نصوص

نص مسرحي “أوكسجين” للكاتب الجزائري: محمد الكامل بن زيد

المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص

ـ

مسرحية :

أوكسجين                            

بقلم محمد الكامل بن زيد

 

( لا أحد يرى الأشجار خلف النافذة )

” تتوقف المدينة عن التوهج حين يصول و يجول بها، مجرم قاتل ليدمر كل ما هو جميل فيها”.

أوجين يونسكو

 

إلى جموعي ..

إلى لزهر..

إلى العصافير ..

عفوا أصدقائي  ..

الأوكسجين أصبح ملوثا بعد رحيلكم

ـــ

الشخصيات:

  • الممرض
  • سائق سيارة الإسعاف
  • المريض1
  • المريض2
  • الطبيب

 

الرؤيا

غرفة في مستشفى ما..

الأسرة موزعة في شكل عشوائي ..تكاد تسد الممرات..

آهات المرضى -المتناثرين فوق الأسرة والأرض -وهم نائمون تعلو وتنخفض حسب آلام كل مريض ..

فوضى الأغطية تظهر جليا ..

الممرض نائم فوق كرسي بشكل عبثي من شدة الإرهاق..

(صوت سيارة إسعاف ..)

الممرض : (يستيقظ فزعا) ..غير معقول ..لا يمكن  (يخرج مسرعا وهو ينادي بصوت عال) ..قف مكانك ..انتظر ..انتظر

(يسمع حوار ساخن خارج الغرفة بين الممرض وسائق سيارة الإسعاف)

الممرض : لا يمكن ..لا يمكن

السائق: التعليمات قضت أن أتي إلى هنا

الممرض : ألم يخبروك..؟!

السائق: قالوا لي ..الرجل سيموت

الممرض :ليس هنا

السائق : سيموت الرجل

الممرض : هنا..سيموت الجميع

السائق: لكنهم أمروني أن آتي به هنا ..

الممرض : أين ..أين كل الأسرة ملأى  ..حتى الأرض ضاقت بما رحبت ؟!

السائق : هي أوامر ولا بد من تنفيذها

الممرض :مستحيل..

السائق : مستحيل ..أن تقف حائلا أمام حياة الرجل ..إنها مسؤولية جسيمة

الممرض : إنهم لا يدركون حجم الفاجعة

السائق: وما أنا إلا عبد مأمور

الممرض : ليس على رقاب الخلق

السائق: يمكنك أن تمضي على هاته الأوراق كي أخلي ذمتي؟

الممرض : لا مشكلة ..أمضي ..

 (السيارة تنطلق بسرعة )

(يعود إلى الغرفة وغضب شديد يهزه هزا )

الممرض : (يضرب كفيه) مستحيل ..مستحيل

مريض1: (يتحدث بصعوبة ) هل مات الرجل ؟

الممرض : مازال فيه بقية

مريض 2: (يرفع رأسه قليلاً) لا يمكنني التنفس ..أنا أختنق

مريض1: أنا لا أسمعك

مريض2 : لا يمكنني التنفس..الأوكسجين ينفد

الممرض :(في توتر) أيها السادة ..لا كلمة.. لا حركة ..إنكم ترهقون أنفسكم..

مريض 2: إنها الصيحة ..

مريض1: ماذا قلت ؟

مريض 2: ظننتها نزلة عابرة فإذا هي العذاب المبين ..

الممرض : أيها السادة ..الصبر ..الصبر

مريض 2: إنه يعدنا بالجنة

مريض 1: ونحن في جهنم

الممرض : وما أنا إلا بشر

مريض 1: كلنا بشر

الممرض: واجبي أن أمنحكم الأمل

مريض 2:الأمل ؟!

مريض 1: الباقيات الصالحات  خير وأبقى

( الممرض ينهار فوق الكرسي واضعا رأسه بين كفيه في اضطراب شديد ممزوج بأسى جلي)

مريض 2 : لم أكن أدري أني سأموت هنا !

مريض1: ماذا قلت ؟

مريض 2: سأموت هنا

مريض 1: الأعمار بيد الله

(صوت سيارة إسعاف.. ينتفض الممرض ثم  يخرج راكضا أكثر هيجانا..

يسمع حواره مع السائق )

الممرض : مستحيل ..!!

السائق: الرجل سيموت!!

الممرض: وسيموتون هم أيضا

السائق : لم أعد أعي ما يحدث ؟!

الممرض : زلزلت الأرض

السائق : إنهم يدقون رأسي بمسامير صدئة

الممرض : ومن في الداخل ..عصافير لا ملاذ لها إلا هنا ..

السائق : وهذا العصفور ؟!

الممرض: العش لم يعد يحتمل ..سيموتون و سيموت معهم ..ابحث له عن عش آخر

السائق : كل الأعشاش غشيها ظلام دامس

الممرض : أدرك أن الموقف كالأرض الموحلة وما باليد حيلة ..راجعهم في الأمر

السائق : ليس لهم آذان ..

الممرض: لن أرضى أن تموت العصافير في عشي

السائق: والرجل ..؟

الممرض: وهم ؟

السائق: يمكنك أن تمضي على هاته الأوراق كي أخلي ذمتي؟

الممرض : لا مشكلة ..أمضي ..

(السيارة تنطلق بسرعة)

مريض1 : الرجل مات ؟

الممرض : مازال فيه بقية

مريض 1: الباقيات الصالحات خير وأبقى

مريض2: (يرفع رأسه قليلاً..) كيف ندرك أننا أحياء ؟

الممرض : أترى الأشجار خلف النوافذ ..أرسل بصرك نحوها وستعرف أنك حي ..

مريض 2: إنه يستخف بنا

مريض1: إنها أشجار خالدة ..

الممرض: (يبتعد عن الجميع ) ..أنا مثلكم في قعر البئر.. فكيف استخف بكم(يبكي خفية)

مريض2: (يتأمل مريضا على يساره)..رأيتك من قبل ؟

مريض1 :هذا الطبيب ؟!

الطبيب :ألست بشرا ؟

الممرض: كلنا بشر

(صمت )

مريض2 : (يرفع رأسه قليلاً..) هناك خطب جلل  يتسلل في مكر بيننا

مريض1: ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين

مريض 2: الغرفة ما عادت تحتمل

مريض 1:ضيّـقة

مريض 2:يساورني شك ..جدرانها

مريض 1: ما بها ؟

مريض 2: ألا ترى معي أنها تقترب منا أكثر فأكثر

مريض 1:إننا ننساب داخل تشققاتها

الطبيب : الممرض رجل طيب ومكافح لن يكون إلا خيرا

مريض 2: لا أشك ..

مريض1: شهادة مني ..رجل طيب ومكافح

مريض2:  قيل لي أن أنفي ممنوع من الحلم ..

مريض 1: (ساخرا) والآن ؟!

مريض 2:والآن ..إنه  يستشعر خيال شبح يرتدي أسمالا نتنة

الطبيب : لا أصدق

مريض 1: أنا أصدقها حكيم..رائحته الكريهة تخترق أنوفنا بشكل رهيب ..رغما عنا ..

الطبيب: أيها الممرض ..تفقد المكان

الممرض : نعم ..يا حكيم ..تفقدت المكان ..لا شيء يقلق

الطبيب : والأسرة ..

الممرض : كلهم نائمون

الطبيب : الرائحة تزداد حدة..أيها الممرض

الممرض : يا حكيم ..أنا لا أشم شيئا

الطبيب :(بصوت متقطع) أيها الممرض ..انتبه إلى نفسك ..

مريض 1:الجدران ..الجردان

مريض 2:الغرفة..الغرفة

الطبيب: الأسرة ..

الممرض: أيها الطبيب ..أشعر بدوار فظيع يعصف بي .. لم أقو على الوقوف ..الأشجار تتراءى لي بعيدة ..وبعيدة جدا

الطبيب : لا يرد

مريض1 : لا يرد

مريض2: لا يرد

الممرض:  (قبل أن يسقط مغشيا عليه) ..مستحيل ..أنا لا أرى شيئا ..

(صوت سيارة الإسعاف ..

(يدخل السائق  مسرعا حاملا جثة بين يديه.. رائحة نتنة تزكم أنفه.. تزلزله)

السائق :أيها الممرض ..أيها الممرض ..لقد مات الرجل ؟

 (صمت )

السائق : مات الرجل..أيها الممرض ؟

(صمت )

السائق: (يتأمل المكان جزعا) ..أين أنتم؟!..أين أنتم ؟!..أين أنت أيتها العصافير ؟!

(تعتيم)

 

 

الثلاثاء 14جويلية 2020

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى