ننشر “إنه من سليمان” “مسرحية للأطفال من فصل واحد” للكاتب العراقي “قاسم فنجان”

المسرح نيوز ـ القاهرة| مسرح طفل

ـ

 

” إنَهُ مِن سُليَمَانَ*”

“مسرحية للأطفال من فصل واحد”

الزمان : نهار وليل .

المكان :حديث وقديم .

الشخصيات:”الصبي،الصديق،الملاك،الوكيل،الرجل،المرأة،القطة،الكلب”

“المنظر”

“صبي في فضاء مفتوح،جالس على كرسي أمام منضدة مضاءة من الأعلى،يكتب ويتردد صدى كلماته بشكل مسموع في الفضاء”

“النص”

إلهي ياإلهي ها قد مضى على موته شهر طويل،شهر لم يفارقني الحزن عليه ولو للحظة واحدة،إنني أتذكره دائماً وأبكي كلما أتذكره،أفكر في الموت الذي إنتزعه من حرارة حضني،ماشكل الموت ياإلهي،مالونه،ماطعمه،هل للموت وجه يضحك ويبكي مثلنا،أم هو بلاوجه تخدده المشاعر والعواطف،لِمَ لانعرف ميقاته ولانقوى على منع حضوره الرهيب،لِمَ لايكف عن إقتلاع أزهارنا الصغيرة ويمعن في تمريغها بتراب الفقد،لِمَ ياإلهي لِمَ،إن نفسي الحائرة تسألني عن طريقة أنسى فيها وجه كلبي النافق،كلبي الذي رعيته منذ أن كان جرواً صغيراً حتى صار كلباً كبيرا ..

“يدخل المسرح الصديق،فينقطع الصبي عن الكتابة،وينقطع الصوت في الفضاء”

الصديق : إلامَ ستظل حبيس هذه الغرفة المظلمة ؟

الصبي : حتى يأذن الله لي وأنسى وجه كلبي الميت.

الصديق : لن تنساه مادمت محاصراً بذكرياته.

الصبي : مالعمل ياصاحبي إنني حزين ؟

الصديق : إبتعد عن ذكرياته وأخرج للحياة.

الصبي : أخشى الموت الذي أكل كلبي.

الصديق : لكنه حق.

الصبي : حقُ ثقيل.

1

الصديق : سيكون خفيفاً إن سلمت أمرك لله تعالى.

الصبي : لقد كتبت رسالة وسأبعثها إليه.

الصديق : “بأستغراب” لمن ؟

الصبي : للهِ العلي القدير.

الصديق : هل أنت مجنون ؟

الصبي : بل عاقل يطمع في كرم الله وسخائه وينتظر الأشارة.

الصديق : ياإلهي لقد مسّك موت الكلب في عقلك.

الصبي : بل إنني مؤمن يرجو المساعدة من ربٍ كريم.

الصديق : إنك تطلب المستحيل.

الصبي : المستحيل هو ألا تطلب من الله إلا المستحيل.

الصديق : إنك مجنون،مجنون،مجنون.

“يغادر الصديق ويعود الصبي الى الكتابة،ويتردد صدى كتابته ثانية في الفضاء”

الصبي :إلهي إنني خائف ويائس وحزين،فأنصفني بأشارة تُطمئن بها روحي المرعوبة من سطوة الموت وجبروته المخيف،إلهي خذ ببصيرتي بعيداً لأرى ما لايراه غيري،لعلّي أرضى بموت كلبي وأقبل بالقضاء،سأنتظرياإلهي الرد ولن أغادربيتي إلا بحلول الأشارة،سأنتظرياإلهي،سأنتظر،سأنتظر،سأنتظر ..

“يخفت الصوت تدريجياً حتى يتلاشى،يغفو الصبي على المنضدة وينام بعمق،تتعالى تدريجياً موسيقى هادئة تتخللها مؤثرات وأضاءة متقطعة،يقطعها أخيراً صوت الآية الكريمة :                              بسم الله الرحمن الرحيم

وَوَرِثَ سُلَيَمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أيُهَا النَاسُ عُلِمنَا مَنطِقَ الطَيرِوأُوُتِينَا مِن كُلِ شَئ إنَ هَذَا لَهُوَ الفَضلُ المُبِينُ،وَحُشِرَ لِسُليمَانُ جُنُودُهُ مِنَ الجِنِ والأنِس والطَيرِ فَهُم يوُزَعُونَ

صدق الله العظيم

“ماأن تنتهي الآية الكريمة،حتى تتغير الأضاءة ويتبدل المكان،ليعتدل أمام الصبي ملاك مهيب الطلعة برداء أبيض ولحية بيضاء كثة،يحمل بيمينه عصا طويلة وتنبثق من كتفيه جناحان عظيمتان ،يشاهده الصبي فيرتد الى الوراء مذعوراً”

الصبي : “خائفاً” أين أنا ؟

2

الملاك : لا تخف أنت في مملكة الأمان.

الصبي : مَن جاء بي الى هنا ؟

الملاك : ملك مملكتنا العظيم.

الصبي : هل أعرفه ؟

الملاك : اجل وسمعت عنه كثيراً .

الصبي : مَن هوَ ياسيدي ؟

الملاك : سليمان النبي .

الصبي : سليمان الذي سخر الله له الريح،وعلمه لغة الطير والحيوان،وسيّده على الجن والأنس !

الملاك : هو بعينه .

الصبي : وأنت ؟

الملاك : أحد جنوده الموكلّين بخدمتك .

الصبي : أنت الأشارة حتماً .

الملاك : لا لست الأشارة،إن الأشارة هنا،تدور في هذا الفضاء الساحر .

الصبي : هل سأراها ؟

الملاك : ستراها ولكن بعد حين .

“يشير بعصاه الى الوسط فتتغير الأضاءة،ويتجلى في منتصف المسرح إطار فارغ على شكل شاشة سينمائية،في عمقه يعتدل رجل مهيب الهيئة محفوف بنور المكان،يحمل بيمينه صندوق صغير،أمامه تماماً يجثو رجل متوسط العمربملابس بسيطة”

الصبي : مَن هذا الكائن النوري ؟

الملاك : إنه وكيل النبي سليمان .

الصبي : والجاثي أمامه ؟

الملاك : رجل جشع من عامة الناس،ينتظر الرد على طلبه المستحيل .

الصبي : هل أستطيع أن أطّلع على طلبه ؟

3

الملاك : لاتتعجل فلكل شئ وقت .

الصبي : لقد شوقتني لحكايته وأريد سماعها منك .

الملاك : لن تسمعها،بل ستراها .

الصبي : هل حقاً سأراها ؟

الملاك : بالتأكيد ولايتطلب الأمر سوى التلويح بهذه .

“يلوّح بعصاه صوب المنتصف،فتخفت الأضاءة عليهما تماماً وتشتد على الأطار،حيث تدب الحياة في مشهد الوكيل والرجل”

الوكيل : يقرؤك النبي السلام وينصحك بالعدول عن الفكرة .

الرجل : لا أستطيع ياسيدي الوكيل،لا أستطيع .

الوكيل : سوف تندم .

الرجل : لن أندم،إنها رغبتي الأخيرة .

الوكيل : كما تشاء ياهذا .

“يستخرج من الصندوق الصغير خاتماً جميلاً،يدعكه بطرف ثوبه ويرفعه الى الأعلى ”

الرجل : ماهذا ياسيدي ؟

الوكيل : هذا ماسيضرك ولاينفعك قط .

الرجل : إنه خاتم،خاتم جميل،هل هو خاتم النبي سليمان ؟

الوكيل : بل خاتمٌ مبروك،خصّك به النبي،ما أن تلبسه حتى تفهم لغة الحيوان،وتطّلع من خلالها على أسرارهم المحجوبة.

الرجل : هل فيها سر من أسرار الغيب ؟

الوكيل : لم أشأ أن أسأل النبي،لأنني أخافه كثيراً.

الرجل : وأنا أيضاً ياسيدي،أخافه أكثر.

الوكيل : تكذب،لوكنت تخافه حقاً،لما تجرأت وسألت عمّا لاينغي لك أن تسأل عنه .

الرجل : لا تغضب ياسيدي الوكيل لا تغضب،إنه حق مشروع أن أتعلم،أوأصبح من أصحاب العلم .

4

الوكيل : سوف تعلم يقول النبي،وستتمنى لاحقاً لو كنت لا تعلم .

الرجل : إنك تخيفني ؟

الوكيل : لكنك لاتخاف،لذاسأعيد عليك قول النبي،قبل أن تستلم الخاتم،هل ستعدل عن هذه الفكرة أم لا ؟

الرجل : لا ياسيدي لا،إنها أمنيتي وسأستثمرها،حتى لو كان الثمن عمري .

الوكيل : “بغضب”خذ الخاتم و تذكر جيدا،أنك ستعود نادماً الى النبي .

“بفرح يستلم الرجل الخاتم من الوكيل،ثم يرفعه بزهو الى الأعلى،بعد إنصراف الوكيل”

الرجل : أخيراً أيها الخاتم الكريم،ها أنت تنام بأصبعي وتبارك كفي،تخدمني بأمر النبي كأي خادم مطيع،تفتح لي الحجب المستورة،وتنزع عن عينّي غشاوة العمى،لأرى ما لا ينبغي لغيري أن يراه،وأسمع ما لاينبغي لغيري أن يسمعه،هيا أرشدني أيها الخاتم الكريم الى مكامن الخطر في حياتي وأعلمني بمواقيت وقوعها،لأحيا آمناً بلاخوف من الموت،هيا ايها الخاتم الحبيب هيا.

“تتلاشى الأضاءة على الرجل تدريجياً وتعود الى الملاك والصبي ”

الصبي : كم لجوج هذا الرجل ؟

الملاك : بل وأحمق أيضاً .

الصبي : ِلمَ تنعته بالحمق ؟

الملاك : لأنه يريد أن يطلع على سر عظيم من أسرار الغيب .

الصبي : ماهو هذا السر العظيم ؟

الملاك : إنه سرالموت ياولدي .

الصبي : هل يريد هذا الأحمق أن يعرف سرّ الموت حقاً ؟

الملاك : أجل ويريد أن يعرف ميقات حلوله.

الصبي : لماذا ؟

الملاك : لكي يرجئ ساعة موته .

الصبي : هل من وسيلة لترجئ الساعة ؟

الملاك : ثمة وسيلة واحدة .

5

الصبي : إنها الخاتم حتماً ؟

لملاك :  لا بل وسيلة أخرى .

الصبي : ماهي ؟

الملاك : ستعرفها لاحقاً،ولكن بعد أن ترى،ماجّره الخاتم،على حال هذا الرجل الأحمق .

الصبي : متى ؟

الملاك : الآن ياولدي الآن .

“يرفع عصاه الى الأعلى فتتغير الأضاءة عليهما وتغيب،ثم تعود للأطار حيث تعتدل في منتصفه زوجة الرجل،وخلفها باب مفتوح يقعي على عتبته كلب صغير،يواجه جداراً طينياً قديماً تحته شاة مربوطة،يدخل الرجل من الباب،ويتجه مباشرة الى الزوجة،ينبح الكلب في وجه قطة تموء تظهر فيما بعد،في الطرف الآخر للباب المفتوح ”

المرأة : إنهر الكلب يارجل إنهره،إن نباحه يزعجني .

الرجل : إنه لا ينبح يا إمرأة،أنه يتكلم مع القطة .

المرأة : “بسخرية” ماذا يقول كلبنا لقطة الجيران .

الرجل : إنه يمنعها من الدخول الى البيت .

المرأة : كيف عرفت ؟

الرجل : ألم أقل لكِ إنه يتكلم مثلنا .

المرأة : ماذا تقول يارجل،إن الكلب ينبح ولايتكلم،وكذلك القطة تموء ولاتتكلم .

الرجل : سابقاً يازوجتي سابقاً،أما بعد أن وهبني النبي سليمان الخاتم المبروك،صرت أعلم لغة الحيوان،وأرى الكلب يتكلم مثلي والقطة تتكلم مثلكِ .

المرأة : لقد جُننت يازوجي العزيز،جُننت.

الرجل : بل تعلمت يازوجتي الحبيبة لغتهم وفهمتها،وسأثبت لكِ ذلك الآن .

“يتحرك ويقف على مقربة من الكلب والقطة،ويصغي لحوارهما وهما يتكلمان”

القطة : لِمَ لا تسمح لي بالدخول ؟

الكلب : لأنكِ قطة كاذبة .

القطة : سوف تندم .

6

الكلب : لن أندم ولن تدخلي البيت.

القطة : بل ستندم حينما تعلم أن في جعبتي خبر سار لكَ .

الكلب : ماهوَ ؟

القطة : ستموت الشاة السمينة لهذا البيت .

الكلب : متى ؟

القطة : بعد ساعة من الآن .

الكلب : كيف ستموت ؟

القطة : سيهوي الجدار الطيني على جسدها وستنفق تحته في الحال .

الكلب : هل أنت واثقة مما تقولين ؟

القطة : تماماً وإلا مالذي جاء بيّ الى هنا،هيا أسمح لي بالدخول قبل أن ينفد الوقت،وتأتي القطط والكلاب الغريبة وتشاركنا الوليمة السمينة .

الكلب :إن صحَ كلامكِ فسأقتسم الغنيمة معكِ،وسأسمح لكِ بالدخول الى البيت متى ماشئتِ، وإن لم يصح الكلام ؟

القطة : لن أصل عتبة هذا البيت ثانية.

الكلب : سوف نرى،هيا أدخلي .

“تدخل القطة وتقف بعيداً عن الشاة والحائط،يتبعها الكلب”

الرجل : هلمي يا إمرأة هلمي .

المرأة : ماذا هناك يارجل ؟

الرجل : سر إسترقته من حديث القطة والكلب .

المرأة : “بسخرية”هل هو سر خطير ؟

الرجل : خطير جداً .

المرأة : ماهو السر يازوجي الحبيب ؟

الرجل : ستموت شاتنا الوحيدة .

المرأة : ماذا تقول ؟

7

الرجل : مثلما سمعتِ .

المرأة : “بسخرية أشد”كيف ستموت الشاة ؟

الرجل : سيهوي عليها جدار الطين هذا .

المرأة : متى ؟

الرجل : بعد قليل .

المرأة : “ساخرة” ياويلي ياويلي ياويلي .

الرجل : لِمَ تنوحين ياامراة،مازال في الوقت متسع لأنقاذ الشاة .

المرأة : لم أنُح على الشاة الوحيدة يارجلي الحبيب، بل إنني أنوح عليك .

الرجل : لم أمت بعد فلماذا تنوحين .

المرأة : لأنك جُننت،جُننت،جُننت.

الرجل : إنني واثق من ساعة موت الشاة .

المرأة : لاتكفر ياهذا فالساعة لايعلمها إلا الله .

الرجل : “يصرخ بها”هيا إبعدي الشاة عن الجدار،هيا إن الوقت يمضي سريعاً .

المرأة : لن أبعدها،فما تقوله هراء.

الرجل : هيا ياإمرأة،ستموت الشاة.

المرأة : لن أبعدها قلت،إبعدها أنت ؟

الرجل : لاأستطيع أن أدنو منها،لأنني أرى ما لاتراه عيناكِ .

المرأة : ماذا ترى ؟

الرجل : جسد الجدار بدأ يتصدع من الداخل وسينهار قريباً “يصرخ”ماهي إلا لحظات وسيسقط الجدار على الشاة،هيا حرري الشاة حرريها ياأمرأة،وأبعديها في الحال وإلا ستموت الشاة”يصرخ بقوة”هيا،هيا،هيا.

“تتقدم المرأة بسرعة نحو الشاة،تفك وثاقها وتجرها بعيداً،ما أن تبتعد عن الجدار حتى يحصل الأنهيار،ويتداعى الجدارمحدثاً صوت إرتطام شديد،على أثره تلتفت المرأة خائفة من هول المفاجأة ”

المرأة : “بأندهاش”يا إلهي لقد أنهار الجدار كما قلت ؟

8

الرجل : ألم أقل لكِ أنني صرت أعلم.

المرأة : أقر لك بذلك يازوجي العزيز،ولكن كيف علمت بهذا ؟

الرجل : مكّنني النبي سليمان،بهذا الخاتم الكريم من بعض علمه،فصرت أرى وأشم الموت قبل وقوعه .

المرأة : لا يازوجي لا،لقد وهبك النبي كل علمه.

الرجل : “بزهو”ليس كل علمه،بل جزء منه ؟

المرأة : بل كل علمه،فأنت علمت بموت الشاة ورجأت أجلها،وهذا ما لايقوى على فعله إلا الأنبياء،بعد إذن الله طبعاً .

الرجل : “مغروراً” كم أنا سعيد،بنجاة الشاة .

المرأة : وأنا كذلك يازوجي الحبيب .

الرجل : هيا لننام هانئين بلا خوف من الموت المتربص بالجميع،هيا ..

المرأة : والشاة هل أربطها أم أتركها طليقة،تمرح في الحوش،بعد أن نجت من موت أكيد.

الرجل : أتركيها حرة فلا خوف عليها مادامت في حمايتي،هيا لننام هيا.

المرأة : هيا ياملك مملكتي الصغيرة وبعّلي الحكيم،هيا لننام هيا.

“تتأبطه ويمضيان معاً نحو العمق،تخفت الأضاءة عليهما تدريجياً حتى تتلاشى،ثم تعود الأضاءة من جديد لتنير الصبي والملاك”

الصبي : هل ماجرى مع هذا الرجل كان مصادفة ؟

الملاك : لا ،بل كرامة وهبها الله للرجل،إكراماً للنبي سليمان .

الصبي : هذا رجل محظوظ .

الملاك : بل منحوس .

الصبي : كيف وقد حاز على هذه الكرامة الخارقة .

الملاك : لكل شئ ثمن وفي كل إختبار نعمة ونقمة .

الصبي : ما النقمة في هذه الكرامة الغالية ؟

الملاك : ستراها في اليوم الأخير.

9

الصبي : والنعمة ؟

الملاك : ستراها الآن.

“يرفع عصاه فتغيب الأضاءة عنهما،ثم تعود للبيت،حيث الرجل والمرأة في وقت الصباح”

الرجل : ما أسعدني في هذا الصباح الجميل.

المرأة : كيف لا وأنت تفهم لغة الطير والحيوان.

الرجل : والجن أيضاً ؟

المرأة : هل تعرفهم حقاً ؟

الرجل : أعرفهم وأراهم أحياناً على هيئتهم الحقيقية.

المرأة : كيف يبدون ها،هل هم مثلنا أم ..

“يقاطعها بعد أن يستمع لمواء قريب”

الرجل : لقد حضرت،حضرت ؟

المرأة : “تلوذ به خائفة”ياإلهي أحضرنا،هل حضرت الجان ؟

الرجل : أي جن ياحمقاء،لقد حضرت قطة الجيران،وهي تتوسل كلبنا الغاضب لتدخل الى البيت،هيا إقتربي منهما وأصغي إليهما،عسى أن تتعلمي مثلي لغتهما”تقترب المرأة منهما وتصغي إليهما بلا جدوى”

المرأة : أن الكلب ينبح والقطة تموء .

الرجل : “يدنو منهما ويراقب بأهتمام بالغ حوارهما”بل إنهما يتكلمان يازوجتي،يتكلمان مثلنا.

المرأة : ماذا يقولان ؟

الرجل : يقولان ..

الكلب : لن تدخلي البيت أيتها الكاذبة.

القطة : أقسم أنني لم أكذب عليك.

الكلب : بل تكذبين فالجدار هوى،والشاة لم تمت كما قلتِ.

القطة : كيف تموت وقد حولها صاحب البيت بعيداً عن الجدار.

الكلب : لكنك قلتِ ستموت وسنأكل حتى نشبع.

10

القطة : الصدفة هيَ مَن حالت دون موت الشاة.

الكلب : إذن سنظل جوعى؟

القطة : بل سنشبع اليوم،حتى نُتخم من كثرة اللحم .

الكلب : كذبة أخرى ؟

القطة : لا إنني صادقة هذه المرة،فالأضحية اليوم،أسمن من الشاة وأكبر.

الكلب : مَن سيموت اليوم ؟

القطة : البقرة السمينة لصاحب البيت.

الكلب : هل ستموت البقرة حقاً ؟

القطة : أجل ستموت .

الكلب : متى ؟

القطة : بعد ساعة من الآن !

الكلب : كيف ستموت ؟

القطة : سيلدغها ثعبان أسود كبير يكمن لها في الزريبة منذ الأمس .

الرجل : “يصيح”المعول ياإمرأة،المعول!

المرأة : ماذا هناك ؟

الرجل : ثعبان مخيف !

المرأة : “بخوف تدور حول نفسها”ياألهي أين الثعبان،أين ؟

الرجل : في التبن وسيلدغ بقرتنا السمينة،إن لم نقتله في الحال.

المرأة : كيف عرفت ؟

الرجل : من كلام القطة للكلب،هيا أجلبي المعول وأخرجي البقرة من الباب الثاني،ريثما يتسنى لي قتل الثعبان،هيا بسرعة هيا .

“تجلب المرأة المعول وتسلمه للرجل،يتوجه الرجل والمرأة للخلف،فنستمع لخوار حاد ولضربات معول تتكرر بأنتظام،على إثرها يعود الرجل ومن كفه اليمنى،يتدلى ثعبان أسود ومخيف”

11

المرأة : “تدخل بخوف”ما أبشع هذا الثعبان وما أكبره.

الرجل : كاد أن يفتك ببقرتنا لولا إستراقي لكلام القطة والكلب .

المرأة : لا فضل لهنّ في بقاء الشاة والبقرة على قيد الحياة،بل الفضل كل الفضل يعود لك يازوجي الحبيب.

الرجل : ألم أقل لكِ إني صرت أعلم مالا يعلمه غيري.

المرأة : أعلم يامنبع أماني وفارسي الأصيل أعلم.

الرجل : وأعلم إنكِ تعلمين بأني الأعلم .

المرأة : أنك كذلك يازوجي الفريد،الأعلم دائماً .

الرجل : هيا إذن لتنامي بجواري آمنة بلاخوف أو شقاء هيا “يتأبطها ويتلاشيان مع خفوت الأضاءة في عمق الأطار،تعود الأضاءة لتنير الصبي والملاك من جديد”

الصبي : كم أحمق ومغرورهذا الرجل .

الملاك : بل وجاهل تمادى في غيّه وحمقه .

الصبي : هل سيتغير حاله ؟

الملاك : للأسوء .

الصبي : كيف وهويمتلك هذه الهبة الخارقة .

الملاك : ألم أقل لك سابقاً أن في كل نعمة إبتلاء .

الصبي : شوقتني لرؤية خاتمته .

الملاك  : ستراها وستتعظ من عِبرها كثيراً .

الصبي : ما أغربها من حكاية ؟

الملاك : إنها حكايتك .

الصبي : لكنه لايشبهني .

الملاك : بل يشبهك وسترى ذلك بعينيك .

الصبي : متى ؟

12

 

الملاك : حينما يحين اليوم الثالث .

الصبي : هل هو يوم مهم ؟

الملاك : مهم جداً .

الصبي : لماذا ؟

الملاك : لأنه يتضمن الأشارة .

الصبي : “بفرح”الأشارة التي أنتظرها .

الملاك : أجل الأشارة التي أنتظرتها طويلاً،هي ماستسمعها وستراها بعينيك .

“يرفع عصاه فتغيب إضاءتهما تدريجياً،وتعود لتنير الرجل وهو يعتدل،على رأس كلبه الجاثي بلا حراك في الأطار”

الرجل : لِمَ لا تتكلم ياكلب،لِمَ أنت صامت على غير عادتك،هل أنت مريض،أم تشكو من ألم،لماذا تتشبث بخرسك أيها الوفي،إنطق وقل مايوجعك أويخرسك،قل فقط،إنبس ولو بحرف واحد وسأستدل بحكمتي على مكمن الوجع وأشفيك،قل ياأيها الكلب شيئاً،قل أرجوك،قل ياكلبي الأصيل قل أو إنبح أرجوك”تدخل الزوجة”

المرأة : هل تكلم نفسك يازوجي ؟

الرجل : بل أكلم الكلب .

المرأة : ماذا يقول الكلب ؟

الرجل : إنه صامت لايتكلم .

المرأة : إسأله إن كان يشكو من علّة .

الرجل : سألته ولم يجب .

المرأة : “تجثو أمامه” إن عينيه حمراوتان ووجهه منهك .

الرجل : ماذا تعنيين ياأمرأة ؟

المرأة : أعتقد أن الدور عليه .

الرجل : أخرسي ولا تتمني له الموت .

المرأة : إن كلبك يحتضر يازوجي فأنفاسه تتضائل بالتدريج .

الرجل : لن أسمح للموت أن ينتزعه مني .

13

المرأة : هل تقوى على قهر الموت يازوجي ؟

الرجل : بالتأكيد ولا أحتاج إلا لحضورها وهي في الطريق .

المرأة : هل تعني القطة ؟

الرجل : إنها السبيل لخلاص الكلب من الموت .

المرأة : أتمنى أن تحضر قبل أن ينفق المسكين .

الرجل : ثمة مواء قريب،لقد حضرت،حضرت القطة “تدخل القطة وتموء بوجه الرجل” .

المرأة : ياإلهي ! هل القطة تتحدث إليك .

الرجل : أجل يازوجتي الحبيبة وهي تقول إن العلة هنا” يمد يده الى فم الكلب فتعترضها عظمة كبيرة،يتلمس العظمة في جوف الحيوان ويصيح”وجدتُها ثمة عظمة كبيرة تسد مجرى التنفس”تغوص كفه عميقاً وتسحب العظمة بقوة الى الخارج”هاهي العلّة ياكلبي المسكين،أنظر أليها،كادت تقضي عليك لولاي”يربت بكفه على ظهر الكلب بحنان”هيا أيها الصديق،هيا أمرح بحوشي بلا خوف مادمت في ظلي”ينهض الكلب ويعدو مرحاً وخلفه تعدو القطة،يعتدل الرجل بصدر منفوخ ورأس مرفوع”

المرأة : ياإلهي كان الكلب على شفا الموت،وأعدته للحياة مثلما أعدت الشاة والبقرة،كم أنا محظوظة بك يامنقذي الكبير .

الرجل : بلا إطراء ودعينا نستثمر مانحن فيه .

المرأة : مَن أنا لأقرر في حضرتك ياسيدي،قرر أنت وسأنفذ في الحال .

الرجل : في نيتي أن أفتح باب الثراء الواسع على بيتنا،حتى يسيل المال بين أيدينا مثل الماء .

المرأة : كيف ستفتحه يازوجي الحبيب ؟

الرجل : سأبتاع الدواب واجعله تحت رعايتي ليتضاعف بلا خسائر،سيتكاثر سريعاً وابيعه وأبتاع حتي يصبح لي أكبر قطيع في الولاية .

المرأة : أين ستحتفظ بكل هذا الدواب ؟

الرجل : في زرائب كبيرة أشيدها على حقول فارهة .

المرأة : هل ستبيع الفائض من الدواب ؟

الرجل : سأبيعه وأكتنز المال في جرار كبير،أخفيها “يفكر” .

المرأة : في سراديب تحت قصر منيف وفاره تشيده لنا يداك المباركتان،قصر تزينه الحدائق

14

المزركشة بالأشجار والورود والنافورات “يقاطعها” .

الرجل : والحيوانات أيضاً،سأجلبها من بقاع الأرض،وأوزعها كي تزيّن حياة القصر بجمالها .

المرأة : سترعاها مثل الدواب وتكاثرها حتى”يقاطعها الرجل بعد سماعه مواء القطة ” .

الرجل : أسكتي ياأمرأة أسكتي،لقد وصلت القطة “تظهر القطة أمام الباب وينهرها الكلب بالنباح”

الكلب : أغربي بعيداً أيتها الكذابة أغربي .

القطة : لن أغرب من هنا حتى لو قطعّتني .

الكلب : لماذا ؟

القطة : لأن الضحية اليوم ضحية غالية،سيبذل من أجلها اللحم بجنون لثلاثة أيام متتالية .

الكلب : ها قد عدت للكذب ثانية ؟

القطة : لن أكذب هذه المرة .

الكلب : لقد كذبتِ سابقاً .

القطة : سابقاً أما هذه المرة فأنني متأكدة من الضحية .

الكلب : مَن الضحية ؟

القطة : صاحب البيت.

الكلب : صاحب البيت !

الرجل : “خائفاً”يا إلهي !

الكلب : هل سيموت حقاً صاحب البيت ؟

القطة : أجل سيموت .

الكلب : سيموت !

القطة : سيموت .

الكلب : متى ؟

القطة : في منتصف هذه الليلة .

الكلب : كيف سيموت ؟

15

القطة : لا أعلم .

الرجل : ياألهي مالعمل ياإلهي،لقد صدقت القطة في أجل الشاة والبقرة والكلب وهي صادقة في أجَلي حتماً،لقد أعلمتني بأسباب موت الحيوانيّن وأجلتّه ولم تعلمني بسبب موتي كي أؤجِله “يصيح” تعالي ياإمرأة تعالي .

المرأة : هل ستموت دجاتنا ؟

الرجل : بل أنا أنا مَن سيموت ياإمرأة.

المرأة : كيف عرفت ؟

الرجل : قالت لي القطة.

المرأة : “ساخرة”متى ستموت يازوجي الحبيب ؟

الرجل : في منتصف الليل.

المرأة : أرجئه يازوجي الخارق أرجئه،كما أرجأت أجل الشاة والبقرة والكلب .

الرجل : لا أستطيع لأنني أجهل السبب .

المرأة : إمضِ الى النبي سليمان فوراً وأسأله ان يساعدك .

الرجل : سأمضي و أسأله أن يسأل الله لي ويرجئ أجلي، سأمضي .

“يخرج منكسراً فتخفت الأضاءة على الأطار وتغيب ثم تعود على الملاك والصبي”

الصبي : هل عاد الى النبي ؟

الملاك : عاد ولم يستقبله النبي .

الصبي : لماذا ؟

الملاك : لأنه كان غاضباً عليه،فأكتفى بتبليغ الوكيل برسالته .

الصبي : مامضمونها ؟

الملاك : هل تريد أن تسمعها ؟

الصبي : بل أريد أن أراها .

الملاك : لكَ هذا وعليك أن تتعظ من نهايتها “يرفع عصاه عالياً فتخفت إضاءتهما وتشتد على الأطار ليظهر الرجل جاثياً أمام الوكيل ” .

16

الرجل : سأموت ياسيدي الوكيل سأموت .

الوكيل : ستموت لأنك طلبت الموت .

الرجل : لم أطلبه ياسيدي،ولم أسعَ إليه قط .

الوكيل : بل طلبته لنفسك ثلاث مرات .

الرجل : متى ياسيدي ؟

 

الوكيل : حينما أعترضت على أمر الله عزّ وعلا ورفضت تاجيل أجلك لأكثر من مرة .

الرجل : أنا !

الوكيل : أجل أنت لقد قُدر الله تعالى،عليك الموت ثلاث مرات،وأفتداك لتحيا،بالشاة مرة   وبالبقرة مرة أخرى وبالكلب مرة أخيرة،لكنك رفضت .

الرجل : لم أعلم إن تلك الأضاحي كانت قرابين من أجلي .

الوكيل : إنها كذلك فالله تعالى يرحمنا برحمته،حينما يرجئ الآجال الكبيرة بآجال صغيرة.

الرجل : سأسلم أمري لله،ولن أعترض على حكمه وقضائه أبداً .

الوكيل : لا فائدة ترجى،لقد صدر الحكم وأزفت ساعة موتك .

الرجل : أنقذني ياسيدي من الموت الذي أخشاه ؟

الوكيل : لا منقذ لك اليوم إلا الله وقد خالفته،لذلك يجب أن تموت.

“يتحرك الوكيل الى عمق الأطار فيتبعه الرجل مردداً”لاأريد أن أموت،لاأريد أن أمووووووت”يتصادى الصوت مع خفوت الأضاءة ويتلاشى مع إضاءة الأطار،تعود الأضاءة للمشهد الأول حيث الصبي الغافي على المنضدة يردد بصوت عالٍ “لا اريد أن أموت،لا أريد أن أموت،لا أريد أن أموت”يدخل الصديق مسرعاً ويعتدل على رأس الصبي”

الصديق : أستيقظ ياصاحبي إستيقظ ؟

الصبي  : “يصحو خائفاً” لا أريد أن أموت،لا أريد .

الصديق : لا تخف،لن تموت،لن تموت .

الصبي : “يلتفت حوله” أين الأشارة،الأشارة،أين ألشارة ؟

الصديق : لا أثر لما تدّعي إن المكان ساكن تماماً .

17

الصبي : إنها هنا في هذا الفضاء سمعتها و رأيتها .

الصديق : لا أثر لشئ مماتقول إنك تحلم .

الصبي : “ينهض” أحلم ؟

الصديق : أجل تحلم .

الصبي : لا لم يكن حلماً بل كان درساً .

الصديق : درساً ؟

الصبي : أجل درساً كبيراً دفعني للتسليم لأمر الله في كل شئ .

الصديق : هل سلمّت لموت الكلب أخيراً ؟

الصبي : سلمّتُ ولن أندم على موته  قط .

الصديق : لقد تغيرت ياصاحبي تغيرت .

الصبي : تغيرت لأنني أدركت،إن الله أرحم بنا من أمهاتنا،فهو حينما يبتلينا ببلاءات صغيرة،إنما يرجئ بها عنا بلاءات كبيرة.

الصديق : والآجال الصغيرة ؟

الصبي  : ترجئ عنا آجال كبيرة.

الصديق : إذن ستخرج للحياة ؟

الصبي : سأخرج للحياة بقلب يسلّم لله في الضراء قبل السراء ياصاحبي،هيا “يتأبط صديقه ويغادران المسرح مع خفوت إضاءة المكان،ودخول موسيقى هادئة تستمر حتى بعد إنسدال الستار”

 

 

تمت بعونه تعالى

  • الآية 30 من سورة النمل .
  • الآية 17،16 من سورة النمل .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock