ننشر نص “مرحاض” للكاتب العراقي “علي العبادي”

المسرح نيوز ـ القاهرة|نصوص

ـ

مــرحـــاض

 

 

 

الشخصيات :

علاء الدين

المارد

العم

الأول

الثاني

 

فضاء العرض … بناية تضم عدة مراحيض ما يقارب أربعة منها مراحيض (شرقية) … وأمامها مراحيض (غربية) مكشوفة لا تحيطها بناية .

 

(علاء الدين في داخل احد المراحيض يطرق على الباب ويصرخ)

علاء الدين : أفتحوا الباب … افتحوا الباب … افتحوا الباب … هل هنا أحد يسمعني ؟ (يواصل الطرق)  إذا لم تفتحوها سأضطر إلى كسرها أو سأضرم فيها النار (يطرق على الباب) لماذا لا يجيب أحد ؟

(يحاول جاهداً أن يواصل المزيد من الطرق، إلى أن يفتح الباب ويخرج من المرحاض، ما أن يخرج حتى يشم رائحة كريهة فيحاول أن يغلق أنفه تفادياً للرائحة )

علاء الدين : ما هذه الرائحة النتنة ؟ ما هذه الرائحة الكريهة التي تلفّ المكان ؟ أين أنا ؟

صوت المارد : علاء الدين … يا علاء الدين .

علاء الدين : (يندهش لسماع اسمه) علاء الدين … مَنْ هذا الذي يناديني ؟

صوت المارد : علاء الدين .

علاء الدين : مَنْ ؟ من المنادي  ؟

صوت المارد : أنا .

علاء الدين : من أنت ؟

صوت المارد : المارد .

علاء الدين : (يندهش أكثر ويتعجب) المارد !

صوت المارد : أجل يا علاء الدين .

علاء الدين : أين أنت ؟

صوت المارد : أنا هنا .

علاء الدين : أين ؟

صوت المارد : في احد المراحيض الذي يجاور المرحاض الذي كنت محبوساً فيه … حررني يا علاء الدين .

علاء الدين : (يذهب باتجاه المرحاض المحبوس فيه المارد) أنا قادم إليك .

(يقوم علاء الدين بالطرق على الباب بقوة محاولاً تخليص المارد)

صوت المارد : هيّا يا علاء الدين .

علاء الدين : أنتظر قليلاً .

(بعد الجهد الذي بذله علاء الدين في الطرق ، يتمكن من فتح الباب فيخرج المارد)  

علاء الدين : هيّا أخرج ، أيها المارد .

(المارد ما أن يخرج حتى يشم رائحة كريهة ، يحاول أن يلف انفه بذراعه ، متسائلاً)

المارد : ما هذه الرائحة ؟ ما هذه الرائحة ؟

علاء الدين : لا أعرف مصدرها ! فأنا أول ما خرجت أحاطت بأنفاسي مثل شوق أم لولد … لا تهتم ستعتاد عليها … ما الذي أودى بك إلى هذا المرحاض ؟

المارد : لا أعرف ! و أنت من الذي ألقى بك في المرحاض ؟

علاء الدين : لا أعرف !

المارد : يا علاء الدين موقفك النبيل معي يدعوني إلى مساعدتك وأنا على استعداد أن ألبي لك ما تطلب .

علاء الدين : (بتعجب) حقاً !

المارد : اجل يا صديقي .

علاء الدين : (بفرح كبير) أيها المارد العجيب أرجعني إلى أهلي حيثما يكونون .

المارد : (يضحك) هههههههه ، هل لك طلب أخر أقضيه غير هذا ؟

علاء الدين : ولماذا لا تنفّذ لي هذا الطلب ؟

المارد : هذا طلبك  خارج حدود قدرتي ، أهلك ، ما بين بقايا رماد ومنفي يقف في الطابور الأول الذي ينتظر الموت .

(يحزن لما سمع ، ثم يحاول أن يتخلص من الحزن حيث يطلب من المارد شيئاً أخر)

علاء الدين : طيّب أود أن أتزوج من حبيبتي .

المارد : لا زال هناك متسع من الوقت .

علاء الدين : (يصاب بخيبة) أريد أن أصبح غنياً .

المارد : ( يضحك بقوة) هههههههه وهل وجدتني غنيا كي أمنحك جزءاً من ثروتي ؟

علاء الدين : (بحزن) أمنحني القوة … وسحرك ؟

المارد : (يضحك) هههههه … لو كان لي قوة  لما استعنت بك للخروج من هذا المرحاض .

علاء الدين : وماذا عن سحرك ؟

المارد : (يضحك) ههههه ، انطفأ ضياؤه منذ زمن بعيد .

علاء الدين : ( وهو يذرع المكان ذهابا وإيابا) لا بدّ أن أجدَ منفذاً للتخلص من هذه الرائحة .

المارد : لا بدّ أن تفكر .

علاء الدين : أفكر بماذا ؟

المارد : يجب أن تتعب .

علاء الدين : أتعب بماذا ؟

المارد : بالتفكير .

علاء الدين : لماذا ؟

المارد : كي تتعب .

علاء الدين : لماذا ؟

المارد : كي تفكّر .

علاء الدين : (فرحا وهو يركض في إرجاء المكان) وجدتها .

المارد : هل تعبت ؟

علاء الدين : كلا .

المارد : هل فكرت ؟

علاء الدين : كلا .

المارد : كيف وجدتها وأنت لم تكلف نفسك عناء التفكير ؟

علاء الدين : وجدتها ، وانتهى الأمر .

المارد : (يضحك) لا تقل لي انك ستصبح مارداً مثلي ؟

علاء الدين : (بسخرية) مارد معطوب .

المارد : (ينتفض) أخرس ، لا أسمح لك الإساءة لي .

علاء الدين : وكيف سمحت لنفسك أن تكون ماردا معطلا عن العمل ؟

المارد : (محاولا تفادي السؤال) قل لي كيف وجدتها ؟

علاء الدين : (بزهو) سوف أؤسس مملكة .

المارد : (يفغر فاه) مملكة ! (يختفي المارد)

علاء الدين : أجل .

 (علاء الدين يتجه إلى أحدى المراحيض المكشوفة (الغربية) فيجلس عليها متخذاً منها عرشاً ، ويخرج من جيبه المسلة) 

علاء الدين : (ينادي على المارد) أيها المارد .

المارد : (يظهر المارد من وراء أحدى المراحيض ) شُبيك لبيك المارد المطيع بين يديك .

علاء الدين : أسمعني جيداً أيها المارد .

المارد : شبيك لبيك المارد المطيع بين يديك .

علاء الدين : أخرس يا أبله كفاك تملقاً …(بثقة) أنا وددت أن أعيّن ولاة يديرون شؤون المملكة … بصفتي الملك .

المارد : (لا يرد) .

علاء الدين : لماذا لا ترد ؟

المارد : مولاي أنت قلت لي أخرس .

علاء الدين : أيها الأبله في الوقت الذي يَتطلب منك أن تتحدث لا تنبس ببنت شفة، وفي الأوقات التي يتطلب منك الخرس يصبح لسانك أطول من قصص ألف ليلة وليلة . … وهذا ما اكرهه … أسمع (يقاطعه المارد) .

المارد : من هذه ليلى .

علاء الدين : أخرس .

المارد : مرة أخرى .

علاء الدين : (ينظر إليه شزراً) أذهب في أرجاء البلاد وأحمل مسلتي على أخف من جناح الريح ، وأبلغ الناس ممن لديهم الرغبة في أدارة شؤون البلاد وفق الدرجات الشاغرة وفي ضوء ما تنص عليه المسلة .

المارد : وعلى ماذا تنص المسلة يا مولاي ؟

علاء الدين : يجب على من يتقلد منصباً في مملكتنا أن يتمتع بقيم رثة .

 (المارد فرحاً ومتفائلاً عسى ولعل أن يجد أحدى الاشتراطات تنطبق عليه)

علاء الدين : يحق لمن أثبت أنه من السفلة والشواذ والقوادين وممن لديهم خدمة جهادية في ذلك أن يتقدم للترشيح والأفضلية لذوي الخبرة الطويلة .

المارد : ( يفغر فاه لما سمع ، ثم يتحدث جانباً مع نفسه) هذه فرصة أخرى ذهبت مني … بالفعل أنا أبله ، عمر قضيته في هذا المرحاض من أين تأتيني بالخبرة ؟

علاء الدين : (يواصل قراءة ما تنص عليه المسلة شفوياً) أن لا يكون قد حكم عليه بتهمة الشرف .

المارد : ( يتذمر) هذه الفرصة الأخرى تذهب مني .

علاء الدين : يقتل كل من تثبت عليه جناية أو جنحة مخلة بالدعارة أو المساس بقيم كل هزيل شاذ داعر .

المارد : (يحبط ) تفو على هذا الحظ البائس ، لا اعرف هل أنا من دفنت في ذلك المرحاض أم حظي ؟

علاء الدين : (يواصل قراءة شروط المسلة) يجب أن يتمتع المرشح لمملكتنا بعدم الكفاءة باستثناء ما ذكرت .

المارد : (يفرح فرحاً شديداً) شبيك لبيك المارد المطيع بين يديك … مولاي هذا الشرط الأخير ينطبق علي .

علاء الدين : أعرف أنك ماردٌ معطوبٌ … لكن هذا الشرط أهم شرط … وأنا قلت فيه باستثناء ما ذكرت .

المارد : (مستفهماً وقد خيب أمله الوحيد) يعني ماذا ؟

علاء الدين : أيها الأبله … هل عملت قواداً أو كنت شاذاً ذات يوم وتتمتع بالخبرة في ذلك ؟

المارد : لا يا مولاي .

علاء الدين : هل حكم عليك بتهمة مخلة بالشرف ؟

المارد : أجل … يا مولاي .

علاء الدين : (يُفاجأُ) متى وأين؟

المارد : (يضحك) هههه ماذا دهاك يا مولاي … هل نسيت أنك من أطلق سراحي من ذلك الذي خلفك (يؤشر على المرحاض) ؟

علاء الدين : سأجن أيها الأبله بسببك .

المارد : والمملكة ؟

علاء الدين : ما بها ؟

المارد : تؤول لمن إنْ جننت ؟

علاء الدين : أغرب عن وجهي أيها الغراب .

المارد : (المارد يرفع رأسه إلى السماء) أغرب عن وجهنا أيها الغراب .

علاء الدين : أنت الغراب .

المارد : أنا المارد يا مولاي .

علاء الدين : (يصرخ) أخرج أيها المعتوه صدعت رأسي .

المارد : أمرك يا مولاي (يخرج) .

علاء الدين : آه ، يا علاء الدين سوف يتحقق حلمك، سيتحقق ما تصبو إليه ، كم سعيد أنا .

المارد : (يدخل) مولاي .

علاء الدين : بشرني أيها المارد .

المارد : حول ماذا ؟

علاء الدين : حول ما أرسلتك بشأنه .

المارد : حول ما أرسلتني بشأنه ؟!

علاء الدين : (ينفد صبره) أيها اللعين لم يتبق لي رصيد من الحلم .

المارد   : مولاي أتعرف إنّ أجمل شيء هو الحلم .

علاء الدين : (يصرخ) أيها المارد .

المارد : شُبيك لبيك المارد المطيع بين يديك .

علاء الدين : أيها الأبله ماذا بشأن ما أرسلتك من أجله ؟

المارد : (يفكر ثم يضحك) ههههه … تذكرت ، مولاي نسيت أن تعطيني المسلة .

علاء الدين : (فوجئ بوجود المسلة بيده) كمية التفاهة الهائلة التي أضفيتها علينا أنستني أن أعطيك المسلة ( يعطيه المسلة ويشير له بالخروج) هيا أغرب عن وجهي ، اغرب .

المارد : أنا أم الغراب ؟

علاء الدين : (يصرخ) أغرب .

المارد : (يخرج)

علاء الدين : يا له من أحمق .

(يختبئ علاء الدين وراء أحد المراحيض، يدخل عمه باحثاً عنه وبين فترة وأخرى يضع يده على انفه تفاديا للرائحة)

العم : (ينادي) علاء الدين … يا علاء الدين … علاء الدين .

علاء الدين : (يخرج من وراء احد المراحيض ، متقمصاً شخصية المارد) شبيك لبيك علاء ….. (ينتبه إلى نفسه ، فيتحدث مع نفسه) اللعنة عليك أيها المارد البائس .

العم : أين أنت يا علاء الدين  ؟

علاء الدين : مَنْ ؟

العم : (ينتبه لوجود علاء الدين ) أنا عمك … يا علاء الدين .

علاء الدين : (متهكماً) أيّ عم تتحدث عنه .

العم : ماذا بك يا علاء ؟ أنا عمك .

علاء الدين : لم اعرفْ سابقاً أنّ لي عماً … فارع الطول … شعر ذقنه يطرّز وجهه العبوس … فيما تنتصب في وسطه عينان مرعبتان (يقطعه العم ساخراً) .

العم : وله خشم ولسان ،  ما بك يا علاء ، هل جننت ؟ بحثتُ عنكَ طويلاً وبعد أن وجدتك تقوم بوصف ملامحي ما ليس في بدلا من الترحيب بي ؟

علاء الدين : (يتحدث وكأنه ملك) أعتذر جداً منك يا عمي ، أنت تعرف المسؤوليات الملقاة على عاتقي ، أنا أواصل الليل بالنهار من أجل قضاء شؤون الرعية ، وهذا ما يمليه عليّ واجبي الوطني …. (يقاطعه العم) .

العم : وما هو موقعك من الإعراب وسط كل هذا الهراء الذي قلته ؟

علاء الدين : (يبستم برباطة جأش) أنا تارة تجدني فاعلاً ، وفي الأزمات فعلاً ، وفي القحط مفعولاً به أو مفعولاً فيه ، لكن لا يروق لي سوى أن أكون علامة استفهام في نهاية الجمل ، حتى تلك البليدة منها أو الهرمة أو تلك التي شارفت على الموت .

العم : (يتحدث جانباً مع نفسه) يبدو أن الولد جنّ !

علاء الدين : هل تجرؤ أن تكون يوماً علامة استفهام يا من تدعي أنّك عمي ؟

العم : ماذا … أدعي أني عمك ؟

علاء الدين : أجل .

العم : سامحك الله .

علاء الدين : لماذا ؟

العم : سأجن يا علاء بسببك !

علاء الدين : لم بحثتَ عني يا عمي ؟

العم : افتقدتكَ يا ولدي منذ فترة وأنت غائب عنّا ، تمكن الخوف منّا عليك .

علاء الدين : تمكن الخوف منا عليك يا ولدي ، جميل جداً يا عم ، تصلح هذه الجملة مقدمة لأغنية ، ستلقى صدى واسعاً بين أبناء مملكتنا لو نفّذت ، خصوصا وأنها تتغنى بالملك .

العم : يا علاء يا حبيبي أنت بأيّ لغة تتحدث ؟

علاء الدين : كل اللغات هراء … ما دمتُ أنا تائهاً وأنتَ تبحث تارة عني وتارة أخرى تنتظر .

العم : (يحدث نفسه) أخشى أن تمكن منه جنّي وتلبس به .

علاء الدين : الجني أرسلته في مهمة ولم يعد بعد .

العم : ماذا بعد كل هذا الهذيان .

علاء الدين : هناك أشياء كثيرة، هل تعرف يا عم أني قد أسست مملكة .

العم : (يفغر فاه) ماذا ؟

علاء الدين : أجل يا عمي .

العم : (ساخراً) وأين تقع هذه المملكة يا علاء ؟

علاء الدين : (يضحك كما الملوك) عجيب أمرك يا عم أنت في المملكة وتسأل عنها ؟

العم : هذه مملكتك التي تحيطها المراحيض ؟

علاء الدين : ألا يعجبك مكان المملكة ؟

العم : ما الذي يدعوني للإعجاب بها يا علاء الدين ؟

علاء الدين : لا يا عم لم أكن أتوقع منك هذا ، عليك أن تبدي استعدادك لدعمي في مملكتنا الغضة .

العم : أنت ألا تشم هذه الرائحة ؟

علاء  الدين : يا عم بوصفك أصبحتَ سندباداً من خلال بحثك عني ، كيف وجدتَ الرائحة خارج المملكة ؟

العم : (لا يجيب) .

علاء الدين : لماذا لا تجيب ، يا عم ؟

العم : هي أسوأ من هذه الرائحة .

علاء الدين : (يضحك) ههههه أنتم عندكم مع الجلاد علاقة عشق لا تنتهي ، أتتهكم علينا وعلى مملكتنا الفتية يا عم ، (ساخراً) لا يا عم هذا ما لا أرجوه منك .

العم : لم تقل لي أين عرشك ؟ أخشى أن تكون أحدى المراحيض الماثلة أمامي كتوابيت تنتظر من يحملها والكل يهرب منها لهول رائحتها النتنة ؟

علاء الدين : ولماذا لا تهرب من هول الرائحة التي خارج المملكة ، هذه مراحيض وكم تصفها أنت بالتوابيت ، لكنها بلا جثث يا عم ، خارج هذه المملكة وفي المكان الذي تقطن فيه جثث بلا توابيت (ساخراً) حقاً يا عم هل دفنتم تلك الجثث ؟

العم : ما هذا الهراء يا علاء الدين ؟

علاء الدين : (يضحك) هههههه (يتجه باتجاه العرش فيجلس عليه ) تعال يا عم أجلس بجانبي .

العم : (يستشيط غضباً) ماذا ؟

علاء الدين : ألا تسمع ؟

العم : أتريدني أن اجلس على المرحاض ؟

علاء الدين : يا عم ألا يروق لك أن تكون ضمن تشكيلة حكومتنا الرشيدة ؟

العم : و رشيدة أيضا ؟

علاء الدين : اسمع يا عم ثمّة اشتراطات لا بد أن تتوفر في من يرغب للترشيح لمملكتنا .

العم : أنا سأغادر ، هل لك رسالة احملها لأهلك عند عودتي ؟

علاء الدين : أنت من سيدوّن الرسالة وأنت من سيقرأها .

العم : طيب أملي علي .

علاء الدين : لا يحتاج أنت عشتها .

العم : كيف ؟

علاء الدين : أنقل ما شاهدته وما عشته من لحظات سعيدة هنا (العم ينظر له بتعجب) إلى أهلي وناسي واخبرهم عن الجانب المشرق في مملكتنا الجديدة (العم يزداد تعجباً وحيرة) ووجه لهم دعوة على لساني للمجيء إلى المملكة لينضمّوا تحت لوائها عسى أن ينعموا بالخير .

العم : (ينظر له بحيرة) إلى اللقاء .

علاء الدين : إلى اللقاء أيها العم الطيب .

 (صمت يخيم على الفضاء لفترة وجيزة )

(يدخل المارد وقد بدت عليه أثار التعب وقد اخذ منه مأخذا ومعه إثنين من المرشحين اللذين يتفاجآن بالرائحة يحاولان تفاديها من خلال وضع أيديهما على انفهما ، يفرح علاء الدين لدخول المارد عليه وبرفقته الاثنين ) .

 المارد : كيف حالك صديقي علاء ؟

علاء الدين : (يستغرب) ماذا ؟ ماذا تقول أيها الأبله

 المارد : كيف حالك صديقي علاء ؟

علاء الدين : (منزعحا) صديقك أم أيها الملك ؟

المارد : لا فرق في ذلك دائما يبتدئ الحضيض من الصداقة ثم تتطور دورة الصداقة في المملكات إلى سفالة لا حدود لها .

علاء الدين : أراك تغرد أيها ال …… (يقاطعه المارد ويكمل ما أراد قوله علاء الدين)

المارد : التافه ، سنوات وأنا في هذا المرحاض السحري ، لم اشعر ولو لحظة بالتعب و الإعياء مثلما شعرت به اليوم (ساخرا) في نشر مسلتك أو رسالة نبوتك ، آه جميع أجزاء جسدي تؤلمني .

علاء الدين : سترتاح مدى العمر يا صديقي .

المارد : (يستغرب) ماذا ؟ ماذا قلت ؟

علاء الدين : سترتاح مدى العمر يا صديقي .

المارد : صديقي أم المارد ؟

علاء الدين : (يضحك) يا لك من مارد شقي …. هل ثمّة أخبار سارة فيما أرسلتك بشأنه ؟ المارد : سارة من ؟

علاء الدين : (يصرخ) أيها الأبله .

المارد : اجل يا مولاي (يتحدث كما لو انه ملك) حقيقة بعد جهود حثيثة بذلناها من اجل دعم مملكتنا الغضة وطوافنا في أنحاء المعمورة لم نعثر على سفلة وشواذ وقوادين حيث الكل مشغولين بين العبادة والزهد والإيمان سوى هذين المعتوهين اللذين لم يسعفهما الوقت للتوبة ربما سيكون الحظ معهما في أن يتقلدا مناصب مهمة في مملكتنا .

علاء الدين : هل تتوفر فيهم الشروط التي نصت عليها المسلة ؟

المارد : أجل يا مولاي ، تعبتُ كثيراً في الحصول عليها ، وجدتُ البعض من العباد تتوفر فيهم صفة دون الأخر ، وهناك من تتوفر فيه صفتان دون البقية ، إلا هذان تتوفر فيهما جميع الشروط مسلة حمورابي .

علاء الدين : (يصرخ به) ماذا ؟

المارد : عفوا يا مولاي اقصد مسلة مولاي علاء الدين .

علاء الدين : (إلى الأول) كم لك من الخبرة في الدعارة ؟

 الأول : ولدت يا مولاي زاهداً محباً متعففاً فيها منذ نعومة أظفاري  .

علاء الدين : جيد هذا شيء مفرح (إلى الثاني) لم نسمع صوتك منذ متى وأنتَ تمارس العهر ؟

الثاني : مولاي خادمك المطيع منذ سنوات أعمل في هذا المجال ولي شهادات دولية ، واطمح أن يكون لي اختراع في هذا المجال خدمة للبشرية .

علاء الدين : أملي كبير بكما بدعم مملكتنا الفتية ، يغمرني فرح كبير ، وأنا أرى فيكما هذا النشاط والحيوية ، وهذا يزيدني ثقة بكم .

الأول : نحن بخدمة مولاي علاء الدين .

الثاني : خدمتك شرف لنا .

علاء الدين : اسمعاني, سأوزع المهام عليكما ، (إلى الثاني) ستكون مسؤولاً ومراقباً عن كلّ من تسول له نفسه في اجتناب ما يخالف ما جاء في بنود المسلة من أبناء مملكتنا . (إلى الأول) وأنت ستكون ساعدي الأيمن ومسؤوليتك المحافظة على أيّ تقدم تحرزه المملكة وان تكون لك مساهمة فاعلة في التشريع والتعديل على بعض ما جاء في مسلتنا .

المارد : (ساخراً) وماذا عن هذا (مشيرا إلى نفسه) العبد الفقير ؟

علاء الدين : أنت الدرع الحصين لهذه المملكة … (إلى الأول والثاني) المملكة مملكتكم أترككما لبعض الوقت لتكتشفا عوالمها حيثما اخذ قسطا من الراحة أنا والمارد .

 (يخرجان)

(فترة صمت تملاُ الفضاء)

(الأول والثاني مشغولان باستكشاف المكان … الأول يفتح باب أحدى المراحيض الشرقية بينما الثاني يفتح غطاء أحد المراحيض الغربية ثم يوصده ويجلس عليه ليأتي الأول يجلس على المرحاض المجاور له  . (

الثاني : ما هذا البهاء ، ما هذا الترف ؟

الأول : تقصد ما هذا الزهد ، ألا ترى بساطة المملكة ؟ عروشها من مراحيض .

الثاني : كم أتمنى أن أكون ملكاً ؟ للقنْتُ العالم درسا لن ينساه أبداً ، ما أضيق العيش لولا هذه الرائحة (يحاول أن يضع يده على انفه) ؟

الأول : يجاهد المرء بشتى صور الجهاد بالطرق المشروعة وغير المشروعة من اجل أن يبقى متواصلاً وفياً مع هذه الرائحة .

الثاني : ومنهم حتى لو كلفه الأمر التضحية بكل ما يملك وان كان لا يملك شيئاً .

الأول : تلك هي المصيبة لا يملك شيئاً .

الثاني : (إلى الأول ) حقاً ، أنتَ ماذا تملك ؟

الأول : صيت على شاكلة الهواء الذي في شبك .

الثاني : (يختنق فيسعل، يتجه نحوه الأول محاولاً إنقاذه).  

الأول : ما بكَ ؟

الثاني: أكاد أختنقُ .

الأول : ما الذي حلّ بك ؟

الثاني : لا تبتئس صديقي ، هذه لازمة بي مثل العتمة التي لا تتألق إلا بالأماكن التي تنوء بالقبح ، ما أن يذكر الهواء حتى اختنق .

الأول : أتمنى لك تمام الصحة والعافية .

الثاني : هل ستغادر ؟

الأول : لا كيف أغادر أنا أصبحت موظفاً رسمياً في هذه المملكة .

الثاني : ظننتُ انك تريد أن تغادر ، بعد أن تكرمت علي بالدعاء .

الأول : مجرد دعاء يا صديقي ، لم تقل لي ماذا تملك ؟

الثاني : (يضحك) ههههه ، أنا أكثر منك ثراء .

الأول : كيف ؟

الثاني : لي قطعة ارض .

الأول : (يندهش) قطعة ارض ؟!

الثاني : اجل .

الأول : كم تبلغ مساحتها ؟

الثاني : لا اعرف بالضبط .

الأول : من أين حصلت عليها ؟

الثاني : (يتحدث بغرور) حقيقة أنا انتمي لعائلة معروفة ذات نسب مشهود في أرجاء المدينة ، حيث والدي ورثني إياها ، أباً عن جد .

الأول : كم تبعد عن الشارع العام ؟

الثاني : هذه هي المشكلة يا صديقي وقوعها على الشارع العام جعلها عرضة للأطماع من قبل الأقرباء وحتى الغرباء .

الأول : كيف ؟

الثاني : استوعبت هذه القطعة أكثر من طاقتها الاستيعابية من الموتى ، كل من هبّ ودبّ يأتي يدفن ذويه فيها .

الأول : يا للهول ستصبح مقبرة وسط المدينة ، وربما هذا يعرضك لمساءلة قانونية .

الثاني : (يضحك) ههههه بل هي ، قطعة في مقبرة .

الأول : (يفاجئ) ماذا ، قطعة ارض في مقبرة ؟

الثاني : ليست هذه المشكلة يا صديقي .

الأول : وهل هناك مشكلة أخرى ؟

الثاني : اجل ، القطعة امتلأت بالموتى ولا يوجد متسع فيها لدفني حين أموت .

الأول : يبدو رصيد مشاكلك ممتلئ ، ما هذا اليائس ، أن كان الموضوع يقف المكان فيه حائلاً أحبّ أن أطمئنكَ ، (يتحدث بزهو) سأتحدث مع الملك مولاي علاء الدين كي يدفن جثمانك في أحدى هذه العروش (يشير بيده إلى أحد المراحيض الغربية) .

الثاني : يا لها من فكرة جميلة !

الأول : وستطوف العائلة المالكة بأجمعها كبيرها وصغيرها حول قبري .

(يدخل علاء الدين ومعه المارد، فيما الأول والثاني ينتبهان لدخولهما ويقومان مطأطئين رأسيهما بكل احترام ووقار)

علاء الدين : كيف رأيتم المملكة ؟

 الأول : تزهو بوجودك .

الثاني : حقا أنها مملكة جميلة .

المارد : (إلى الثاني) لماذا لا تقول لي أنها تزهو بوجودك مثلما فعل صاحبك يا قليل الذوق . (يضحك الجميع)

علاء الدين : اسمعوني جيداً … ليس هناك متسع من الوقت … لابد لنا أن نشكّل ذاكرة لهذه المملكة بسواعدكم وجهودكم ويسعدني أن أرى ذلك جليا .

المارد : الذاكرة التي لا ينجو منها سوى الخراب ما لنا بها ؟

الأول : مولاي بعض من الذاكرة نفايات النبش فيها يكون مضراً بالصحة .

الثاني : الصحة التي تتكئ على ذاكرة ميتة يجب أن لا نعوّل عليها كثيرا .

المارد : كثيرة هي صور الذاكرة وجلها خراب .

الثاني : أذن لنبتعد عن كل ما يعكّر صفو روح المملكة .

الأول : حذار من الذاكرة المعطوبة التي لا تنتج ولا تختزن في ثناياها سوى البؤس .

المارد : (نفسه) مع السخيف ذكرني بما ينعتني به علاء الدين .

علاء الدين : (يسمعه) كيف لمارد معطوب يجلب لنا هكذا فلاسفة ومحللين للشأن المتهرئ الذي نحن فيه .

المارد : (وهو منتشٍ بفعل المدح) شكرا لك يا مولاي .

علاء الدين : ما هذه التحليلات السخيفة التي عصفت بأذهانكم ، كي تتقيأ هذا الكم الهائل من اللغو .

المارد : هل جننت أنا، أين عقلي ؟

الأول : ما اعرفه أن ذهني متوقد على مدى أربع وعشرين ساعة مثل الشمس .

الثاني : ذهني الشغوف بكل أنواع الدعارة ، متوقد ليل نهار حتى انه يعمل أوفر تايم .

علاء الدين : ليس لأحد فيكم عقل راجح يستحق الاعتماد عليه في إدارة شؤون المملكة ، من الأفضل لكم أن تبحثوا عن عقولكم جيداً .

المارد : فكرة جيدة ، أينَ أنتَ يا عقلي (يبدأ بالبحث داخل المراحيض) .

الأول : في العادة أتأكد من وجوده قبل المغادرة (يبدأ بالبحث داخل المراحيض).

الثاني : هل لبسته أحداهن بدل ملابسها الداخلية (يبدأ بالبحث داخل المراحيض).

الأول : (إلى الثاني) إذن انه في سلة النفايات .

الثاني : هل يعني أن عقلي سوف يعاد تدويره ، وسوف يقدم خدمات جليلة للبشرية يا للهول ، لا أكاد امسك نفسي من الفرحة .

الأول : بل سيتم تصنيفه ضمن الأشياء التي لا فائدة منها .

الثاني : (يحزن) يا للهول .

الأول : قل لي أنا أين سأعثر عليه ؟

الثاني : أتكون قد تبرعت به ؟

الأول : لم أصل إلى هذا الحد من الكرم .

الثاني : أتكون قد نسيته في أحدى بيوت الدعارة ، لا في العادة لا أنسى الأشياء الزهيدة .

المارد : (يستدرك ثم يصرخ) مولاي .

علاء الدين : هل وجدت عقلك أم حالك حال هذين (يشير إلى الأول والثاني) ما زلت لا تتذكر أين تركته ورحلت ؟

المارد : اجل يا مولاي ، أتذكر حينما أخرجتني من المرحاض لم تخرجه معي .

علاء الدين : جيد انك تذكرت … اسمعوني جيدا أنا اكره كل اؤلئك الذين يضعون عقولهم للزينة.

الأول : الحمد لله أنا لست منهم .

الثاني : الحمد لله أنا لست منهم .

المارد : الحمد لله أنا لست منهم .

علاء الدين : اخبروني عن الناس ومدى تقبلهم لمملكتنا .

الأول : (يتحول إلى واحد من عامة الناس) نحن سعداء جداً بهذه المملكة الفتية .

الثاني : (يتحول إلى واحد من عامة الناس ) هدوء يعمّ البلاد وهذا لم نعثر عليه حتى في الأحلام .

المارد : (يتحول إلى واحد من عامة الناس) شكراً للملك الذي جلب لنا ولاة يديرون دفّة البلاد بكل نزاهة .

الأول : شعرنا بالقرف لأننا لا نجد مشكلة تعكّر صفونا

الثاني : مللنا من الترف الذي أصبحنا عليه .

المارد : الحياة بلا معاناة لا تطاق .

الأول : يا مولاي الملك المحبة نذرعها في وجه الناس  .

الثاني : إن فتشت كل القلوب ستجد الضغينة معطلة .

المارد : نتضرع لك دوما بالدعاء يا مولانا .

(علاء الدين وهو مزهو بما يسمع)

علاء الدين : (يتحدث إلى الأول والثاني والمارد حيث يعودون كما كانوا) اسمعوا جيدا … احرصوا جدا على أن تبقى المدينة هكذا وتحت هذه النظرة التي تسرّ النفس .

الأول : هذا سر سعادتنا مولانا .

الثاني : مولانا بتوجيهكم وحرصكم الدائم على المملكة وأهلها نصل إلى ما نصبو إليه .

المارد : شُبيك لبيك المارد المطيع بين يديك .

علاء الدين : هل ثمّة أخفاق في سلوك أهل المملكة ؟ اخبراني .

الثاني : مولاي ألقيت القبض على شخص متلبس بتهمة الشرف ؟

علاء الدين : أحسنت ، هذا ما يدعوني للاعتزاز بك … هل اتخذتم إجراءاً بحقه أم بعد ؟

الثاني : مولانا أيها المفدّى نحن رهن إشارتكم.

علاء الدين : احضروه لي .

(يتحول الأول إلى المتهم(

المارد : (يمسك الأول من ياقته ويقربه من علاء الدين) ادخل أيها اللعين … أيها الشريف .

الثاني : (يجثو على ركبتيه)  مولاي الرحمة .

علاء الدين : ولماذا لا يسعفك الشرف الذي اتخذته رداء لك .

الثاني : يا مولاي أني عشت طوال عمري مستقيماً وهذا ما لا أعرف أن أحيد عنه ، لذا سميتُ من قبل الكثير بالشريف .

علاء الدين : ما الذي جنيته من نضالك الفارغ هذا ؟

الثاني : لم اجنِ شيء سوى الكثير من السياحة في أزقة المعتقلات وأصبحت لي خبرة في تمييز الرديء من الجيد منها ومن فيها ، أقف والحمد لله في المقدمة في قائمة الفقر المدقع ، أقف في أول طابور المثابرة فأجدُ نفسي في أخر طابور التقدير .

المارد : وما الذي يجبرك على هذا الهراء كله ؟

الثاني : (إلى المارد) يا مولاي الملك .. (يقاطعه المارد) .

المارد : أنا لست الملك .

الثاني : عفوا ، ما يدعوني لذلك هو الوهم .

علاء الدين : الوهم !

الثاني : أوهمَ نفسي أن كائناً بشرياً يعيش في غابة ، رغم شريعة الغاب أثقلتنا كواهلنا لكن أحاول جاهداً أن أوهمَ نفسي بكل ما أوتيت من وجع كي أتحمل هذه الضحالة ، فأتواصل باستقامتي التي كلما طالت تكثر التعرجات والمنعطفات التي تؤدي أحيانا لا إلى الموت ولا للحياة فأقف مثل شاخص في طريق لا يمر عليه أحد ، ليس له لون ولا رائحة سوى الرائحة النتنة ، فيما تحيطني أصوات الكلاب من كلّ حدب وصوب .

الأول : ماذا تقصد بالرائحة النتنة ، أ تسخر من رائحة مملكتنا العظيمة ؟

الثاني : وهل يوجد أصلا قيمة للسخرية ؟ ونحن يومياً نتبادل الشتائم على هيئة بصاق في كلّ واحد منا جرح ينز غضباً مشلولاً ليس بوسعه الصراخ كي لا يفطم .

علاء الدين : لماذا تحرّض على مملكتنا ، أن ارتضيت لنفسك أن تكون شاّذاً لماذا تود أن يكون الآخرون مثلك ؟

الثاني : الوحشة يا مولاي تؤلمني وسياط الذل تنهش جسدي .

علاء الدين : رفاق الحق قلّة.

الثاني : بت أخشى على تلك القلّة من هول الفجيعة التي نحن فيها .

الأول : ما هذا الهراء ؟

المارد : أيةّ فجيعة تتحدث عنها .

علاء الدين : يبدو انك مختل عقلياً وقد طال العطب ذهنك كما طال (ينظر إلى المارد فيراه خجلا ثم يكمل) الفجيعة في الوهم الذي يحيطك وتحيطه ، هل حاولتَ أن تسألَ نفسك يوماً لماذا أنت شاذ ؟

الأول : هل حاولت أن تسأل نفسك لماذا تقطن في المعتقلات أكثر من بيتك ؟

 المارد : هل حاولت أن تسأل نفسك لماذا تقف في مقدمة قائمة الفقر ؟

الثاني : حتى و أنا أقف على أرذل العمر أُسأل ولا أًسأل .

علاء الدين : (ساخراً) أرذل العمر ؟!

الأول : وهل لعمرك من فترة متوهجة بالكرامة ؟

المارد : (إلى الأول) يبدو أنها أكبر من مقاسه !

الثاني : هل جرّب أحدكم أن يتحمل أشياء أكبر من مقاسه .

(يصمت الجميع(

علاء الدين : ثرثرتك أوجعت رأسي كثيراً …  هو ثمّة سؤال يقابله  أما نجاة أو غرق ؟ واليك الخيار .

الثاني : تفضل قل، ما هو ؟

علاء الدين : أ تريد أن تنضم إلى مجموعتنا مقابل النجاة أو الرفض لتنال العقاب الذي تستحق ؟

الثاني : وما هو العقاب ؟

علاء الدين : (ينظر إلى الأول والمارد ثم يجيب) هنا في مملكتنا كلّ شيء مختلف من ترسو عليه مزايدة الشرف هو من يتحمل تكاليف العقوبة التي يرغب هو بها ، وما علينا سوى الطاعة في تنفيذها .

المارد : ثمّة جسد عاهرة يستغيث .

الثاني : وما علاقتي بجسدها .

المارد : أن تقدم خدماتك الجليلة له .

الثاني : كيف ؟

المارد : (ساخرا) أن تعمل لها صيانة .

الثاني : ماذا ؟

المارد : الأمر بسيط جداً أن تفحصها ثم تكتب لها ما يناسبها من العلاج .

الثاني : أنا لستُ طبيباً ؟

المارد : ماذا عن مسامات ذهنك ؟ هل طالتها الإنسدادات أم ما تزال فيها فسحة مفتوحة    ؟

الأول (ساخراً) أم أطالها العطب .

المارد : (إلى الأول) ما هذا ؟

الأول : (بخجل وهو مبتسم) أنا أسف .

المارد : ما هذا الهراء ؟

الأول : اعتذر سيدي .

المارد : (إلى الثاني) هل شخّصت المرض ؟

الثاني : أيّ مرض ؟

المارد : هل شخصت العلاج ؟

الثاني : أيّ علاج ؟

علاء الدين : أن تكون قوّاداً .

الأول : أو أن تكون شاذاً .

المارد : أو أن لا تكون شيئاً في حالة رفضك كل هذا .

الثاني : هذا ما لا أقوى عليه … انه أكثر من طاقتي … وأنا هذا لا استسيغه جملة وتفصيلاً .

الأول : كيف يعني ؟

الثاني : كيف لهذا الجسد الطاهر الذي التحف السجون والفقر والجوع من أجل أن يسمو عما يحيطه من قرف ، تدعوه الآن لينتج كل هذا القرف ؟

علاء الدين : أيّ جسد تتحدث عنه ؟

المارد : جسد البالوعات المتمدد في الشوارع أزكم أنوفنا ، لهول ما ينتج على حد تعبيرك من قرف .

الأول : حتى أصبحت رائحته طقسا يوميا نمارسه ، وهو بلا أعراف كاللقيط .

علاء الدين : الفقر والجوع ويسمو .

المارد : هذا زمن الحضيض .

الأول : يسمو نحو القاع .

علاء الدين : يبدو انك متعب للغاية ؟

المارد : الغاية تبرر الوسيلة .

الأول : وحتى وأن لا تكون هناك وسيلة لا بدّ أن تكون هناك غاية .

علاء الدين : بإمكاني أن اقتص منك ، ولأني لا أحبذ أن اخلق محطات من الألم في قلوب الناس وضعتُ لك الخيار ، اعلم أني سأقلدك منصباً في حالة عدولك عن رأيك .

الثاني : (يصمت حائرا) أمهلني بعض الوقت من اجل التفكير في الأمر .

علاء الدين : لا بأس في ذلك .

المارد : الوقت .

الأول : المشكلة في الوقت .

علاء الدين : لا بأس في ذلك .

الثاني : (بعد التفكير) أنا موافق .

الأول : (ساخرا) موافق على ماذا ؟

الثاني : على أن أكون معكم .

المارد : (ساخرا) من الذي دعاك ؟

الثاني : انتم دعوتموني على أن أكون قواداً .

علاء الدين : سأمنحك منصب كبير القوادين .

الثاني : شكرا يا مولاي .

(يعود الثاني لشخصيته الأولى(

علاء الدين : أخبروني هل ثمّة من يشتكي من مملكتنا أو من سوء خدمة تقدم له ؟

الثاني : لا يا مولاي .

المارد : مملكة يديرها علاء الدين ، ماذا يريد المرء بعد ؟

الأول : الناس سعداء جداً ، بكل ما قدمته لهم يا مولاي .

علاء الدين : أيها المارد هل من أخبار جديدة بشأن البلدان المجاورة .

المارد : يا مولاي أخبار سارّة … تشهد العديد من البلدان فوضى و إرتباك لم تشهده من قبل على أنظمتها القائمة والتي أعلنت لها الولاء منذ سنوات عدة .

علاء الدين : وما سبب هذا كله ؟

المارد : مملكتنا .

علاء الدين : مملكتنا  !

المارد : أجل يا مولاي ، هذه الشعوب تطالب بإصلاحات من حكامها على غرار مملكتنا أو الهجرة إلينا .

علاء الدين : (يبتسم) هل نفّذت مطالبهم  ؟

الأول : لا يا مولاي .

علاء الدين : غريب أمر هذه البلدان ، علما لديها ما يؤهل كونها قائمة وليست حديثة مثل مملكتنا .

الثاني : يا مولاي ليست المشكلة بالاستقرار .

علاء الدين : بماذا أذن ؟

الأول : يقولون هذه المملكة السيئة الصيت نتنة وغير صالحة للعيش ولا يمكن أن نقتدي بها

علاء الدين : هذا لا يهم .

المارد : كيف يا مولاي وهم يتحدثون عنّا بسوء ؟ لا بدّ أن نعلن الحرب عليهم .

علاء الدين : ليس في نواميس مملكتنا فسحة للحرب ، عليك أن تعلم جيداً أيها المارد أنا لا أحبّ الاستنساخ .

المارد : وماذا عن هؤلاء الناس الثائرة لو دخلت المملكة ؟

الأول : من يجرؤ أن يدخل المملكة وأنا فيها ؟

الثاني : لم تلده أمه من يفكّر في ذلك .

الأول : أن أيّ تصرف سيء من قبلهم سوف يكلفهم ما لا يحمد عقباه .

الثاني : الويل لهم .

المارد : كفى أيها الأبلهان .

الأول : أيها المارد ، أتريدنا أن نصمت إزاء انتهاك مملكتنا .

الثاني : وكلّ ذلك يحدث أمام أعيننا .

المارد : (بنفاذ صبر) عمّا تتحدثان ؟

الأول : عن تلك الشعوب الثائرة التي تريد أن تدخل المملكة .

المارد : هذه الشعوب هاربة لاجئة إلينا وليس معلنة العداء لنا … أفهمتما .

الثاني : (إلى الأول) أفهمت ؟

الأول : (إلى الثاني) أفهمت ؟

علاء الدين : أيها المارد … ابلغ رسالتي إلى كل تلك الشعوب … من أراد أن ينضوي تحت خيمة مملكتنا وفقا لما جاء في المسلة … أبواب المملكة مشرعة أمامه .

المارد : يا مولاي أكثرهم من حكم عليه بتهمة الشرف والبعض منهم حكم عليهم بتهمة مخلة بالدعارة .

علاء الدين : من تنطبق عليهم اشتراطات المسلة مُرحب بهم .

المارد : هؤلاء لا يأتون .

الأول : حيث اغلبهم في المعتقلات .

الثاني : قال المارد الحرب أن ندخل إلى المعتقلات ونحرر من فيها وبذلك تصبح جزءاً من أراضينا .

علاء الدين : (لا يرد)

الأول : أذن كيف سيأتون ؟

الثاني : ننتظرهم إلى إشعار أخر .

. الأول : علينا أن نُهيئ مكاناً خاصاً لهم .

الثاني : (يتهيأ للخروج) هيا .

المارد : توقفا … (إلى علاء الدين) أراك صامتاً يا مولاي .

علاء الدين : أيها المارد … تتبع لي الأخبار

المارد : أمرك يا مولاي (يخرج)

علاء الدين : أحيانا تكون المسافة ما بين الإجابة والصمت بحراً متلاطماً من أمواج القلق .

الأول : وعلى ماذا يقلق مولانا .

الثاني : أنا قلق جدا على بطني (يهرب باتجاه المراحيض ويدخل في احدها)

علاء الدين : علي وعليك .

الثاني : ألا تقلق على هذه المراحيض .

علاء الدين : لا هي محطة للعبور وليست دائما للنجاة .

الثاني : هل تعتقد هناك من يطمع في سرقتها ؟ (يخرج من المرحاض)

علاء الدين : أفضل من يجيب على ذلك السؤال هو من يسأله (إلى الأول) ماذا تقول أنت ؟

الأول : أنا أقول … (علاء الدين والثاني بانتظار أجابته)

الأول : أنا أقول … (علاء الدين والثاني بانتظار أجابته)

الأول : أنا أقول … أنا جدا قلق على بطني (يهرب باتجاه المراحيض ويدخل في احدها) .

علاء الدين والثاني : (يضحكان) ههههههه .

(يدخل عم علاء الدين ماسكاً المارد و مطوقاً ذراعه عليه ، يتفاجأ علاء الدين والثاني بدخول العم ممسك بالمارد)

علاء الدين : عمّي ؟!

المارد : خلصني يا مولاي يا علاء الدين . (يخرج الأول من المرحاض يفاجئ بما يشاهد)

علاء الدين : ما الذي أتى بك إلى هذه المملكة النتنة يا عمي ، وما الذي تريده ؟

العم : مملكتك أم روح ماردك ؟

علاء الدين : هل تتحمل عفونتها ؟

العم : وهل أنت وهؤلاء البائسون ، أجدر مني في تحمل الصعاب .

علاء الدين : أتيت بي و القيتني في واحدة من هذه المراحيض وهربت ، وبعد مدة أتيت لتفصح لي عن مشاعرك المزيفة بان القلق علي بدا ينهشك أنت وأهلي … أهلي الذين انتهى بهم المطاف ما بين بقايا رماد ومنفي يقف في الطابور الأول الذي ينتظر الموت … وتدعوني إلى العودة وبعد أن خيّل لك أني مجنون وعدم تحملك هذه الرائحة  وباءت محاولاتك بالفشل فرجعت بخفي حنين … وبعد أن أسست هذه المملكة أتيت مرة أخرى لتنتزعها مني كما انتزعتني من ارضي التي تخليت عنها لان الذين يحيطونها يتمتعون بنسبة مركزة من الشرف والعفة .

العم : أنت من تخلى عن أهله وليس أنا من أودعك في هذا المرحاض ؟

علاء الدين : (يضحك) ههههههه يبدو من وضعني المارد المعطوب وبعد أن وضعني اختبأ في أحدى المراحيض لعثر …. (لم يكمل يتدارك الأمر) لأنقذه .

الأول : (إلى علاء الدين) ما الذي يريده هذا ؟

الثاني : (إلى علاء الدين) من هذا ؟

علاء الدين : هذا يود أن يسرق مراحيضكم .

الأول : و أين نقضي حاجتنا ؟

الثاني : ويستولي على المملكة ، (إلى العم) وهل أنت قادر على تحمل رائحة هذا المكان ؟ هل تتوفر فيك واحدة من اشتراطات المسلة ؟

علاء الدين : ماذا تريد مقابل أطلاق سراح المارد ؟

العم : المملكة ومبايعتكم لي .

علاء الدين : المملكة لك . (يفاجأ الجميع باستثناء)

العم : (يطلق سراح المارد) ما الذي يدعوك للتضحية بالمملكة من اجل مارد معطوب حسب ما تقول .

علاء الدين : العطب الذي طال الأرواح ابلغ من العطب الذي طال المارد وأطول عمرا .

(علاء الدين والأول والثاني والمارد يهمون بالخروج)

العم : المبايعة .

علاء الدين : لن تنفعك … هذه الأرواح التي تطوف هنا … داعرة وتمتهن الدعارة … وليس فيها من الشرف الرفيع الذي يربطها بوصلك بشيء .

(يخرجون جميعا ، باستثناء العم يجلس على أحد المراحيض الغربية منكسا رأسه بين يديه)

 

انتهت

9/6/2018

…………………………………..

ملاحظة : لا يسمع بتقديم العمل بأي شكل من الأشكال دون موافقة المؤلف .

للتواصل مع المؤلف:

  • رقم التلفون : 009647809440251
  • فيسبوك : علي العبادي
  • البريد الالكتروني : Alabadiwe@gmail.com

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock