” أنت كما أنت ” مونودراما للكاتب العراقي.. حسين السلمان
المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص
ـ
“أنت كما أنت” مونودراما
تأليف : حسين السلمان*
كاتب وناقد عراقي
ـ
أنت كما أنت
حكاية نص
ذات مهرجان سينمائي في بابل ألتقينا في استراحة لشرب الشاي بعد جولة جميلة من العروض السينمائية وما تلاها من مناقشات لتلك الأفلام بدا الفنان القدير سامي قفطان بحديث ممتع كعادته حول عمل واشتغال الممثل خاصة في المينودراما وعبر تطلعاته الخاصة في هذا المجال أكد على ضرورة أيجاد مؤلف مختلف قادر على صناعة نص من كلمة واحدة أو أكثر. وقال أن هذه الفكرة ولدت أثناء أحتفالية لمصنع الأجيال للفنان الكبير سامي عبد الحميد حينما سأل عن دور يحبه هو ويوصي بادائه من قبل ممثل آخر فمن يختار. فقال بسرعة مشيرا الى الفنان سامي قفطان .وهنا أنبرى الأخير ،وقد تقبل الأمر بكل ترحاب ، ألا أنه طلب من الفنان سامي عبد الحميد أن يشاركه بعمل مسرحي من نوع خاص و أخذ يوضح فكرته ومؤكدا على استعداده في التعاون مع مؤلف لأنه يرى أن الفكرة جميلة وتستحق التنفيذ..
وحين أكمل حكايته قاطعه أحد الزملاء وقال له أن ما تريده يمكن أو يحققه لك شخص واحد لأنك تريد كتابة نص من كلمة واحدة . وهذا ما أثار أنتباه الجميع وأشار لي قائلا : هذا يفيدك بالكثير ويمكنه أن يتفاعل بقوة مع أصعب وأسهل الكلمات وله باع جيد في هذا المجال .نظر لي سامي كثيرا ، حتى أنني خشيت تلك النظرات وحاولت الابتعاد عنها بأطلاق ضحكة خجولة باتجاه الآخرين وليس باتجاه سامي الذي وقف وقال : أقول بصراحة أنني بدأت الحديث بشكل عام لكي يعلم الجميع أن الكاتب الذي أقصده هو بالذات الذي تقترحونه أنتم . توقف قليلا ثم أردف :أنا سعيد أن أعمل معك عزيزي حسين وأعرفك جيدا وآمل أن نحقق بعض مما يجول في خاطرنا ولا تنس أنه عمل فيه الكثير من الاحتمالات ومنها قد يكون الفشل مصاحبا أو هو مصيرا له ..
فرح الجميع ألا أياي فقد كنت أنظر لهم بحزن وألم كبيرين مما دفعهم الى السكوت والتوجه لي بنظرات حيرى بعد أن توثبت كلماتي التي أكدت على أن كل عمل فني يخضع الى تجاربه وقوة الاشتغال عليه ومدى انطلاق العقل نحو فضاءات الجنون ، لا شيء يأتي بسهولة ، لا شيء ..لا شيء ألا العمل الدؤوب الذي يصاحبه الحب والصدق ..وانتهى اللقاء الأول في بابل الجميلة لنعود الى العاصمة بغداد ويبدأ فيها هذا المشوار الكبير .
جلست مع الفنان سامي قفطان عدة مرات خلال ايام المهرجان الذي فقدت منه الكثير ..وعند عودتنا الى بغداد اتفقنا على جدول لمواعيد العمل ..
وبعد لقاءات بدأت هادئة كالحب لكنها سرعان ما تحولت الى لقاءات غاضبة ..وتطورت الى لقاءات صاخبة .نمثل فيها الشخصية ، وفيها نلقي الحوار، وفيها نحدد الحركة ، وطرق الدخول والخروج ، وفيها نقسم المسرح ونضع الفواصل الصوتية ..حقا كنا نعيش الجنون ، وربما الأنشطارات في التفكير الحر ، كنا في الحلم نتناقش ونقرر، كنا في الخيال نهرب من الواقع ، ولكننا في لحظة ما نعود اليه ..كل شيء يحدث.. ولا شيء يحدث ، فمن هلوسة الى وهم ، والى واقع كانت الأفكار تأخذنا كالأمواج حيث ما تريد ..
ما أثار استغرابي أن الفنان قفطان يتذكر أصغر الأفكار التي أقترحها أو التي هو يقترحها ..لقد كان مفتاحي الكبير في فتح كل ما كان يهرب من ذاكرتي .
عموما بعد كل هذا الجنون ، وبعد كل تلك اللقاءات الشيقة جلست وحيدا لأيام كثيرة وأسابيع وفي ذهني أن أجمع الممثلين سامي عبد الحميد وسامي قفطان
في عمل واحد قادر على أستنطاق ما في داخليهما، خاصة وأنني تلميذ أستاذي
سامي عبد الحميد وأنا معجب بفن سامي قفطان .أقول أنني أحببت هذا العمل كثيرا ، بل أعشقه جدا .. فولدت هذه المسودة الأولى .
البحث عن سين
(غرفة فيها مكتبة كبيرة
يدخل س1 مضطربا ، قلقا ..)
س 1 : أين وضعتك أيها الجميل ,,أستيقظ أيها الوعي لئلا يطمرك الغبار
..أيعقل أن أفقد سبعين عاما من الحياة والحب بهذه السهولة ؟؟
كتاب عمري كالهواء لا أراه ويضيع في دهاليز روحي .. لا ..
لا ..لن أتوقف ، سأظل أبحث عنه حتى بعد موتي ، صحيح أنا
الآن في وضع حرج ، فأنا الآن بين قوتين هما الكتاب والبحث.
أنها حالة تشبه صراعا أزليا ، فأنا مثل اليابسة تعرقل حركة المياه ،
والمياه تهاجم اليابسة من دون تعب ولا كلل . أنا الآن أقف بين
اليابسة والماء ..أقف بين الليل والنهار ..أغزو الأشياء وأحتويها
،أصهرها وأنشرها أجزاءا”. فمنذ سنين و أنا أفكر في مواجهة
نفسي لأصافحها وأقدمها للعالم .
(يفتش بين الكتب ..)
لا ..ليس هذا ..ولا هذا ..أنا واثق أنني سأجده ..نعم ، حتما
سأجده لكن بعد رحلة مضنية ومتعبة ..لا شيء يأتي بسهولة ،
لا شيء يذهب بسهولة . هو كتابي الذي لا يشبه بقية الكتب ..
(صمت ..ينظر للكتب مليا وكأنه يراها للمرة
الأولى ..يدور في المسرح مضطربا وهو
يحوم بالقرب من الكتب ..يصرخ بقوة منفعلا ..)
كتب …كتب ..أنها تشبه البشر ..هناك الطيب منها والشرير،
الأسود والأبيض..الكتب مثل الحياة ..هناك كتب تتحدث معك
وأخرى خرساء ، كتب تختفي خلف كتب أخرى ..كتب تصرخ
في الليل تعبيرا عن وجعها ..كتب تخجل من نفسها فتتدثر بالكتب
الأخرى ..كتب تستقبلك عند الاقتراب منها ..كتب ترمي بنفسها
من على الرفوف وتدعوك للقراءة..
(يخرج بعض من الكتب ..قسم يعيدها الى
المكتبة وقسم يرميها خارج المسرح ..)
هذا كتاب تحبه ..وهذا آخر ترفضه ..الكتب فيما بينها تتصارع
، هذا كتاب أينما تضعه ترفضه الكتب المجاورة ، بل ترميه
خارج الرفوف ليسقط كئيبا حزينا ..
(يضحك بهدوء وهو يمسك كتابين مختلفين
في الحجم واللون ..)
هناك كتب تمارس الغزل ، فكتاب الشعر يبعث برسالة حب الى
كتاب رواية جميلة .. نعم رأيته ذات مرة يقفز من رفه العلوي
ويقدم نفسه الى رواية جميلة وأنا واحد من عشاقها أيضا ..
(صمت ..ينظر فيما حوله حزينا ..)
آه يا كتابي ..لماذا لا تناديني ؟؟..أرجوك قلها ولو لمرة واحدة ،
فأنا اشعر بالتعب ..
(يسمع صوت ما من خارج المسرح فيجري
مسرعا من يمين المسرح…)
يدخل س2 مسرعا من يسار المسرح..)
س2 :(بعزم واصرار )يجب أن أكتب كتابي ..أيعقل أن أترك خمسين عاما
من الحياة والحب من دون تدينها ؟!!
( صمت ينظر الى ما يحيط به ..)
لكن كيف ابدأ ؟؟ تلك هي العلة يا قلمي …حسنا لأبدا هكذا ..ولدت
عام ..
(يضحك بشكل مفاجيء..)
هذا أمر متداول في الكثير والكثير من الكتب ..طيب ، لأكتب :
كانت بدايتي ..يا للغباء ، وهذا أمر مألوف ..فكر يا رجل لا يمكن
لأنسان مثلك يعيش على أرض الرافدين لا يعرف كيف يمسك
ببداية مدهشة للكتابة .طيب لأبدأ هكذا : كنت عاملا أبيع الشاي
وكان الى جواري فرقة مسرحية أسمع أحاديثهم وصراخهم وهم
يناقشون مسرحياتهم .أحببت فيهم الصدق وحب العمل وهم يقضون
أسابيع وأشهر يتدربون على العمل ..
(ينظر فيما حوله فرحا وسعيدا ….)
أعتقد أنها بداية جيدة ..هكذا هم الكتاب الكبار يناقشون البدايات
كثيرا ، لان البداية عنصر أساس في كل أنواع التأليف .أعتقد أن
بدايتي هذه جيدة ، في الأقل بالنسبة لي ، لكنها تحتاج الى أسئلة عديدة
مثل لماذا أكتب ، ولمن أكتب ، وكيف أكتب . أنا شخصيا أذهب الى
دائما الى كيف أكتب .
نعم جميل أن تكون مقدمة كتابي عبارة عن سؤال ، وهو حتما سؤال
فلسفي وسؤال جمالي .
ربما أعمل على زيادة الأسئلة . فالانسان الذي يسأل عما يحيطه هو
خير من ذلك الذي لا يسأل .فكلما كثرت الأسئلة كلما أدرك المرء
طريقه ..
(يضحك بفرح…)
جميلة هذه الكلمات كلما أدرك المرء طريقه..كلمات حلوة ولذيذة
كالعسل ،لكنها صعبة التحقيق ..نعم للمرء طريق يمتد الى ما نهاية
وكأنه الانسان ذاته .فالانسان لا ينتهي أبدا ، لأنه في كل طرقه يتجه
الى الحياة …
( بفرح متزايد ..)
نعم ..نعم ..أنا في بداية كتابي أقول : لقد وجدت الحياة ليس كما وجدها
الذين من قبلي .أذا سأبدأ في تدوين أسئلتي ..
(يخرج س2 من يمين المسرح ..
يدخل س1 من يسار المسرح يبدو عليه
التعب والارهاق ..
المكان وقد تحول الى المقهى
(يكتظ بالرواد الذين لا نراهم)
حيث تصدح أغنية شعبية ..)
س1 : أيها الجالسون أستحلفكم بالله من منكم يعرف أين كتابي ؟
لم هذا الصمت القاتل !! أنا لم أسأل سؤالا فلسفيا …يا للهول ..هذا
الصمت يبعث في الجنون ..
(يتحرك وسط رواد المقهى …)
أنت تكلم يا صديقي ..وأنت …وأنت …أنت كغيرك لا تجيب ..أنت
وأنت …
( يشعر بالغضب والألم فيصرخ بقوة ..)
يا حائط أسمعني يا حائط
يا كوخ القصب تفهم كلماتي
أنقض بيتك وأبن لك فلكا”
أنبذ المال وأنج بحياتك
والسفينة التي ستبني
أحكم بناءها
بحيث لا ترى الشمس داخلها
وأحكم سقفها من الأعلى والأسفل
ولتكن حبالها متينة قوية
وليكن القير ثخينا لتكون السفينة قوية
وأنا سأمطركم بوافر من الطيور والأسماك
لقد فتح الساعة المائية وملأها
لقد بلغه بوقوع الطوفان لليلة السابعة .
(يتحرك من مكان لآخر حزينا …)
ما زلتم في الصمت تغرقون ..يبدو أن التاريخ يتكرر ، فلم تزل أقوال
الناس سارية المفعول حول تاريخنا الجديد الذي فيه تصنف الناس هكذا
كما يقول الشاعر :” يذهب الماركسيون الى السوق ليجادلوا الباعة في
الأسعار وليدركوا أن الجميع خاضعون لنظرية الرأسمالي القديم
…يذهب الأصوليون الى الجامع لينصتوا لأصوات أوهامهم وليدركوا
أن الطريق الى الله مفخخ بالحكايات ..يذهب الليبراليون الى المقهى
ليمارسوا الكثير من الثرثرة وليعرفوا أن الطاولة هي مركز الكون ..
يذهب الوجوديون الى المرقص ليتعرفوا على خرائط الأجساد
الراقصة وليعرفوا أن الرقص هو أقصى درجات الحرية “..
لا ..لا أرجوكم لا تذهبوا ..
( يدور بين رواد المقهى ..ويتجه الى الجمهور
مخاطبا أياه ..)
أرجوكم لا تيأسوا من خطابي. يا أصدقائي أن المشكلة بدأت
منذ قيل أن المجتهد أن أصاب له حسنتان وأن أخطأ له حسنة
واحدة .بمعنى أن لا حساب في ذهنية المجتهد أو الحاكم لأنه أن
أخطأ له حسنة وهذا ما جعل الفعل يتناسل الى اجتهادات كثيرة .
بنى المهندس الرومي سنمار قصرا فارها للنعمان ملك الحيرة
فأمر النعمان بإلقاء سنمار من أعلى القصر كي لا يبني قصرا
مماثلا لغيره
(يبتعد عن الجمهور …)
آه يا كتابي..منذ غيابك عني بدأت أرسمك على التراب ..ثم أدلق
الماء وأنتظر … انتظر حتى تنهض من جديد ..ويلي متى أجدك
يا كتابي …
( يخرج س1 من يمين المسرح مهموما …
يدخل س2 من يسار المسرح
وهو يصافح رواد المقهى ويلاطفهم …)
س2 : أيها الأصدقاء أنا لا أتعبكم فكل ما أريده منكم هو مساعدتي تحت
هذا السؤال : كيف أكتب كتابي ..
(يبتسم موزعا أبتساماته على رواد المقهى ..)
نعم يا صديقي هو أيضا سؤال ، لكنه سؤال صغير (مستدركا ) هل
هناك سؤال كبير وسؤال صغير !!على وزن هناك ممثل كبير وممثل
صغير ، هو سؤال مقاربة بين الواقع والمسرح .
( يتحرك الى مكان آخر …)
تكلم يا صديقي ..أنا أدرك أن فيك الكثير من الكلام وربما الأسئلة .
لا .. لا تسكت أن حبس الكلام في الرأس يؤدي الى الهلاك لان
الكلمات دائما تنشد الحرية والأنعتاق .سجن الكلمات يعني موت
العالم بأسره .أنا كان لي صديق آبى الاعتراف بحبه لفتاة فمات
كمدا لأنه لم يطلق الكلمات. نعم تموت الدنيا أذا فقد منها الفن والعلم .
لا يمكن لنا أن نكون بلا كلمات .
( ينتقل من مكان الى مكان ، لكنه لم يحصل
على ما يريده ..يشعر وكأنه قد هزم ..)
ها أنذا اشعر بالعطش .لقد أشتعل جوفي نارا ومضت تتأجج أقوى
فأقوى .يا ويلي حرارتي ترتفع.من يستطيع وضع الخرقة المبللة
على جبيني الملتهب ..أنت فقط يا أمي من يشفيني بلمسة من
يديك وبهمسة من صوتك .أبك يا أمي فأن قلبي يشتعل نارا
ودموعك نجاة روحي .فأنا يا أمي رجل جعل أحلامه واقعا حيا .
(يدور مرعوبا بعد أن بدأ الضباب يغزو
المسرح بكامله …)
لا ..لا ..تحركوا , لتصرخ المجاذيف من جديد ..
( يجلس ويبدأ التجذيف ..)
لترتفع المجاذيف وتنخفض بضربات خفيفة ومن ثم لتتصاعد.
لم يعد الزمن معنا . علينا يا أصدقائي أعادة الزمن الى رشده.
ليسير القارب وليتقدم ..هيا أيها الناس تحركوا فالضباب يغزونا،
نعم هكذا جذف أقوى ..وأنت أيضا .لنزيد من سرعتنا فالضباب
بدأ يبني أعشاشه فوق رؤوسنا ..جذفوا حتى وأن كان التجذيف بوحشية
لئلا نتخلف عن الزمن ..نعم هكذا ..شهيق ..زفير ..تارة شهيق ..
وتارة زفير ..ها هو الضباب أمامي ..ها هو خلفي ..ها هو يحتويني
كاملا ..
(يواصل التجديف..
يدخل س1 وهو ينظر باستغراب لما يفعله
س2 الذي يواصل التجذيف حيث يتحرك
ببطء فيقترب من س1 الذي يبتعد عنه
سريعا بعد صرخة قوية يطلقها س2 .
ثانية يقترب س1 يتمعن مليا بما يقوم به س2 .
س1 ببطء شديد يجلس قريبا من س 2 ويبدأ في
رحلة التجذيف …)
س1 : لقد جف في البحر صوتي
ولم أجن في رحلتي غير النزيف
غير الفصول
وكل الفصول بمنفاي
ريح تهب بطعم الخريف
تعبت من النوم
تعبت من الصحو والانتظار
تعبت من الليل
والليالي تمر على حلم
تحت رأسي مخيف
س2 : كلما باعت نفسي عن نفسي
وجدت أن الظلام حياة
والسنين جسور
وأعياد الميلاد قنوات حب
وأن ضجيج الدنيا موسيقى
فأي الأصوات أنا
في أغنية قد نغنيها
ذات مرة أو ذات عام
س1 : أجمل وأعذب شيء هو أن تموت والغناء في فمك
س2 : يا صديقي جذف بقوة فالضباب يتكأ على أرواحنا
س1 :كم تعثرنا بزمن فاضت به أرواحنا
س2 : أنا من بعدك أتيت
س1 :الأهم هو من يحافظ على كرامة الأشياء
س2 :بل الأهم من يقوم بتطويرها ..ها أنذا أنظر اليك
س1 : ليس كل ما تراه تبصره
س2 : لا أجدك تختلف عني ..أنا مثلك وأنت مثلي
س1 :أنت لم تتغير . بل أنت تشبهني
س2 : معذرة ..حقا أنا مثلك ألا أني أتغير .
(س2 ينهض ويؤدي دورا لرجل أعمى
يطلب مساعدة الناس لعبور الشارع ،لكن
لا أحد يستجيب له …
س1 ينهض ويؤدي دورا لرجل أعمى
يطلب مساعدة الناس لعبور الشارع ،لكن
لا أحد يستجيب له … من الضروري بيان
الاختلاف في طريقة التمثيل باداء الأثنين ..)
س1 : ألم أقل مختلفان متشابهان
(يضحكان بسخرية ..)
س2 : جذف بسرعة يا صديقي فالضباب لا يرحم
( يعودان الى التجذيف ..)
س1 :هل وصلنا ؟
س2 : قل هل عبرنا
س1 :طيب أين عبرنا ؟
س2 :لا زلنا نواصل الوصول
س1 : ما بالك تتلاعب بالكلمات
س2 : مثلما هم يتلاعبون بنا في كل حين
س1 : هل قاربك يتحرك؟
س2 : أنا أتحرك
س1 :أنت لا تتحرك ..القارب يتحرك
س2 :لا يهم ..أنا أتحرك كأثبات لنفسي أني حي
س1 :ما جدوى الحركة بلا فعل
س2 : وما جدوى الانسان ملقى في مكب الحروب؟
س1 : الكلمات لا تنتهي وحوارنا لا ينتهي
س2 : أريد أن أفعل ذلك بنفسي .آن الأوان لأمنح ذاتي ما تريد..
( ينهض س1 ويخرج من يسار المسرح و من
دون علم س2 ..)
ولتتأكد أيامي أنني قد عشت عمري مثلما أنا أريد ..
( ينتبه س2 لعدم وجود س1 ينهض ويصرخ بقوة ..)
يا صديقي أذا كنا سنموت فلنمت معا .
( يخرج س 2من يمين المسرح ..)
الأضاءة تتغير لتكشف عن ديكورات لمسرحيات
عراقية مثل النخلة والجيران ، هاملت ، الحصار،
طنطل ،الشريعة …..)
يدخل س1 مسرعا ، مهموما …)
س1 : يا أيها الناس من منكم عثر على كتابي ؟ أوصافه :
أبيض الخدين
يشبهني
كنا ألتقينا
على آلام سنبلة
كانت تئن من وجع
فلم أجهش ليسمعني
وظل على وجهي
صدى تعب
وصرت نايا
في لحظة شجن
اين أنت يا صديقي؟؟لماذا هذا الاختفاء؟؟ يبدو علي أن أسحب
نفسي من شعري وأقلبها راسا” على عقب لترى العالم بعيون
فرحة .مؤسف ” أن الجهل مثل المعرفة قابل للزيادة ”
( حين يرى ديكورات المسرحيات يشعر
بالفرح، يتجه نحوها ويداعبها بحب
وشوق كبيرين ..)
ها هي الأيام تستعيدني من جديد ..هاهي الليلة تأتي ، أنها الليلة
التي أكون فيها ممثلا لأصعد ولأول مرة على خشبة المسرح .
لم أنم تلك الليلة ، لأول مرة في حياتي لم أنم . فأنا لا أعرف الأرق
أبدا. كانت رغبتي جامحة لأن يأتي النهار سريعا”حتى أندفع مبكرا”
الى هناك، حيث الحياة تتجدد.
في ذلك الزمان كان كل شيء على نحو آخر . كل حبة في مكانها
تسقط وتنمو رويدا” رويدا لتقدم نفسها وقد تفتحت كالربيع ..أما اليوم
فلا يمكن تحمله ،أنه مثل الجهل قابل للزيادة .
كنت أخشى أن يستمر الليل طوال العمر ، لذا تسامرت مع الموسيقى
ومع الغناء. فالموسيقى نحن ما ننتمي اليه ..سهرت مع زهور حسين ،
ناظم الغزالي، وحيدة خليل ، القبنجي .
(يغني جزء من اغنية لناظم الغزالي..)
هي أغاني غالبا ما تحتويني كالبحر..عاريا كالورود أغني ..
( يغني لزهور حسين ..)
لكن الليل لم يزل ليلا” وأنا أدور بين الأغاني وحلم ليلتي القادمة ..
هو الفرح القادم من ظلمة الليل ..
(يذهب متنقلا” بين ديكورات المسرحيات ..)
أنا أحبك ..نعم أنا أحبك واثق فيك أخي المسرح .فأنت لغة الناس
ومشاعرهم ، وهنا تكمن سر قوتك . أنت كائن أحسن الانسان صنعه
فأنجبت الجمال والمتعة والدروس الأنسانية الكبرى .لذا نحن نحترمك.
أعرف أنك تئن كثيرا في هذه السنين حينما لا ترتقي بعض المسرحيات
لذوقك الرفيع .ألا أنك علمتنا كيف نستطيع تطوير قدراتنا وأن نقف
بحزم ضد القبيح والسيء والبغيض .أنت دوما” شاطيء أحلامنا الذي
يستقبلنا بالحب والحنان . حين تتكاثر أوجاعنا فأنت الوحيد الذي يمتص
كل الأحزان ويبعث فينا المسرات.
أعلم أنك والوطن تعيشان بقلب حزين ..تتبادلان الهموم والأوجاع
بودي أخي العزيز أن أقول لك :أذا مت أنا فلتعش أنت طويلا ، لتبحر
مع محبيك حيث الليالي الجميلة المشبعة بنور روحك النبيلة .
أنا روحي تحترق لكني لم أزل معك أخي الحبيب ,فلتعش طويلا
لترى ما بعدنا من أجيال وأجيال …
(يستدير نحو الجمهور بعد أن سمع
شيئا ما ..)
معذرة هذا السيد المحترم الجالس هناك يبدو أنه لا يطيق صبرا
.هو يريد أن يصل بأسرع الطرق ..يا صديقي أن أخي المسرح
يهديك السلام ويقول لا يصله ألا العشاق ، فهم وحدهم يتدثرون
بقبلاته ..يا صديقي المسرح هو الوحيد الذي يستطيع الخروج
بنا خارج أنفسنا ..
(يعود الى وسط المسرح حيث الديكورات ..)
أيها المسرح أنت جعلت للحياة معنى …نعم ..هذا صحيح ..مسرح
واحد قادر أن يغير العالم ، لان الحياة تنهض من رحمه المعطاء.
فمن زمن أدركنا الفرق بين أن تكون على المسرح أو تكون على
الأرض . حينما تكون على الأرض لا تفكر ولا تنشغل ، لكن أن تكون
على المسرح فأنت لا تنقطع عن التفكير أطلاقا..
(يتجول فرحا بين الديكورات ..)
هذا المسرح شجوني ..دموعي..هو رأسي الوحيد القادر على
احتضان العالم بأسره ..فأين أنت يا كتابي..أنا أبحث عنك
ما دام في المسرح حياة ..
( يخرج س1 …
يدخل س2 يحمل بعض الأوراق ..)
س2 : أنا من بدل بالكتب الصحابا ….
( يتوقف عن الكلام والحركة .. ينظر الى
الديكورات المسرحية ..فرح كبير يدب
أوصاله فيبدأ بحركة أشبه ما تكون بحركة
راقصة ..)
أيها المسرح دعني أتفيأ بظلالك الوارفة .كنت على خطأ حينما
فكرت بكتابة مقدمة .نعم ..كنت على خطأ ، لأن المقدمة كتبت
قبل مائة عام ، كتبها من وضع الخطوة الأولى .وكيف ما جاءت
علينا تقبلها لأن قدومها كالقدر وصمتها مطر .أنها خطوة صعبة كمن
يغرس الأعشاب في الرخام وينتظر نموها ..
( ينظر بحب الى الديكورات ..)
كن يا صديقي خارج الأكاذيب التي تنتشر حولك كالذباب ..
وكن مثل أجدادنا حين قالوا :
” جلسوا وهم عطشى وجياع
وأوقعوا الأذى بنفسي عندما أصغيت الى ضوضائهم
وأن ذريتي ، وقد قطعت عني ، غدت كالذباب
وأنا أصبحت كالساكنة في بيت الندب والبكاء
فلا يسمع نحيبي وعويلي
وجهز الطعام
وشم الآلهة طعام الوليمة
فتجمعوا كالذباب على القرابين
وسلطا على الناس الدمار والخراب
لقد أردتم الهلاك الشامل
والآن غدت وجوههم النظيفة كدرة مغبره
ثم أمسكت بالذباب الكبير ..” (من ملحمة كلكامش)
(ينظر فيما حوله بعد أن سمع طنين ذبابة
كبيرة تحوم في فضاء المسرح …)
ها هي واحدة هنا …اللعنة على الذباب ..
( يجري خلفها ضاحكا ..)
لعبة جميلة أن تصطاد ذبابة وتضعها في قفص وتحاكمها …محكمة..
بناء” على الدعوى المقامة من الشعب ضدك تبدأ الجلسة الألف بعد
الألف .السؤال الأول : لماذا أنت أكذوبة ؟…لا أنا لست ولن أكون
أكذوبة ، أنتم البشر تصفون الكذب بالذباب .نعم نحن نتكاثر بسرعة
لأنكم ترمون النفايات في الشوارع…هذا غير صحيح ..نحن
متحضرون وأصحاب تاريخ عريق…أبدا” ..أنتم البشر أهل الكذب
وأنت منهم حضرة القاضي الكبير…أنا منهم !!…نعم أنت …أنا
يا للهول ..مهلا أنت تريد أن تكتب كتابك لكنك خائف من الكتابة .
لذا اختلقت لعبة الذباب لترمي فشلك علينا وكأنك تريد القول :أذا
أردت معاقبة بريء فأحطه بمجموعة من المجرمين.
( يدور في المسرح بحثا عن الذبابة التي
أختفت وهو يصرخ ..)
لا تهربي ..توقفي ..أريد أن أجيب عما سألتي ..أرجوك ..لن
أتركك تهربين مطلقا ..
(يجري س2 مسرعا خارج المسرح
يدخل س1 وقد أصبح المسرح فارغا
ينظر في هذا الفراغ المرعب ..يدور في
في داخل المسرح منذهلا “….)
س1 : يبدو أن الساعة آتيت لا ريب فيها ..خاصة وأن كل التوقعات قد
اكتملت وتجسدت على أرض الواقع ..
( يتقدم مندهشا نحو الجمهور …)
هل أنتم معي تبحثون عن كتابي ؟؟؟ أرجوكم أحبتي من يجده
ليضعه مفتوحا في البيوت والمدارس والشوارع لأنها الأماكن
التي أحب.
( يهم س1بالخروج ألا أن صوت س2
يوقفه في مكانه ..
يدخل س2 وهو يحمل كتابا …)
س2 : هذا هو
( س1 يتأمل الكتاب..يقبله فرحا مسرورا ..)
س1 : كان علي أن أغادر منذ زمن بعيد ، وما أبقاني ألا أنتظارك.
أيها العزيز ها أنت تعود للحياة .
( يتقدم بحب كبير نحو س2 ..)
شكرا لك ..خذه وأكمل ما تبقى من الكتابة
( يخرج س1 فرحا ..
س2 ينظر نحو الجمهور ويدور داخل
المسرح با حثا عن مكان جميل لأن يضع
فيه الكتاب …)
س2 : حسنا ولأنني لم أجد مكانا مناسبا…سأضعه هنا وليأت من هو
قادر على الأضافة الجديدة المفيدة ..
( يضع الكتاب على رأسه وهو سعيد ..)
ما سيأتي هو الكتاب ..دام مساؤكم جميلا سيداتي سادتي ..
27/3/2018
لا زلنا نعمل
وألتقينا لقراءة ما كتبت ..كان كل فترة القراءة صامتا ، يمسك بقلمه من دون أن يكتب شيئا .هذا الأمر أسعدني وأحزنني في ذات الوقت..سعيد أنه لم يكتب شيئا
ضد النص وحزين لأنني كنت أخشى أن يكون النص غير فاعل في التأثير عليه.
ـــ انتهى النص
قالها وأنا أنهي الجملة الأخيرة منه .واخذ يتحدث عن الأفكار والمواضيع المطرحة في النص وأمكانية ما يمكن أن يثيره في عقول المشاهدين.وأشار
الى الأفكار السياسية ، التي هو لا يرغبها كثيرا ، وكنت أنا على العكس منه
معتبرا القضية الأساس للنص فيها روح سياسية ذات وقع كبير على طبيعة
المشاهد في هذه الفوضى التي يعيشها الوطن والشعب .
وحسب ما سجلته من ملاحظات الفنان فقطان التي تركزت على أضافة حوارات
من تلك المسرحيات التي عرضت ضمن الديكور أو أن يقوم الممثل بأحيائها من
جديد على المسرح .
ومن محاسن الحوار والنقاش في أي عمل فني وثقافي يتجسد من خلال الحرص على تقديم ما هو أفضل وأجمل .ففي أثناء حديث القفطان عن الشكل الذي يجب أن يقدم به العمل والطريقة التي يشتغل عليها الممثل فهمت أن يذهب الى ماهية
عمل واشتغال آخر أنا في ضفة أخرى منه . لذا توجب علي أن أشرح له أسلوبي وطريقتي في كتابه هذا النص .وحينما أكملت كل الشروحات ضحكنا
كثيرا وقال علينا أن نشرب الشاي ثانية ،بالمناسبة هو ماهر للغاية في تحضير
الشاي على الطريقة العراقية ، وقال :
ــ أنت في الفرات وأنا في دجلة
ــ لا خلاف يا صديقي نلتقي معا في القرنة ( وهو المكان الذي يلتقي فيه الفرات ودجلة ليكونا شط العرب .
وجاءت الفكرة الأهم ، الفكرة التي أخذتنا صوب أسلوب وطريقة مغايرة تماما
لما أشتغلت عليه في المسودة الأولى التي حملت عنوان ( البحث عن سين )
هو أكد أن هذا النص هو القاعدة الرصينة التي نستند عليها في اشتغالنا الجديد .
حقا كانت فكرة رائعة من فنان مهوس بالبحث عما هو جديد .وأخذ يشرح
بتفاصيل زاخرة بالأيحاءات والدلالات ..
وهكذا طلب أن نركب النص بأسلوب وطريقة المينودراما.وكانت العقبة الكبيرة
كيف يمكن كتابة مينودراما وفي النص شخصيتين .لأنني كنت حريصا على
وجودهما ،لان الفكرة الأولى كانت أن يشارك كل من الفنانين الكبيرين سامي
عبد الحميد وسامي قفطان في عمل مسرحي واحد ، ولهذا جاء عنوان النص (
البحث عن سين ).
حقا شعرت بسعادة كبيرة بهذه الفكرة الرائقة والتي أحتوتني كثيرا ، وحقا يمكن
القول أنها فكرة جديدة لم يسبق لأحد في كتابتها أو تقديمها على المسرح . بل هي فكرة تحمل في طياتها على روح التجديد في هذا المجال المسرحي المهم .
كلنا نعرف أن المينودراما كما جاء تعريفها ب ( فن من الفنون الدرامية وهو من أشكال المسرح التجريبي التي ظهرت وأتسعت رقعتها خلال القرن العشرين والقائمة على ممثل واحد يسرد الحدث عن طريق الحوار يتم تعريف المونودراما على أنها ” خطبة أو مشهد مطول يتحدث خلاله شخص واحد، وهو نص مسرحي أو سينمائي لممثل واحد. وهو المسئول عن إيصال رسالة المسرحية ودلالاتها جنباً إلى جنب عناصر المسرحية الأخرى، وفي بعض الأحيان يستعمل تعبير رديف هو عرض الشخص الواحد . كذلك لها تعريف آخر وهو “أن المونودراما هي مسرحية يقوم بتمثيلها ممثل واحد يكون الوحيد الذي له حق الكلام على خشبة المسرح. فقد يستعين النص المونودرامي في بعض الأحيان بعدد من الممثلين، ولكن عليهم أن يظلوا صامتين طول العرض و إلا انتفت صفة “المونو” – كلمة يونانية الأصل mono ” بمعنى واحد- عن الدراما..يعتبر الكثيرون أن أصل هذا النوع يعود إلى ما قدمه الممثل والكاتب المسرحي الألماني “جوهان كريستيانابراندز” عام 1775-1780. لكنه لم يلق رواجا كبيرا لأنه لا يعد حوارا ثنائيا، ويعود أوَّل نص مسرحي يصنف كمونودراما مكتملة الشروط الفنية إلى الفيلسوف والمفكر الفرنسي جان جاك روسو وكان ذلك عام 1760م، وهو نصه (بجماليون . ولكن أول من أطلق مسمى مونودراما على نصه (مود Maud)كان الشاعر ألفريد تينيسون Alfred Lord Tennyson في العام 1855م. لاحقاً، بدأت نصوص المونودراما تتكاثر ويرتفع لها الصوت، فكتب تشيخوف نصه الشهير (مضار التبغ) ووصفه بالمونولوج في فصل واحد، وكتب الفرنسي جان كوكتو نصه (الصوت الإنساني)، وكتب يوجين أونيل نصاً مونودرامياً بعنوان (قبل الإفطار)، بينما كتب صموئيل بيكيت (شريط كراب الأخير) والذي اعتنى بالمونودراما ووجدها أنسب الأشكال المسرحية للتعبير عن العبثية والتي تقوم على عزلة الفرد واستحالة التواصل الاجتماعي.
أنا شخصيا أتفت مع الفنان القفطان انطلاقا من حبي للتجديد ومن رغبتي التي تضاعفت بآلاف المرات مع هذا الجنون الجميل ..وتحدثنا كثيرا في لقاءات كثيرة ..كانت الفكرة تأخذنا من ضفة لأخرى ..ضفاف كثيرة صاحبتها الكثير من الأفكار..بعد أسابيع التقيتا وأستقبلني بابتسامة عذبة وهو يقول :
ــ واثق أننا نمتلك النص الجديد ..وقرأت التالي :
أنت كما أنت
(المسرح مفتوح.. تتوزع على أرضية خشبة المسرح
وفضائه بعض من الأشكال التيلا توحي الى قارب
وأشرعة وبعض من الشناشيل والنوافذ والأبواب
المغلقة والمفتوحة التي تعتبر ضمن تشكيلة الديكور
الذي هو عبارة عن فلكسات متحركة موسوم عليها
الأماكن التي تجري فيها أحداث المسرحية وهي :
(غرفة فيها مكتبة كبيرة ، مقهى ، زقاق ، لقطات
من ديكورات لمسرحيات عراقية ) حيث يقوم الممثل
بتغيرها وتحريكها طبقا لمتطلبات المشهد والحركة
التي يقوم بأدائها الممثل .فمثلا حينما نكتب المشهد
الأول / غرفة / مكتبة كبيرة ، هذا يعني ظهور فلكس
المكتبة أضافة الى اشتراك بقية تلك العناصر في
تركيبة الديكور ..)
( الممثلان يرتديان ملابس متشابهة )
المشهد الأول
غرفة / مكتبة
( يدخل س1مسرعا وهو يتحدث بالهاتف ..)
س1 : أهلا ..صباح الخير…لا ..لن أترك هذا الأمر .أنها فرصتي
الذهبية حيث العائلة في سفرة .سأبحث عن كتابي…مع السلامة
(يغلق الهاتف ويبدأ البحث بين الكتب ..)
اين وضعتك أيها الجميل ، كتاب عمري كالهواء لا أراه
صحيح أنا الآن في وضع حرج ، فأنا الآن بين قوتين هما الكتاب
والبحث.أنها حالة تشبه صراعا أزليا ، فأنا مثل اليابسة تعرقل حركة
المياه ، والمياه تهاجم اليابسة من دون تعب ولا كلل . أنا الآن أقف بين
اليابسة والماء ..
( يفتش بين الكتب ..يستدير ليصبح خلف المكتبة .
من نفس المكان الذي أختفى فيه س1 يظهر س2
بذات ونفس ملابس س1 ليخلق تصور كأن الشخصية
واحدة ..)
س2 : كتب …كتب ..أنها تشبه البشر ..هناك الطيب منها والشرير،
الأسود والأبيض..الكتب مثل الحياة ..هناك كتب تتحدث معك
وأخرى خرساء ، كتب تختفي خلف كتب أخرى ..كتب تصرخ
في الليل تعبيرا عن وجعها ..كتب تخجل من نفسها فتتدثر بالكتب
الأخرى ..كتب تستقبلك عند الاقتراب منها ..كتب ترمي بنفسها
من على الرفوف وتدعوك للقراءة..
(يخرج بعض من الكتب ..قسم يعيدها الى
المكتبة وقسم يرميها خارج المسرح ..)
هذا كتاب تحبه ..وهذا آخر ترفضه ..الكتب فيما بينها تتصارع
، هذا كتاب أينما تضعه ترفضه الكتب المجاورة ، بل ترميه
خارج الرفوف ليسقط كئيبا حزينا ..
(يضحك بهدوء وهو يمسك كتابين مختلفين
في الحجم واللون ..)
هناك كتب تمارس الغزل ، فكتاب الشعر يبعث برسالة حب الى
كتاب رواية جميلة .. نعم رأيته ذات مرة يقفز من رفه العلوي
ويقدم نفسه الى رواية جميلة وأنا واحد من عشاقها أيضا ..
(صمت ..ينظر فيما حوله حزينا ..)
آه يا كتابي ..لماذا لا تناديني ؟؟..أرجوك قلها ولو لمرة واحدة ،
فأنا اشعر بالتعب ..
(يسمع س2صوت ما من خارج المسرح
فيجري مسرعا خارجا من يمين المسرح…)
المشهد الثاني
مقهى
(يدخل س1 وهو يحمل طاولة وكرسي وهناك لغط
صادر من رواد المقهى الذين لا نراهم ..حيث تصدح
أغنية شعبية ..)
س1 : أيها الجالسون أستحلفكم بالله من منكم يعرف أين كتابي ؟
لم هذا الصمت القاتل !! أنا لم أسأل سؤالا فلسفيا …يا للهول ..هذا
الصمت يبعث في الجنون ..
(يتحرك وسط رواد المقهى …)
أنت تكلم يا صديقي ..وأنت …وأنت …أنت كغيرك لا تجيب ..أنت
وأنت …
( يشعر بالتعب فيجلس ..يرن الهاتف ..)
أهلا زوجتي العزيزة ..أمل أنها سفرة ممتعة …جيد ..جميل
كيف أنسى هذه المناسبة العزيزة …نعم قبل قليل ذهبت الى المحل
لكنه كان مغلقا …حتما …دعيني أذهب ثانية الى المحل لعلي أجده
…نعم …بعد عودتكم من السفرة سنعمل حفلة كبيرة لا تنسى ..
(يخرج س1 وهو يتحدث بالهاتف ..
يدخل س2 وهو يتحدث بالهاتف ..)
س2 : مؤسف عزيزتي مازال المحل مغلقا ….نعم سأشتري الهدية
من ذات المحل ..طيب ..تحياتي للجميع ..
(يغلق الهاتف وينظر للجالسين في المقهى
بحزن كبير …)
ما زلتم في الصمت تغرقون ..يبدو أن التاريخ يتكرر ، فلم تزل أقوال
الناس سارية المفعول حول تاريخنا الجديد الذي فيه تصنف الناس هكذا
كما يقول الشاعر :” يذهب الماركسيون الى السوق ليجادلوا الباعة في
الأسعار وليدركوا أن الجميع خاضعون لنظرية الرأسمالي القديم
…يذهب الأصوليون الى الجامع لينصتوا لأصوات أوهامهم وليدركوا
أن الطريق الى الله مفخخ بالحكايات ..يذهب الليبراليون الى المقهى
ليمارسوا الكثير من الثرثرة وليعرفوا أن الطاولة هي مركز الكون ..
يذهب الوجوديون الى المرقص ليتعرفوا على خرائط الاجساد
الراقصة وليعرفوا أن الرقص هو أقصى درجات الحرية “..
( ينظر الى الخلف حيث أحد رواد المقهى ينهض
ضجرا فيجري خلفه ..)
أرجوك يا صديقي لا تضجر ، فأنا أتحدث عما أشعر به …
أرجوك ..أنتظر لأشرح لك معنى ما قلته ..أرجوك..
( يخرج س2 وهو مستمر بمحادثة الشخص ..
يدخل س 1ومعه الشخص الذي خرج مع س2 …)
س1 :أجلس ..لا تيأس من خطابي .. أن المشكلة بدأت
منذ قيل أن المجتهد أن أصاب له حسنتان وأن أخطأ له حسنة
واحدة .بمعنى أن لا حساب في ذهنية المجتهد أو الحاكم لأنه أن
أخطأ له حسنة وهذا ما جعل الفعل يتناسل الى اجتهادات مدمرة.
(يبتعد عن رواد المقهى ويخاطب نفسه …)
آه يا كتابي..منذ غيابك عني بدأت أرسمك على التراب ..ثم أدلق
الماء وأنتظر … انتظر حتى تنهض من جديد ..ويلي متى أجدك
يا كتابي …
(يلتفت باهتمام كبير وكأن شخصا يناديه ..)
نعم ..أنت تعرف شيئا عن كتابي !! طيب ..نعم أعرف المكان
سأكون هناك..شكرا لا تدفع.. حسابك واصل صديقي ..
(يخرج س1 مسرعا …)
المشهد الثالث
زقاق
( يدخل س2 ومعه ديكور الزقاق ..
يبدو المسرح مظلما بعض الشيء ألا من بقع
ضوئية متناثرة هنا وهناك …)
س2 : مكان مخيف ، بل هو مرعب. هل كتب علينا أن نعيش الموت
ونحن أحياء !! منذ أندلعت الرصاصات على الحدود ونحن لم
نزل في حرب نموت فيها كل يوم .لقد أستبدلت أسماء المعامل
والمصانع بلافتات الشهداء ومنظمات الأيتام والثكالى والمعوقين ،
وأنتجت الحرب مصطلحات جديدة ..وأعتقد ، في هذه الحالة ،
أني من المنتهين حتما .
(ينظر فيما حوله بخوف وهلع ..
لا شيء غير الظلام المرعب ..)
أين أنت ؟!! ها أنذا أنتظرك ..حسنا لأدخل في هذا المنعطف
لعلي أجد ما يهديني أليه..
( س2يذهب حذرا بأتجاه يسار المسرح ويختفي
في الظلام ..من ذات الظلام يظهر س1
مرعوبا وهو يجري مسرعا ومن خلفه
نسمع أطلاق عيارات نارية وصراخ بشري ..)
س1 : هو زقاق مغلق ..ماذا أفهم من هذا ؟ محاولة موت فاشلة ..
أن الجهل مثل المعرفة قابل للزيادة..
لقد جف في البحر صوتي
ولم أجن في رحلتي غير النزيف
غير الفصول
وكل الفصول بمنفاي
ريح تهب بطعم الخريف
تعبت من النوم
تعبت من الصحو والانتظار
تعبت من الليل
والليالي تمر على حلم
تحت رأسي مخيف
(يرن الهاتف ..يجيب بصوت خائف يجيب)
نعم زوجتي …أين أنا!!! أنا في عداد الموتى …لا ..لا تصرخي
حتى لا يسمعوك …لا لن يأت الموت بعد …نعم سأهرب منه ..
ها أنذا أهرب منه …
( يخرج س1 مسرعا…)
المشهد الرابع
غرفة / مكتبة
(يدخل س2 وهو يتحدث بالهاتف ..)
س2 :نعم زوجتي لقد عبرت الموت ، لكن لتعلمي أن الكثير ماتوا هكذا
بدون سبب…كما تشائين…لم أزل أبحث ..نعم؟؟…لا ..الكلمات
لا تنتهي. أريد أن أفعل ذلك بنفسي …طيب.. لتتأكد أيامي أنني
عشت عمري مثلما أنا أريد …لا عزيزتي…أسمعيني أذا كنا
سنموت فلنمت معا .
( طرق على الباب ..)
معذرة هناك من يطرق بابنا…مع السلامة
(س2 يغلق الهاتف ويذهب الى خارج المسرح..)
يدخل س1 وهو يحمل ماعون طعام …)
س1 : ما أجملنا حين نحب بعضنا البعض وتكون مائدتنا متنوعة على
مدار السنة . أنا أتذكر أن أمي نطبخ نوعا واحدا من الطعام ،
ألا أننا حينما نجلس على أمام المائدة نجد أنواعا متعددة من الطعام
الذي جاء من الجيران ..
(ينظر الى الطعام ويضحك ..)
يبدو طيبا من رائحته ..علي أن أجلب الملعقة .
( يخرج س1..
يدخل س2 وهو يحمل الملعقة …
يجلس ويبدأ في الأكل ..)
س2 :هذه المرأة جارتنا كل ما تطبخه يأتي لذيذا وطيبا …يقولون أن طعم
الأكل هو نتاج نفسية الشخص .
(ينهض وينظر الى الكتب ..)
يا أيتها الكتب من منكم شاهد كتابي أوصافه :
أبيض الخدين
يشبهني
كنا ألتقينا
على آلام سنبلة
كانت تئن من وجع
فلم أجهش ليسمعني
وظل على وجهي
صدى تعب
وصرت نايا
في لحظة شجن
كفى ..نعم كفى .هنا يجب الاكتفاء من البحث والتحول الى الكتابة
من جديد ..نعم علي الآن أن أكتب..نعم أكتب ..
( يخرج س2 مسرعا …)
المشهد الخامس
ديكورات المسرحيات
يدخل س1 مع ديكور المسرحيات مثل (النخلة والجيران
الحصار ، طنطل ، الشريعة ، البيك والسايق….)
يجلس أمام شاشة وهو يتابع بأهتمام ….
يعرض مشهد من مسرحية النخلة والجيران ( مشهد
النساء وهن يشربن الويسكي بالخطأ…)
س1 : النخلة والجيران مسرحية جميلة..هي أول مسرحية عراقية تعرض
لأكثر من شهر وبتواصل مستمر مع الجمهور الذي أحبها كثيرا .
يا للجمال ..أشعر أني بحاجة الى ما يبعث في الحياة ..
( يبدو عليه الفرح والسعادة ..يستدير بشكل مفاجيء
ويبدأ في تقديم مشهد قصير من مسرحية ماكبث ..
يبدو عليه الأرهاق والتعب وهو يتطلع لما يحيط به ..)
ها أنذا اشعر بالعطش .لقد أستعرت في جوفي نارا مضت تتاجج
اقوى فأقوى ..يا ويلي حرارتي ترتفع .من يستطيع وضع الخرقة
المبللة على جبيني الملتهب..أنت فقط أيها المسرح من يشفيني
بلمسة أو بهمسة من صوتك.أبك فأن قلبي يشتعل نارا ودموعك نجاة
روحي ، فانا رجل جعلت من أحلامي واقعا حيا
(يدور مرعوبا بعد أن بدأ الضباب بالنزول ..
يتغير الديكور ليصبح على شكل قارب يتمايل
بفعل عاصفة قوية ….)
تحركوا ..تحركوا ..لتصرخ المجاذيف من جديد ..
( يجلس ويبدأ التجذيف ..)
لترتفع المجاذيف وتنخفض بضربات خفيفة ومن ثم لتتصاعد قوية .
لم يعد الزمن معنا، علينا يا أصدقائي أعادة الزمن الى رشده ليسير
القارب ويتقدم ..هيا أيها الأصدقاء تحركوا فالضباب يغزونا وهو لا
يرحم المتقاعسين ..جذف لنزيد من سرعتك لان الضباب بدأ يبني
أعشاشه فوق رؤوسنا ..جذفوا حتى وأن كان التجذيف بوحشية لئلا
نتخلف عن الزمن ..شهيق …زفير ..نعم تارة شهيق ..وتارة زفير
ها هو الضباب أمامي..ها هو الضباب خلفي ..
(يبدو عليه التعب والأرهاق ..يمسك
شراعا ويرفعه عاليا وهو يترنح من
شدة التعب..)
أيها الشراع أستدر حيث الرياح التي تشتهي..
(يظل رافعا الشراع على الرغم من التعب
الذي تغلب عليه حتى يسقط منهكا..
الشراع يميل يسارا ويمينا.. وحين يميل بقوة
الى الجهة الأخرى البعيدة عن س1 الذي أختفى
ليظهر س2 وهو يرفع الشراع من جديد وبحيوية.. )
س2 : ها هي الأيام تستعيدني من جديد ..هاهي الليلة تأتي ، أنها الليلة
التي أكون فيها ممثلا لأصعد ولأول مرة على خشبة المسرح .
لم أنم تلك الليلة ، لأول مرة في حياتي لم أنم . فأنا لا أعرف الأرق
أبدا. كانت رغبتي جامحة لأن يأتي النهار سريعا”حتى أندفع مبكرا”
الى هناك، حيث الحياة تتجدد.
في ذلك الزمان كان كل شيء على نحو آخر . كل حبة في مكانها
تسقط وتنمو رويدا” رويدا لتقدم نفسها وقد تفتحت كالربيع ..أما اليوم
فلا يمكن تحمله ،أنه مثل الجهل قابل للزيادة .
كنت أخشى أن يستمر الليل طوال العمر ، لذا تسامرت مع الموسيقى
ومع الغناء. فالموسيقى نحن ما ننتمي اليه ..سهرت مع زهور حسين ،
ناظم الغزالي، وحيدة خليل ، القبنجي .
(يغني جزء من اغنية لناظم الغزالي..)
هي أغاني غالبا ما تحتويني كالبحر..عاريا كالورود أغني ..
( يغني لزهور حسين ..)
لكن الليل لم يزل ليلا” وأنا أدور بين الأغاني وحلم ليلتي القادمة ..
هو الفرح القادم من ظلمة الليل ..
(يذهب متنقلا” بين ديكورات المسرحيات ..)
هذا المسرح شجوني ، دموعي ، هو رأسي القادرة على أحتضان العالم
(يضحك …)
يا للهول لقد نسيت نفسي .أمامي عمل كثير وأوله تأليف الكتاب
( يخرج س2 مسرعا ..)
المشهد السادس
غرفة / مكتبة
(يدخل س1 ضمن ديكور المكتبة ..)
س1 : (مع نفسه ) لم يبق أمامي الكثير ..أسمع لا تذهب الى القبر وأنت
تحمل في داخلك أفضل ما لديك .أختر دائما أن تموت فارغا .
نعم أنا الآن في رحلة التأليف ..نعم ..كتاب واحد ، ورجل واحد
قادر على تغير العالم ..وأنا أقول مسرح واحد قادر على تغير
العالم .
( يسمع طرق على الباب من خارج المسرح. س1
يخرج..المسرح فارغا ..نسمع فقط صوت س2 ..)
س2 : شكرا صديقي حسين ..فكرة جيدة ..حسنا سأقرأ النص..
(يدخل س2 وهو يحمل نصا مسرحيا يتفحصه
ويبدو علية الفرح ..يجلس مواصلا القراءة ..)
جميل ..طريقة جديدة ..
( ينهض وهو يواصل القراءة بشغف كبير..
يقلب الصفحات بشكل سريع ..سعيد وهو ينتقل
من مكان لآخر … يرن الهاتف ..)
شكرا صديقي حسين ..نص متماسك..فقط الشعر يحتاج الى تعديل
حتى استطيع غنائه بدلا من الألقاء وكسرا للرتابة …لا اقصد النص
دعني أوضح الأمر .
( يخرج مسرعا خارج المسرح ويعود سريعا
وهو يحمل آلة العود… في هذه الأثناء هو
مستمرا بالقاء حواره …)
كنت أتمنى أن تسمع اللحن وأنت ضيفي في المنزل ..
(يبدأ العزف والغناء …
الغناء والعزف هنا يتطابق مع أمكانية الممثل ..)
طيب ..كما تريد ..سأحاول أن أتمرن لحين تحقيق اللقاء ..الآن
أستميحك العذر فانا ذاهب لتحضير مستلزمات الشخصية .
(يخرج مسرعا…
المشهد السابع
السيرك
يتغير الديكور متحولا الى مايشبه السيرك
ارجوحة طويلة ممتدة في وسط المسرح
يدخل س1 مرتديا ملابس مهرج وهو
يقطع المسرح ذهابا وايابا ، يصعد على
الارجوحة سعيدا …)
س1 : أنا روحي تحترق ، ألا أني معك أخي المسرح . أنا اعلم أن
العاشقين هم وحدهم الذين يصلونك ، هم وحدهم يتدثرون بقبلاتك
( س1 ينزل من الأرجوحة …)
هنا يجب وضع بعض الاشياء..نعم .يتوجب جلبها..
( يدخل س2 وهو يحمل بعض من الاشياء
من الجهة التي خرج منها س1
وهو يرتدي ملابس المهرج …)
س2 : أخي المسرح أنت الوحيد الذي يستطيع الخروج بنا خارج أنفسنا ،
لأنك جعلت للحياة معنى .أنا أحبك ..نعم أحبك وأثق فيك أخي المسرح
فأنت لغة الناس ومشاعرهم وأحاسيسهم .كم أتمنى أن يستمر العرض
طوال العمر ، ليصبح المسرح كل الحياة وكل الموت .معك يحلو
السمر . كم غنينا ، وكم أحتوتنا الأغاني كالبحر ..
(ينظر الى أحد جوانب المسرح..)
لا يا صديقي لا تغير مكان الاشياء ، لكل شيء مكانه
( س2 يخرج مسرعا..
يدخل س1 وهو يدندن بلحن جميل ..)
س1 :نعم هو الفرح القادم من ظلمة الليل . أجمل شيء هو أن تموت
والغناء في فمك .. أيها المسرح دعني أتفيأ بظلالك الوارفة .
ها هي أشجارك تنمو باسقات ، أشجار زرعتها الأجيال
السابقة .كنت على خطأ حينما فكرت بكتابة مقدمة .نعم ..كنت على
خطأ ، لأن المقدمة كتبت قبل مائة عام ، كتبها من وضع
الخطوة الأولى .وكيف ما جاءت علينا تقبلها لأن قدومها كالقدر
وصمتها مطر .أنها خطوة صعبة كمن يغرس الأعشاب في
الرخام وينتظر نموها .
(يسير فرحا وهو يدندن بأغنية …
يتوقف فجأة بعد أن يسمع طنين ذباب
قوي جدا ..يبدو مرعوبا ومشدوها من هذا
الصوت الرهيب…يصرخ بقوة …)
يا للهول .. الذباب يغزونا..أنها تتكاثرون كالفساد ، كالجهل..
ها هي مجموعة كبيرة فاسدة
(يجري وهو يضرب الذباب بقوة ..)
يجب القضاء على الذباب وعلى من يحافظ على الذباب ، فهو
يفسد العقل والفكر ، هو يدمر الذوق .أيها الذباب الملعون
سأطاردك مدى العمر. أقتلوا الذباب فهو يفسد الأبرياء .
اذا أردت معاقبة بريء فأحطه بمجموعة من المجرمين .
أنها مهمة كل الناس الذين يعشقون الجمال .
(يخرج وهو يطارد الذباب ..)
المشهد الثامن
ديكور المسرحيات
يدخل س2 بذات ملابس المشهد الأول
يبدو عليه الارتياح والفرح…)
س2 : ها هو الفرح يتحقق أيها الجمهور الكريم.لقد قدمنا مسرحيتنا
ليلة أمس ، وها نحن نستعد لعرض الليلة .لقد صفق لنا الجمهور
كما نحن صفقنا له ،أنه الحب المتبادل بيننا .فلا مسرح بلا حب
الجمهور ، ولا جمهور بلا حب المسرح.ها انا أعلن أنني عشت
عمري كما أريد .
( يتجول فرحا داخل المسرح ويبدأ
في ترتيب بعض من الأشياء في
الديكور….)
مزيدا من الضوء ..الأضاءة يجب أن تؤدي دورها كما هو الحال
مع الديكور والأزياء، لنهتم بالحركة والفعل ، فعلينا تقديم ما يليق
بالمسرح والجمهور ..
(يرن الهاتف …)
ماذا تقول !!؟؟ العرض يتوقف !! هذا أمر جنوني …من أجل
مؤتمر سياسي طاريء يتأجل عرض مسرحي ؟؟ أي تجاوز
هذا على حقوقنا . لا يا صديقي لا تنحني أمام الأزمة .هذا
اعتداء صارخ .نعم أعرف أن المسرح حكومي لكننا لدينا
حجز مسبق وقد جاءنا الجمهور أمس .لا ..السياسة ليست
أهم من المسرح ..أنا سأعرض المسرحية هذه الليلة ..
(يخرج س2 غاضبا …
يدخل س1 بذات ملابس المشهد الأول
ألا أنه يرتدي قناع الباكي..وهو يحمل
مايكريفون ويصعد فوق مرتفع مخاطبا
الجمهور بطريقة تحريضية …)
س1 : أيها الأصدقاء الأعزاء لقد دعوناكم لهذا المؤتمر الصحفي
لنعلن أننا ضد كل ألغاء أو تهميش .نحن أصحاب حق لأننا حجزنا
المسرح بشكل أصولي ولمدة عشرة أيام ، لم ينقض منها ألا يوم
واحد .أن منح الحرية قولا لا يساوي شيئا أمام سلب الارادة
وتجاهل المطاليب ..لذا نعلن احتجاجنا الكامل ..
(تنقطع الكهرباء فيعم الظلام في المسرح ..)
ما هاب قلبي سطوة لمنازل ……لكني من تافه أتهيب
أي ليل هذا الذي يقتل فينا المودة والسلام ..أي ليل هذا الذي
يوقظ فينا الكراهية والعداء ..لا يعقينا قطع الكهرباء عنها ،
فقلوبنا ضياء ..
( تعود الكهرباء فيعم الضوء المسرح..)
نلاحظ س2 قد أخذ موقع ومكان س1 وهو
يرتدي قناع الضاحك …)
س2 : أيها الناس ..يا محبي المسرح عليكم بالتضامن معنا من أجل أن
يستمر عرض مسرحيتنا ..أيها الناس أن ما نتعرض له سابقة
خطيرة وعلينا التصدي لها بكل عزم واصرار ..أيها الفنانون ..
أيها المسرحيون نحن الآن نتعرض لهجمة منظمة هدفها تحطيم
أرادتنا وسلب حقوقنا . فنحن منذ أكثر من عقد من الزمن نعاني
الكثير من الخسارات والنكوص، لذا يتوجب علينا رفع أصواتنا
مطالبين بكامل الحقوق والواجبات ، فنحن أصحاب رسالة علينا
أداءها بكل صدق وأخلاص ..
(يعم الظلام في المسرح..
بقعة ضوئية صغيرة تسقط على وجه س1 وهو
يتقدم من عمق المسرح الى الأمام بأتجاه الجمهور .
وهو يضع على وجهه قناع الباكي حاملا لافته…
بقعة ضوئية صغيرة تسقط على وجه س2وهو
يتقدم من عمق المسرح الى الأمام بأتجاه الجمهور
وهو يضع قناع الضاحك ..
حين يلتقيان يمسك كل منهما بطرف اللافته .
س1 يمسك بطرف الافته ويتحرك نحو اليسار
س2 يمسك بطرف الافته ويتحرك نحو اليمين
تنفتح اللافته فنرى مرسوما عليها نصب الحرية
لجواد سليم..
الاثنان : سنعرض ونكتب تحت هذا النصب العظيم …
22 / 6 /2018