الأكاديمي العراقي د. جبار خماط حسن.. يكتب: المسرح وافق التغيير

المسرح نيوز ـ العراق| د. جبار خماط حسن*
مسرحي أكاديمي ومؤسس العيادة المسرحية
ـ
يتطور التاريخ بالإرادة البشرية التي تعطي للأسباب المادية والفكرية جدوى التغيير ، فما يمكن تسميته تاريخا ليس سجلا ميتا للوقائع القديمة ، بل هو حراك جدلي في وعي الإنسان بين ماكان وماهو كائن وما ينبغي أن يكون ، هذا الجدل لا ينتهي لأنه مرتبط بوعي الإنسان وقدراته العقلية التي لا تميل إلى الثبات والنمطي ، بل يسعى جاهدا إلى التطوير وتعديل السلوك الى ما هو افضل ،
لذا قراءة الإنسان للوجود في لحظة الحس والتفكير هو تاريخ مجرد ، وقدراته الوجود والآخر في لحظة التعبير هو تاريخ مدون ، قد يكون شفاهيا أو مكتوبا أو محظ صورة أو شريط فلمي .. ان الفن اكثر درجات التاريخ إبداعا لأنه لا يعود ويتجمد في الوقائع ، بل هو تدوير للوقائع على نحو جديد يسمح لنا بتغيير علاقتنا النمطية بالوجود والإنسان . إن فتيل الدراما حين تكون الضرورة لها متواجدة ، واليقين فيها متوفر ، والسعى نحوها متحقق ، فلا نكتب لتجاوز الممل أو اليأس فقط ، بل نكتب للتنوير والتغيير ،
فلا خير يرتجى من دراما هي ثرثرة فارغة من المعنى ولا خير في عرض مسرحي لا يحرك ساكنا فكريا أو اجتماعيا أو نفسيا لدى الجمهور ! فالأمم التي نشأت فيها الدراما والمسرح لا تؤمن بالكم من المؤلفين والمخرجين ولا تدرس الفنون لكل من هب ودب ، بل تؤمن أن الفنون عامة والمسرح بخاصة ، مران حضاري يتطور بالممارسة الجمالية والتدريب النوعي على بناء للذوق الاجتماعي المستقر ، تجد لديهم الفنانين المبدعين على عدد الاصابع والمهرجانات ايضا ، لكنهم يضعون كل الإمكانات المادية والمعنوية لتنمية قدرات ونتاجات أولئك المبدعين ، حتى يتحولوا الى علامات ثقافية عالمية ممكن إستثمارها في سوق العمل الثقافي العالمي .
اما نحن في بلداننا العربية ، ما اكثر المهرجانات وما أكثر العاملين في الحقل المسرحي ، تراهم في كل واد يهيمون ، يعملون معزولين عن الحراك الاجتماعي وكيفية تطويره . ولذلك ضعفت رسائل التنوير وقلت مبادرات التغيير ، وتقهقرت محاولات الابداع والتعبير ، وكثرت قرصنة التجارب العالمية المتوفرة على مواقع الانترنت ! طبعا لا يمكن التعميم ، لان في وطننا العربي توجد اسماء وتجارب مهمة لو استثمرت في خارطة طريق إبداعية ، وتحييد وعزل الطارى من أشباه المسرحيين ، قطعا سنصل إلى بر العمل الثقافي المستقر والنوعي الذي فيه بعد التغيير الحضاري واضح المعالم واثاره النفسية والاجتماعية والفكرية واضحة على سلوك المجتمعات الإيجابي .
إن المسرح الذي يتنفس شهيق الحرية المشروطة باحترام الإنسان ، بعيش بيئة إبداعية مناسبة لافكارة وتكون تجربته ، مشروعا للتغيير الإيجابي ، وهذا ما فعله , أولئك القلائل الذين رسموا طريق المجد بين الناس اولا ثم أعطوا نافذة امل لمستقبل أكثر جدوى للتواصل والتفاعل ، فالخلود يكون نسبيا ء اذا اقترن بالعادي من السلوك ، أما إذا كان القرين إبداعا فريدا في عقد الزمان ، فإنه باق ما بقي ليل ونهار الطاقة المبدعة .. من انت ؟ كن انت دوما ولا تكن غيرك ، من عاش وعنقه مغلولة بالآخر ، لم يكن مع الحرية رفيق ، ولم يكن للتميز دليل، ولم يكن للابداع قرين ..
حين تكون مسرحيا ، ينبغي أن تكون بوصلتك تتحرك نحو الآخرين بمسافة واحدة من الدهشة ، عدا هذا فإنك من الساعين الى المألوف والعادي . إذ .كلما زادت طاقة التفكير العملي والنفعي كلما نقص منسوب التفكير بالوجدان الذي هو خطاب يصل إلى الذات من دون برهان ، فالفن معمار جمالي يصعد في درجاته الى رسالة مضمونها اننا في خلية اجتماعية واحدة ، نواتها الايمان بالاخر ، ومحيطها تدعيم السلام وحدودها الاعتقاد بأن الجمال الفني شراكة مستدامة ما بين الصانع المبدع / الفنان والجمهور الذي يفكر دوما بالجودة الجمالية التي تصل به نحو مستقبل ٱت ، خال من التشويه والعنف الصوتي والبصري . لا يمكن لنا أن نرسم خارطة طريق فاعلة لمسرحنا ، ما دامت المؤسسات الحكومية وغير الحكومية تعمل باستراتيجية تقليدية للتطوير والتنمية ، فما أحوجنا الى مشروع شركة حوارية ما بين المؤسسات العربية ذات العلاقة بالمسرح ، لوضع علامات تدل على. النجاح في التأثير والتحول في الذائقة المجتمعية من السلبي الى الايجابي .
ولا يمكن للتغيير الإيجابي والتطوير للفن ، ان يعيش في كرامة التواجد والتواصل والتأثير ، ولائحة الاتهام الباطله تلوح في وجهه ؟! ، وهراوة الافكار المفبولة من غيرها ، تكسر ظهره وتجعله عاجزا عن الحركة ، هذا جائز وذاك ممنوع وتلك من الاحوط تركها ، وما بين هذا وذاك يترنح الفن النبيل بانتظار من ينقذه . انقذوا عمنا المسرح من الطارئين البواقين الزاحفبن الرابتين على أكتاف الفشل الفني ! كونوا أحرارا في فنكم ، اعملوا بصمت فسيرى الجمهور منجزكم ويشير لكم بالاحترام والاعتزاز .. الفن اعتقاد وضرورة وحاجة وجودية يصنعها الافذاذ من البشر ولهذا هم معدودون ، فلا تجعلوا أمامهم اسوار الممنوع الذي ينتج فنونا وعظية ، جبينها مختوم بالنفاق الفني ، ويجعل من الغث سمينا ، ومن العادي مميزا ، ومن المألوف إبداعا .وتلك إن المصائب !!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock