنترة : لقد ألقيت سيفي منذ زمن من يدي .
سيف : ( ثائرا ) إن لم تلتقط سيفك وتواصل المبارزة ، سأغمد سيفي هذا في قلبك .. لا تظن أن السيف سيطير من يدي هذه المرة .
عنترة : وما يمنعك من قتلي ؟ أليس هذا ما كنت تطمح إليه ، هاهو ذا صدري ، ما عليك إلا ان تصوب ، وتغمد سيفك ، وينفجر القلب ، هيا لا تتردد .
سيف : ( يخفض سيفه ) لا استطيع … لا استطيع .
عنترة : لا تستطيع أن تقتل وهما … أنت الوحيد الذي أدركت هذا .
سيف : ولكني إن لم أفعل اختلطت الحقيقة بالوهم .
عنترة : وإن فعلت ستمضي طول عمرك كله تقتل وهما .
سيف : وكيف أطهر عقول وقلوب الناس منك ومن الوهم ؟
عنترة : بالحقيقة .
سيف : وأين هي ؟
عنترة : كل هؤلاء الذين يقفون وراءك وحولك حقيقة ، سيفك حقيقة ، إيمانك حقيقة ، إرادتك حقيقة … وما خلا ذلك وهما .
عبلة : ( تدخل في كامل زينتها ) وأنا .
عنترة : ( يتقدم منها ويمسك بيدها ) عذابي الأكبر ، أجمل وهم عشته في حياتي ، قضيت زمنا أبحث وأسأل نفسي ..أوهم أنت أم حقيقة ؟ ولم أدر أني أبحث وأسأل عن حقيقة نفسي ، والآن لا يهمني … المهم أني عثرت عليك … دعينا لا نفترق … لنترك هذا العالم ، ولنعش في عالمنا ، ( يلتفت إلي سيف ) أما أنت ، واصل تطهير العقول والقلوب من الوهم ، طارد خفافيش الظلام ، التي تريد حجب نور الحقيقة ، ولا تتخل عن هؤلاء ، كي لا يتخلوا عنك ، فهم البوصلةالتي تحدد طريقك …. هيا يا عبلة
سيف : ألا نتعانق قبل أن ترحل ؟
عنترة : ( يضع يده على كتفه ) لا يتعانق الوهم بالحقيقة .
( ستار )
ســــيرة ذاتـــيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة
الاسم : محمود محمد محمود القلينى
عضو اتحاد الكتاب بالقاهرة – عضوية عاملة رقم 1977
الهاتف : 0020453320039
النقال : 00201061414124
البريد الالكتروني :elkellenymahmoud@yahoo.com
الأعمال المنـــــــــــــــــــــشــورة :
1- إنهم يذهبون : قصص قصيرة دار الشعب بالقاهرة –1982
2- الدجال والشيطان : روايـــــــــــــــة مركزمعروف بالأسكندرية –1985
3- إخناتون والكهنة : مسرحيـــــــــــة الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة-1995
4- محنة الإمام أحمد بن حنبل: مسرحيـــــــــــة الهيئة العامة للكتاب بالقاهرة 1997
5- مصرع الخراسانى : مسرحيـــــــــــة الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة2002
6- بوظا فى مجلس الشعب: مسرحيـــــــــــة الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة
7- غائب لا يعود : مسرحيــــــــــــة الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة
8- الفكر الإسلامى ومستجدات العصر: كتاب المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة 2005
9- عش حياتك سعيدا : كتاب مكتبة بستان المعرفة بكفر الدوار – 2005
10- النساء فقدن عروشهن : كتاب مكتبة العلم والإيمان بالمنصورة 2006
11- العمرية – فى رحاب عمر بن الخطاب: كتاب دار العلم والإيمان بدسوق 2007
12- أمير الصحافة العربية : كتاب مكتبة بستان المعرفة بكفر الدوار2009
13- شخصية موسى النبى : كتاب مكتبة بستان المعرفة2011
14 – الإسكندرية عناقيد العشق والغضب: رواية مكتبة بستان المعرفة 2011
15- الثورة في وجدان المصريين: كتاب مكتبة بستان المعرفة 2012
16- الباحثون عن الله: كتاب دار العلم والإيمان بدسوق2013
17- الخروج من الجلد: رواية مكتبة بستان المعرفة2013
18- بلد راكبها عفريت : مسرحية الهيئة العامة لقصور الثقافة 2010
الجوائــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــز :
- جائزة التأليف المسرحى من المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن مسرحية محنة الإمام أحمد
- جائزة التأليف المسرحى من المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن مسرحية إخناتون والكهنة
- جائزة التأليف المسرحى من المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن مسرحية مصرع الخراسانى
- جائزة الدراسات النقدية من المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن دراسة بعنوان ( الذاتية والقيم الوجودية فى أدب إبراهيم عبد القادر المازنى )
- جائزة الدراسات النقدية من المجلس الأعلى للثقافة بالقاهرة عن دراسة بعنوان ( قيم ومعايير فى أدب يوسف إدريس )
- جائزة المقالة النقدية من المجلس الأعلى للثقافة عن دراسة على قصة ( الطريق ) لنجيب محفوظ
- جائزة من نادى أبها بالمملكة العربية السعودية عن مسرحية محنة الإمام أحمد بن حنبل 1417هــ
- جائزة من نادى القصة بالقاهرة عن رواية بعنوان ( قوس قزح ) 2001