حوارات

المخرج المسرحي العراقي د.فاضل سوداني يعترف: النصُّ الأدبيُّ المُغَلق، ُيعمّقُ اغترابَ َنص ِّ العَرض المسرحي والحياة بالنسبة لي لعبة حلمية!


المسرح نيوز ـ القاهرة | حاوره : مروان ياسين الدليمي

ـ

تقدمة لابد منها:

هذا الحوار مع المخرج المسرحي العراقي فاضل سوداني وقد تم نشره من قبل في صحيفة الزمان الطبعة الدولية -السنة السادسة عشرة -العدد 4553- الخميس 2 رمضان 1434ه 11 تموز (يوليو)2013م .(الجزء الاول) ونعيد نشره هنا في موقع ” المسرح نيوز” لأهميته وتصديه بالتأمل والتحليل للعديد من القضايا والمفاهيم المسرحية

إلى نص الحوار:

“انا فنان وكاتب حالم ،أفهم العالم من خلال الحلم، والحياة بالنسبة لي بالرغم من قسوتها تعني لعبة حلمية،ولهذا فإن اللعب الفني هو طقس مسرحي يجب أن نعرف من خلاله كيف نحلم وكيف نحتفل به مع الجمهور .” بهذا التأطير يُفلسفُ فاضل سوداني طبيعة الحضور الذي يسعى لأن يكون عليه فعلهُ ومنجزهُ الفني والانساني، بعد رحلة طويلة من الترحال والسفر بين التجارب، توزعتها خارطة ُأمكنة ٍتفصل فيما بينها ثقافات وحضارات شاء هو أن يخوض غموضها متسلحا بأحاسيس من الدهشة والتساؤل . .مدينة العمارة العراقيةهي بداية ُمنعطف ٍفي تأمل الذات والاشياء ، وبداية ُسفر ٍطويل ٍفي طقوس ِالجسد ِوالصمتِ على رقعة الخشبة،فكانت بغداد وبيروت ودمشق وكوبنهاكن توغلا ً في متاهة البحث عن قيم الجمال التي يمكن لفضاء الدراما المسرحية ان ينثرهاعلى انقاض ماض ثقيل بثرثرته المتأكلة. . والسوداني أستاذ جامعي ومخرج وباحث أكاديمي في الفن المسرحي ، يحمل شهادة دكتوراه في الاخراج والعلوم المسرحية ،عمل مخرجا وممثلا لسنوات طويلة في العديد من المسرحيات العالمية في مختلف البلدان ،ساهم في إلقاء محاضرات ودراسات في مختلف المهرجانات المسرحية وأنتدب للمساهمة في الجامعات والمختبرات المسرحية،كتب الدراسات المسرحية في الصحف والمجلات العربية، صمم الديكور للعديد من المسرحيات،وهو يدعوالمؤلف المسرحي العربي الى كتابة النص البصري في المسرح، ويعمل على تحقيق ذلك ضمن أمكانيات مايدعوه بالبعد الرابع لفضاء العرض المسرحي، وكذلك تحقيق المسرح البصري وتطويرعمل الممثل من خلال تدريبه عن طريق الذاكرة
البصرية المُطلقة لجسد الممثل وعلاقتها بالأشياء والفضاء المسرحي ، وتحقيق ذلك مع طلبة المعاهد المسرحية والممثلين عموما من خلال اقامةالعديد من المختبرات work Shop لتدريب الممثل ، اخرج وكتب العديد من المسرحيات ، يعيش في الدنمارك منذ العام 1992 ،يعمل الان استاذا جامعيا في جامعة دهوك في اقليم كوردستان . الزمان التقت به وحاورته حول رحلته وتجربته وتساؤلاته المسرحية .
*ماهو شكل العلاقة بينك و العالم ،هل تجدها علاقة تتسم بالواقعية مع هذا الكم من الحلم الذي تغرق فيه ؟
-من الضروري أن نفهم العالم وهو في كينونته الإبداعية يعني في كينونة المخيال والحلم ، و بالقدر الذي تكون فيه هذه العلاقة حُلمية -تكون في ذات الوقت علاقة واقعية فيها الكثير من عدم التوازن ـ فالغرباء عن العالم او غير المنسجمين معه والذين لا يفهمون تعقيداته يعيشون في غربة ذاتية خالصة،وفي المقابل أن تحلم يعني أن تبدع، وبمعنى اكثر وضوحا يعني أن تكون غريبا وفي علاقة متوترةومتشنجة مع هذا الشئ الغريب الذي أسمه بالعالم ، الحلم هو أسلبة العالم المحيط الى جوهره أو تكثيف لب معناه ، أي افراغه من سطوته واختزاله بتلك المشكلة التي تهمك والتي تكون فيها ذاتا ً متجوهرة ومتجسدة في أشكال مشخصه ،والحلم يعني أيضا أسلبة للواقع ، أي ان تؤكد علاقتك مع العالم من خلال الجوهر أو لب العالم ، وأن تعرف كيف تختزله بوضوح تام من خلال الإبداع الذاتي الصرف ، وتعرف أيضا أدواتك في أن تحوله الى لوحة أو عرض مسرحي أو قصيدة ضمن شروط العملية الفنية وليس شروط الواقع ، أي حسب زمن البعد الفني وليس الزمن الواقعي ، لهذا فان العمل الفني يتحول الى واقع افتراضي بديل فنياً و في لحظة الإبداع ، أي (الآن وهنا ) ولكون الواقع هو دائما غير مقبول نتيجة لشروطه الواقعية القاسية ، لذا يحتاج الأمر الى كم هائل من الحلم من اجل تحّمل وقبول هذا الواقع ، أن تحلم هذا يعني ، ان تعيش الحياة الحقيقية مادام الواقع هو ثرثرة وليس غنى ديناميكي ،إذن الحلم هو الحياة في ديناميكيتها المستعادة ،وهناك شئ آخر وهو: لا يمكن أن يكون للحياة أي معنى إذا لم نعرف كيف نحلم وكيف نتذوقها ؟ وإذا لا نعرف كيف نعيش الحياة وهي قصيرة ،وكيف نحقق مشروعنا الحياتي ؟ فإننا سنعيش بسكون تام ،لذا، وحتى نعيش الحياة لا بد أن نتعلم كيف نحلم ، وكيف نتذوق هذا الحلم الذي يحدد العلاقة بيني وبين العالم .
الفنان المثقف
*من الطبيعي ان يشكل الفن خطورة على الانظمة القمعية لكن هل يمكن ان يشكل الفن خطورة على المجتمع في لحظة ما،أو في عمل ما ؟
-عندما يفقد الفنان حريته في معالجة مشكلاته الذاتية والمشكلات الاجتماعية بوجود النظام اللاديمقراطي يتحول الى فنان غير متفاعل أي انه يتكيف مع حاجات العنف والإستثناء ويستخدم كل طاقاته الفنية والإبداعية في التكيف لمصلحة هذا الاستثناء في الحياة ، وأيضاً يعمل على تكيف المجتمع من خلال جعل الفن والثقافة طريق غامض لفهم الحياة أو يعمد الى وضع الأسئلة المزيفه والأجوبة الجاهزة التي لا تعني أي شئ لكنها تفرض الأستثناء الطائفي أو العنفي أو لخدمة الدكتاتورية مثل هذا الوضع يهيئ الفنان غير المتفاعل الى أن يصبح داعية لبرنامج النظام الدكتاتوري أوالشمولي ( الذي يهيئ المجتمع الى حروب لا مجدية ) وتفرض على الفن والفنان أو المثقف من قبل النظام الإستثنائي ،إضافة الى ما ذكر، حالة من استغلال ثقافته وفنه لتنمية غرائزالعنف المتوحشة في روح الإنسان في مجتمع فقد قدرته على التفاعل الإنساني والتاريخي لأنه يغرق في الخرافة لدرجة تحتل الأولوية في سلوكه ، فتتحول الى ظاهرة طبيعية في مجتمعات الأنظمة الشمولية والدكتاتورية والطائفية ،ويسبغ هذا المثقف على مثاله السياسي ( الدكتاتور ، الطاغية ،القائد ، الأب الروحي ، وشيخ الخرافة … الخ ) صفات الرسل والقديسين ، من هذا المنطلق فان المثقف أو الفنان غير المتفاعل يبني ذاته هامشيا ، انه توريط الذات ـالمثقفة والذات الجماعية المتكيفة ـ في الالتزام بالوعي المشوه والخرافة من خلال فنه ، مثل هذا المثقف ـ الفنان هو جزء لا ينفصل عن النظام الدكتاتوري الشمولي أو النظام الطائفي المتسلط مما يجعله هذا مساهما دائما في تزييف حقائق الواقع المعاصر والحقائق التاريخية ، فيصل الى مرحلة الإتكالية الفكرية ، ويصبح المثقف الابن المدلل ، يمنحه الدكتاتور المكرمات والهبات ويمنحه شيخ الخرافة البركات ، ولكن في ذات الوقت يحرمانه الحق في التفكير واتخاذ القرارات الفكرية الخاصة لان القائد ـ الدكتاتور او القائد الطائفي هو الذي يفكر ويخطط بدلا عنه وعن المجتمع والأمة ،فيتحول الفنان غير المتفاعل إلى منفذ فقط ،وبما أن الدكتاتورية أو النظام الإستثنائي او النظام الشمولي بحالة دائمة من التطور السلبي تحتاج هذه الانظمة الى ذلك المثقف الذي يغذي ويشيع هيكلة وأساليب الفاشية التي سيتبناها النظام ، فليس كافيا أن يكون مثقفا متكيفا مع برامجه الثقافية فقط ، وإنما يطالبه النظام ان يساهم في المتغيرات المنهجية الجديدة في سياسته وان يكون محركها الفكري ، وهذا يفرض على المثقف ان يلتزم المفهوم الفاشي في الثقافة روحا وممارسة تخدعه حجج مختلفة مغلفة بدوافع ديمقراطية زائفة ، فيتم التمسك بها كأسلوب للتدجين ، سيباركه النظام الاستثنائي وسيبرره المثقف المتكيف إعلاميا،ومن هنا يشكل العمل الفني أو الأبداعي خطورة على الفنان أو المثقف وعلى المجتمع عموماً .
*”الحرية هذه الكلمة الحلوة “. جاءت هذه العبارة عنوانا لأحد الافلام الاسبانية في يوم ما من سبعينيات القرن الماضي. هل تذوقت طعم الحرية ؟ واين تجدها حاضرة معك بقوة ووضوح ؟
-ليس هنلك حرية بالمعنى الحقيقي ، لكن عندما أتأمل أو أكتب نصا شعريا او مسرحياً، اشعر بانني أحلم بحرية شبه متكاملة، لأنني أنا الذي أقرر وارسم وأبدع العالم الذي أريد أن أقدمه أمام الآخر ولكن كابوس المحضورات هو الذي يفقد الكائن تكامله الإنساني وبالتالي يفقد معنى الحرية كوجود مكثف للكائن ، نعم الحرية هي وجود مكثف للاشياء المهملة والملغاة أيضا والضرورية للإنسان والتي يطمح في الحصول عليها لكنها في النأي الحلمي ، فالحرمان من ممارسة الوجود الحقيقي للذات هو إلغاء للحرية ، الكتابة الإبداعية البصرية هي الحلم وفيها تصل الحرية الى أقصى درجاتها ، حيث عندما تقرأ رؤيتك في كتاب او عندما ترى أفكارك في فضاء المسرح او عندما تواجه الجمهور وأنت تمثل وسط فضاء المسرح الحلمي بألتاكيد ستكون حرا ، ففي اللحظة التي تعرف فيها كيف تتذوق الحياة عندها فقط تعرف كيف تتذوق الحرية ، ولهذا فان تذوق الحرية الإبداعية يبدأ في لحظة تطور مراحل انجاز القصيدة او النص او الرؤيا الإخراجية وعندما يكتمل هذا الإبداع تشعر بأنك حراً، الحرية المزيفة في عالمنا عموما هي رؤيا غير مكتملة وتصورٌ خطر ، وعلى المبدع أ ن يجعلها تتكامل من خلال الإبداع، فيها فقط يصبح الإنسان حرا وعليه ان يحتضنها كجمرة تشتعل في الروح والقلب حتى يمارس حريته تماما ً، بدونها لا يتكامل الإنسان ، وبدون الإبداع الحقيقي لا تتكامل الحرية أبدا،وهذاهو حقيقة التكامل بين الحرية والإبداع ،الحرية هي لحظة الشعور بالديمومة والانتصار الأبدي على الظلم والحيف والتهميش والعدم وحتى عبث الموت، قد يبدو كلامي فيه الكثير من القسوة لكن واقع الحال في عالمنا عموما يؤكد بان الإنسان لم يصل الى الحرية الحقيقية ، ففي العالم المتطور بالرغم من أنه يمارس الحرية إلا أنها حرية يتحكم فيها الرأسمال العالمي والبزنس، أما في مجتمعاتنا المتخلفة فإن الذي يتحكم فيها هو الخرافة والأمراض الأجتماعية والفكرية الأخرى ، تصوَّر كنتُ فرِحا جدا وشعرت بطعم الحرية عندما خرجت في الدنمارك لآول مرة في حياتي بتظاهرة مع ابنتي التي كانت بعمر 9 سنوات للمطالبة بحقوق ترفيهية إضافية لطلبة المدارس، حزنت لأنني كنت اريد أن يكون هذا في العراق ، ولكن هل هذا شعور ساذج بالحرية أم أنه إمتلاء حر ؟
حرية اللعب
*اللعبة المسرحية حاضرة بوضوح تام في طقسك المسرحي الذي تكتبه وتنشئه ، لماذا هذا الاصرار على استثمار هذه الآلية في بناء عرضك المسرحي ؟
-من خلال اللعب أوالإيهام يمكن للإنسان أن يرجع الى مرحلة الطفوله حيث الحرية والحلم وقد يبدو العالم لعبة في متناول يد الطفولة ـ أنْ تحلم بخيال طفولي يعني أن تبدع بحرية بدون قيود ، وهذا يعني أن تضع العالم على راحة اليد وتسير مفتوناً به الى أقصى درجات اللعب والحلم ـ وليس هنالك أي فارق كبير بين مكونات الإبداع الثلاث اللعب الحلم والعرض (عرض الحلم سواء على شكل مسرح او لوحة تشكيلية او موسيقى أو قصيدة أو رواية أو أي وسيلة إبداعية أخرى ) وهذا هو نوع من تكامل وجودي ـ إبداعي فيبدوالعالم بكامله لعبة حلم موسيقي أو شعري ، مسرحي أو تشكيلي ،أن تلعب يعني أن تشعر بأنك حر ،وعندما أستخِدم ُ وسيلة اللعب وآلية الحلم في نصيِّ المسرحي أو رؤيتي الإخراجية يحدث نوع من ممارستي لأقصى درجات الحرية مما يدفعني الى أن أجعل من الجمهور قريبا من العرض وفضاء اللعب ، وبالتالي أخلق شئ من ديناميكية العلاقة بين فضاء العرض وصالة المتفاعلين (المشاهدين) ،انا فنان وكاتب حالم وافهم العالم من خلال هذا الحلم ، والحياة بالنسبة لي بالرغم من قسوتها تعني لعبة حلمية ولهذا فان اللعب الفني هو طقس مسرحي يجب أن نعرف من خلاله كيف نحلم وكيف نحتفل به مع الجمهور .
*الصمت يشكل ثيمة وقيمة فنية في العمل الدرامي ،انت من خلال الاندفاع التام نحو العمل المسرحي هل تهرب من الصمت أم تسعى لاكتشاف ماتخبئه لغة الصمت من جُملٍ لايرقى اليها الصوت والضجيج والفوضى في التعبير ؟
-ليس هنالك صمت بالمعنى الواقعي داخل الفنان وانما هو موسيقى ديناميكية تضج في روح المبدع وتعبر عن جوهر العلاقة بين الذات و العالم، فعندما تكتشف هذا الجوهر تستطيع ان تسمع الصمت أو تراه وهو لغة خاصة لها إيقاعها، فالصمت هو موسيقى الأكوان الأخرى التي لا تسمع إلا في الرؤيا الإبداعية ، الصمت هو الديناميكية وهو اشتعال الرؤيا بحركتها الداخلية فبالصمت الديناميكي نفهم ونشعر بان العالم والأشياء في ديمومتها الحركية الأبدية ، ولهذا فان الأشياء تبدو صامتة ولكن حركتها الداخلية تضج بديناميكية الترددات الإيقاعية والمعاني التي تحتاج الى استخراجها وكشفها بوضوح ،في رؤيا العمل الفني يجب اقتناص الصمت المبدع وهذا يعني إظهار الأبعاد الداخلية ــ الخفية للأشياء والكائن والعالم ،الصمت المبدع أو البصري هو تأكيد إنسانية الإنسان والأشياء ، وهو عكس فوضى العالم التي تحول القيمة الإنسانية الى ضجيج ، وما الصمت إلا إعادة هذه القيمة الإنسانية للكائن والعالم من جديد ، ومن هنا فان الصمت هو قيمة ولغة فكرية وبصرية في آن واحد ، والتزام الصمت الديناميكي المبدع هو استجلاء اللغة البصرية للتعبير عنه من خلال العمل الفني ،ومن هنا فان الصمت ليس فقط يُسمع وانما يُرى وهنا تكمن قيمة العمل الفني فكرياً وابداعياً وبصرياً ، أن تصمت في لحظة الإبداع هذا يعني أن تخلق لغة بصرية إبداعية ، أنها لغة أخرى للتعبيرعن الحياة ، ومن هنا جاءت أهمية المفردة الشكسبيرية في تأويل الصمت فآخر كلمة يقولها هاملت هي : ما تبقى هو الصمت (ثم يموت ). وبالتاكيد فان الصمت المتبقي يعني الموت بالنسبة الى هاملت لكنه يعني الحياة المتبقية أيضا ،فإذا كان الصمت يعني الحياة ، إذن يجب ان نفهم هذه الحياة من خلال قيمة الصمت وليس من خلال الضجيج ،إن اكتشاف الصمت يعني اكتشاف جوهر الحياة لهذا فان الإنسان يعتبر الصمت شئ شاق لأنه يفرض عليه التأمل والتفكير ولهذا فهو يفضل الضجيج الذي يدخله بسهولة في ضجيج العالم والثرثرة الوجودية ، ليس هناك صمت أبداً وإنما هناك حركة ودبيب متأمل تدفع جميع الأشياء أن تكون في حركة ديناميكية دائمة وأن تسمع وأن تُرى ،وكمثال سأستجلي مثل هذا الصمت في لوحة سلفادور دالي (الذاكرة ) ، في هذه اللوحة نسمع ونرى صمتاً بصريا ًحركيا ًمطلقا ً من خلال وجود ثلا ث ساعات واحدة منها يتآكلها الدود أي أنَّ الزمن مأكولا من حشرات الوجود ،وجود ثلاث ساعات هذا يعني وجوداً مكثفا ً للزمن ، ولكن هل الزمن صمت أم ضجيج ، بالتأكيد انه صمت الصمت أوجوهرالصمت مادام الأمر يتعلق بالزمن، إنه صمت متأمل ومحسوس به ، لكن الصمت هنا يتحول الى ضجيج عندما لا يشعر الكائن بالزمن مثلا هل يتحول الزمن الى ثرثرة وجودية ؟ أنا لا أعرف هذا ، هنا يتشكل وجود الزمن أما من الصمت المبدع أومن الضجيج وإيقاعه القاسي حسب التأويل، بالتأكيدأن الإيقاع هنا هو زمن صامت لكنه مرئي أي إن الصمت في العمل الإبداعي يُرى كما هو الحال مع الزمن الذي نراه وقد تحول الى إيقاع مرئي في الموسيقى، ولهذا فإننا نكتشف الصمت المبدع والديناميكي من خلال اكتشافنا للزمن والإيقاع ، لأن الصمت المبدع في العمل الفني هو موت للضجيج والفوضى ويشكل قيمة فنية عليا في العمل الإبداعي، وعندما أكتشفه ُ وأركزُعليه في العمل الإبداعي فإنني أكتشف ذاتي الإبداعية وهي في ديمومتها الوجودية المبدعة ، الصامتة المتأملة الضاجة بالإبداع .
الرؤيا البصرية للعرض
*تشكل الصورة الأساس الذي يقوم عليه معمارك المسرحي ، هل تجد ان في ذلك تعميق للمناخ الدرامي الخاص بالتجرب المسرحية وازاحة كل ماله صلة بالادب ؟ -ان الثرثرة في مؤلف النص الأدبي المغلق في المسرح تعمق اغتراب نص العرض والفضاء الإبداعي ومهمات المسرح عموما أمام المتفرج المتفاعل، لذلك فمثل النص الأدبي هو اغتراب لآنية العرض البصري وللفرجة في ذات الوقت لأنه كُتب ضمن انشغالات تهدف إلى تحديد وتركيز وهيمنة الأطر الأدبية على فضاء العرض وإهمال الوسائل البصرية وجعلها ثانوية، أو جعلها تخدم البعد التفسيري للصياغات الأدبية وثرثرة المضامين الواقعية والنفسية المقيتة، وبهذا فإن النص الأدبي المغلق هنا لا يسمح بالإمكانيات البصرية للمخرج والممثل بل يحدد أفق خيالهما،وخاصة القدرات التعبيرية للممثل التي تعتمد على إطلاق الأسرار الإبداعية لذاكرته الجسدية المطلقة (وليس لذاكرة الممثل ) والتي لا يتكامل إبداعها إلا في فضاء ديناميكية العرض البصري ، و من جانب آخر فان النص الأدبي والعرض التقليدي غير البصري يخلقان الاغتراب أيضا في وعي وروح المتفرج ولا ينسجمان مع طبيعة الحوارالذي يتم بين العرض البصري والمتفرج المتفاعل وبذلك يفقدان الاتصال فيما بينهما، إن تداعي الرؤيا البصرية للمخرج لإبراز إمكانات الأنساق التي تكّون فضاء العرض يشكل لغة تجسيدية ودلالية وتأويلية لخلق التأثير والاتصال بين خيالين، خيال المتفرج من جانب وخيال الممثل ـ وذاكرة الأشياء التي في فضاء العرض ـ والمخرج من جانب آخر. لذلك فان المعادلة في النص و العرض البصري المعاصر، تفرض أدوات ووسائل ومفردات لغة بصرية جديدة، فتختلف جوهريا عما كانت عليه في النص المسرحي الأدبي المغلق ،فالمخرج وتداعياته البصرية (مؤلف وخالق الفضاء البصري للعرض ) يأخذ دوره محل المؤلف (مبدع النص البصري الذي أوحي بالعرض البصري المستقبلي ) فتنشأ رؤيا اخراجية جديدة تعتمد على جنينة النص ولهذا يتأسس ما ندعو له أي البعد الرابع في الفضاء والزمن في العرض المسرحي، ويكشف النص والعرض البصري تلك الأحلام والكوابيس والنبوءآت وأسرار الحوارات واللغة المستترة وغياهب الجسد والصورالمشعة والمثيرة ببراءتها والأصيلة لتبهرنا وكأنها تنبثق من السديم النائي في البرزخ الكوني، ولذلك فا ن التداعي البصري للأنساق الذي يمنحه خيال الفنان البصري (صاحب الرؤيا البصرية وليس الأدبية)هو زمن يؤثربصريا على المتفرج ويؤدي به إلى امتلاك لذة الخيال والتصور والتفكير في جوهر زمني ـ بصري إبداعي جديد (العرض البصري الإبداعي ) أي يضعه في زمن الإبداع والحلم وميتافيزيقيا الخيال ، ومن هذا نستنتج بان المؤلف والمخرج صاحبا الرؤيا البصرية يستطيعان أن يخّلصا النص والعرض من الاغتراب من خلال التأليف بالبصريات سواء كان نصا أو عرضا، ويتم تجاوزالاغتراب بتكييف النص البصري أو العرض البصري لمعاصرة المتفرج وجوهر مشكلته ،لذلك فان النص والعرض البصري يمتلكان إمكانية تهيئة ظروف استيقاظ الفنان والمتفرج المتفاعل معا عند عتبة الوجود البصري الإبداعي فقط ،ولا تعني دعوتي لكتابة النص البصري إلى إلغاء الكلمة أو الوسائل اللغوية الأخرى عموما، وإنما على العكس فإن الكلمة تصبح إحدى الوسائل البصرية المهمة لتحقيق النص البصري إذا أحسن انتقائها، وإذا استطاع المؤلف أن يحولها من كلمة أدبية إلى بصرية تصبح جزءا من تحقيق المشهدية البصرية في العرض،وهذا كله يفرض أسس كتابة النص البصري في زمن ما بعد الحداثة ويوحي بل يفرض أيضا بعدا رابعا للزمن والفضاء البصري في العرض المسرحي.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock