مقالات ودراسات

ثنائية الحياة والموت ودلالاتها في مونودراما قدسية الموت


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

د. إيمان الكبيسي

ـ

 

كتب النص بدلالة ايحائية تعتمد ازاحة المعنى من النسق اللغوي النسق محايث بفعل التأؤيل، وبلغة عالية من البساطة والبلاغة في ذات الوقت بحيث يمكن تحويل المفردات الى لغة صورية تحتوي التقطيع والاسترجاع، إذ ذهب النص الى معالجة الصراع بين الحياة والموت تاركا باب التأويل مفتوحا لكل اشكال هذا الصراع واطرافه، ساعيا الى اجتذاب المتلقي عبر عملية تعتمد ادراك الجزئيات من خلال ادراك الكليات، فالكاتب يعمد الى تجزئة الواقع الى تفاصيله الصغيرة بذاتية مفرطة ويعود الى تركيبها واعادة قراءتها بشكل اوسع من خلال رغبة الذات في البوح بأفكارها،
فقد وظف الحدث الكلامي بحيث ينزاح الى دلالات تنتزع المعنى من سياقه اللغوي الى سياق الموقف الذي يعزز الدلالة الضمنية في النص المنطوق، فقد تمحور الخطاب في مونودراما(قدسية الموت) حول معاناة مريض السرطان مع المرض مع انه لم يذكر صراحة اسمه واكتفى بالتلميح بقصدية شمول كل اشكال المرض الخبيث ضمن دائرة النص، فقد ذهب الى ابعد من ذلك في معالجاته مشيرا الى كل انواع الفساد التي تنخر جسد الحياة كما تنخر احلام المستبقل التي مثلها بالطفل (بائع العلكة).
مكان الحدث حُدد عبر فضاءات العرض والقطع المنظرية والمفردة الاكسسوارية المتباينة بين القديم المعاصرة التي اظهرت البعد الاجتماعي للشخصية على الرغم عدم تعاطي الممثل لأغلب تلك القطع ما جعلها تفرض ثرثرة بصرية، فهذا الاستخدام الحياتي والمألوف للمفردة الاكسسوارية والديكورية يقتل فاعليتها وما ينبغي لها من ان تكون ذات رمزية ودلالة قصدية، اي ان يكون استخداما رمزيا واشاريا، لا يمكن تحميل العمل مسؤوليتها، كونه عرض في زمن الحجر الصحي وهذا الحجر قد يلقي بظلاله على تحديد جغرافية العرض، اما زمن العرض فقد كان زمنا مونودراميا بامتياز متأرجحا ما بين الماضي والحاضر والمستقبل المجهول، فزمن الماضي تمثل في استذكار الشخصية لإيام صباها عبر استخدام الجستس الاجتماعي المثمثل في اغنية (يا حريمة) التي ازاحت المكان من عموميته الى خصوصيته العراقية الجنوبية، والمقارنة بين ذلك الزمان وزمن الحاضر لاسيما في تعاطيه مع المرآة التي شكلت نافذة نحو الذات وذلك الماضي، لينتقل الى الحاضر المتمثل في شخصية (المريض)، من ثم الانتقال الى المستقبل وهو يبتاع العلك من بائعه.
وقد نحج المخرج في ايصال الممثل الى السلاسة في تلك التحولات بين التمثيل والتقديم من زمن لآخر ومن حالة لأخرى، ان هذه الالية الانتقالية المتكررة ما بين الاداء (التقمصي والتقديمي) التي استوجبتها الية النص المونودرامي، تزيد من صعوبة الاداء، فهي تتطلب ممثلا واعيا، هذا ما اعطى للمثل(حسين المسرحي) فرصة في البوح الرشيق، وهو بهذا الاداء خلق تنوعا جماليا في الاداء ساعده على الاستمرار فعل الحدث باتساق دون ان يترك الملل يتسلل الى المتلقي وهو يتابع تحرك ذاكرة الشخصية نحو بناء النسق الجمالي والفكري للمشهد.
بالغ (المخرج) في استعمال الصوت حتى بات الحوار بعيدا عن البوح الداخلي الذي قد يسقط في حالات عن العمل صفته (المونودرامية) رغم انه عمد الى هذه التقنية الصوتية كاستدعاء داخلي لذلك الصراع الذي يعانيه المريض، وقد نحج المخرج في توظيف تقنيات العرض المسرحي على محدوديتها كالموسيقى، والاغنية، المؤثر الصوتي. كما نحج (المخرج) في تجسيد فلم سينمائي في ذاكرة الممثل تعينه في التحول والانتقال.
اخيرا لابد من الاشارة الى جمالية النص الذي اعتمد لغة رشيقة وظفت المجاز والاستعارة لإنتاج دلالات للحياة والموت تجاوزت المفهوم التقليدي المتداول الى مدلولات اخرى اكثر عمقا، الاداء كان رشيقا وممتعا ربما لو قدر لهذا العرض ان يقدم على مسرح يمتلك التقنيات المطلوبة لظهر العمل بشكل مغاير اكثر فاعلية وابهار.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock