المخرجة اللبنانية لينا خوري: للمسرح حلاوة في نفس الممثل.. ويأخذنا نحو الأسمى ويرينا ذواتنا
حوار: زهرة مرعي
ـ
في يوم المسرح العالمي اخترنا الحوار مع مخرجة مسرحية وأكاديمية لبنانية قدمت أعمالاً تركت بصمة وأثارت نقاشاً. «لماذا …» آخر المسرحيات التي أخرجتها لينا خوري وتوقف عرضها قبل أيام في مسرح المدينة. مسرحية أحدثت جملة دوائر في بحيرة الوعي العربي شبه المتجمد. وحين عرَضت خوري في سنة 2006 مسرحية «حكي نسوان» كأول توقيع لها، خلّفت عاصفة من النقد لكونها حطمت التابوهات، وتركت المرأة تحكي عن مواجعها بما لم نعهده سابقاً. «حكي نسوان» ورغم وضع الشارع السياسي المحتقن حينها عرضت لأكثر من سنة. كنً اربع ممثلات تحدثن عن هموم المرأة اللبنانية، وكانت مسرحية جريئة. والنسوة الأربع كنّ بالأسود.
وكان للينا خوري أيضاً وعبر عرض «مجنون يحكي» أن تعيد زياد الرحباني إلى المسرح بعد غياب 20 سنة، كما انها حلقت شعر الممثلة القديرة ندى ابو فرحات تقريباً «ع الزيرو» من أجل الدور في تلك المسرحية.
ماذا تقول لينا خوري عن يوم المسرح العالمي:
○ لماذا يوم للمسرح العالمي؟ وما هو موقعه في حياة الشعوب؟
• مفيد جداً أنّ العالم قرر يوماً للمسرح نظراً لموقعه الكبير وتأثيره على متتبعيه. للمسرح حضوره المميز في التنمية الفكرية للبشر، وهو يمدهم بالثقافة على شتى المستويات. ما زلنا حتى اللحظة ندرس أثر الاغريق على المسرح نظراً لعمقه وبلاغته. أن يكون يوم للمسرح فهذا تقدير لأعرق وأقدم الفنون. ماذا عن دور المسرح في المجتمع؟ يشبه دور الفنون كافة وهو تقديم الثقافة الفكرية أولاً. بل هو أكثر قوة نظراً لكون المسرح ليس أغنية أو لوحة فقط، بل هو كذلك فكر، وحالات إنسانية وإبداع على صعيد الرؤية الاخراجية والتصاميم والتمثيل. في المسرح الجيد يتفاعل المتفرج مع المشهد. وهذا التفاعل يشكل حالة قائمة بذاتها لها انعكاسها في تغذية فكر وروح الإنسان.
○ أن يكون الإنسان ممثلاً على المسرح فما هو انعكاس الحالة عليه؟
• حلاوة الحضور على المسرح بالنسبة للممثل في أن يبحر عميقاً في أبعاد الشخصية، أن يكتشفها، وأن يعيشها فيما بعد. الغوص في الشخصية ليس سهلاً على الممثل، فكما يستغرق تحضيرها ودخولها أشهراً، فالوقت ضروري كذلك لمغادرتها. فالتمثيل الحقيقي على خشبة المسرح هو عيش كلّي للشخصية، وهو لا يشبه مطلقاً حركة الكاميرا التي تتوقف بين لقطة وأخرى. الحضور على المسرح يحتاج لموهبة كبيرة، وتقنية عالية ناتجة عن دراسة أكاديمية، كذلك هي فرصة للممثل في حد ذاته للتعبير عن نفسه بأكثر من حالة. أن يلعب أحدنا دور الملك، أو المدافع عن الحريات، أو الشحّاذ، دور المُعذِب أو المعذَب فهذا يتيح للممثل على الصعيد النفسي الإبحار في أعماق ما تقوله تلك الشخصيات. ولا شك حينها أن الممثل سيكتشف جديداً في ذاته.
○ عملياً وبشكل ملموس ماذا يغير المسرح في حياة البشر أفراداً وشعوباً؟
• أن أتصدى لأثر المسرح في حياة الشعوب فهذا بحث كبير بالنسبة لي. أن يغير في حياة الأفراد فلا شك في ذلك. ففي العصرين الاغريقي ومن ثم مسرح الحداثة في أوروبا مع نهاية القرن التاسع عشر، شكل المسرح انعكاساً للمجتمع من خلال ثورة الأفكار التي أدت إليها الثورة الصناعية، وكذلك الفكرية والفلسفية. دور المسرح أن يأخذ بيد الإنسانية نحو مدى أسمى. دائماً يسعى المسرح للبحث عن الحقيقة، كما أنه يعكس الحالات الإنسانية. كتارسيس التي اخترعها الإغريق لتتيح للمشاهد أن يرى نفسه في البطل. للبطل دور في تطهير ذاك المشاهد من مشكلته. في «كتارسيس» حين يواجه البطل التراجيدي مصيره ويكتشف أخطاءه يعيد حساباته، وبالتالي تكون نهايته. وهذا ما يقوم به الممثل نيابة عن المشاهد. الممثل هو مرآة المشاهد. وما يحدث على المسرح يتيح للمشاهد رؤية الحالات التي يمر بها. ولهذا يرتقي نحو الأسمى، ففي الإنسان طموح لتحسين نفسه وروحه، وتحسين شروط حياته بما فيها من تنفس، طعام وحياة حميمة وغيرها من متطلبات الحياة اليومية. وتالياً نحن أمام متطلبات الروح والفكر، إنما ليس لنا تقديم المسرح لفرد جائع، بل يجب أن يأكل أولاً. من هنا يأتي دور الفن والفكر، وللمسرح له دوره الكبير في ذلك.
○ بماذا نختلف نحن الذين نعاني من ندرة المسرح عن شعوب أخرى تعيش المسرح ضمن نسيجها الثقافي المستدام؟
• لا شك في ذلك. وهذا ليس ملحوظاً فقط على صعيد المسرح بل في الفنون عامة. في سائر أنحاء أوروبا تقدم حفلات موسيقية مجانية. حضور الفنون في حياة الشعوب يغنيها ويمدها بالمزيد من الثقافة، ويغير في الـ»ايتيكيت» ويزيدها رهافة. الموسيقى والمسرح البعيدان عن التجارة يساهمان في رقي الذوق العام. دور المسرح كما الكتاب. ومن المؤكد وجود فوارق بين شعب يقرأ وآخر يقاطع القراءة.
○ كم يعبر المسرح في لبنان عن الشعب؟
• للأسف مسرح «الشونسونية» هو الطاغي في لبنان، وهو يعبر عن الناس الذين يتزاحمون لحضوره. المسرح السخيف والسطحي هو الأكثر ازدهاراً. قلة من الناس ذوّاقة ومثقفة، وفي الوقت عينه تتميز بعدم التعقيد. تلك القلة ترغب في تحدي الفكر، والاكتشاف والتعبير، وهي تبحث عن المسرح الذي يشبهها رغم كونه محدودا. نعم المسرح الجيد يعبر عن الناس في لبنان، رغم سيطرة مسرح «الكليشيه» غير الذكي في النكات التي يطرحها.
○ ما هي الأسباب التي ساهمت في ازدهار مسرح «الشونسونية»؟
• نحن في حال تقهقر على صعيد الذوق وعمق التفكير. نطلب الضحك والتسلية بعيداً عن تشغيل الفكر. من لديه ذوق راق لن تضحكه «الشونسونية». من وجهة نظري هي نكات سخيفة عدا عن كونها مصطنعة و»بايخة» بل هي سوقية وساقطة. للأسف نحن نتقهقر بعد أن كان مسرح الستينيات في لبنان طليعيا ويضاهي المسرح في أوروبا. حالنا بعد الحرب في صعود وهبوط. الذوق العام يحيرني. أسأل طلابي من منهم سمع مسرحية للأخوين رحباني؟ يأتي الجواب بالنفي. لكنهم جميعاً يعرفون وسمعوا لعلي الديك. ومع ذلك نحن في محاولات حثيثة على مختلف المستويات الفنية، لكن الهجوم السلبي الذي نتعرض له من السوقية كبير.
○ وما رأيك في ظاهرة اختلاط المسرح في بعض حانات الحمرا مع الطعام والشراب؟
• منذ القديم تعرف أوروبا ظاهرة المسرح المترافق مع العشاء وهو نوع من «الشونسونية» وليست اختراعاً مستجداً. في رأيي يترافق العشاء مع المسرح تبعاً لنوعه. من جهتي لا أحبذ ذلك. فقراءة كتاب عميق لا تسمح لنا بتناول الطعام أثناءه، أو أن «نفقي» اللوبياء. هذا المسرح موجود ويستدعي «الفرفشة» خلال متابعته تماماً كما هو حال المطرب الذي لا يمكن سماعه بدون شراب.
○ بعضهم يعبر بعد مشاهدة المسرح النخبوي بالقول «ما فهمت شي». من المسؤول؟
• هي مسؤولية المخرج أولاً. مهمة المسرح أن يصل إلى الناس لا أن يمارس الأحاجي عليهم. المسرح يعني الرقي في طرح وتنفيذ المواضيع، وكذلك احترام القيم الفنية. علينا أن نستوعب ونفهم المسرح الذي نتابعه. من المفروض أن يحس المشاهد، أن يضحك أو أن يبكي.
○ هل من دور هو حلم أو نص هو حلم تتمنين إخراجه؟
• كل ما أنفذه هو من أحلامي. أنا محظوظة لأني أؤمن بعملي وأعمل له بإخلاص. أما حلمي الكبير فهو أن ترافق العائلات أبناءها وجيرانها إلى المسرح. أما أحلامي المهنية في الاخراج فأنا أحققها على التوالي. طموحي أن يتوازى المسرح بذات اهتمام الخروج من المنزل يوم الأحد.
بيروت ـ «القدس العربي»:زهرة مرعي