مقالات ودراسات

عبد الجبار العتابي يكتب: “يا رب”.. عرض مسرحي صادم ..عراقيات يهددن الله بالإضراب عن الصلاة والصيام!


المسرح نيوز ـ القاهرة ـ متابعات

ـ

شهد المسرح الوطني ببغداد عرضا مسرحيا صادما هو الاول من نوعه حينما هددت امرأة عراقية باسم امهات الشهداء رب العزة الله الخالق بالاضراب عن الصلاة والصيام ان لم يوقف القتل خلال 24 ساعة!
عرضت ،على مدى يومين، مسرحية (يا رب) تأليف علي عبد النبي الزيدي واخراج الشاب مصطفى الركابي وتمثيل سها سالم وفلاح ابراهيم بمشاركة الفنانة زمن الربيعي التي ادت دورا صامتا وانتاج منتدى المسرح التجريبي التابع لدائرة السينما والمسرح،وشكل العرض صدمة للمشاهدين الذي غصت بهم قاعة المسرح الوطني واصابهم بالذهول والدهشة والاعجاب ايضا  لاسيما ان العرض حمل افكارا لم يتطرق لها المسرح العراقي من قبل وقد اثار جدلا فيما بعد بين الجمهور والفنانين ايضا لان العرض تناول الذات الالهية ونبي الله موسى وتعرض لعدد من الانبياء بشيء من القسوة من خلال العتاب مع الرب ، من خلال ام  لعدة شهداء عراقية يخولنها امهات الشهداء للتفاوض مع الرب من اجل وقف القتل الذي يتعرض له الابناء فتطرح شروطها بأن يوقف الله القتل خلال 24 ساعة والا فهن سيضربن عن الصلاة والصيام ،  فتذهب الى الوادي المقدس (طوى) وهناك تريد ان تتحدث مع الله ولكن .
 ولا بد من الاشارة الى ان الفنانين سها وفلاح كانا موفقين جدا في تجسيد الشخصيات وفي التحاور فيما بينهما والتناغم ، يذكر ان العرض اطلق عليه (العرض البارد) باعتبار ان العرض هذا يأتي تكملة لعرض سينمائي وكذلك لاضافة اخرى من خلال (قرص سي دي) تم توزيعه على الجمهور  فيه الكثير من التفاصيل التي كثفها العرض المسرحي، كما ان المخرج اشار الى ان وقت العرض الافتراضي 10 دقائق فيما كان العرض لاكثر من ساعة .
يبدأ العرض بصوت رخيم يقرأ آيات من القرآن الكريم وبالتحديد من سورة (ق) : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) ،ثم تظهر على شاشة في اقصى الخشبة ملاحظات عن العرض ومنها يبدأ استهلال فيلمي يبدأ بملاحظة انه (يشبه استهلال فيلم (هلا وين) للمخرجة اللبنانية نادين لبكي حين تقوم النساء بكل السبل لمنع حرب يسعى الرجال إلى إشعالها ، حيث تظهر مجموعة من النسوة يومن ثم يظهر على خشبة المسرح رجل ممدد على سرير طبي وبجانبه فتاة (ممرضة) فيما هناك منضدتان احداهما وسط الخشبة والاخرى قريبة من جهة الخشبة اليمنى على طرفيها كرسيان وحين تدخل المرأة التي ترتدي السواد من رأسها حتى قدميها تجلس على الكرسي القريب وتقول بصوت متهدج خفيض (جئت اليك يا رب وفي قلبي الف دمعة وعتاب،اعاتبك واعاتب روحي،واتساءل :كيف لروحي ان لا تستجيب لدعائي،انا الان غيرتك يا رب ) ، (يا رب يجب ان توقف هذا القتل ،الغرق ،الحريق ،اي قدر هذا الذي يجعل اولادنا الذين نخاف عليهم من الهواء لقمة سائغة بفم اسماك البحر ،اي قدر تافه هذا عندما نصحو صباحا ولا نجد سوى رائحة عطورهم على فراشهم) وايضا )يا رب انا اتحدث اليك بصفتي اكثر الامهات دفنا لاولادها ،ادفن كيلوات لحم ،كيلو كيلوين ثلاثة،وكبيرهم لم اجد له عظما واحدا ) وايضا : (يا رب لقد جئتك بتواقيع الامهات ،لم نزور ولا توقيعا واحدا وفي كل مرة النصاب يكمل عندك يا غفور، يارب.. نريد ان نقول لك شيئا مهما باسمي وباسم كل الامهات سنعطيك مهلة يا رب 24 ساعة ان تقول للشيء كن فيكون او نضرب عن الصلاة والصيام،ولن تجد اما بعد اليوم ترفع يدها للدعاء اليك يا اقرب الينا من حبل الوريد،شروطنا واضحة ،ان توقف هذا القتل الذي يأكل اولادنا ،ان توقف هجرتهم عن احضاننا،هم يخرجون ولا يعودون وهم بعمر وردة تحلم بربيع سيأتي) ثم ايضا (ربي.. انا في واديك المقدس، ياااا رب)..في محاولة منها للتحدث مع الله مباشرة .
هناك يتأوه (موسى النبي /المريض) ويدور بينه وبين المرأة حديث بعد ان يعرفها بنفسها وقد رفض شروطها وتستغرب ذلك فتقول له وهي تطلق ضحكة ساخرة خفيفة (نبي موسى يترك الجنة ليعيش في هذا المكان) ،ويستمر بينهما الحديث الذي المليء بالتساؤلات والقسوة والتحدي (يقول لها : افسرها محاولة للانقلاب على الذات الالهية) فتقول له (انت نبي ،على عيني وراسي، ولكن لا يحق التدخل بيننا وبين الله) فيؤكد لها ان طلبها مرفوض فتطلب منه ان يفعل شيئا بعصاه ، ويستمر الحديث / الجدل بينهما خطيرا لكنه يقنعها ان تصلي فتحاول فيؤكد لها ان صلاتها خاطئة وهي تقنعه بعذاباتها الكثيرة الى ان يتفرقا فهناك على الشاشة تظهر كتابة (موسى يعش في منزل الام منذ اربعة اشهر تقريبا ،هو بصحة جيدة الان وتحت رعاية الام بعد ان غادرتها العصا).
لكن المسرحية شهدت مشاهد كوميدية فيها بعض القسوة حينما يتم استعراض عذابات وبلاءات الانبياء الذين ابتلاهم الله بها وهم انبياء وكأن المشهد عبارة عن عتب بين الانسان وربه لكنه عتب قاس !!.
 آراء في العرض
فقد اعرب الفنان والاكاديمي الدكتور حسين رشيد عن اعجابه بالعرض وقال :هذا العرض تجربة مسرحية مهمة في عداد المسرحيات التي يقدمها مسرحيون شباب ،ومخرج مثل مصطفى الركابي يقتحم الميدان لاول مرة ،على حد علمي، وهو يمتلك رؤية ثاقبة ،بصرية وجمالية مهمة استطاع من خلالها ان يتواصل ويتساوق مع التفسير والفكر الفلسفي الذي تبناه الكاتب علي عبد النبي الزيدي في نصه المسرحي ،
واضاف: بعد ان اقول ان النص مثير للغاية ومهم للمؤلف الزيدي الذي يتحفنا دائما بنصوص مهمة وهو يشكل علامة مهمة في الكتابة المسرحية والتأليف المسرحي العراقي ، الان يأتي المخرج ليتحفنا بمعالجة اخراجية هادئة ، تحاول لاول مرة ان تبني وتؤسس ايقاعا مسرحيا وايقاعا بصريا هادئا يجتذب المتلقي في لحظات الاداء ويصل به الى لحظة الاحتدام بشكل موفق عبر صور بصرية هادئة وجميلة وبسيطة جدا .,
وتابع:المهم ان المسرح اليوم ما عاد مسرح حكاية تمثل على الخشبة من دون تأثير في مرحلة التجسيد وبعدها كل يذهب الى بيته، المسرح يجب ان يثير تساؤلا ويجب000 ان يثير قضية معينة ويمكن ان يؤشر على موضوع معين او هم جمعي موجود عند الناس بطريقة جديدة لا بطريقة تقليدية مألوفة، اليوم المسرح يزيح المركز ويستحضر من الهوامش عناصر مهمة فاعلة لتشكل صورة من صور ما بعد الحداثة في قراءة الصور البصرية للمسرح وحتى في قراءة المعالجة الاخراجية للنص المسرحي، انا اعتقد ان التأسيس كان منذ الكتابة لهذا العرض موفقا لكي يهيأ للمخرج افكارا يمكن ان يشتغل عليها وكان المخرج من الذكاء الخارق الذي يستحق ان يكون بعد هذا العمل واحدا من ابرز وأهم المخرجين المسرحيين الشباب وقد استطاع برؤية ثاقبة ان يقرأ النص وان يفكر كيف يعالج فكرا مثل هذا ، وهو فكر فلسفي من الخطورة بمكان التحدث به الان في ظرف مثل ظرفنا العراقي الذي نعيشه، الا انني اعتقد ان هذه هي الضرورة ،ضرورة البوح بمثل هذا الهم الانساني النبيل والتعرض له وهذه هي قضية المسرح اليوم ورسالة المسرح ينبغي ان تكون بهذا الشكل .
  اما الفنان يحيى ابراهيم فقد ابدى دهشته ، قائلا: لاول مرة خلال الـ  13 سنة الماضية اشاهد حدثا على خشبة المسرح اكبر من الحدث الموجود في الشارع ، وهذا بحد ذاته يعتبر انجازا ، فالمسرحية فيها كل همومنا وكل تجلياتنا وفيها المسحة الصوفية والمسحة الواقعية وتلمست جراحنا من دون ان تؤذينا وحاولت ان تكون بلسما لجراحنا.
 واضاف: المسرحية تكاد تتكلم شعرا لانها ادخلتنا في اجواء ساحرة ، وارجع واكرر انني منذ عام 2003 الى حد هذه اللحظة لم اشاهد عملا مسرحيا بهذه الفخامة وان ما حدث على خشبة المسرح اكبر مما يحدث في الشارع البغدادي خاصة والشارع العراقي عامة بل في العالم كله .
فيما اشاد الفنان والاكاديمي الدكتور حسين علي هارف بالعرض واصحابه، وقال : كنا ازاء عرض صادم على المستوى الفني والفكري ، من ناحية المستوى الفكري كان كاتب النص علي الزيدي جريئا ومقتحما ولا يقف عند خطوط خضراء او حمراء او زرقاء،الذي فجر من خلال نصه مجموعة من الاسئلة الصادمة التي ربما لا يبحث لها عن اجوبة او حلول لانها ليست مهمته ، اما على المستوى الفني فالمخرج الشاب مصطفى الركابي استطاع ادارة هذا العرض بشكل متميز وقدم نفسه لجمهور نخبوي عريض من خلال ادارته لممثليه الرئيسيين (سها سالم وفلاح ابراهيم) فضلا عن الشخصية الثالثة الصامتة، واستطاع ايضا استخدام الشاشة بشكل تقشفي ومعبر ومختزل.
 واضاف :عوّل المخرج على الاحتدام في الاداء لدى الممثل الذي لم يعتد عليه الممثل الذي كان يميل دائما الى الاحتدام الخارجي عبر آليات الصوت والالقاء والجسم والاشارات وغيرها ،فالمسرح كان خاليا تماما من مفردات السينوغرافيا والديكور ولكن عبر الشاشة فقط وعدة قطع ديكورية بسسيطة استطاع ان ينقل الينا اجواء الوادي المقدس الذي تدور فيه الاحداث .
وتابع: لا ازعم ان العرض تجريبي مئة بالمثة ولكنه ينطوي على جدة وبعض الابتكار لما هو سائد ومألوف في المسرح العراقي .
 وختم بالقول : مبارك لمصطفى الركابي خطوته المتقدمة وانا على ثقة انه ينبيء عن مشروع مخرج مسرحي متقدم ومحترف وعالي المستوى، اما الممثلون فيجب ان ننصف اداءهم، فسها سالم كانت على درجة عالية من الاداء الاحترافي والاحساس المتقد داخليا وعولت كثيرا كما عودتنا على الاداء الداخلي، وكذلك فلاح ابراهيم بكل استرخاء وبكل خفة ظله جسد لنا هذه الشخصية المركبة التي لا اتصور ان احدا يمثلها كشخصية النبي موسى .
وسبق له ان قدم بعض العروض في بعض المهرجانات كانت تنطوي على التماعات فنية واخراجية تنبيء عن ولادة مخرج واعد
من جانبه قال المسرحي قيس جوامير:النص المسرحي : يا رب نص مسرحي جرئ في طرحه , يحاكي دواخل “النفس البشرية ” لجميع شرائح المجتمع بلا استثناء لأرتباطه بالايمان الغيبي للفرد سواء كان سلبا او أيجابا حيث يتجه الانسان الى الدعاء والغيبيات عندما يصل الى حالة اللاجدوى ،أن مثل هذه النصوص تعد علامة صحية في كسر التخوف في الولوج الى عالم التساؤلات المحرمة على الانسان ومرحلة من مراحل التطور الفكري والجمالي للكاتب المسرحي العراقي شكرا للمبدع عبد النبي
واضاف:استخدام السينما في المسرح لا تاتي دون مبرر , كان باستطاعة المخرج ان يستعيض عنه بمشهد مسرحي فيكون اكثر وقعا على الجمهور الا اذا كان المخرج يريد بذلك ربط المأساة بين الشعب اللبناني والعراقي وهذا يجعله يترك معاناة الشعوب العربية التي ابتليت بالارهاب والقتل،أن أكثر المشاهد أفتقرت الى الفعل الذي هو عمود العرض المسرحي , الممثلين جالسين في جلسة على الطاولة يتحاورون ويرددون ما جاء في النص المسرحي بالقاء منغم لا يخلو من الجمال خالي من اي فعل .
وتابع :في هكذا عروض , تمس الغيبيات والاسطورة , يجب ان تكون للموسيقى أثر كبير في اثراء الصورة المسرحية , في حين أن المخرج لم يتعامل مع اي موسيقى تذكر وبذلك قد خسر أداة مهمة من ادواته الاخراجية ،أن ذهاب شخصية الام الى الوادي المقدس طوى ماهو الا مشهد وهمي غير واقعي يندرج في صف الخيال والا معقول , ويعطي للمخرج الحرية في التعامل مع ادواتهبحرية كاملة دون ان تقيده اي مدرسة او مذهب اخراجي .
واضاف ايضا: ان الاضاءة كانت بائسة ولم ينجح مصمم الاضاءة ان كان له وجود من حصر المشاهد والتركيز على المشهد المراد ايصاله الى المتلقي ,اما بالنسبة للديكور والازياء فاستخدم المخرج الواقعية فيهما ليعصرنها وبالتالي تسقيطها على الحاضر .كان لاستخدام اللهجة العامية انقاذ لرتابة المشاهد . ومشهد لقاء الام مع النبي موسى والسخرية كانت ليست بصالح العمل من وجهتين رئيسيتين اولاهما ان الام نست كل الشهداء ونسيت معاناتها واصبحت تضحك بقهقهه وثانيهما البسخرية من المواضيع التي يتحاورون فيها عن الانبياء مما يسبب لهم مشاكل كبيرة , فالاجدر بالمخرج ان يناقش الموضوع فكريا وليس بسخرية حتى يتجنب الاساءة الى معتقدات الاخرين .
 المصدر: موقع إيلاف

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock