نصوص

ننشر مسرحية (نحن الهلكروت) للكاتب العراقي: عبدالله جدعان


المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص

ـ

(نحن الهلكروت )

تأليف: عبدالله جدعان ــ العراق

 

الشخصيات:

1/ الرجل

2/ سافونارولا (الراهب الثائر)

3/ حسين الحلاج (عاشق الله)

4/ الكاهن البابلي

{ ضوء خافت يملأ المسرح يتخلّله دخان أبيض ومن خلاله يسمع أصوات همهمة محدثة إحساساً كبيراً بالحزن، يبدأ الرجل بضرب قدميه ضربات منتظمة تتزايد وتتعالى موسيقى مناسبة لتلك الأجواء، تخفت ضربات الأقدام شيئاً فشيئاً ومن ثم يقوم بحركات النشور والانبعاث والنهوض من الموت، يترنح ويتألم ثم ينفض عنه تراب الموت}.

 

الرجل[ يتلمس أجزاء من جسده التي عادت إليه للتو وللحظة ، يفرح فرحاً شديداً ثم يقوم بتحريك يديه وساقيه شيئاً فشيئاً ]

هل هذا جسدي؟! أم روح هائمة من حولي؟ ربما هي خيالات أو أوهام! لكنني حين خلعت جسدي فقدته إلى الابد! فالروح تظل هائمة!! أتساءل أحياناً من يسبق من؟ ومن يلحق من؟ الروح أم الجسد؟!

الصوت: الروح ولدت من حيّ لا يموت!.

الرجل: وهل مسموح بأن يسأل الموتى عن أسرارهم التي حملوها معهم الى قبورهم؟

الصوت: لِمَ لا. ما دمتَ في العالم السفلي، هناك راهب شهيد ثائر وآخر كان عاشقاً وشاعراً بحبّ الله.

الرجل: لكنني أريد أن أسال الكاهن قبلهم

الصوت : لك ما تريد

الرجل [ ينادي بصوت عال ] أين أنتَ أيها الكاهن ؟ الراهب الشهيد الثائر ؟ والعاشق والشاعر بحب الله؟

{ يزداد الدخان كثافة ليملأ المسرح وتتغير الإضاءة. أصوات كأنّها قادمة من باطن الأرض}.

الكاهن[ يدخل من جهة يسار المسرح وكأنّه في المعبد ] يا أريشكيكال. يا من تسمح للروح بالدخول في دار الظلمة في دار الظلام. بيت أركا للا. حيث لا رجعة الى الأبد. وحيث الطعام يتكون من الطين والتراب والظلام يخيّم على كلّ شيء.

 

سافونا رولا[ يدخل من جهة يمين المسرح ] ابكِ يا قلبي. ابكِ يا نفسي. يا عيني ابكيا. ابكوا معي أيّها الكبار والصغار.. نساء ورجال. أغنياء وفقراء. ابكوا هذا الموت البشع. ابكي ايتها الكواكب. ابكي أيّتها الارض. ليتَ معي كلّ العناصر والمخلوقات على الموت الرهيب. انا لا أستطيع الكلام أكثر من هذا. وليس عندي غير الدموع.

 

الحلاّج[ يدخل من أعلى وسط المسرح وهو في حالة تصوّف يتلو شعراً ]:

سلمت نفسي إلى البلوى لمتلفها واذا لعلمي بأنّ الموت يجيبها

ونظرة منك ياسؤلي ويا أملي أشهى عليّ من الدنيا وما فيها

وليس للنفس آمال تؤملها سوى رضاك فذي أقصى أمانيها

الكاهن: أنا خادم معبد مردوخ. حامل مفاتيح الصفح عن الذنوب! طالباً الرجاء والعون من الآله شماش ملك الأرض والسماء! من ناداني؟

الرجل : أنا

سافونارولا: من أنت؟

رجل : من الهلكروت

سافونارولا: الهلكروت؟!!

الرجل: أجل. كلمة متكونة من مقطعين. الأول(هلك، أي مات. نفق)

والثاني( روت. أي شبعت بعد ظمأ) ومعنى الكلمة بأجمعها شبعت موتاً!!

سافونارولا: وكيف كانت أحوالكم ؟

الرجل: جيوش وفيالق كأنّها مخلوقات الظلام! لم نرها من قبل! كنا نّحس بأنّنا نتكلم مع قوم يتكلمون غير لغتنا[ يبكي]

سافونارولا: ابكِ ما شئت. حتى دموع الأرض لا تغسل الأفعال الدنيئة! لكن من خلال التوبة تغتسل الروح الإنسانية فقط!

الرجل: غذاؤهم كانت الذبائح الإنسانية

الحلاّج[ مع الرجل] وهل كنت واثقاً من طهارة نفسك؟ وزكاة أموالك؟ وحفظ بيتك وعائلتك؟ هل كنت تعرف بأن الفلوس التي اشتريت بها القصور والملابس كانت حلالاً أم حرام؟

الرجل[ يهذي] أشكّ في كلّ شيء ولكن لا أعرف شيئاً

سافونارولا[ مع الرجل] اختل عقلك؟

الرجل: بل اختلطت عليّ افكاري

الكاهن: أخرج من دار الظلمة. لأنكّ مولود من رحم التسلّط والكرسي

الرجل: أجل. لأنني أصبحت رافضاً للظلم فاصطادوا روحي

الحلاج: احترقت أنا بحبّ الله! وأنت احترقت بسوء أفعالك

سافونارولا : أأنتِ فرحٌ بموتكِ؟

الرجل: نعم، كامل الفرح

سافونارولا: كيف؟ لم أسمع بأنّ شخصاً فرح بموته؟

الرجل: لم أرى سوى الكوابيس عن موتي القريب. كأنّ زماني انتهى وقُرئت على روحي الفاتحة وآخرين دقّت لهم نواقيس الكنائس والأديرة بألحانها الجنائزية [ يبكي ] فتكسرت كلماتي الرافضة بخنجر شيطان

الكاهن: وبعد أن راحت الأحلام المرعبة تقلق أنكيدو ويتصور نفسه بين الموتى في العالم السفلي. داهمه مرض سرعان ما قضى على حياته! وحزن كلكامش حزناً شديداً على صديقه وراح يبكيه:

من أجل أنكيدو. خلي وصاحبي. أبكي وأنوح نواح الثكلى لأنهّ الفأس التي في جنبي، وقوس يدي، والخنجر الذي في حزامي، والمجن الذي يدرأ عني، وفرحتي وبهجتي وكسوة عيدي، لقد ظهر شيطان رجيم وسرقه مني.

سافونارولا: هل تشبّت بالأحلام؟ حققت منها شيئاً؟

الرجل: كنت أتمنى لو أنّ الاحلام تباع لاشتريت ارضاً خالية من لون السواد والدم

سافونارولا: حين لا تحبّ المكان استبدله. حين يؤذيك أشخاص اتركهم . حين تحبط إقرأ بشغف. المهم في الحياة أن لا تقف متفرجاً

الرجل: وهل كنتَ متفرجاً على ما يحدث في فلورنس أو بريشا؟

سافونارولا: كلا. وجدت عملي لا يقتصر بين جدران الدير بل الخروج لأخاطب الناس في مواضيع شتى

الرجل: ماذا أردت من هذه الخطابات؟

سافونارولا: أردت منها تطهير قلوب الآخرين وأن أقودها الى الله

الصوت: وأهمّ تلك الخطابات؟

سافونارولا: بل قل لي أخطرها . التي هدّدتُ إيطاليا بغضب الله وقلت لأهل بريشا:

إنّ مدينتكم ستصبح فريسة لنهب الأعداء. وأنّ الدماء  ستجري فيها أنهاراً. وستنتزع النساء من أزواجهن. وسيعتدّى على الفتيات العذارى. وسيقتل الأطفال أمام أعين أمهاتهم. وختمت كلامي بأن تعلنوا الندم والتوبة ودعاء الله أن يكون بكم رحيما.

الرجل: مؤكد هذه الخطبة أزعجت الكنيسة والأمراء. ممّا يعني أصبح لك أعداء؟

سافونارولا: بالتأكيد. ولجأ أعدائي إلى الحيلة  في محاربتي فطلبوا إثبات صحّة تعاليمي ووعظي للناس بدخول مناظرة وتجربة النار!

الرجل: تجربة النار؟!

سافونارولا: نعم. لأنّ النار ستأكل من يرى الله فساد تعاليمي. فرفضت التجربة لأننّي أعرف المؤامرات التي يديرها لي خصومي من وراء هذا، لأني إذا دخلت النار ستحرقني أنا واتباعي

الحلاج: وأنا كذلك قال لي والي بغداد إنّ أهلها يريدون مناظرتك من خلال النار

الرجل: ما السبب؟

الحلاج: سمعت يوماً مؤذن أذان الظهر. فلما قال الله اكبر الله أكبر. قلت تكذب. فقالوا أتُكذّب المؤذن؟ لا يكذب إلا من حلّ قتله. فقلت لهم. لو قال الله أكبر بصدقٍ الإشارة لما حملته المنارة!!

الرجل: وماذا حدث بعد ذلك؟

الحلاج: قلت لهم احفروا لي حفرة واملؤها فحماً وناراً وآتوا لي بهاون من نحاس وضعوه فوق النار. ففعلوا ما طلبت. حتى صار الهاون جمرة حمراء فقعدت في وسطه وقلت لعلماء الدين الذين أرادوا مناظرتي: من أراد أن يناظرني فليقعد معي؟ فولوا هاربين. فصحت بهم: أتهربون من نار الدنيا ولا تهربون من نار الآخرة؟ فمن أراد النجاة من نار الآخرة فلا يأكل الحرام ولا ينام ولا يترك الصلاة والصيام!

الرجل: عذراً يا شيخ، هل كانت صنعتك حلاج؟

الحلاج: كلا. لأنني لم ارَ إلا نور المحبة وأنوارها أرى ربي فأخذ مني عقلي فأخذت أُناجيه بشعري[ ينشد شعر]:

أنا الحلاّج وايش تنكروا من حالي أنا حلجت قطني بالحمد للمتعال

أنا عبدت ربي في ظلمة الليالي في حبِ ربّي صرت تائهاً في التلال

أنا فتح لي باب من غير قفلٍ أنا عبدت ربي في شاهق الجبال

الرجل[ مع سافونارولا ] وكيف كانت نهايتك؟

سافونارولا: عندما لم تنجح تجربة النار تّم إيداعي بالسجن وتمّ تعذيبي، وتم إصدار حكم الإعدام شنقاً مع حرق جثتي وإثنين من رفاقي الرهبان. فأقيمت معدات الشنق والإحراق بحضور رُسل البابا وممثلي فلورنس. ثمّ أُشعلت النار في أسفل الجثث وأخذت تحترق ثم قام الأولاد بقذفها بالحجارة ثم ألقيت الجثث من أعلى الجسر القديم في مياه الأرنو.

الصوت[ مع الحلاج ] وأنت يا شيخ. كيف كانت نهايتك؟

الحلاج: تمّ إصدار فتاوى بحقي من 84عالماً من علماء بغداد والشام ومصر بأننّي زنديق. فقام الجلاد وأوقد النيران وقدم الاخشاب والآت العذاب. وأنا مقيد في 14قيداً وأغلالاً. سجدتُ لله تعالى وقلت للجلّاد: افعل ما أمرك به أمير المؤمنين؟ فقال امدد يدك اليمنى فقطعها ومن ثم اليسرى ورجليّ كذلك ثم قام ونصب الخشب وصلبني وأوقد النار وقال ارجموه بالحجارة. فرجمني الأولاد بالحجارة. وأنا أضحك فقام شيخي الجنيد ورجمني بوردة[ينشد]:

لاحت لنا من قريب الحي أسرار وأشرقت من وجوه القوم أنوار

وطاف بالقوم ساقٍ لا شبيه له فرراً قديما ولاحت في الحمى نار

وزمزمت نغمة الرواد منشدة هذا العقيق وهذا الربع والدار

الرجل[ مع الكاهن وسافونارولا والحلاج ] ستكونون شاهدين على ما حدث لنا في الهلكروت

الكاهن: نحن؟

الرجل: نعم

الكاهن: لكننا في الدار السفلى

الرجل: نلتمس منكم نصح الروح للخلاص من التساؤل على حقيقة ما قمنا به

الكاهن: لقد خدكم الخادعون وعبث بعقلكم العابثون وإنّ أيامكم التي مضت لم يبقَ فيها إلاّ بقية الروح في جسم مذبوح!

سافونارولا: ليس هناك سوى حقيقة واحدة. إنّ أي كذب ما هو إلاّ خطيئة !وأن أكبر الخطايا خداع الشعب باسم الرب

الرجل: أغلقوا علينا المنافذ والآفاق وجعلونا نرضخ لذلك

سافونارولا: إن غضب الله عليهم سيكون قريباً. ستسقط من السماء سيوفٌ وسِهام ونيران !لأن العالم أصبح طعمة للحرب والمجاعة والوباء

الحلاج: هذا حكم الله تعالى. ولا مفرّ من قضاه وقدره. من أحبَّ الله احبَّ اللهُ لقاءه ومن كره لقاءَ الله كره الله لقاءه. وأنا أحببت أن أموت شهيداً

الرجل: كانت صلواتنا مقفلة بمفاتيح الخوف دوماً[ يهذي ويدور هنا وهناك] يا آكلي لحومنا لا تأكلوا الشموع فهي ما بقى لنا

الحلاج: رّبما خيوط النور تلك ستحرّر أرواحكم

الكاهن: تشبّثوا بخيوط النور ولا تفلتوها

الرجل: حتى نور الشمس بدأ بالتضاؤل خجلاً من أفعالهم وآثرت الاختفاء معلنة حدادها بسواد أطبق على الأرض

الكاهن: إنّ الذي يخاف الظلمة لا يبرأ منها إلاّ بمواجهتها. لذا احبسوها واصرخوا بأعلى أصواتكم ليعمّ الضياء وينتهي الخوف

الرجل: هل نطلب ثأراً لدمائنا التي سفكت غيلةً وظلماً؟.. أيتّها الروح عودي إلى هجعتكِ الابدية واستغيثي بمغيث الخلائق

الحلاج: أيتّها الملائكة أطلقي ناركِ السماوية المقدّسة لتغسل من أخطاء البشرية التي استغاثت منها الأرض والشجر.

 

{ برقٌ ورعد من خلال المؤثرات البصرية والسمعية. يزداد الدخان وتتعالى همهمات الممثلين على شكل أنين وهم يسيرون بحركات آلية بشرية باتجاهات متفرقة ليعم بعدها ظلام تام على المسرح }.

 

 

(( يســــــتدل الســـــــــــتار))


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock