حوارات

الفنان د. محمد اسماعيل الطائي: التجريب مصطلح مخادع لم يستوعبه الكثير من الفنانين بشكل عميق وعلمي!

حاوره: الفنان بيات مرعي


المسرح نيوز ـ القاهرة| حوارات

ـ

 

حاوره: الفنان بيات مرعي يحاور

 

 

كلمة إبداعية  تختصر للقارئ سيرة الدكتور محمد اسماعيل الطائي

مثلت  (50  عرضا مسرحيا ) واخرجت( 27 عرضا) واشتركت في( 40 مؤتمر ومهرجان) وكتبت( 30 بحثا متخصصا) وطبعت( 17 كتابا) في المسرح التربوي والاخراج والنقد والتمثيل و ترجمت (3 كتب) في الدراما التعليمية ونشرت( 3 ) دواوين شعرية ومشاركات فنية في السينما والتلفزيون والاذاعة وناقشت عددا من رسائل الماجستير والدكتوراه و درست لمدة (40)عاما حاصل جمع كل هذا دكتور محمد اسماعيل الطائي

ما هو تاريخ ودور المسرح في حياة الشعوب  ؟

للمسرح دور كبير في حياه الشعوب والامم المتحضره ولا يمكن حصر الاجابة باسطر بسيطة تلم بحركة المسرح نصا واخراجا وانتاجا وتاثيرا و تلقيا منذ انطلاقته الاولى لكن له حضوره الفاعل وتاثيره الواضح وتغلغله في البنيه الاجتماعيه لمعظم الشعوب حتى اصبح بناءا عضويا لا ينفك عن النسيج الثقافي العام وانه اشد تاثيرا وفاعليه من الفعاليات الثقافيه الاخرى في رصد الواقع ونقده وتغييره وتنبيه المتلقي الى دوره الفاعل في التلقي والمشاركه والتغيير والامثله لا تعد عبر تاريخه وابرزها الثوره الفرنسيه التي كانت انطلاقتها وشرارتها الاولى من خلال عرض (زواج فيجارو ) لبومارشيه .

 

عن ان انكسار  المسرح الجامعي :ً الواقع والآفاق؟ هل يمٌكن أن نتحدث عن ازدهار ام

 

المسرح الجامعي هو امتداد للانشطه المسرحيه في المراحل الدراسيه الاولى وهو متنفس للطاقات والامكانيات الفنيه للشباب وله حضوره وفعاليته ومهرجاناته السنويه سواء في العراق او في الوطن العربي والعالم لكنه بدا بالانحسار مع تاسيس كليات الفنون واقتصار دوره وفاعليته في تلك الكليات هذا الكلام في العراق اما في البلدان الاخرى بقي حيويا ومؤثرا وتقام له المباريات الفنيه والمواسم والمشاركات واستقطاب الهواة من الشباب الغير متخصصين في العلوم المسرحيه وطالما ذكرنا المسؤولين بضرورة وجود فنان مسرحي في  كل كليه غير متخصصه في عموم الجامعات لمتابعه النشاط المسرحي واكتشاف المواهب الفنيه اسوة بالأنشطة الرياضية والعلمية الاخرى التي تمارس  من قبل طلبه الجامعات و لا يقتصر دوره على نتاجات كليات الفنون وطلبتها واساتذتها لان المسرح الجامعي وجد لغيرهم

هل التجريبٌ يقوم على فلسفة جمالية ؟ فإذا كان التجر يبٌ في أوربا متزامنا

مع ثورات فلسفية ، اجتماعية ، فكرية … ماذا عن واقع التجريبٌ عندنا؟ علما بأن تلك الثورات غائبة عن عالمنا العربي

التجريب مصطلح مخادع لم يفهم من قبل الكثير من الفنانين بشكل عميق وعلمي فمن. المجرب؟ ولماذا التجريب ؟  فهل يحق لكل فنان مسرحي لا يمتلك تجربه كبيره في التأليف والاخراج وفهم لأليات التلقي والتأثير ان يجرب هل هو نزوه فرديه ام تخبط عشوائي ولملمة رؤى ومشاهدات مسرحيه ليكون لنا كائنا كسيحا اشبه ب(فرنكشتاين) ويقول انا مجرب ! وهنا لا بد لي من الاستشهاد بأمثله عبر تاريخ الابداع والمبدعين الذين غيروا وجه الكوكب بإبداعهم وتجريبهم كل في ميدانه فنيوتن وسقوط التفاحة لم تكن وليدة اللحظة ليكتشف لنا قانون (الجاذبية) واينشتاين و قانون (النسبية) وكل منهما(حفر وجرب) عميقا بنفس الميدان لعقود طويله ثم خرج وقال (وجدتها) وهكذا في الميادين العلمية والإبداعية الاخرى ولو حصرنا الأمثلة في المسرح فها هو (.سوفوكليس ، ولوب دي فيجا وكالدروني وشكسبير وموليير وراسين وغوته وأبسن وبوشكين..)جربوا في النص وما ذكر اسمائهم هنا الا شهاده واعترافا بإبداعهم الخالد اما الاخراج و منظريه فها هو (الدوق وفلسفته ورؤيته. لفن الاخراج ، وبريشت ونظريته في التأليف والاخراج ،وستانسلافسكي وتجربته في التمثيل ،وباربا في الانثربولوجيا والجسد، وبيتر بروك وتنظيراته في الفضاء واسلوب التمثيل والتلقي واريان منوشكين وتجربة مسرح الشمس الخ..) والتجريب

عادة ما يتم في احد مكونات العرض أو بعضها وهي (النص، التمثيل، المكان ،الزمان، الاخراج…… وهي ثلاثة عشر عنصر على حد قول ياكوبسن…………

بعد هذه الأمثلة استطيع

القول لا يحق التجريب للفنان الا بعد مجموعه من التجارب بنفس الاتجاه والرؤيه الفنيه مثل (صلاح القصب ومسرح الصوره ، وقاسم محمد والاحتفاليه ، وعقيل مهدي والمسرح الوثائقي وغيرهم من الفنانين العرب .

 

ما الذي يغٌريك في تجربة الإخراج؟ وما طبيعة الإخراج الذي يشد اهتمامك ؟بعبارة أخرى: أتفضل أن تكون مخرجا مؤلفا أم مخرجا منفذا أم مخرجا معدا أم مخرحا مبدعا؟

الاخراج حسب فهمي وقراءتي وتجربتي هو اقتطاع جزء من الحضاره الانسانيه واعادة تشكيلها على وفق رؤيه فلسفيه عميقة وشامله مع استحضار عدة التشكيل بدا باللغة وانتهاء بالمتلقي والعناصر الثلاثه عشر بينهما السابق ذكرها فانا اتكامل في الاخراج ذهنيا وفلسفيا فضلا عن القدره في القياده الفنيه والاطلاع الواسع والثقافه الشاملة والتاثير في الشباب والقدره على توريطهم في العمليه الابداعيه وتحفيزهم والنهوض معهم في صياغه (تجربه ابداعيه) لها حضور وتاثير وامتداد في الزمان والمكان وبما اني اعمل دائما مع طلبة وهواة يتلمسوا خطواتهم الاولى في الفن فعادة ما اكون مفسرا ومعدا ومجربا واسعى دائما ان اكون مبدعا متفردا لا اتماهى مع التجارب الإبداعية الاخرى اي كان مصدرها رغم اني اطلعت عليها لكني اسعى لتغيبها في اثناء العمليه الابداعيه لان الفن هو القدرة على اخفاء الفن ،

توزعت تجربتي الإخراجية على ثلاث محاور منذ انطلاقتها في مسرحية الصخرة لفؤاد التكرلي عام (1986) وامتدت حتى اللحظة الراهنة ، فالمحور الأول (التجريبي او الاحترافي) الذي بدأته بمسرحية  الصخرة واستمر (لعبة النهاية ، الحمقري ، كان كان العوام ، ليس لدى الصباغين ذكريات ، اسرق اقل رجاء ، نديم شهريار ، فئران ومطابع ، امادو) لمؤلفين أجانب وعرب ومحليين ، وكنت أعنى باختيار النص الملفت والحداثي وغير المحروث قبلي ، والذي يحمل ثيم وافكار ومضامين تعبر عن راهني وعصري ومجتمعي ، وكنت ميالاً الى النصوص التي تحمل نكهة غريبة مثل الكوميديا السوداء أو الانتقادية ، أو نص موغل في اللامعقول مثل لعبة النهاية او نصوص (داريوفو) المستمدة من (الكوميديا دي لارتي) أونص يمتاز بالطرح الجديد مثل (نديم شهريار) أو نص يحلق بالرمز والتجريد (كفئران ومطابع).

أما معالجاتي الإخراجية لتلك النصوص فكانت  تنحو إلى الاختزال والتكثيف لتتوافق مع مهارات وقدرات الطلبة (الممثلين) محاولاً تفجيرها وصقلها ونحت الكاركتر المناسب لها ، وتأثيث فضاءات تلاءم تلك الرؤى واعتماد مفردات مركزية داخل العرض يمكن تعبئتها بدلالات رمزية متعددة في كل عرض.

إن اغلب عروضي اعتمدت على الطلبة وهم في تجاربهم الأولى في التمثيل مما يتطلب جهداً استثنائياً في التدريب والصقل والتوجيه لكي يتمكن الطالب من الأداء والانطلاق في دوره ، وقلما أسعفتني التقنيات الفنية في تحقيق رؤيتي الجمالية وذلك لفقرها الدائم وقلة المختصين في التصميم والتنفيذ.

أما المحور الثاني في (عروض المونودراما) التي بدأتها مع (حلم في فنجان) لعبد لرزاق الربيعي عام1992 ، حين قدمت العمل لاقى قبولاً وصدى لدى المتلقي واستهواني هذا النمط الفني لقدرته الفائقة في التأثير خاصة إن تصدى له ممثل أو ممثلة تمتلك قدرات أدائية عالية، فالمونودراما تمتاز بالإيجاز وعلى تحولات الشخصية المفاجئة ودائماً ما تكون تلك الشخصية تعاني من الغربة والاغتراب الذي هو جوهر المونودراما، وشخصنة الموجودات في العرض (الإكسسوار ، الهاتف ، الدمى ، … الخ) وكل ما هو مرئي ، فضلاً عن التداعي والانثيال والتشظي الذي تمر به الشخصية المونودرامية ، وهكذا توالت عروض المونودراما (أغنية الوداع ، حلم في فنجان، مجرد نفايات ، مجرد نفايات ، حلم ، سيلفي ، اللوحة الأخيرة ، الصومعة، محطات) والمونودراما ينطبق عليها المثل (ما خف نقله وغلا ثمنه) عند انتقالنا لعرضها في مدينة أخرى أو بلد آخر ، والعروض التي أخرجتها أو مثلت فيها مثل (جوف الحوت) و (سيلفي) تعبر عن محنة الإنسان في بيئته ومجتمعه وما يعانيه من قلق واضطراب وغربة –تمتد إلى المتلقي وتنطلق إلى المستقبل في رسم ملامحه فكانت ضئيلة العدد وبسيطة المستلزمات ، ودائماً كانت عناصر العرض الأخرى في مجمل تلك العروض تلعب دوراً أكثر تأثيراً فالإضاءة ليست إنارة وإنما قيمة لونية تحمل معنى معيناً وتسهم في دفع العرض بدلالة معينة إلى ذهن المتلقي ، والمؤثرات الموسيقية تكون دقيقة الاختيار وتسهم في اغناء الدلالات الفكرية والانفعالية في المونودراما ولابد من اتساقها مع الأحداث والتحولات والانتقالات التي تمر بها الشخصية المونودرامية ، وبوصف العرض منظومة لسانية ومنظومة بصرية تحتوي على شفرات جسد الممثل والموجودات ، فيتم التعامل مع المنظومتين بوصفهما مؤسسة لمجموعة من العلاقات التي تنساب في المونودراما ككل دائري يشكل مدونة تعمل على تجسيد العالم.

أما المحور الثالث (عروض المسرح التربوي) التي انطلقت بعد حصولي على شهادة لدكتوراه في الدراما التعليمية عام 2000 وقبله كانت شهادة الماجستير في المسرح المدرسي عام 1989 ولابد من تنشيط الجانب العملي في هذا الباب فكانت مسرحية (أنكيدو) لطلال حسن وللتي قدمت في ندوة حول مسرح الأطفال عام 2002 في الموصل وبدأت بالتصاعد مع افتتاح قسم التربية الفنية  (عام 2006)الذي يعنى بالمسرح المدرسي والأطفال فكانت عروض هذا المحور (أنكيدو، أشتار، الفيتامينات ، نشيط والعناصر الاربعة، المغامرة الكبرى ، المؤلف ، عهد الأخوة ، شطة في ورطة ، رحلة) واغلب المؤلفين الذين تعاملت معهم كانوا من العراقيين ، واخترت فئة الفتيان للتوجه بخطابي الفني هذه الشريحة المهملة من الاهتمام فعملت مهرجاناً (لمسرح الفتيان) قدمت فيه مسرحية (اشتار) لطلال حسن أيضاً.

وهنا المعالجة الإخراجية تكون أكثر حذراً لأنها منطقة شائكة وحساسة وعادة ما يتخلل هذه العروض رقصات وأغاني وحركات معبرة وتشكيلات جسدية وأكدت في مجمل تلك العروض على المنحى التربوي والتعليمي والأخلاقي لأنها تتوجه إلى متلقين في طور النشوء والانتقال إلى مرحلة عمرية أخرى ، وحاولت جاهداً أن أشكل فضاءات العرض بكل ما هو بسيط وفي متناول اليد ومعبر ومفردات مألوفة في تأثيث تلك الفضاءات ، وكان الممثل (الطالب) هو الأساس في التعبير عبر تقنياته الجسدية والصوتية وقدرته الحركية في تحريك الرؤية الفنية ودفع عناصر العرض وأنساقه السمعية والبصرية إلى الأمام ، فضلاً عن التقنيات المتوفرة والأزياء المعبرة والموسيقى التي شكلت عنصراً مهماً ومؤثراً في تأكيد الرؤية الإخراجية.

وكنت أسعى إلى تفعيل عناصر الإقناع والرؤى الفنية والفكرية والجمالية لكي تتضافر مع عناصر العرض السمعية والبصرية والحركية.

وقد لاقت أعمالي المسرحية منذ انطلاقتها الأولى تجاوباً من قبل الجمهور والفنانين ونقاد المسرح، فكتب النقاد والمختصين العديد من المتابعات النقدية التي أشرت إلى مواطن القوة في جوانب العروض السمعية والبصرية وأسلوب التمثيل والمعالجة الفنية، وشخصت السلبيات التي اعترت بعض العروض.

 

من  من كتاب ومخرجي المسرح في العالم قد تأثرت بهم ، ولماذا ؟

 

كثير من المؤلفين العراقيين والعرب والعالم ابرزهم(بكت)الذي أخرجت له أكثر  من نص ابرزها (لعبه النهايه) الذي اشتركت فيه في مهرجان المسرح العراقي ، استقطب حضورا لافتا في حينها وكذلك(داريوفو) الكاتب الايطالي الحائز على نوبل الذي طور فن (الكوميديا دي لارتي )وقدمه بشكل جديد ومعاصر اما العراقيين فابرزهم (طلال حسن ، ناهض الرمضاني ، حسين رحيم) وعدد من كتاب مسرح الاطفال ، وعدد من الكتاب من لم اتعامل مع نصوصهم  رغم عشقي لها وابرزهم (شكسبير، أبسن،بوشكين ،ستنبيرغ ، هارولد بنتر ) واخرين ، لكني اتاثر بالنص وما يحمله من فكره ومضمون قبل المؤلف واجد في النص ما يمثلني ويعبر عن هدفي ورسالتي الفنيه والفكريه حتى وان كان المؤلف مغمورا..

 

ماهي الثيمات التي تتناولها في محترفك المسرحي

احب ان اشيرهنا انا لي ثلاث مسارات في الاخراج وهي(المسرح التربوي والاطفال والمونودراما و المسرح المحترف) ولكل نوع خصوصيه وبنيته الفنيه والفكريه وعادة ما اختارالنص الذي يحمل مضامين وافكار مستمره ومتجدده لا تنتهي مع نهاية العرض وتمثل همي وطموحي ورسالتي التي هي رساله الى المجتمع الذي اعيش فيه والثقافه التي امثلها والهدف الذي اسعى الى تحقيقه .

 

كيف تنظر الى التجديد في المسرح : وماذا يعني لك ذلك ، وهل أنت من المجددين

 

التجديد معناه الابتكار والابداع ,وأطروحتي في الدكتوراه كانت في موضوع الابداع الذي يسكنني دائما واستطيع القول اني ابتكرت عروضا تتنفس الابداع وانتجت نصوصا شعريه منشوره فيها من الجدة. والابتكار والتفرد .ولا أتناص او أتماهى مع احد وقد اشار اليها النقاد على أني زاوجت بين عناصر المسرح وفضاءات الشعر بطريقه مبتكره ، لذا استطيع القول بملىء الفم  (أنا مجدد ومبتكر)

 

ماذا تعني لك ثنائية (الهواية _الاحتراف )

 

ثنائيه اعمل عليها الان من خلال رساله ماجستير تتناول(الهوايه والاحتراف) في عروض المسرح التربوي وبيات مرعي احد عينات الرساله ، واغلب تجربتي المسرحية كانت مع الهواة والطلبه وهم يتلمسوا  خطواتهم الاولى في الفن المسرحي الصعب والشائك والمعقد واحاول دائما ان اضعهم في المسار الفني الصحيح وقسم منهم انطلق وحصل على الدكتوراه من خلال زرعي في نفوسهم واذهانهم مكونات الفن المسرحي واساسياته واصوله الفنية والفكرية ، وخلصتهم من القلق والاضطراب  وقله الخبره والسذاجة في الاداء ، اما المحترفين فقد تعاملت معهم على صعيد التمثيل والاخراج في المسرح والسينما والتلفزيون ، واعلم جيدا ما يريدون ونزق  البعض منهم وتعاليه…. وكثير من الهواة الجادين تحولوا الى محترفين يشار اليهم .

 

الحركة المسرحية والمهرجانات : أي حصيلة ؟

 

كثافه في مهرجانات افقدها النكهه والاصاله والديمومه فضلا عن عدم التاسيس والاضافه لمسيره الابداع و يسعى اليها عبر وسائل وطرق غير نزيهه وتحولت الى لقاءات مفبركة وجلسات نقديه في كثير منها يسودها الانطباعات الصحفية  والاخوانيات والمجاملات و عدم التخصص والمهرجانات لا يحضرها الان سوى المشاركين فيها بعيدا عن الجمهور ولم تفرز لنا اتجاها فنيا جديدا او حركه مسرحيه تبلورت عبرها ومن خلالها

 

ما الذي يغريك في تجربة الاعمال المسرحية المدرسية ، وما طبيعة الاعمال التي تشد اهتمامك؟

 

هذا السؤال في صلب التخصص لان رسالتي في الماجستير كانت حول المسرح المدرسي (التربوي) والدكتوراه في (الدراما التعليميه) وانتجت (عشره كتب) في هذا الميدان ثلاث منها مترجم عن الإنكليزية وهي (تدريس الدراما ،.النمو من خلال الدراما ، والتعلم من خلال دراما ) و (عشره عروض مسرحيه تربويه وللاطفال) و (ثلاثه عشر) مهرجان في قسم التربيه الفنيه كل مهرجان تضمن ما بين (4-5)عروض فضلا عن (ثلاثين) بحثا في كل حيثيات وجوانب التخصص (بدا بالتمثيل والاخراج والتاليف والارتجال والتلقي ومكونات النص والعرض الاخرى) وتدريس هذا التخصص لسنوات طويله (فن الكتابه لمسرح الاطفال الاخراج في المسرح المدرسي) وتقول لي ما الذي يغريك  ! وأعد الان احد اقطاب المسرح التربوي في العالم العربي على حد قول احد الباحثين المغاربة.. وكتبي ودراساتي منتشرة في عموم العراق والوطن العربي

 

مسرح الطفل ليس عرضا فقط ،هو وسيلة تفكير ووجهة نظر في العالم واسلوب حياة ،كيف يحدد الدكتور محمد اسماعيل العمل في هذا الميدان ؟

بالتأكيد مسرح الاطفال ليس نصا او عرضا فقط انما هو رساله فنيه فكريه تسهم بتنشئة الاطفال وجدانيا وذهنيا وجسديا ، وهو اخطر من المسرح المحترف ولا يجيد التعامل معه الا من يحمل روح ومحبه الاطفال والتفكير من خلالهم والاهتمام بعالمهم وتقديم الاعمال التي تسعى الى تنميه ذائقتهم الفنيه ومسرح الاطفال كيان قائم بذاته يشرف عليه ويقدمه فنانون محترفون وفرق محترفه ويجب عدم الخلط بينه وبين المسرح التربوي الذي يختصر تقديمه في المدرسه وباحتها . لذا نجد ان المهتمين والمتخصصين في هذا الميدان اقل من عدد الاصابع اليد الواحده في عموم الوطن العربي وابرزهم الكبير (طلال حسن) والرائع (عبدالله جدعان)

 

الوطن العربي بكل مشاكله الراهنة، والذي يزداد انهيارا يوما بعد يوم ،ما هي مساهمة كتاب مسرح الاطفال لإنقاذه ثقافيا ؟

لا يستطيع كتاب الاطفال انتشال الواقع الرث والمحبط الذي يسود العالم برمته فهم قله تسعى الى بلورة وفهم المسرح وتقديمه للأطفال لأجل استمتاعهم وتنميتهم (تنميه شامله) تقربهم للفن وتعرفهم لتقديره ومزاولته اما المهمه الكبرى فتقع على عاتق الثقافه بكل صنوفها واشكالها والمسرح المحترف أقدر على معالجه الازمات والكوارث الاجتماعيه والسياسيه في العالم واقدر على التاشير لذلك – لندع الاطفال جانبا يستمتعوا بارتجالاتهم العفوية .

 

تجربتك الشخصية تحديدا، هل أعطتك شيئا من الطموح ، هل وصلت الرسالة ؟

 

نعم وصلت الرساله لكني امتلك من الطاقه والطموح ما لا يمتلكه كم من الشباب ، واسعى الى ردم منجزي  السابق بمنجز اكثر جدة وابتكارا لكن ادواتي في اغلب الاحيان هشه وتخذلني في نصف المسافة فيصيبني الاحباط والتخاذل

 

الدعم المادي  أساس نجاح أي عمل ، هل بالإمكان أنتاج عمل مسرحي معاص بدون مادة ؟

 

اذا اردت مسرحا فعليك ان تصرف قرشا من جيبك قالها مايرهولد قبل قرن من الزمن وانت اشتركت في مهرجان مسرحي عنوانه (بلا انتاج) عليه نعم يمكن ان تقدم فنا بدون ماده في المسرح حصرا اما السينما فكلا والف كلا . واذا اردنا عرضا بمواصفات  تقنيه عالية وطاقات ادائيه راقيه . واخراج متقدم فلا مناص من الماده والا فلن ترى عروضا بمثل هذه المواصفات .

 

ما النصيحة التي تقدمها للعاملين في المسرح؟ وتحديدا الجيل الجديد

الايمان بما تفعله والالتزام به والتضحيه لاجله ولا فن وابداع بدون فكر وصبر ومعاناة ومطاوله .

ماذا عن الجوائز التي حصدتها، وهل تشكل عندك انطلاقة جديدة ؟

حصلت على عدد من الجوائز ولم تكن حافزا لكنها شجعتني على الاستمرار والمواصله لانها اكدت لي اني اعمل  على وفق منهج فني وفكري صحيح.

تجربتك المسرحية ، هل تهتم بالتراث العربي..ولماذا ؟

 

قلما التفت الى التراث لانها عمليه شائكه ومعقده و تثير كثيرا من التساؤلات نحن في غنى عنها فضلا على عدم قبولها واستساغتها  من قبل المتلقي المعاصر الباحث عن الخلاص الو جودي الان وهنا

 

هل تجد احساسا مختلفا  في التعامل مع الكتابة والاخراج لمسرح الاطفال ، وما هو تشخيص ذلك الاحساس

 

احساسي يختلف مع الاطفال عند تقديم تجربه لهم ترضيهم وتمنحهم السعاده فهم من يمنح كارت الدخول الى عالم الابداع الديمومه وهم من يقول لك قف اياك ان تخطو خطوه واحده والذي اقوله عن تجربة شاسعه معهم لمستها ورايتها واستطلعتها عبر البحوث والدراسات والعروض وجلب الاطفال في مهرجانات الكليه و استطلاع ارائهم ومتابعتهم في اثناء المشاهده وقياس ردود افعالهم واستجاباتهم عبر عدة بحوث مباشره ، فهم الاصدق في التعبير عن الرأي الذي لا تشوبه المحاباة والمجاملات والمغالطات ،

الطفل بالنسبة لي ارق واضعف خلق الله، الصفحة البيضاء التي نسعى دائما لتشويهها وكتابة أوهامنا ومعتقداتنا عليها، الصفحة التي لا نسمح لها بالنمو بمعزل عنا، الصفحة التي لا نقبلها إن لم تكن شبيهة بالمسخ الذي يكون شخصياتنا ، فنطبع ما نشاء من الأكاذيب والفذلكات عليها فينمو طفلنا شبيها بأكاذيبنا هكذا هو طفلنا وذلك طفلهم الذي يحاولون إن يكونوه وينمو وهو يحمل شخصيته الذاتية المتفردة ليشكل الفرد المتجدد دائما، فماذا لدينا أكثر من تلك السنوات العشرة التي بلورت شخصياتنا الطفل لدي هو القفزة من الخامسة إلى الخمسين الطفل لدي هو الخالد وما عداه أشياء ضبابية وهياكل غريزية فان لم أكن طفلاً سأكون هيكلاً عتيقا فأنا الطفل والطفل أنا.

هل المسرح رؤية فكرية شاملة، او رسالة توصيل إبداعية ،او طرح نقدي لحل اشكالات الانسان المعاصر في البحث عن الهوية والوجود ومواجهة تعقيدات الحياة ..

دلني الى عرض مسرحي عربي غير او فجر او قاد دولة او مجتمع باتجاه التغيير والانقلاب على الوضع السائد ، فاما يمنع او يوقف قبل العرض او يكون مواليا ومداجنا للسلطه ، فلا ضروره للمسرح السياسي بشكله المعروف فضلا عن ان المتلقي الان اكثر وعيا وفهما لواقعه من القائمين على مثل هذه العروض ، الاجدى ان تسعى الى الجمال الخالص والاسئله الكونيه الكبرى التي تشغل الانسان المعاصر

 

من أفضل برأيك في خلق التأثير الحسي  والذوقي لدى المتلقي ..الكتابة لمسرح الاطفال أم الكتابة للكبار

 

الكتابة للأطفال تمنحك روح المستقبل وصدق الابداع واصالته وديمومه متلقيه ، واذكر ان اطفالا شاهدوا لي عروضا وعندما شاهدوني للمرة الاولى وهم شباب الان رددوا مقاطع من تلك العروض…

 

ماهي الاعمال التي جسدتها وتعتز بها وتركت بصمة لدى المتلقي ؟

 

في المسرح المحترف

ليس للصاغين ذكريات ، لعبه النهايه ، أسرق اقل رجاء ، شهريار………الخ

في المسرح التربوي

الفيتامينات ، المغامرة الكبرى ، ايام الاسبوع ، شطه في ورطه ، نشيط والعناصر الأربعة

في المونودراما

حلم ، سيلفي ، جوف الحوت ، الصومعه ،مجرد نفايات ، اللوحة الأخيرة

ما هي أصعب المواقف الفكرية التي عصفت بك في أثناء التحضير لعمل مسرحي ؟

لا اذكر اني تعرضت الى عواصف فنيه فكريه في اثناء اختياري وانخراطي في عمل ابداعي ، وان كانت فهي تنسى بعد التحيه للجمهور

العراق قبل الاختلال ليس العراق بعده ،ما المتغيرات التي حدثت وتحدث للمسرح ، وهل من مسارات فكرية وفلسفية واضحة ؟

 

أقيم اكثر من مهرجان يدين الاحتلال والارهاب وبالتاكيد اختلفت اساليب التناول والاخراج واصبح لكل مدينه مهرجان و لكل طائفه مسرح ولكل لغه عروض و ساد الهرج والمرج وكثرت المهرجانات والكليات وتراجع الجمال والنقاء والأصالة والابداع

 

برأيك لماذا لا نرى أعمال  مسرحية للأطفال عراقية وعربية في مهرجانات عالمية خرج جغرافيتنا علما ان اللغة لم تعد عائقا بفضل وجود تقنية الترجمة الحديثة كما يحدث في الافلام..ألا يعني هذا وجود هوة بيننا  وبين الاخر..

اختلف معك هنا فقد كنت رئيس لجنه التحكيم في مهرجان الحسيني الصغير الدولي الخامس واشتركت بعرض مسرحي في المهرجان السادس ، وكثير من المهرجانات في المدن العراقيه وبعض من هذه العروض حلق الى فضاءات اخرى خارج الحدود

الاديب والشاعر الفرنسي فكتور هوغو يقول عندما تتحدث المرأة أنصت الى عينيها ، كيف تنظر الى المرأة من خلال دورها في المسرح العراقي والعربي..

بما ان المراه نصف المجتمع فهي بالتاكيد النصف الاكثر حضورا وتاثيرا في المسرح وبدونها لا وجود لمسرح حيوي  ومؤثر ( فالهم امراه ) ولا يعبر عنه بعمق سوى المرآه

البعض يقول لا نحتاج المسرح التجريبي، نحتاج ما يأخذ بالعقول ليرتقي بها من الصفر لمعالجة فعلية تناسب الواقع العربي ، فما رأيك؟

معادلة صعبة ومهمة عسيرة للفنان سواء كان مسرحيا أم غير ذلك ، من جهة اخرى الفن وجد لغايتين أساسيتين (المتعة والفكر) فلا بد من وجود المتعة ومن حق المتلقي أن يبحث عنهما ولا يمكن تجريد المنجز الفني من الفكر الرصين وألا انزلقنا نحو البساطة والتقليد والمباشرة ولا يمكن التحليق في الرمز والتجريب فينحسر المتلقين عن العرض المسرحي سوى الناقد والمختص ، بعيدا عن التشدق بتفجير الواقع وقلبه وتفجيره ، أرى أن نرتفع بذائقة المتلقي ونجره الى منطقة الفنان وحثه على التفكير النقدي بحيثيات العمل الفني والتغلغل الى بنيته الداخلية ونقده وتفكيكه والاستمتاع به

عبارة (ليس لدينا مسرح بالأصل ) يرددها الكثير من المثقفين العرب..ما أسبابها؟

فعلا لان المسرح شكل غربي مهما حاولنا تلميعه بالبيانات والمهرجانات والمؤتمرات والندوات أسوة بالأشكال الغربية الفنية الاخرى التي استوردناها ولم يتحول لحد هذه اللحظة الى بنية عضوية وحضور طقسي اجتماعي متواصل ….

هل المسرح اليوم مسرح مخرج أم مؤلف ، وكيف؟

مسرح مخرج بامتياز وتراجع المؤلف بل صرح البعض ( بموت المؤلف ) منذ سبعينات القرن الماضي ، فالإخراج الان أكثر فهما وعمقا وتلبية لحاجات المتلقي النفسية والفكرية واستقطابا للتكنلوجيا والمعلوماتية والتواصل ، والواقع التفني المعاصر، نحن نعيش الان (عصر الصورة) ونشهد تراجع الكلمة وموتها..

 

هل تشعر بالخوف وأنت تقبل على عمل مسرحي ، ولماذا؟

لم أشعر بالخوف عندما اقدم عملا فنيا انما بالقلق الايجابي ولا ينفك القلق والتحسب مستمرا معي حتى نهاية العرض وأسدال الستار وتحية الجمهور وانتظار مكافئتهم الانية المباشرة (التصفيق ) عندها يتحول المنجز الى لحظه هاربة بكل إرهاصاتها والتفكير بلحظة ممتلئة اخرى قادمة…وهكذا دواليك

اذا نظرت الى الامام والى الوراء هل هما سواء فيما تراه في المسرح الموصلي اولا والمسرح العراقي بشكل عام ، أم ماذا…

لا أحبذ أطلاق كلمة موصلي ويصري وبابلي أنما كلنا ننتمي الى المسرح العراقي وكل منا له لبنة خاصة في مسيرته وبنيته الفكرية والجمالية والمسرح العراقي الان له حضوره وتأثيره في المشهد الثقافي العراقي والعربي والعالمي والامثلة الكثيرة وكم الجوائز تؤكد ذلك .

كلمه لم تقلها من قبل..

أن نحتفي بفن كالمسرح تنظيرا وتطبيقا معناه اصطياد المجهول وغزو المستقبل واكتشاف قارات مضيئة متوهجة بالفرح والسعادة، معناه رسم افاق متشحة بالنيل والجلال والجمال والحرية ، أيها المسرح أيها الكائن الفريد المتسربل بالأحلام غير المكتشفة ، يا فضاء الكلمة المشرقة الخيرة ، من خلالك تتأسس الفضاءات الباحثة عن معنى الوجود والفلسفة والالوان ،من وحي فيضك اللامتناهي نخترق المجاهيل ونفض العتمة ونفتت البنى الديناصورية الرثة ونؤشر لعوالم مليئة بالأمل والسعادة والكرامة والخير ، أيها الرائع الممتع المسكون أبدا بالشعر والاسئلة ، يامن تتوحد فيه ومن خلاله كل العقول والرؤى  والافكار، نحن اـسرى محبتك وعذوبتك وشفافيتك ، هب لنا التألق والسمو وأمنحنا الصدق والاخلاص وأنبذ كل المتهالكين والمتصيدين في محرابك المقدس ، ستبقى دائما المنبع الصافي المتألق رغم الهجمات الشرية التي تحاول النيل من كبريائك ، فنحن نعلم أن لك أله يحميك…..باخوس!!!

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock