المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
بقلم: عقيل هاشم
الكاتب عمار سيف
في نص “كمامة” نجد أنّ الجانب الرؤيويّ هو المسيطر ولذا دعونا نقرر أولاً أنّه عمل فنيّ جماليّ ، وطبعا لكلّ نص مسرحي فضاؤه وسياقاته المختلفة، غير أن الذي يهمّنا دائماً هو فهم ذاك المعنى الثاوي في البتى العميعقة للنص، الذي يتلقاه القارئ بقصد أو دون قصد من الكاتب.
واكيد هنا ليس مطلوباً من الكاتب أن يبتكر حلولاً أو يُقدّم رؤىً، أو يسعى لنهايات تهب القارئ الاطمئنان. بل إنّ الأمر على العكس من ذلك، إذ ربّما كانت النهايات غير المتوقّعة سبباً في شدّ انتباه القارئ وتقوية صلته بالعمل الفنيّ، إنّ ما كتبه الكاتب فيه من تخييل وتوريط للقارئ يهبه معرفة لها مذاق خاصّ، كي تتسع المدارك التي ينظر من خلالها إلى موضوع الساعة “الفايروس” ومن يفهم نظامه ويدرك محمولاته الثقافية ، في هذا النسق المعرفي ،النص اعتمده الكاتب كي يشاكس القارئ، ويقدّم له قناعة براغماتيّة اقتربت من تصوره لشكل العلاقة بين (الذات /الأخر) ،وطبيعة العلاقات التي نشأت داخل هذا الصراع، وقد ترك أمر الفهم مبنيّاً للمجهول ، وهكذا يلفت النص نظرَنا إلى مشكلة شبه عامّة في مجتمعاتنا؛ ذلك أنّنا نستطيع توصيف الأشياء، لكنّنا لا نملك الأدوات ولا الخبرات التي تمكننا من التعامل معها بنجاعة، فقد بقينا أوفياء لا نتغـيّر. وأخيراً تعدّى الأمر ذلك إلى حدود الانفصال عن المجتمع وإيثار مصلحة الذات على الاخر.
وهنا نقول ان هناك علاقة قويّة بين الفنّ والتحليل النفسيّ؛ فالفنُّ هو أحد أبعاد هذا التحليل وأحد تصوراته، النص قدّم وجهة نظر حول واقع الإنسان ووسطه، وحول الكيفيّة التي يدرك بها الإنسان هذا الوسط والروابط التي يقيمها معه..
لكنّ ما يجعل الأمر على درجة عالية من الفهم الجمالي افقد اعتمد الكاتب على انسنة “الفايروس” وتركه يتكلّم بلسان الكاتب ، وتركنا امام النهاية المغلقة التي انحازت لفهمنا . ،فنحن في النهاية أمام عمل فنيّ أجاد فيه كاتبه وأبدع. لأنّه يصعب أحياناً على المتلقي أن يفصل أيديولوجيته الخاصة عن ثقافته الذي يطّلع عليها. وتلك واحدة من أهمّ سمات العمل الدرامي؛ إذ إنّه يرصد التغيّرات الدقيقة والتراكمات النفسيّة التي تقودنا إلى التغيير. وهذا الرصد هو حاجة ملحّةٌ في حالتنا نحن بالذات والتي ما زالت تمارس تصنيف الجماعات والأشخاص، ولا تستطيع استيعاب هذه التحول والذي يرافق مايجري في العالم . وفي كلّ الحالات، بنت الشخصيّة (الفايروس) قناعاته الخاصة في بث افكار هي مثار جدل تارة بقناعات- انشطار الذات- حين واجهته داخل حراك من إقصاء وتخوين البشرية ، وان ذروة البناء الدراميّ الذي جعل القارئ قادراً على قبول التغير في شخصيّة “الفايروس”وقدرته على التحاور بل وعلى تبرير الأنانيّة السعيدة للجميع ، في زمن سقطت فيه الأيديولوجيّات، والنخب المزيفة، وبرز فيه صوت الأفراد غير المتحيّزين ..
وختاما، إنّ هذا العمل يقدم حدثاً شغل العالم ، لكنّ كاتبه يطمح بالتأكيد إلى أن يُقرأ عمله خارج هذا المفهوم الضيق للفايروس . وانما خطورة موضوعه العولمة والتي قتلت انسانية الانسان وفرضت نفسها، وعلى القارئ أنّ يشعر بمدى خطورة ذلك وتأثيرها على مايجري في الانقسامات المجتمعية ،ولا بدّ من التنويه باللغة التي صاغها الكاتب في النص. كانت اللغة جميلة وتعدّدت مستوياتها، وشدّت القارئ منذ ألبداية على إتمامه حتى النهاية.
