د. زينب لوت تكتب: التنظير الخيالي والمنظور الحركي في مسرحية “المعراج” للكاتبة..آمنة الرّبيع
المعراج.. مسرحة سيكولوجيا الخلود والعدم!
المسرح نيوز القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
المؤلفة/ د. آمنة الربيع
بقلم : الدكتورة زينب لــــــــــــــــــــــــــــــــــوت
- المعراج:
تلون المؤلفة (آمنة الرّبيع) نصها المسرحي ( المعراج) محيط إطار لوحتها وتزجُ منعطفاً من الوعي الثقافي وثقافة إخراجية تتثبت بسيكولوجية ثنائية تجمع بين السلوك المنشطر في العدم وحالة التلاحم اللاعقلاني بالخلود، ومسافة الصراع تسقط مشاهد المعدمين والبائسين والمحكوم عليهم بقوة النبوءة أو سلطة القوة والتجبر، تتجه الخطابات بوعي ابستيمولوجي للإنتاج والإخراج التشكيلي لمستويات الكتابة من جهة ومتعة تشاكل فضاء العرض.
المسرح عالم إنسانيٌ خصب للثقافات والتَّوجهات والأقاليم الفنية وللفن الإنساني وللإنسان الكوني الذي يصرحُ بمجال وجوده كصوت يؤثث الوجود ويمارسُ سلطة ما، امتزاج عالم الرموز في الشخصيات والأشياء يكثفُ العمليات التأويلية ويحفر في عمق الخطاب، تأجيج التاريخ لتأريخ النماذج المعاصرة وهذا ما كتبت المؤلفة (آمنة الرّبيع) بحوافر قائمة على الحفر و البناء والتأسيس مثلما صنع أبو المعري عالمه في المرئي في (رسالة الغفران) ودانتي في (الكوميديا الإلهية) وغيرها من المؤلفات التي تشكل من الشخصيات التاريخية باختلاف أزمنتها وموضع حديثها ومخلفاتها وآثارها نموذجاً.
ذاكرة تتحرك فيها الكاتبة نحو اختزال الكثير من الخطابات، وتشفير رموزها كالناتج الفعلي الذي يعكس حادثة( الاسراء والمعراج) ” إن الإسراء كان بالجسد والروح ما في ذلك من شكّ، وأن الله سبحانه وتعالى قد أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام وأراه آياته الكبرى، في السماوات العلا وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد رأى سدرة المنتهى وقد غشيها نور الله، وقد أوحى الله إليه الصلوات الخمس وقد انتهت الرحلة العجيبة عند بيت المقدس، ولو كانت قد تجاوزت المسجد الأقصى “( عبد الحميد جوده السحار، الإسراء والمعراج، منشورات مكتبة مصر، مصر،1990م، ص.31) وتمثيل ( المعراج) مقصدية الكاتبة (آمنة الرّبيع) هي مقاربة الروح والجسد بكل الممكنات والثنائيات التي يعيشها الانسان بداخلة ألمه سعادته، الطمع القناعة، الرغبة الرفض وعقاب الذات، العزلة الاجتماع، سلطة العقل مكانة الروح، السلطة والمال الفقر وانعدام الحال، التصوف الخيالي التجسيد العقلاني، والفناء الخلود وهي أهم ازدواجية تجمع كل الاحاسيس لأنها تفرض شكل البقاء أو مصير الاضمحلال والموت.
- مسرحية المعراج:
تتكون مسرحية (المعراج) للمؤلفة (آمنة الرّبيع) من أربعة وعشرين مشهدا، تتعاقب الأحداث وتتركب العلاقات كلما تطور العرض.
من خلال وضعيات الإضاءة التي تجمع ركاب الفلك المشحون، الأطفال، عامة الناس والشباب وعسكر ومجموعة (سات) قوى الخير، مجموعة (آست) قوى الشر، كما تشكلُ الكاتبة(آمنة الرّبيع) عبر الشَّخصيات:
(طه) الذي يمثلُ العقل والمعرفة و العلم، (وكيل الدين) صاحب السلطة الدينية، (حاطب) المؤمن المستنير، (إسافة) خطاب القهر، (لهب) خطاب سلطة المال، (حنين)الباحث عن المعرفة، (هاميس) خطاب العبودية، (نائلة) خطاب الجسد مؤولا، (هولاك) خطاب العسكر، (الفتيات الصغيرات الراقصات) في تمثيل خطاب الحرية، (العقيد)خطاب التشخيص، (سجاح) في خطاب الاعتقاد، (المولى الذي لا مولى له)خطاب الهوية، استهلالها الفكري أو ما يناسب عتبة النص المسرحية (أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه) “الانسان لا يستطيع أن يعيش في الحرية لأنه سيضيع” (آمنة الرّبيع، مسرحية المعراج، دار الفرقد، دمشق سوريا، 2018، ص.11) فالحرية داخل النص تتخذ أشكالا مختلفة، بين مكامن الروح المستأنسة للتعبد في شخصية(طه) وصراع رغبة الانسان بين الاغواء والتحكم في النفس مثل (نائلة) (أسافة) وطمع وسلطة (هولاك) الولي على الناس، وحاجة السكان للسلام والفرار إلى ما يؤمن لهم راحة البال بعيدا عن الأوبئة والخراب واضمحلال مفهوم الانسان للإنسان.
- الفوضى الخلاقة في مسرحية المعراج:
تحدث الكاتبة(آمنة الرّبيع) فوضى من المقاطع المشهدية التي تعج بالخوف وتلاطم الأفكار ومناجاة الذات بحثاً عن الاستقرار والأمان.
فصل القيامة (الفلك المشحون):
(1)الزلزلة: فضاء درامي تتداعى الإضاءة والصوت لتمثيل حالة هلع تتدافع أصوات بشرية وحيوانية تطلب النجدة بعبارات متعددة أهمها: “الفلكُ يغرق” تزرع الألفاظ رؤية الاهتزاز الحسي للسلوك الذي ينعكس بالوعي تدريجيا نحو الكارثة.
(2) القيامة: الرعب والهلع التركيب الدرامي المهيمن على الرؤية، تتداخل معه أصوات القطط وفحيح الأفاعي، نهيق، تتصاعد الأمواج والإضاءة مع الصوت تصنع إثارة “يخلق عنصر التماثل في التكوين الفني سواء كان تشكيلياً أو درامياً قيمة جمالية بالإضافة إلى القيمة الدرامية، بما يجعلها أسرع وأعمق إمتاعاً وإقناعاً وتأثيراً في المتفرج”(هاني أبو الحسن سلام، سيميولوجيا المسرح بين النص والعرض، دار الوفاء للنشر، الإسكندرية، مصر، ط/1، 2006م، ص.160). والدراما في هذا المشهد تتخلل الصوت والاضاءة والتدافع التأثيري لتحولات الممثلين حركياً لتَّشكيل الشُّعور نحو الحادث المفاجِئ في البلدة.
(3)يا أرض ابلعي ماءك: يظهر الخراب من خلال تحطم الفلك وتشتت الجرحى والمصابين الذين يجري إسعافهم، وكما تصف من فارقوا الحياة، ثمّ ينعكس في جانب آخر جيش(هولاك) ملثمين بسبب العفونة ممثلين بقايا ما تركه الفلك المحطم تلعب الإضاءة و الحركة دوراً مهما في توجيه المشهد، يخرج (طه) بين الحشود حاملاً صرة ممزق الثياب، وهو ينزف من أنفه منهكاً، غير مصدق بنجاته والوجوه تلتفت إليه بذهول وحيرة .
4- التشكيل الدرامي لمسرحية المعراج:
تنتقل الكاتبة إلى مستوى ثاني للمشاهد حيث تظهر العلاقات والشخصيات في المسرحية، تتميز بالخصوصية التَّشخيصية لكل ممثل نحو دوره، وتتكون المهارات في الأداء والعرض بين الحركة والخطاب وزاوية التمثيل وتأدية عناصر التأثير وتماثل الحركي نحو المؤثرات.
(4)الممتحنون: يتكون الفضاء الدرامي للركح من منصة فارغة، سرعان ما تأتي مجاميع الناس للإحاطة بشخصية( وكيل الدين) وهو يتأفف من اقترابهم نحوه للاصغاء إليه وملامسة ثيابه المخملية كمت وصفتها الكاتبة (آمنة الرّبيع) وهو يتحدث عن الفلك الذي تفكك في سواحل البلدة، فتتنادى الأصوات بين (الوكيل) ومجموعة من الشخصيات التي تتعالى أصواتها بهول الكارثة والخوف من القادمين في الفلك المحطم الحاملين للأوبئة بعد فرارهم من خراب بلدتهم، لكن (حاطب) قد طمن أهل البلدة بأنهم لن يصابوا بالمثل طالما تتم طاعتهم لأولي الأمر، لكنه ينزعج ويعبر عن الظلم والفقر وعدم تكافؤ طبقات المجتمع لكن سرعان ما يسمع السكان بحلول سفينة من الهند محملة بالغذاء والمؤونة تبرعت بها السيدة (نائلة).
(5)طلع الفرح علينا: تتشكل فرحة عارمة بالخبر الحامل للخير نحو البلدة كما تقترح الكاتبة تحويلها لرقصة تنسجم فيها المشاعر .
(6)القلم وما يسطرون: يدخل (طه) للخشبة يخطو حائرا ويتبعه (المولى الذي لا مولى له) متخفياً، وكذلك (حاطب) يتخفى وكل منهم يريد تدارك الآخر والاختفاء منه ينتهي المشهد برحيل (طه) ومن وراءه (حاطب)بقي (المولى الذي لامولى له) يدور حتى أصابه الدوار فوق الخشبة وسقط.
(7) سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي:
يستأصل العنوان في هذا المشهد من قوله تعالى : قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وهو ما قاله ابن نوح ، لما دعاه نوح إلى أن يركب معه السفينة ، خوفاً عليه من الغرق : “سآوي إلى جبل يعصمني من الماء” ، يقول : سأصير إلى جبل أتحصن به من الماء ، فيمنعني منه.
تدعو المؤلفة (آمنة الرّبيع) لتقديم المشهد بالفيديو كي تكون أكثر ملامسة للحركة حيث تتشكلُ” منظر عام للبلدة وأبوابها السبعة المحصنة، هناك درج طويل، من الحجر يمتد من وسط البلدة يصعد طه على الدرج، وفي الصعود نشاهد كوخ طه على ارتفاع كأنه جبل، مدخل الكوخ تحفة أشحار النخيل والزيتون، طه يحمل في يده الكتاب، يظل يصعد بتؤدة حتى يختفي في داخل الكوخ”(أمنة الربيع، مسرحية المعراج، ص.35)
(8) وعلى الأرض السَّلاَم وبالناس المسَّرة:
حوار بين مجموعة من الشَّخصيات يدور سؤالهم عن (طه) الذي تحسنت بقدومه أحوال البلدة بعدما شرع في علاج الوباء مع الأطباء بقولهم: “هل تذكرون الوباء اللعين الذي بدأ بالانتشار، لقد عالجه بالتعاون مع أطباء البلدة”(ص.37) يتبادلون أطراف الحديث عن السفينة القادمة بالبضائع وبعضهم يتداولون الحوار حول دواء (طه) الذي يصنعه.
(9) أنا شوقك في صلاتك: مؤثرات صوتية لهسهسة الطبيعة وموج البحر ، في خلوة (طه) تدخل (إسافة ) بغرض إغرائه، تنخفضُ الإضاءة وهنا يصبح لمعنى الضوء إثارة مهمة في فضاء العرض حيث تمنح قدرة استكمال المعنى وتحقيقه في نفس الوقت، يدور بينهما حوارٌ طويل عن الرغبة و الرذيلة فيظهر (طه) وقد ضعف لكن استطاع الفرار منها وطردها خارج عزلته والعودة أمام الغلالة والجلوس والتدبر خاشعاً حتى يتلاشى النور.
5-تحولات المكان والرؤية التصاعدية :
(10) علم اليقين(11) عين اليقين( الجزء 1): تدعو المؤلفة لوضع سلالم لوضعية العلو أو لوضع مسافة بين السطح و الأعلى حيث يكمنُ (العريش) تفيء شخصيات جديدة (تماضر) و(لهب) لتناجي (طه) من أجل علاج ابنيهما لكنه يرفض لأنه رجل علم وليس طبيبا يعتزل الناس للتَّعبد تتعالى الأصوات (حاطب ) الذي يؤيد كلام الجميع بأهمية أسرار التطبيب الّتي يمتلكها (طه).
المؤلفة من خلال الشخصيات الدينية والمواقف التاريخية تمزق الحاضر بأصوات نافذة في القاع تمنح الصدى للأفق وهذا التواشج الزمني يوثق مرجعية المتلقي بمعرفته القبلية بهذه الرموز والحقائق ليدرك طي الدلالة فيها، وامتداد منحى الفهم لعدة تأويلات تؤكد وعي الكاتبة (آمنة الرّبيع).
(12) عين اليقين (الجزء 2): يأتي المشهد على عذاب (حُنين) الذي تأزمت حالته النفسية وأثرت على جسده، وهو الابن المريض وقد تورط (طه) بضرورة علاجه فيمسد جسمه باحثاً عن موضع الداء فيجد تشنج في عضلاته سببها ألم القلب وأوتاره الصوتية، يحدثه قليلا فيرتاح المريض ويخبره بألمه وهو خوف فقدان امرأة حاول الزواج منها لكن رفض والداه لفقرها وقد اتفق الطرفان (طه) و(حنين) على وضع خطة للخلاص وهنا ينتهي المشهد.
(13)ما لا يخطر على قلب الناس: يأتي (طه) بخبر شفاء الابن الوحيد ( حُنين) فيتقدمُ الوالدان رغبة في منح الطبيب المفترض لديهم ما يريد حسب ما وعدوه لكنه طلب امرأة فاحتار الممثلون القابعون في الأسفل كونه رجلٌ ناسكٌ متعبد، لكنه يفسر للجميع حاجته للمراة التي يودها المريض ليكتمل علاجه ونقاهته فيستسلم (لهب ) لرغبة (حنين) وتخرج (تماضر) غير راضية بـ (إسافة ) العروس المختارة، فتتعالى أصوات الفرح في ظل رفض الأم.
(14)إن الله كريم يحب المكرمين: تتواصل الأصوات لتثير مناسك الفرح و البهجة وتتقاطع المواقف حيث تظهر (إسافة) خجلة تطلب بركة (طه) ويحدث نفسه يُعاقبُ رغبته لحظة ضعف حين يستذكر ما حدث بينهما ويدعو للعريسين دوام السعادة وفي نشوة التهليل و الرقص والدوران يسقط (طه ) وقد فقد الوعي.
(15) لو كان لي قلبان: تتوسط الخشبة غرفة مليكة تتزين فيها (نائلة ) وتحدث (هاميس) عن رغبتها بـ(طه) الذي يسكن كوخا فيحذرها من غضب (هولاك) لكنها تتأجج ميولاً نحو ما تريد الحصول عليه وينتهي المقام بمقطع شعري.
(16) يوم الزينة سوق النخاسة: يعتمد المشهد كما ترسمه الكاتبة (آمنة الرّبيع) على الإيقاع السريع وطقوس تعكس راقصات أسيرات أستعبدن، وسيتم ترحيلهن، يقدمن رقصات أمام هولاك و(نائلة) تحمل مقصا، وتمسك (هاميس) صينية وهي في حالة شفقة على الفتيات الصغيرات، تشرعُ (نائلة) نحوهن تقصُ ضفائرهن وبعد ذلك يقود هولاك الفتيات اللواتي تَمَّ قص ضفيرتهن بتقيدهن بسلسال حديدي وأخذهن معه ، أما الاخريات تجزعُ وتخاف، يبقينَّ في الخشبة يصرخن هلعاً ومهانة، في هذه الأثناء يدخل (المولى الذي لا مولى له) مندهشاً من الموقف ثم يفر بعد خروجهن من المشهد.
6- الأداء سينوغرافيا إزاحة السلطة الأدبية إلى سلطة العرض:
من مهام النص المسرحي كتابة عرضاً تقديم منافذ التعبير والتَّغير لتجسيد واقع الفن أهمها الإضاءة ” يرتبط دائماً بجوهرها الانفعالي ، حيث إن الجو المسرحي يؤثر في سيكولوجية الممثل ويولد فيها تكيفات وألوانا غير متوقعة”( بوبوف،ألكسي،التكامل الفني في العرض المسرحي،تر:عبد الباقي محمد إبراهيم،القاهرة،مؤسسة طباعة الألوان،1968،ص 102.) كما تتوثق علاقة الضوء في الفراغ والأبعاد ومدى تحويلها الواقعي للشكل ” “إن أي شكل ذي أبعاد ثلاثة يصبح تشكيليا لأعيننا لتأثير الضوء عليه وهو الذي يحدد خطوطه الخارجية ويجسمه. ولولا الضوء لما تأثرت أعيننا بهذا الشكل، وقد يصبح هذا الشكل فنا في شكله العام بفضل الضوء الواقع عليه”
) Kenneth Macgowan and William Melnitz,The Living Stage ,N.Y:(prentice Hall),Inc.1962,pp.434-435(
وتتباين التكنولوجيا في العرض حسب أهميتها ما يدعو في كثير الأحيان إلى استخدام الصوت الرقمي (Digital Sound)والمؤثرات الصورية والصوتية الرقمية (Digital Sound and Visual effects) والتشكيل السينوغرافي منتهج عند المؤلفة من حيث الإضاءة الصوت وتقنيات الفيديو والسلالم …وغيرها من مصادر العرض.
(17) رحلة الشتاء و الصيف:
فن الباكيت تمثيل: قبل الولوج للمشهد لابد من شرح هذا الفن الأصيل الذي يمثلُ” أحد الفِنُون التي ظهرت في سلطنة عُمان منذ آلاف السنين هو فن الباكت ويختص بها كلاً من ولايتي صحار وصحم، وينقسم فن الباكت إلى قسمين وهما الباكت عرائس، والباكت تمثيل، حيث يلتف المشاركين في الفن جالسين على شكل دائرة يقوم بتصدرها وقيادتها شخص يُطلق عليه ” العقيد المغني ” وله أحد المساعدين في أداء الأغاني أو أكثر، وعدد من الضاربين على الآلات ما بين الطبل الكاسر والرحماني والدف الصغير وغيرها من الأدوات، حيث يتم القرع على هذه الأدوات بعصي دقيقة، وهو من الفنون الشعبية التي لها إهتمام وإقبال كبير وواسع في سلطنة عُمان”(https://www.almuheet.net/23فبراير2020) وترسم الكاتبة منحى الموسيقى، الطبول خلف الستار وهي تود ترسيخ مشهد حياة تشهد مرحلة وحشية ” في زمن كان البشر يعيشون على اجترار الحكايات والخرافات ويتسامرون ويحلمون بانتصار الخير على الشر”(ص.78)
كما تبرز شخصية (نائلة بإشارة ضوئية لهودجها الذي يحمله أربع من عسكر هولاك، والحديث الذي انتشر بين ألسنة الممثلين هي استياؤهم من رحلة الشتاء والصيف التي تحمل البضائع والحيوانات و العبيد و الفتيات الصغيرات” التي جزت نائلة شعرهن”(ص.78) تعيش مع العرض حالة تزامن للرموز التاريخية الدينية والتأويلات المعاصرة لمحورية الانسان في الكون ولانقباض القيم وتشحن النص المسرحي بالتّمازج الكلي للدلالة مع الخطاب ( رحلة الشتاء والصيف- هولاك- نائلة) كمت تدعمها بالموسيقى المتأصلة في التراث السلطنة، هي تبتعد عن الواقع لتلامس الوعي كما يعبر عنها (كارلوس ليسكانو) “الكتابة عن الأدب ذريعة لكي لا أكتب عن الحياة” (كارلوس ليسكانو، الكاتب و الآخر، تر: نهى أبو عرقوب، مراجعة: أحمد خريس، هيئة أبو ظبي للثقافة، أبو ظبي، والتراث،ط/1، 2012 ، ص.20) أما عن البهرجة و الفرجة تتشكلُ معالم أخرى تمنحها المؤلفة بعدها التداولي “بمجرد أن يطلق العقيد صيحته تبدأ المجاميع في التحضير لارتداء الأقنعة والاكسسوارات.
-إسافة تضع على وجهها قناع شجرة الزيتون، وتلبس فوق رأسها لحافاً مزركشاً.
-حنين يضع قناع شجرة التين وسيلف خاصره يحزام”(ص.79) أما ما تبقى يحملون العصي كأحصنة، ويلبسون أقنعة خضراء، تتداخل حوارات بين (أسافة) التي تبكي على سرير بصوت الأراجوز وحركته “عصب هذا المسرح وعصب كل الثقافة العربية المعاصرة، كل الثقافات العربية -أو جلها- تلتقي عند التراث، وكل الكتابات أو جلها-تلتقي عند التراث، وكل الكتابات أوجلها تلتف حول هذا التراث” (عبد الرحمن بن زيدان، أسئلة المسرح العربي،دار الثقافة للنشر و التوزيع، الدار البيضاء، ط/1، 1987م، ص.31)
(18) وماذا عن المشخصاتية: يجتمع أعوان الشر (آست) يدور حوار بين هولاك الذي يطلب عدم تحميله خطاياهم، وأنه حذرهم من الحفل (وكيل الدين) و(المولى الذي لا مولى له ) يوثق الصلة بين (حنين) و(أسافة) كمحور لحالة تفشي التذمر فيتداخل الصراع مع(لهب) الذي يرفض تركيزهم عليه، كما توعد (هولاك) بعدم تقسيم المؤونة وضرورة طاعة الولي والانصياع لأوامره ونواهيه.
(19) قل للمليحة:
المؤثر الدرامي هسهسة الطبيعة وموج البحر، ثنائية تجتمع بين (طه) و(نائلة) وأغنية “قل للمليحة” ولها صلة مباشرة بالشاعر الناسك وحادثة التاجر الذي طلب منه أبياتا شعرية تلفت النظر ” هو ربيعة بن عامر الدارمي ، وغلب عليه لقب مسكين الدارمي ، وهو شاعر شريف الأصل والنسب عاش في فترة الخلافة الأموية في الكوفة ، وكان شاعرا معروفا وسط كبار شعراء عصره ….، كما كان من المقربين إلى الخليفة ، الشيء الذي فتح عليه أبواب الأعطية والعيش الرغيد ، وانعكف في أواخر حياته إلى العبادة والصلاة والزهد… قدم أحد التجار إلى المدينة المنورة وبيده سلة من الخُمر السود ، فلم يجد لها طالبا ولا شاريا …، فأشار إليه أحدهم وقال : إذا أردت أن تبيع خُمرك فاقصد مسكين الدارمي فهو خلاصك … فأتاه وقص عليه القصة ، فامتنع مسكين بحجة أنه انقطع عن هذه الأمور وزهد عنها ، فقال له التاجر ( والحزن صيّر قلبه ) : أنا رجل غريب ، وليس لي بضاعة سوى هذا الحمل ، ورجاه وتوسله حتى أقنعه ، فخرج مسكين من المسجد وعمل هذه الأبيات وشهرها بين الناس ، وهي :
قل للمليحة في الخمار الأسود * ماذا فعلت بناسك متعبد
قد كان شمّر للصلاة ثيابه * حتى قعدت له بباب المسجد
ردي عليه صلاته وصيامه * لا تقتليه بحق دين محمد ” (https://analbahr.com )انتقال حالة الاغراء إلى الإغواء والرغبة المتبادلة في حوار حميمي، وتتوعده بمالها وما تملك من عبيد، لكن (طه) يحاول البحث عن معراجه وتنبؤاته حيث لا ترضى بهذه الترهلات الشعورية التي يحسها (طه) نحو عالمه وتخرج مهزومة لكن دون يأس.
(20) وصعدوا إلى جبل صعودا سُجحا: الظل و الضوء
تتركب مستلزمات العرض باستخدام تقنيات مختلفة للإضاءة والخواص التي يتضح من خلالها الفضاء ” الفضاء قدس الأقداس ألواح ذهبية على الجانبين الفضاء يتخلله الدخان مع طلوع الإضاءة نشاهد الفتيات الصغيرات الراقصات جالسات في منطقة الوسط من الركح ينشدن شلة متنوعة على غرار الشلة التي طلع بها العقيد، في فن الباكت”(ص.95) في هذا المشهد يتقاطع الحوار بين (سجاح) و(طه) مع (سورة الكهف)
“سجاح: أحسبت أن سجاح وصويحباتها المعتكفات في جبل بعصمهن من الهلاك غير ممكن لهن في الأرض، لقد أتيت من كل أمر خبراً، فاتبعني إن شئت.”(ص.98) ”
“سجاح: لقد جئت شيئا إمراً يا عقيد الشلاّت، غادر جبلي ولا أراك ثانية”(ص100.)
(21)الفاعلان هاميس والمولى الذي لا مولى له: تحملُ (هاميس) صرة كبيرة وثقيلة حسب توصيف الكاتبة ( آمنة الرّبيع) كما يبرز (المولى الذي لا مولى له) يدفع عربة فوقها صندوق، للهرب ويتداول بينهما حوار عن العبودية والمهانة التي تلحق بهما وأن هروبهما سهلٌ في فترة الحضر الي فرضها (هولاك)
(22) الفاعلتان نائلة وسجاح: الصراع القائم بين شخصية (نائلة) و(سجاح) تهديد ووعيد، حتى لا تُسمم(سجاح) أفكار (طه) فتنتفضُ الذاكرة بينهما بالماضي المتخم بالانتقام والكراهية، حيث حولت أم (نائلة) (سجاح) إلى امرأة قبيحة نكاية بأمها يخرج من جسدها البثور ويغشى الدم عيناها حين تلاقي رجلا وهكذا ينتهي بالإظلام كل مرة.
(23)سبعُ سنبلات خضر:تجلس مجموعة القوى (ساتSat ) وأمامهم الفوانيس يتضرعون إلى الله وشخصية (طه) تحمل كتابا يسجل عليه معلومات اما (وكيل الدين) صاحب السلطة الدينية،
(وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ)[يوسف/43] مسرحية ( سبعُ سنبلات خضر) للكاتبة (آمنة الرّبيع) تميزت بانتقاء دقيق للحوار والشخصيات، أما الزمن فهو زمن ينتقلُ بين الماضي في ذاكرة (طه) وحاضر يتمثل في النبوءات، بفقدان الحياة.
المشهد المسرحي في (سبع سنبلات خضر) يحتوي فضاء الدراما المنبعثة خلف صراعات زمنية ومكانية داخل الركح، ولايزال التّجويف الصَّوتي لمؤثرات “لموج البحر وهسهسة الطبيعة” (ص.109) وهو حاملٌ لحالة استرخاء نفسي لاكتناز معنى الحوار الذي يجتمع بين (طه -حاطب- حنين-إسافة) ”
“إسافة: الموقعة بالثاني عشر من الشهر الرابع في مطلع شمس برج الحوت ومستقر برج الحمل من هذا العام.
حُنين: وماذا عن الحدث الموقع في اليوم العشرين من الشهر السادس يا طه”(آمنة الرّبيع، ص.109)
إذا قمنا بالتشخيص النموذجي للتواريخ المدمجة في النص لمسرحي يجعلنا نتجه اتجاها أفقيًا فيمكن تشخيص العديد من الدلالات المتقاطعة مع يوم 20 يونيو هو احتفال سنوي مخصصٌ حول اللاجئ العالمي أو اليوم العالمي للاجئين ، حيث يهتم لإبراز قضايا اللاجئين والاهتمام بالهموم والعقبات التي تصادفهم والمعاناة الأليمة من عدم الاستقرار والهروب من واقع الصراع المسلح في بلدانهم، هذا العرض و الاهتمام يكون تحت رعاية من المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR). أما يوم 12 أبريل مخصص بالاحتفال العالمي بنزول (يوري جاجارينЮрий Алексеевич Гагарин )وهو أول إنسان يتمكن من الطيران إلى الفضاء الخارجي والدوارن حول الأرض في 12-أبريل -وأقيم هذا اليوم من أجل الاحتفال العالمي لـ(رواد الفضاء)، إذا جمعنا بين التاريخين ذاكرة اللاجئين والفضاء كلاهما منفذ للسفر، أو الهجرة كلا الأمرين أيضاً رحلة نحو فتق معنى الانسان في وجوده.
تكتب الأديبة ( آمنة الرّبيع) بخيال جمالي مُتخم بالفكر وتحديد ماهيات هذا العالم البديل كما قام الأديب الأرجنتيني (بورخس Jorge Luis Borges) في كتاباته (الصانع)، (المرايا و المتاهات)، (كتاب الرمل)،(مرآة الحبر)…، مساحة للتخيلات المثقفة والواعية “إنه عالم الخيال، وذلك فقط بمعنى احتوائه على كائنات خارقة للطبيعة وأحداث غير طبيعية، وليس بمعنى أنه عالم غير مسئول، لعبة منفصلة عن التاريخ، وحتى عن البشرية، هناك الكثير من المراوغة عند بورخس وهو يعبر عن يقين تجاه الأسئلة الأساسية للحياة و الموت والمصير الإنساني والما بعد، لكن عالمه ليس عالما منفصلاً عن الحياة او عن التجربة اليومية”( ماريو باراجاس يوسا، الكاتب وواقعه، ترجمة: بسمة محمد عبد الرحمن، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، مصر، ط/1 ،2005، ص.27).
أما عن نبوءة (طه) “كنت صغيرا وشقيا أقفز من مكان إلى آخر وفي يوم من الأيام مرضت مرضاً فقدم إلى بلدتي طبيب غريب أخبر والدي بأن يغير اسمي من أمين إلى طه وقرأ علي بعض الآيات والطلاسم، مكث عندنا زمن طويلاً فتعلمت منه القراءة وعلم النجوم وقراءة الأثر، لكن المرض عاد ثانية فطلب من امي أن تطبخ كيلة من الحبوب فأخذت القدر وصبت ماءه في الحوش وبعد ليلة لم يطلع فيها ضوء، انتفخ بطني ولازمت الفراش، وعندما بدأت أتمثل في الشفاء، أراد والدي أن يفرح بي فذبح نعجتنا الوحيدة، وبمجرد أن شاهدت الدم، حتى أخذ أنفي ينزف”(أمنة الربيع مسرحية المعراج ص.110-111) يسافر بحثا في تنبؤاته وهو يبحث عن بلدة فيها سبع أبواب ولهذا الرقم المرجعية الخام في ذهنية المتلقي .
التقاطع العمودي لابد أن يتجه نحو الكاتبة (آمنة الرّبيع) نفسها بحوار قصير جمعني بالمؤلفة قد يُشفي حيرة السؤال عن الأزمنة وكانت إجابتها:
“بالنسبة إلى التواريخ والأرقام المذكورة بمسرحيتي المعراج تتصل بأحداث جرت معي في سنة واحدة وهي أحداث شخصية كحادثة حرق أصابتني في قدمي اليسرى وتركت علامات واضحة ولعمليتن جراحيتين أخضعت لها في فترات زمنية متفاوتة.
وعطفا على سؤالك فأنا أقوم بمزج الخاص والعام أو الذاتي والموضوعي في التأليف منطلقة من ربط الجسد بسلطة الكتابة وخضوع الجسد للمراقبة والحساب.
مثلا: هل تعرفين ماذا جرى في اليوم السابع من الشهر الثامن؟ سؤال طرحته شخصية في مسرحيتي الذين على يمين الملك.
وهذا التاريخ هو يوم مولدي.
هكذا أمزجني وأدخلني وأخرجني في النص. (عن الكاتبة : آمنة الرّبيع).
وفي ظل هذه الإجابات لا يكتفي المتلقي بالتصريح فالتأويل السابق يمنح بُعدا مثيراً لمواطن الإثارة والربط بين العمق والسطح دوماً، بين أنا الكاتبة وذات المتلقي.
(24) مونولوغ: في أفق درامي تتصادم شخصية(نائلة) التي تطلب الفرار مع المال والغنيمة مع (طه) الذي يرفض رغم حبه لها، ويصف جسده بالنفاية ويصف تحولات العالم من حوله ويتدخل الصوت التسجيلي “سيأتي على الناس زمان سيكونون فيه أقرب إلى الآلة منهم إلى البهائم وإلى البهيمة أقرب منهم إلى البشرية، وستصير الأرض خربة”( ص113) تنتج محورية المسرحية في تفتيت منحى التنبؤات وقراءة العالم الخارجي بالانقطاعات التاريخية والرموز الدينية والعنوان الذي ينصب في حادثة المعراج تجسيد لرحلة شبيهة بصورة السفينة وما حدث لسيدنا نوح (عليه السلام)، وللتضليل مع (سجاح) وبؤر الخطاب اللفظي من سورة (الكهف) جدائل اللغة الملتوية مع معراج تاريخي ديني متعدد يمنح النص المسرحي زخماً وروابط تلامس شخصيات لها دلالتها الزمنية (لهب) (تماضر)(نائلة) (طه) (هولاك) ونسجت توافقاً زمنياً بينها “كما لو أن كل الأصوات التي سمعت وانقضت، القريب منها و البعيد، إنما سُمعت دفعة واحدة
إذاً فتصورنا لنغم ما يكون فيه كل صوت جزئي ذا موضع زمني مُتَعين” ( ادموند هوسّرل، فينو مينولوجيا الوعي الباطني بالزمن، ترجمة: لطفي خير الله، منشورات الجمل، بيروت، 2009، ص.18) التدفق الزمني والشخصيات الرمزية في المسرحية والخطابات الحوارية ذات الانفتاح المشبع بالوعي في تمركزها التمثيلي منح للكاتبة (آمنة الرّبيع) في مسرحية (المعراج) اختلافاً جذريا في عرض المشهد واتساع مساحة المشاهدة عبر التشكيل المستمر لوضعية الفرجة وامكانيات الصوت و الإضاءة في تقديم حركة مستمرة تتفاعل مع النص وتبرمج آليات التفكيك الانفعالي بين شخصيات المسرحية والتركيب البنائي للمراسم والتنبؤات والهلع او الفرح تلك المشاعر ذات التكيف الموازي للأشياء سواء السفينة أو السلالم أو الملابس والأصوات وغيرها ما يمنح دقة التخيل في تأسيس العرض وتمثيل المؤسس نصاً وإخراجاً ومتعة فنية وجمالية وفكرية.