د. أحمد محمد عبد الأمير يكتب عن: طقس اليوغا في المسرح العربي
المسرح نيوز ـ العراق| د. أحمد محمد عبد الأمير*
*باحث وفنان ايمائي
العراق / بابل
ـ
طقس اليوغا في المسرح العربي د. أحمد محمد عبد الأمير باحث وفنان ايمائي العراق / بابل لو استعرضنا التطور الإنساني خلال القرن العشرين، لا يتمثل ذلك بتطور الحاسبات، والنووي، والانترنيت. على الرغم من دورها الثوري وتعزيزها الوسط المعيشي والمعرفي، فهي لم تستهدف تطوير الإنسان ذاته (روحيا، وجسديا)، بل يتمثل ذلك بانتشار رياضة اليوغا في كل بقاع العالم باعتبارها فلسفة وفنا ورياضة، على الرغم من امتدادها الشرقي والتاريخي الموغل في القدم، إلا أنها قد دخلت ضمن الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية والبرامج التدريبية للفرق الفنية والمسرحية المشتغلة على الأداء الحركي، محققة بذلك نتائج علاجية وتربوية مهمة للممثل المسرحي من الناحية البدنية والذهنية والنفسية. وما يهمنا هنا هو افراغ الرؤيا الدينية المرتبط بتمارين اليوغا على اعتبارها شكلا وثنيا لا يجب على ( المؤدي / الممثل العربي المسلم ) من اداء تمارينها واستغلال اثرها الطقسي على من النواحي التي سنشرحها هنا ، اذ ينظر اليها عند بعض الاصوليين انها ” ليست مجرد رياضة بدنية وإنما هي عبادة يتوجه بها أصحابها إلى الشمس من دون الله ” ، مما ترتب عنه في ( أيلول 2004 م) أصدرت ( دار الإفتاء المصرية ) فتوى تحرم اليوغا على المسلمين ، باعتبارها ” من طرق التنسك الهندوسية ، ولا يجوز اتخاذها طريقاً للرياضة أو للعبادة “.
تبعها في ماليزيا اصدار ( المجلس الوطني للإفتاء ) في ( تشرين الثاني 2008 م) ، فتوى تحريم اليوغا لأن بها ” صلوات هندوسية قد تؤثر على عقيدة المسلمين ” ، غير أن ماليزيا تراجعت عن هذه الفتوى بعد أن أثارت احتجاجات واسعة ، وقال رئيس الوزراء ( عبد الله بدوي ) ان ذاك :” إن المسلمين باستطاعتهم ممارسة اليوغا من غير الإنشاد “. ومن هنا تتأتي عملية البحث في الجدل المعرفي والتطبيقي العملي لتفريغ هذا التمرين من المحتوى الديني أو النظرة المتشددة وتوضيح اثرها الانساني على المؤمن المسلم وغير المسلم من الديانات وعلى الممثل وغير المشتغل بالفن ، بعد اثبات إزالة كل التعبيرات الدينية في التمارين كما حصل مع الشعوب التي تمارس هذا التمرين بعيدا عن الروح التعبدية واصولها الدينية ، ونقل اثرها الايجابي وبشكل علمي رصين على اداء الممثل العربي المسلم ، مع سلامة النية في التوجه التي دعا اليها الاسلام الحنيف وان لا تضعف العقيدة ، لا سيما ( الهاثا يوغا ) يوغا القوة الجسدية التي سيركز عليها المقال .
دواعي التوظيف: إنها لا تتطلب جهدا عضليا فائقا، ولا تستهلك طاقة كبيرة على خلاف باقي الرياضات الأخرى، بل تحفزها، ولا تتطلب وقتا وأجهزة أو مساحة كبيرة، تناسب كل الأعمار والأجناس، وتحقق جوانب نفسية وذهنية وتربوية مهمة إلى مهنة الممثل المسرحي وشخصيته، ونرى هنا الممثل الإيمائي العراقي والعربي تغيب عنه هذه الطريقة في التدريب كما أهمل باقي الرياضات الأخرى، مما ترتب عنها ضعف في النشاط البدني والذهني. وما يهمنا هنا هو طقسها الادائي وليس مفهومها الشرقي المرتبط بالعبادة بل الاثر المترتب من ادائها عبر المشاركة الطقسية والتي يعرفها الإنثروبولوجيون بأنه اليوغا مصطلح عام يعني: (الانضمام، والتوحد، والترابط) هي كلمة سنسكريتية, اليوغا نظام رياضي خاص محدد متكامل منضبط في برامج تعزز التجربة النفسية والروحية والجسدية للمؤدي. من أصنافها (الهاثا يوغا) وهي: رياضة الجسد والتأمل، مكون من سلسلة من الأوضاع الجسدية يتم القيام بها علي نحو متسلسل، كما إنها لا تستنزف طاقة المؤدي بل تنشطها وتنشط الطاقة الذهنية والنفسية ويشعر الممارس بتركيز عالي واسترخاء إذ تمنح اليوغا: (القوة، المرونة، الاسترخاء).
لليوغا فوائد، وهي ليست رياضة بدنية فقط، بل مفيدة للصحة العامة لأنها مرتبطة بمفهوم التوحد ما بين الجسد والعقل والروح، وهي من ضرورات التمرين المسرحية لتحقيق الاستقرار والتركيز والاسترخاء والإبداع الفني كذلك خفض التوتر النفسي الذي يرافق أداء الممثل إثناء التمرين أو مواجهة الجمهور. نوع وعدد ووقت التمارين: اليوغا طرق وأساليب عديدة، تحقق نتائج طقسية بحسب نوع التمارين المنتقاة لتحقيق غرض ما معين وبحسب هذا الغرض تقسم إلى أنواع، ومن أهم أنواعها: اليوغا البدنية، اليوغا التأملية، اليوغا الفكرية، اليوغا الصوتية، التعبدية، ولها أسماء: الهاثا، الراجا، الجنانا، البهكاتي. من اهم التمارين (الهاثا يوغا) (Hatha yoga) : هي نوع من التمارين الرياضية الطقسية ذات فعالية للمحافظة على الشباب والرشاقة والتمتع بصحة جيدة كما إنها أصبحت تمثل اليوغا ذاتها. مدة التمرين وتوقيتها نقترحها نحن (10–15 دقائق) يوميا قبل التمرين المسرحي.
أولا: فوائد اليوغا الجسدية: 1. رفع الطاقة البدنية للممثل المسرحي بشكل فعال وسريع توقد نشاط الحواس الخمسة والقدرة العضلية والدورة الدموية والذهنية كذلك ، مثلا: وقفة المقاتل أو تمرين الكوبرا.
2. تعمل على حرق الدهون بطريقة مثالية أفضل من باقي التمارين الاعتيادية لأنها تساعد على بناء العضلات التي تزيد الاستقلاب.
3. تساعد على تقوية عضلات الرأس والرقبة والجسد والبطن وما فيها والعمود الفقري وما يحيط به من الرئة والأطراف والتي تعمل على معالجة آلام الظهر والرأس تمارين خاصة تكسب البدن نوعا من العلاج الرياضي من خلال الحركة والأداء الدقيق للتمرين، مثل حركة توازن الرقبة (sarvangasana).
4. توفير التمرين المناسب والتنفس السليم والاسترخاء الجسدي الذي يدفع الممثل إلى التوتر وارتكاب الأخطاء وتساعد ممارسة تقنيات التنفس لليوغا على تحقيق الاسترخاء.
5. زيادة المرونة: إذ تكسب الجسد قدرة عالية من المرونة في الحركة والتي تؤثر بشكل واضح في تحسين أداء الممثل المسرحي على خشبة المسرح.
6. تحقق الجمال الجسدي للمثل من خلال شدّ عضلات الجسم وتخفيف الترهل وتساهم في تناسق العضلات وتقويم العمود الفقري وتساعد على علاج حالات الانحراف البسيطة في فقرات العمود الفقري، مما يعطي مظهرا واضحا وجذابا لجسم ممارس اليوغا ويشعر تدريجياً بتحسن في اتخاذ جسم المؤدي للوضعية الصحيحة من حيث المشي باعتدال، مثل حركة (الكوبرا- يوجانجازانا).
7. تمنح جسم المؤدي قواما جميلا وتصحح تشوهات القوام المعروفة ومنها: تحدب الظهر، وشدة تقوس المنطقة القطنية، كما تعطيه إحساسا بتناسق قوام المؤدي ورشاقة جسده ومرونة حركاته، يأتي من خلال تمارين وضعية المحراث (Halsana)
8. لا تستهلك كما كبيرا من الطاقة البدنية بل تعمل على تحفيزها وتنشيطها. ثانيا: الفوائد النفسية لليوغا: 1. تساعد في معالجة التوتر والتفكير بإيجابية والتأمل إذ تقلل الإحساس بالتوتر والاكتئاب والعدوانية.
2. تمنح الاسترخاء النفسي مما تؤدي إلى الإحساس بالسيطرة التامة على الفعاليات البدنية والحياتية.
3. تحسن العلاقة مع أفراد العمل والإحساس بالشراكة والمسؤولية، من خلال تنشيط التفكير الايجابي ورفع الطاقة البدنية والنفسية للمؤدي. ثالثا: فوائد الذهنية لليوغا: زيادة التركيز لدى الممثل المسرحي، من خلال تمارين التركيز التي تعمل على رفع (الطاقة الذهنية) بشكل فعال تساعد الممثل على : زيادة ردود الأفعال والاستجابة الفاعلة. خلق الانسجام والإحساس بالسيطرة العالية على فعاليات الممثل الكاملة وخلق حالة التوافق مع المكونات البنائية والتكامل الذاتي، وبالتالي ذروة الأداء المتكامل (الحسي، والجمالي، والذهني) ويحقق متعة الأداء. تنشيط الطاقة الذهنية من خلال توجيه قدراته نحو هدف ما معين وهو الأداء الفعال وهو ما يطلق علية (بالتركيز الداخلي).
فوائد ممارسة اليوغا التأملية هو الاسترخاء والتركيز العالي الذي يولد التأمل الداخلي. ومن المفاهيم التي ما زال الجدل مستمرا فيها هو الربط ما بين المحتوى ( الديني لليوغا ) والتجربة ( الادائية لتمرين اليوغا ) في المسرح وغيره .
اذ لم يضعف ذلك الاهتمام المتزايد باليوغا في العالم بين المسيحيين والمسلمين واليهود وغيرهم، لما يجد الممارسون لها من فوائد صحية: جسدية وعقلية ونفسية. بل أصبحت الكنائس تطرح ما يسمى بـ( اليوغا المسيحية ) وانتشرت ( اليوغا اليهودية ) التي تركز على توحيد الجسم والعقل والروح والكون. بدأت مدارس حكومية في ( سان دييغو ) في ولاية كاليفورنيا بتقديم دروس اليوغا للأطفال بهدف مساعدتهم على التركيز وبناء الثقة بالنفس وتعلم التنفس الصحيح وتمارين الإطالة التي تساعد على الوعي الجسمي ، وان المحكمة العليا اصدرت حكما بان الـ( هاثا يوغا ، اليوغا الجسدية ) التي تعلَّم في مدارس المقاطعة هي رياضة وليست ممارسة دينية ، ولا تؤدي إلى تعزيز أو تقييد أي دين، وأن المدارس اتخذت العديد من الخطوات لإزالة أي تعبيرات دينية في التمارين .