نصوص

ننشر النص المسرحي.. مونودراما” الناجي” .. تأليف الكاتب العراقي .. جاسم المنصوري


المسرج نيوز ـ القاهرة | نصوص

ـ

مسرحية


الناجي

مونودراما

 

تأليف جاسم المنصوري

العراق-البصرة

كاتب واعلامي

 

شخوص المسرحية

 

  • الرجل المسخ هو نفسه القاضي والرجل الأول والثاني….
  • مجموعة من الكومبارس .

 

المشهد الأول

المسرح مضاء … أشياء مبعثرة هنا وهناك لتفاصيل غير متشابهه … ملابس وقطع أخشاب … مصابيح مكسورة وأسلاك كهربائية … قطع أقمشة متدلية من فوق … موسيقى مناسبة … يدخل الرجل المسخ  ، يظهر بملابس مختلفة بعض الشئ … فهي تركيبة بين الزي العربي والملابس الحديثة الملوثة والمليئة بالأتربة يحمل بيده سيفاً قديماً …. وسلاحاً حديثاً … وعلى متنه يحمل شوالاً ملئ بأشياء يظهرها في إثناء العرض ، يعتمر قبعة عليها قرنان … شعر في وجهه بصورة غريبة … الرجل المسخ .. لا يشبه الإنسان مثلما لا يشبه اي حيوان آخر … مسخ بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، يدخل الى المسرح برعب وفزع.

الرجل المسخ : اين انا ؟؟؟ ما هذه الاشياء التي لا تشبه الاشياء ؟ اين انا ؟ ترى على اي خارطة ولدت هذه المرة … ( يشير الى الجمهور ) من انتم ؟ انا لا اعرف احد فيكم … ليس مهما ان تعرفوني … فأنا خلقني مؤلف هذه المسرحية واعتذر لقبح وجهي … هكذا أرادني السيد المخرج … لا دخل لي في الموضوع كل الحكاية إني أشبه الى حد بعيد ابي … ( يضحك ) نعم .. لا تستغربوا ابي … كان جميلا وقبيحا … وكان شاعرا … نعم شاعرا … القبح ايها السادة نسبي … مثلما الشرف نسبي … كل الحقائق تقبل للنقاش إلا الموت … تعلمت ان المطر الذي يهطل من رحم السماء لا يكسر زجاج النهر فصفحات الماء ناعمة وتستوعب نقر الأمطار … اسمع صوتا ( يضع يده خلف إذنه ) من انا ؟؟؟ انا ؟؟؟ انا من ذاك التاريخ الأرعن … الأسود .. الأخرق … سمه ما شأت … من اين أتيت ؟؟ من عمق المظلومين والمساكين ، من جراحات الأمس ، انا من فتش عنه جنود الخليفة كي يكافؤه … ومن ثمة يقتلوه ويصلبوه على أبواب الكوفة عارياً .. انا من كربلاء الخوف والرعب ( موسيقى … وقع خيول صراخ عويل … صوت رياح …)لا تستغرب انا هو الدمعة والضحكة … ( يقرأ ) :

((يا أهل يثرب لا مقام لكم بها …… قتل الحسين فأدمعي مدرار
الجسم منه بكربلاء مضرج …… والرأس منه على القناة يدار))

انا هو الناجي الوحيد من معركة الطف … نعم الناجي الوحيد من هول تلك المعركة ، لقد كنت في جيش ابن زياد … نعم وكنت في الصفوف الأمامية معه … لكن ( يجلس أرضاً يرمي بشواله من على متنه .. يفترش الأرض …) لكني ما رميت عود شجرة صغيرة حول الحسين … كنت أترقب الموقف ( موسيقى ووقع الخيول يتجدد وبقوة .. يخرج من شواله قربة ماء … لكنه يرميها بخوف ) اه … يا ويلي أهذا ماء الفرات ؟؟ بأساً لكم لا بأساً لنا جميعا … لكني لم ارمي حجرا واحداً حول الحسين …. لكني أكثرت السواد .. نعم … انا كنت مع الحسين … ( يتساءل بحزن ) مع من كنت ؟؟ يا حسين القوم قلوبهم معك وسيوفهم عليك ، انا هو قلبي معك لكن السوط والسيف ابلغ …( يصرخ ) كنت معك …(ينام على ظهره …. يتقلب … يقف ) قتلني مرة الحر ابن يزيد ألرياحي … قتلني مرة اخرى عمر ابن سعد … انا مت مرتين .. لا لا أكثر من مرة وللأسباب ذاتها…. وفي نفس المعركة … سمعت الحسين يصرخ بكرامة الا من ناصر ينصرنا ؟؟ فسكت …( يبكي ) سكت …وقتلني مرة اخرى الحصين ابن النمير من قادة عبيد الله ابن زياد …قصص العائدين من الموت في معركة الطف تروى بأعجوبة … من نجا من هول المعركة كان يظن انه عاش مجددا …لكن الحقيقة المرة هي ان الشعور في تلك اللحظة … اللحظة الأخيرة لا يوازيه شعور آخر … سواد تام ثم ضوء ينبعث من بعيد، هكذا يصف الناجون من هول الموت ، حالتهم وهم يعودون إلى الحياة من جديد، وكيف فازوا في تلك المواجهة المصيرية مع الموت.  بعد ان القوا النظرة الأخيرة … نظرة الوداع الأخيرة على من حولهم …. الحسين كان وحده واقفاً لا يخشى الموت … ينشد هذه الأبيات ( ينتصب للقراءة ) :

فأن تكن الدنيا تعد نفيسة … فأن ثواب الله أعلى وأجزل

وان تكن الأرزاق قسما مقدرا …. فقلت سعى المرء في الرزق أجمل

وان تكن الأجساد للموت أنشأت … فقتل الفتى بالسيف أفضل

عليكم ســـــــــــلام الله يا أل محمد … فأني أراني عنكم اليوم ارحل

( تتساقط من فوق المسرح بعض نبال وسهام خشبية .. في نفس اللحظة التي تنزل من فوق أيضاً قربة ماء جلدية مثقوبة يتقاطر منها الماء قليلا … ضوء احمر يلف المكان .. شاشة خلفية بيضاء يظهر فيها فرس يصهل او يركض تتبعه سهام ورجال يركضون خلفه …… الرجل المسخ يتلوى وفق هذا المشهد يعوي بصوت مسموع … يلهث كأنما يركض من مسافة بعيدة ….)

الرجل المسخ : من ينقذني من هذه الورطة ؟ من ؟ أعطيه ما تبقى من عمري … من ؟ في كل عام مكتوب ان اظهر للناس بهذه الخلقة .. في كل عام أموت ألف مرة وأحييا  من جديد … في عاشوراء أحييا من جديد ، والله ما رميت غصن صغير في تلك المعركة … لكني أكثرت السواد على ابي عبدالله الحسين … نعم … نعم ،

( تدفع الى وسط المسرح منصة خشبية متوسطة الحجم ملفوفة بقماش ابيض مرسوم في وسطها ميزان العدالة …. يقف خلفها الرجل المسخ وكأنه قاض يستجوب نفسه … على ان لا تتغير نبرة الصوت )

القاضي : ويحك يا رجل … من أي زمان انت ؟ ( يترك المنصة )

الرجل المسخ : انا من زمن الفجيعة … من زمن القبح والجراح المميتة … من زمن الموت الأسود .. انا من امة قتلت ابن بنت نبيها …. ( يركض باتجاه المنصة )

القاضي :تقصد من واقعة ألطف ؟

الرجل المسخ : نعم يا سيدي انا جئت من هناك … احمل فوق أكتافي ذنب السائرون الى تلك الفجيعة .. احمل في جسدي ألف طعنة وطعنة لكن لم أمت ….( يضحك ) لم أمت … لم أمت … كأنما أرادني الله ان أكون شاهدا الشاهد الوحيد على تلك الجريمة … الشاهد الوحيد على اغتيال البراءة والطهارة والبسالة والكرم .

القاضي : أتريد ان تقنعنا جميعا انك موجود فعلا وانك جئت من هناك … من عالم الموتى ؟

الرجل المسخ : حقك يا سيدي … لا يمكن للعاقل ان يصدق إني كنت هناك …. وشاهد الأجساد المقطعة .. لكن كيف أقنعك بأني كنت هناك ؟

القاضي : الديك دليل واحد على انك كنت هناك ؟… ثم وان جئت بدليل كيف نعرف انه من زمن الفجيعة ، من واقعة كربلاء ؟

الرجل المسخ : يكفي إني بينكم …( يبكي ) … سيفي هذا كان مقبورا معي … وعمامتي هذه خنقت بها وجعي ، الحسين أراد أن لا تقع الحرب … لكنهم رموه بكل شئ … حتى بشهوة القتل التي يحملونها… رموه … كره الحسين قتالهم … لكنهم رموه ….. رفع لهم راية السلام … لكنهم كرهوا دماؤهم فجعلوا قلوبهم على راحة السيف لقتاله ….

القاضي : وأنت …. ( يشير الى الفراغ ) انت نعم انت … أين كنت حينها ؟

الرجل المسخ : كنت …. اعد خيوط الشمس المحترقة … خيطا خيطاً … كل الذين حولي كرهوا القتال خوفاً ان يلاقوا الله بدمه الطاهر …. لكنهم قتلوه …( يصرخ ) قتلوه … زعموا انه خرج على إمام زمانه ….( يضحك)، قرروا مع أنفسهم ان يقتلوه … ( أصوات وقع حوافر الخيل وصهيلها  … موسيقى مناسبة ) احتوشوه كأنهم كلاب برية متوحشة … سمعت فرسه ينعى فارسه ….. ويضع ناصيته في دم الحسين …  وركض نحو الخيام وهو يصهل ويضرب برأسه الأرض  قائلا( الظليمة الظليمه لأمة قتلت ابن بنت نبيها ) فخر ميتاً … نعم ميتاً ونحن نراه أمامنا كقبة كبيرة هوت ….( صورة خلفية متحركة تظهر الفرس وهو يركض ويسقط )…..

القاضي : سيحاكمكم التأريخ … والناس والأطفال …. ستحاكمكم الدنيا .

الرجل المسخ : أنا لم اقترف ذنباً … كل ما فعلته إني أكثرت السواد عليه  ..

القاضي : سيضل الحسين خنجر في ضميركم الميت ،

الرجل المسخ ( يركض داخل المسرح فزعاً ) نار …. نار …. تركض خلفي تطاردني … نار … ( يهرش جسده صارخاً ) دود …. آه … دود يأكل جسدي … أي لعنة هذه … في كل سنة أحيا من جديد لتحرقني النار ويأكلني الدود …. دود …. آه …. دود ( يصرخ ) دود ….. دود

ظلام

المشهد الثاني

المسرح فارغ ومظلم ومعتم … تتخلل تلك العتمة ألوان متداخلة وأصوات رعب ودخان اصفر… الرجل المسخ يخرج من وسط العتمة هذه بزيه السابق … يسحب خلفه صندوق خشبي على شكل ( تابوت ) اسود … يجر بيده الأخرى قطع قماش سوداء … يقف وسط المسرح .. يفتح التابوت يخرج منه دخان ابيض … يشمه .. يبتعد من رائحته …

الرجل المسخ : اووووف … ما هذه  الرائحة العفنة … أيعقل إني سأموت ها هنا … سأقضي سنة أخرى في نفس التابوت هذا ؟ انتم لا تعلمون ما تعني سنة كاملة تقضيها مع انتن رائحة في الكون … ثم إني لا اعلم أين ستكون ولادتي من جديد .. لا اعلم في أي بلد سأظهر مرة أخرى ؟ في كل بلد اظهر فيه سنوياً التقي بأناس يدعون إنهم على نفس نهج الحسين ( يضحك بصوت عال ) من يستطيع ان يمشي على خطى الحسين من ؟ أتحدى الشمس بكل عنفوانها الأزلي ان تتبع الحسين …. من انت ؟ مالذي تفعله ها هنا ؟ ( يغير في نبرة صوته ويأخذ دور الرجل الاول  ).

الرجل الاول : انا …. انا … وما شأنك انت ؟

الرجل المسخ : لكنك تقطع الطريق على الناس .

الرجل الاول: هذا موكب خاص بالحسين …. نستقبل فيه الزائرين .

الرجل المسخ : وتريد ان تكون على خطى الحسين ؟؟؟

الرجل الاول : وما شأنك انت أيها الرجل المسخ ؟ ومن تكون ؟

الرجل المسخ : انا هو الناجي …

الرجل الاول ( بتعجب ): الناجي ؟؟؟ من … من ؟

الرجل المسخ : الناجي من معركة ألطف .

الرجل الاول ( يضحك ) : أمجنون انت يا هذا ..؟ من معركة ألطف ؟ او تدري نحن بأي زمان ؟

الرجل المسخ : اعرف … اعرف لكنك تقطع الطريق وهذا قمة القبح … ان الحسين رسالة السلام لا يقبل ان تقطع الطرق بأسمه … ( تدخل مجموعة من الكومبارس ترتدي ملابس سوداء ملطخة بالطين  وتلطم على صدورها بمشهد يوحي بأداء طقوس عاشوراء )….

الرجل المسخ ( يبتعد عنهم خوفاً ) ما هذا ؟؟ ها … ما هذا ؟؟ ( ينتقل لدور الرجل الثاني )

الرجل الثاني : هذا عزاء للطم على ابا عبدالله .

الرجل المسخ : ماذا ؟ اللطم على ابي عبدالله الحسين ؟

الرجل الثاني : نعم

الرجل المسخ : ويحتاج منا ابا عبدالله اللطم ؟ وتعذيب الجسد ؟ ان الحسين أيها القوم استشهد بكامل قوته لا يحتاج ان نلطم عليه … ان الحسين عليه السلام هو طاقة شبابية متجددة .. من قال لكم ان تلطموا عليه ؟ الطموا على أنفسكم …

الرجل الثاني : وكيف نعزيه ؟

الرجل المسخ : أعظم عزاء أقامته أخته زينب عليها السلام في عقر دار يزيد عليه اللعنة … واليوم الحسين عليه السلام يريد منكم ان تنبذوا الحقد وتكرهوا الفساد وتحترموا الجار وتحبوا وطنكم ….

الرجل الثاني : ومن تكون انت ؟؟

الرجل المسخ ( يقرأ هذه الأبيات الشعرية) :

لا تتركي حجراً على حجر يا ليلة الأرزاء والكدر
صبي على الدنيا وما حملت من نار غيضك حارق الشرر
وتهتكي من كل ساترةٍ لم تحتفظي تتراً لمنستر
لا عاد صبحك او بدا ابداً في ظل وجهك مشرق القمر
يا ليلة ً وقف الزمان بها وجلا يدون أروع الصور
وقف الحسين بها ومن معه جبلاً وهم كجنادل الحجر
ما هزهم عصف ولا رعشت أعطافهم في داهم الخطر
يتمايلون وليس من طربٍ ويسامرون وليس في سمر
الا مع البيض التي رقصت بأكفهم كمطالع الزهر
يتلون سر الموت في سور لم يتله احد مع السور
ويرتلون الجرح في ولهٍ فكأنه لحن على وتر)

( يعلق القطع السوداء على الجدار … ويدخل الى التابوت ببطء … ويغلقه عليه … موسيقى

ظلام  …. ستارة

 القصائد : للشعراء بشير ابن جذلم والشاعر جابر الجابري


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock