صفاء البيلي تكتب: يا شيخ سلامة.. سيرة مسرحية تجسد صراع الأجيال وتعيد الروح للطرب الأصيل في مواجهة أغاني المهرجانات!  

يعرض حاليا على قاعة صلاح جاهين بالبالون

المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

بقلم: صفاء البيلي

كاتبة مسرح وناقدة

 

في قاعة صلاح جاهين التابعة لمسرح البالون الذي يقدم دوما نماذج مشرقة من سير الفن الشعبي والاستعراضي الضاربة في الجذور والداعمة للأصالة يصطف الجمهور كل ليلة ليعايش جزءا عزيزا من تاريخ طربه المصري الأصيل الذي كاد أن يندثر بفعل التلوث السمعي الذي تجرأ وغزا ذائقة الجمهور في محاولة تجريدها من أصولها.

والعرض من تأليف الشاعر ووالكاتب الصحفي الكبير يسري حسان الذي اقتحم عالم التأليف المسرحي مؤخرا بحماس شديد مستلهما وببساطة عميقة سير حياة أناس عاديين من عامة الشعب في عرض خلطة شبرا والذي عرض على مسرح الطليعة ثم كرر التجربة في هذا العمل الذي يناقش فيه سيرة حياة أحد أعلام النهضة العربية الحديثة وأحد مؤسسي الطرب المصري  الأصيل وهو الشيخ سلامة حجازي.

يأخذنا العرض إلى حي شعبي موغل في العراقة من أحياء الاسكندرية وهو حي راس التين وهو ليس مجرد حي عادي، بل حي ساهم في كتابة تاريخ فني مصري عريق ويأخذنا إلى نفس البيت الذي ولد فيه بطل عرضنا “الشيخ سلامة حجازي” حيث تعيش فرقة غنائية شعبية مغمورة (مخرج، مطرب ومطربة وشاعر، وملحن) ذوي أعمار مختلفة تسعى لكسب لقمة عيشها من خلال بعض الكليبات التي تقدم من خلالها أغاني المهرجانات المصورة، ونلحظ أن بعض أفراد الفرقة غير مقتنعين تماما بما يقدمون، لكنهم يمتلكون من الحجج المتداولة ما يجعلهم يصمتون ويكملون مابدأوه.. حتى تأتي السيدة التي تقوم ببحث مهم في التراث الموسيقي الشعبي  وهى تكأة جيدة من المؤلف لتكتشف معهم وبهم تاريخ عظيم من تاريخ الفن المصري عبر نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

أحداث متعددة ومتشابكة يتقاطع فيها الحاضر بالماضي طارحا الكثير من التساؤلات فيما يخص المستقبل عبر تعدد ألوان الغناء والأداء الجسدي الذي عبر هو الآخر عن الأزمنة المختلفة ميمما وجهه نحو الشيخ سلامة العصامي الذي احترف مهنة الحلاقة  وعلاقته ببعض من المطربين الذين عاصره كعبده الحامولي ومنيرة المهدية وأم كلثوم التي اكتشفها ولحن لها كذلك الشعراء والمؤلفين ورؤساء الفرق الذين ارتبط اسمه بهم وله قصب السبق في إدخال المسرح الغنائي في مصر . ومن أشهر أغانيه: بسحر العين تركت القلب هايم، و سمحت بإرسال الدموع محاجر، و سلوا سمرة الخدين، و صوت الحمام على العود. كما قدم العديد من المسرحيات منها: هارون الرشيد، المظلوم، ليلي، القضاء والقدر، شهداء الغرام، البرج الهائل. علاوة على تلحينه للكثير من الأغاني المصاحبة للعروض المسرحية.

والحقيقة لفت نظري في العرض عدة أشياء مهمة أولها اهتمام حسان بظاهرة المهرجانات التي تؤرقه كونه شاعرا في المقام الأول وناقدا في المقام الثاني حيث  ألف كتابا عنها من قبل والآن يشتبك معها في جرأة ونعومة من خلال هذه الفرقة الشعبية التي تناسخت الآف على غرارها في كل مكان بل إنني أرى أن حسان قدم فرقة راقية إلى حد ما لا تغوص في عمق التفاهة والسطحية ليناقش من خلالها هذه القضية المهمة.. والسؤال الذي يفرض نفسه: إلى أي مدى نقاوم نحن أبناء هذا العصر هجمات أغاني المهرجانات وهى تحيطنا كالسيل من كل مكان حتى بدأت الآذان تعتادها دون قصد أو رغبة فباتت أمرا حياتيا واقعا.

أما الأمر الثاني فهو عودة الروح لعدد كبير من فناني البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية، الذين لم ينالوا فرصا لمشاركة الجماهير منذ وقت بعيد. علاوة على بزوغ نجوم جديدة بدأت تأخذ حظها من الظهور. أما الأمر الثالث فهو أن العرض لم يقدم متعة بصرية عبر اللوحات الاستعراضية التي حرص مصمم الاستعراض الفنان أشرف شرف على تنوعها فقط بل قدم كذلك ما يمكن الإطلاق عليه بالمتعة السمعية بالعودة إلى فن الانشاد الذي أبدع فيه علي الهلباوي مع دغدغات نستلوجية للروح بالاستماع لطقاطيق حجازي والست منيرة بصوتهما الأصلي لكن هنا أيضا يتبادر السؤال: كم منا كمستمعين نعيش زمن الموسيقى الديجيتال سيفضل سماع غناء حجازي مفضلا إياها على المهرجانات؟.

ولعل ما يبرر لجوء المؤلف إلى قفزات سردية  عدة طوال العرض هى رغبته في نقل معلومات مهمة للجمهور من حياة الشيخ سلامة حجازي  مما أصابه بالتطويل، ولربما استطاع المخرج والمؤلف تدارك ذلك في ليالي العرض المقبلة.

العرض من بطولة الفنان المنشد علي الهلباوي الذي قدم دور سلامة حجازي، بأداء متميز وأدى مراد فكري دور كماشة مطرب المهرجانات بمرونة وكوهبة تنبيء عن مولد كوميديان كبير، وأما نهلة خليل فقدمت دور الباحثة فى التراث الموسيقى، بجدية وقدرة على توصيل المعلومات الوثائقية عن شخصيتنا وبيئتها. أما بغاشة خطيبة كماشة والمطربة الشعبية صاحبة الكليبات والتي قامت بدورها سلمي عادل.. فقد أمتعت الجمهور بخفة حركتها وجمال صوتها، وأدى حسني فكري دور الأسطى خشبة مخرج المهرجانات بمقدرة عالية، والشاعر فتلة صاحب الحس والشعور أدى دوره الفنان أحمد شومان وكذلك سيد عبد الرحمن في دور معلم القهوة، ود. يوسف عبيد الذي قدم أدوارا متعددة ببراعة شديدة كما أبدع  فريق العمل الجماعي ببراعة ولا يفوتني ذكر أسمائهم: محمد عمر، وأحمد مصطفى، وزهرة إبراهيم، وسحر عبد الله ، وصابر عبد الله ، وريهام درويش، ومحمد أبو عيسى، ومحمود بيومي، وإبراهيم غنام، وشيماء الهلالي، وحبيبة رشاد، ومحمد السبكي.

علاوة على الغناء قام المنشد والمطرب علي الهلباوي بالألحان التي قام بتوزيعها محمد الكاشف، وصمم الديكور المتعدد والمركب د.حمدي عطية، أما مصمم الاستعراضات الفنان أشرف شرف، ومدرب الاستعراضات محمد صلاح والفنانة رشا نور، فقد استطاعوا بالاضافة للموسيقى المصاحبة والأغاني صنع حالة استعراضية خففت من حدة المعلوماتية والوثائقية كما أبدعت هبة محمود تصميم الملابس التي تناسبت مع تداخل العصرين الحالي والتراثي. أما الإضاءة لأبو بكر الشريف فحاولت جاهدة صنع حالة من التمايز الزمني طوال زمن العرض بمقدرة كبيرة.

يا شيخ سلامة.. عمل جماعي شارك فيه جيش مسرحي كبير من جمعه باقتدار المخرج والفنان البورسعيدي المبدع محمد الدسوقي  علاوة على بقية فريق العمل (ماكياج روبي مهاب. وهيئة إخراج إبراهيم أبو النجا، ونهى بدر، ومحمود إسحاق. وليد صلاح الجلاد، وشيماء ربيع، وأحمد يونس، كل هذا تحت إشراف الفنان وليد طه، إيهاب فاروق، أحمد زغلول، إضافة للإعلامي الكبير عربي أبو سنة) كل هذا برعاية د. عادل عبده.. رئيس البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية. إن عرض يا شيخ سلامة كان علينا أن نراه على خشبة المسرح الكبير ليكون أكثر براحا وليشاهده جمهور أعرض كل ليلة.. فهو دعوة مفتوحة للأسرة المصرية لترى بعينها وتسمع بأذنها جمالا قد يمحو تكتلات القبح لو انتبهنا وانصتنا واهتممنا.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock