وجوه مسرحية

الكاتب شاذلي فرح السمطي يكتب للمسرح نيوز: “واحـــة الجـنوبي”.. المخرج محمد شحات.. الـفـرعــــــون!

الواحــة تهتم بفناني المظاليم


المسرح نيوز ـ القاهرة| وجوه

ـ

 

شاذلي فرح السمطي

كاتب ومخرج مسرحي

الـفـرعــــــون ـ
يقطن في مدينة تحتضنها الصحراء ويمر بين جوانبها نهر النيل ويقف في مواجهتها معبد كوم إمبو شامخاً وشاهداً وهو معبد بطلمي بني علي أطلال معبد حتشبسوت . وعلي مقربه من المعبد ولد الفرعون . عندما تدقق فيه ستجد طوله الفارع وجسده المنحوت وشعره الأسود الغاطس في بئر السواد . وشمس الجنوب الحامية انعكست علي وجهه ولفحته بالحمرة فحدث مزج غريب بين سمرته وحمره الشمس فخرج لونه البرونزي . إنه محمد شحات . لو أمعنت في وجهه ستشعر أنك تقف أمام فرعون من عصر جميل قد مضي . فرعون هرب لتوه من قدس الأقداس أو المذبح .
جلوسه الكثير علي حافة النهر بجوار أشجار السيسبان وطيرانه والجري في غيطان أعمامه ثم هروبه المتكرر من مدرسته ليقضي أوقات في الصحراء الغربية علي حدود مدينته ( كوم إمبو ) كل هذا أعطاه فرصة للتأمل وتفجرت لدية موهبة كتابة القصة القصيرة . ولما صارا شابا ركب سفينة الغربة وأتجه إلي السعودية للعمل وأخذ يتردد بشكل منتظم بين السعودية ومدينته الجنوبية رافضا ركوب الطائرة مفضلا عنها السفينة ـ يضحك ويقول بحر لمدد الشوف وصحراء بلا حدود وغيطان رحبة تجعلني أكثر تأملا . قد يكون حقق شحات بعض النجاحات في القصة القصيرة ولأنه ملول بطبعة فقد ترك القصة القصيرة وترك أيضا السعودية . علي مقهى الزهور يشعل سيجارته ويغرق في الضحك عندما كان ذات يوم منذ زمن بعيد وهو خارج من قاعة نادي الأدب بقصر ثقافة كوم إمبو قابلة المخرج الراحل محمود عبد الفتاح وعرض علية البطولة في رائعة محمود دياب ( الغريب ) وفي شجاعة يحسد عليها وافق وخاض التجربة وبعد ليلة العرض قام المخرج الكبير الراحل فوزي فوزي وأثني علية وقال له كما وجهك المنحوت التي تزعق فيه الشخصية المصرية الأصيلة جاء ت لهجتك في العرض من تراب كوم إمبو .
ركب شحات القطار معه صديقيه خالد فرح وخالد عطالله واتجهوا للعاصمة وتقدموا لمعهد فنون مسرحية . وكما ذهبوا ثلاثتهم في القطار .. رجع أثنين هو وخالد عطالله وهم ينظران للزراعات عبر نافذة القطار وكل خلجة من خلجاتهم تنتفض في غيظ . وبعدها بعام كررها شحات ركب القطار بمفردة يحمل دوسيه التقديم لمعهد فنون مسرحية . وكما ذهب بمفردة رجع بمفردة وتحت أبطيه الدوسيه وهو يرنو لركاب القطار في ملل وتمني أن يصرخ ويقول فعلا بلد وسايط . ويقرر بعدها مقاطعة المسرح وتمر بعض السنوات ويأتي المبدع يس الضوي لإخراج عرض مسرحية ( عزيزة ) لفرقة كوم إمبو .
ومثلما تقترب الناموسة من الصاعق بلا إرادة منها . يقترب محمد شحات من تجربة عزيزة ولكن دون أن يمثل أكتفي بالوقوف بجوار الفرقة وظل يساندها في مهرجاناتها والتي حققت الفرقة ويس الضوي المزيد من النجاحات . ويغيب شحات مره أخري وبمجئ الفنان طارق حسن لإخراج مسرحية ( حفلة للمجانين ) أقنعه كاتب السطور بخوض التمثيل مره أخري ووافق محمد وحقق العرض كثير من النجاحات . كان بيت محمد محاط بعدد كبير بأشجار المانجو .
كنا كل عام عند طرحها نقوم بعمل مهرجان عظيم للمانجو . من عصير وأكل ولعب . حيث كنا نقوم بضرب بعضنا البعض بها . وكان مصيرنا أخر النهار الفرار من فأس عم شحات الذي كان يجري خلفنا يريد قطع رؤوسنا وهو يلعنا بأشد اللعنات . الغريب عندما مات عم شحات رفضت أشجار المانجو طرح ثمارها .
وتقف الأشجار للآن وكأنها شاهده علي عصر جميل قد مضي . قمت بإقناع محمد بمحاولة إخراجه لعرض مسرحي ولكنه تردد . وللحقيقة وجدت شحات موهوباً ومثقفاً ولكن كانت تنقصه جراءة التجربة . ويظل محمد هو أول من قدم تجربة نوادي المسرح في محافظة أسوان وبعده عرفت أسوان مشروع نادي المسرح . وقدم محمد مشروع نادي مسرح بعرض ( موكب عقربان ) تأليف / يس الضوي . ولكن خرجت التجربة الأولي ضعيفة ومهترئه وتفتقد لمعايير العرض الناجح ووضح فيها قله إمكانيات .
ولأن شحات صافي مثل ماء بحر النيل وعندما يتحدي نفسه يكون مثل طوفان بحر النيل يغرق العالي والواطي . فقرر عدم التوقف وأخرج بعدها رائعة صلاح عبد الصبور ( مسافر ليل ) وقدم وقتها الممثل والمخرج خالد عطا لله مهندس ديكور . وجاء العرض متماسكاً عن موكب عقربان . وترك لدي المشاهد أثرا طيباً . وهنا محمد شحات تحدي نفسه ومجموعة المقهى وهم من الفنانين والأدباء سيقدم تجربة كبيرة ومهمة . وبالفعل قدم عرض ( مشروع شهيد ) ونجح العرض نجاحا كبيرا . لأنه يحمل أفكارا جديدة علي مستوي الصورة البصرية وعلي مستوي استخدام مغاير لقاعة العرض . وكان جريئا عندما كفن المسجد الأقصى في نهاية العرض مع مقاطع من قصائد أمل دنقل . وحقق العرض الكثير من الجوائز في مهرجان نادي المسرح الثاني عشر ببورسعيد ومنها جائزة اعتماده كمخرج .
وبدأ شحات يدخل دائرة المسرح بشكل أشمل وأوسع . فقام بإخراج عرض( الرحلة النعمانية ) لفرقة كوم إمبو . وهناك ملاحظة شديدة الأهمية .
وهو لم يهتم شحات بإخراج عروض عن الجنوب . ولم يقدم جنوبه إلا بعد خمسة عروض . فقدم رائعة يحيي الطاهر عبد الله ( الطوق والأسورة ) إعداد محمد عبد الله لفرقة جرجا قدم العرض داخل قاعة كبيرة . وجاء العرض مكتمل ويحمل شكل جديد لدراما تهتم بالجنوب لما له من خصوصية ووضح ذلك جليا عندما قدم المعبد في مواجهه بيت حزينة .
ولا أول مره يتم استخدام موسيقي وإنشاد من الجنوب مثل الشيخ ( الرنان ) و الشيخ ( آب برين ) وتم عرض المسرحية في مهرجان فرق الأقاليم بسفاجا وحصد العديد من الجوائز . وأستكمل شحات مسيرته في قري ونجوع الصعيد . وللحق فإنه المخرج قد يكون الوحيد من جيله الذي ذهب يخرج في قري ونجوع وفرق أغلبها تكون ضعيفة .
يحدثه وشعره الأسود يتطاير ويقطب جبينه ويصب اللعنات علي الكثير من لجان التحكيم فهو في قراره نفسه لا يقتنع بإن الفن يتم تقديره بمجرد أرقام وكأنه فاتح دكان غلال وجاء
وجاء له من يعد ويحصي الأجولة ويضع لها أرقام . ولكن المدقق لمسيرة شحات يجد بأنه قد أستغرق في إخراج عروض تنتمي للجنوب أو الصعيد ( شاهد ملك ) لفرقة المنشأة . (حلم يوسف ) فرقة نجع حمادي ( البراوي ) و ( طرح الصبار ) فرقة كوم إمبو ( ناس النهر ) فرقة أسوان . وهنا ينتبه ويبدأ في تغيير جلده فيخرج عرض ( عزيزة ) لعبد الغني داود لفرقة قنا . وبعدها يغير جلده مره أخري ويخرج عرض ( أحلام ياسمين ) عن البؤساء لفرقة أسيوط
* فـــلاش أخــير :
مازال محمد شحات يقطن في جنوبه البديع .. مازال يبحث عن مجهولة في دروب المدينة . ومازال يرنو لبحر النيل وللصحراء الغربية التي تحد مدينته الجميلة . ومازال يسير في الحقول لعله يشبع عالمة الداخلي الذي سيخرجه حتماً لنا كمتلقيين لفن رائع .
ومازالت ترفض شجيرات المانجو الطرح . ربما تطرح في زمن أخر . زمن يكون الجمال عنوانه .
ربما


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock