مقالات ودراسات
د. علي خليفة يكتب عن شخصية الإسكافي في المسرح
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات وراسات
ـ
د. علي خليفة
عمل الإسكافي من الأعمال التي تدر دخلا بسيطا؛ ولذلك فإننا نرى الإسكافي يتم تصويره في المسرح على أنه شخص فقير، ونراه في بعض المسرحيات قانعا بعمله البسيط ورزقه القليل، كما نرى في مسرحية الإسكافية العجيبة للوركا، فبطل هذه المسرحية هو إسكافي قد كبر في السن نوعا ما، وكان راضيا عن عمله، وسعيدا بالهدوء الذي يعيش فيه، وتنقلب حياته للاضطراب والشكوى حين يستمع لنصيحة أخته له بأن يتزوج حتى لا يعيش وحيدا، ويتزوج هذا الإسكافي من شابة جميلة تصغره في السن، وتعبر له كثيرا عن ضيقها بالزواج من شخص كبير وفقير مثله، وكذلك كان يضايقه منها تجاوبها بالحديث مع بعض الرجال الذين يظهرون إعجابهم بها، ويرى هذا الإسكافي أنه فقد الهدوء الذي كان ينعم به قبل زواجه، وأن حياته تحولت لجحيم، فيهجر زوجته، ويسافر في البلاد مغتربا، ويمتهن مهنة أخرى هي مهنة الحكاء الشعبي،وكان يحكي – على وجه الخصوص – حكايات الزوجات الخائنات.
ويعود الإسكافي لبلده، وهو متنكر في هيئة حكاء، ولا تتعرف عليه زوجته، ويرى أنها هي أيضا قد غيرت مهنة الإسكافية، وحولت محل الإسكافي الخاص به لمقهى، وكذلك يكتشف أنها محبة لزوجها وتفتقده، وتشعر بالوحدة لبعده عنها، وعند ذلك يكشف الإسكافي لها عّن حقيقته، فتعود للشغب معه من جديد.
وأحيانا نرى بعض الأشخاص في بعض المسرحيات قد ارتضوا عمل الإسكافي؛ لأنهم رأوْا فيه ما يتناسب مع البساطة والقناعة في العيش والتقرب من الناس البسطاء، كحال أحد الأمراء في مسرحية الانتظار لأمين بكير، وهذا الأمير قد جال في البلاد كما أمره والده هو وأخوين له بذلك، ليكتسبوا خبرة بالحياة، وليختار واحدا منهم بعد ذلك ملكا لهذه البلاد، ويستقر أحد هؤلاء الأبناء الثلاثة في أحد البلاد، ويعمل فيه إسكافيا، ويعجبه ما في هذا العمل من بساطة، وقرب من الناس، فيقرر أن يستمر في هذا العمل، ولا يهتم بأن يكون ملكا، ونلاحظ أن هذا الأمير قريب في شخصيته من شخصية أحمد الغلبان المذكور في كتاب ألف ليلة وليلة، وقد جاء في كتاب الأغاني عنه أنه الابن الأكبر لهارون الرشيد، وقد رفض المناصب والجاه، وسعى في البلاد فقيرا زاهدا.
وفي مسرحيات أخرى نرى الإسكافي نموذجا للشخص الذي يشكو من بساطة حاله، وقلة رزقه، ويسعى للثراء، كما نرى ذلك في مسرحية علي جناح التبريزي وتابعه قفة، ففي هذه المسرحية نرى قفة يصاحب سيده التبريزي على أنه خادم له، وقد ترك مهنة الإسكافي، وصار يطمع في الثراء، وعاش على خيال التبريزي متوهما مثله أن لسيده التبريزي قافلة كبيرة ستأتي وفيها كل عجيب وغربب وفريد في الحلي ومختلف البضائع.
وقد استلهم ألفريد فرج هذه المسرحية من قصة معروف الإسكافي من كتاب ألف ليلة وليلة، وفي هذه القصة نرى أيضا حال معروف الإسكافي في فقره خلال عمله إسكافيا وتطلعه للثراء من خلال عمله في عمل آخر يدر عليه أموالا كثيرة، وتلعب الصدفة دورها في حياة معروف الإسكافي، فيحقق الثراء الذي كان يرغب فيه، وذلك بعد أن يهجر عمل الإسكافي.
وفي مسرحية اللعب الزجاجية لتنيسي وليامز نرى بطلها يعمل في مصنع بسيط للأحذية، ويعيش مع أسرته في حالة فقر شديد، ونراه شديد التطلع لتركه العمل في ذلك المصنع، وأن يتجول في البلاد، ويعمل أعمالا أخرى ينال الثراء من ورائها.
وهناك مسرحيات أخرى يظهر فيها الإسكافي شخصا متوافقا مع عمله، ويبدو أنه يمارسه باستمتاع، ويرغب في أن يتوسع فيه، وهو خلال قيامه بهذا العمل يبدو ظريفا لا سيما مع الزبائن الذين يأتون له، كحال الإسكافي الذي نراه في مسرحية السلطان الحائر لتوفيق الحكيم، فنحن نراه في هذه المسرحية ظريفا بشوشا، محبا لعمله، ويتناقش مع صديقه الخمار على أن يشتريا السلطان عند عرضه في مزاد علني ليجلساه أمام محليهما ليفد الزبائن لهما؛ ليريا ذلك السلطان، وليستمعا لأحاديثه العجيبة والغريبة خلال حروبه مع التتار.
ويكتشف هذان الشخصان أن السلطان الذي سيعرض في المزاد – لأنه لم يعتق من السلطان الذي قبله، وكان يملكه – أنه وجب على من يشتريه أن يعتقه في الوقت نفسه، ثم يكتشفان أن امرأة غانية هي التي وقع عليها المزاد، واشترت السلطان، واشترطت لعتقه أن يبيت عندها في بيتها ليلة، وخلال تلك الليلة التي قضاها السلطان في بيت هذه المرأة اكتشف أنها سيدة فاضلة، وأنها تصاحب الرجال من أجل عقولهم لا من أجل أجسادهم، وأنها حولت بيتها لصالون أدبي، وكانت تلتقي فيه بالأدباء والشعراء والمفكرين، وفي هذه الليلة يتراهن الإسكافي مع صديقه الخمار – كحال غيرهما كثير من أبناء هذا الشعب – فيما ستفعله هذه المرأة مع هذه السلطان، وكان الإسكافي يرى أن هذه المرأة لن تعتق السلطان بعد هذه الليلة، في حين كان صاحبه الخمار يرى أنها ستعتقه بعد تلك الليلة.
وكما رأينا فشخصية الإسكافي يغلب على تواجدها في المسرح أن نراها شخصية ظريفة تبث الفكاهة بظرفها، وأحيانا نرى الإسكافي قانعا بعمله البسيط ودخله القليل، وأحيانا نراه متطلعا لترك ذلك العمل، والعمل في مهنة أخرى يأتي له الثراء من ورائها.