مسرحية “آسف..لن أعتذر” للمسرح الجهوي لمدينة معسكر الجزائرية مرافعة جدية للاعتذار و تجريم الإستعمار الفرنسي
المسرج نيوز ـ الجزائر |العربي بن زيدان
ـ
أحيت مسرحية “أسف …لن أعتذر” من إنتاج المسرحي الجهوي لمدينة معسكر، غربي الجزائر ،التي تجوب عدد من المدن الجزائرية في جولة مسرحية تندرج في سياق ،حشد الدعم الجماهيري المتصل بالذاكرة الثورية للشعب الجزائري إبان مسيرته النضالية و التحريرية ضد الإستعمار الفرنسي الغاشم من خلال التركيز على قضية ضرورة إعتذار فرنسا الرسمية عن جرائهما العنصرية ضد الشعب الجزائري .
تندرج مسرحية “أسف …لن أعتذر “و التي كتب نصها بشير بن سالم و اخرجها ركحيا المخرج عيسى جكاطي ،أما السينوغرافيا ،من تصميم عبد الرحمن زعبوبي،في مضامين المسرح الثوري الذي ميز طيلة عقود ،مسيرة المسرح الجزائري عبر عدد من المسرحيات الخالدة التي وثقت ركحيا لكفاح الشعب الجزائري من أجل نيل حريته المغتصبة من قبل القوة الإستعمارية للإحتلال الفرنسي حيث شكلت تجربة فرقة جبهة التحرير الوطني بقيادة الفنان المناضل ،مصطفى كاتب ، أهم سفير للثقافة الجزائرية بينها أبو الفنون للتعريف بالقضية الجزائرية خارج حدود الوطن ،حيث ابدعت في عدة مسرحيات ثورية على غرار مسرحيات “الخالدون” “أولاد نوفمبر” 132 سنة و غيرها من المسرحيات من تأليف كبار المسرحيين مثل كاتب ياسين و ولد عبد الرحمن كاكي ،علال المحيب،عبد الحليم رايس ،الباهي فوضالة ،الطاهر وطار،أبو العيد دود،رضا حوحو ،حيث تطرقت هذه المسرحيات لمأساة الجزائريين تحت هيمنة و همجية الإحتلال الفرنسي الذي عمل منذ إحتلاله أرض الجزائر على طمس كل مقومات الهوية الوطنية ،قتل،تعذيب ،تشريد و فرض على السكان الأصليين سياسة الإستعباد .
و تأتي مسرحية ،أسف ..لن أعتذر” في سياق رؤية فنية تتماشى مع معطيات سياسية و إجتماعية تربط جزائر ما بعد الإستقلال بدولة فرنسا (القوة الإستعمارية) بعد مرور 54 سنة على إستقلال الجزائر حيث ظلت قضية إعتذار عدو الأمس ممثلا في طبقته السياسية و العسكرية، تشكل أحد أهم الطابوهات و المحرمات التي لا يرغب الساسة الفرنسيين الخوض فيها لأن الجرائم الفرنسية في الحرب الجزائرية تتمتع بحماية قانونية فعّالة، لم يسبق لدولة اخرى ان فرضتها. فالجرائم الأميركية في فييتنام، والسوفياتية في أفغانستان، والاستعمارية في كل مكان، لم يُحدد مصيرها باتفاقات صريحة وواضحة.
وقبل شهور من استقلال الجزائر، أصدر الفرنسيون قـانوناً يجيز العفو العام عن الجرائم التي ارتُكبت في هـذا البلد قبل صيف 1962، وكانوا قد أصروا خلال مفاوضات “إيفيان” مع الحكومة الجزائرية المؤقتة، على إدراج بند في اتفاقات الاستقلال يؤكد أن فرنسـا لا تتحمل في المستقبل أي مسؤولية عن وجـودها في الجـزائر، وبالتـالي لا شيء يـلزمها دفـع تعـويضات مادية أو معـنوية.
وبما أن جرائمهم صارت محمية، فقد عاش جلادو ومجرمو الحرب الجزائرية نهاية خدمة سعيدة وهانئة لا تعكّر صفوها دعاوى قضائية ولا تطاولها المحاكم الدولية وبعضهم عاد للانخراط في الحياة السياسية.و كان رئيس الحكومة الفرنسية ،نيونال جيسبان أول من أجاز الحديث عن جرائم الحرب حيث دعا خلال الاحتفال السنوي “للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية” في فرنسا إلى الكشف عن حقيقة ما جرى خلال حرب الجزائر، وقال أن هذه الحقيقة “لا تضعف المجتمع الفرنسي بل تقويه لأنها تتيح إستخلاص الدروس من الحرب لاستخدامها في بناء مستقبل فرنسي أفضل” و تماشيا مع هذه المستجدات التي سقطت كالصاعقة على الساسة و القادة العسكريين من ضباط و جنود ،و في 2001 اعترف السفاح أوساريس مسؤول المخابرات السابق في الجزائر المستعمرة في كتابه “المصالح الخاصة في الجزائر 1955-1957” أنه مارس التعذيب “بموافقة إن لم يكن بأمر” من المسؤولين السياسيين .
كما كان أوساريس يؤكد دوما أنه ارتكب أفعاله بموافقة مسؤوليه العسكريين و السلطات السياسية. وتساءل “هل أنا مجرم؟ قاتل؟ وحش؟ لا، فأنا لست سوى جندي قام بما قام به من أجل فرنسا بما أن فرنسا هي التي طلبت ذلك.إنطلاقا من هذه الأجواء ،حاولت مسرحية “أسف ..لن أعتذر ، الغوص في شخصية أحد ضباط الفرنسيين الذين مارسوا التعذيب خلال فترة حرب التحرير ،تدور أحداث المسرحية داخل شقة فخمة يزينها أثاث فاخر يرمز لحياة على الأرستقراطية الفرنسية غير أن هذا الضابط الذي ظل يفتخر بماضيه مثله مثل باقي العسكر،سرعان ما تتحول حياته إلى جحيم على خلفية تعالي الأصوات المناهضة للتعذيب و إنتهاك حقوق الإنسان خاصة على مستوى وسائل الإعلام الأمر الذي أدى إلى فتح عديد الملفات بشأن تورط مسؤلين في أجهزة أمنية بضلوعهم في قضايا تعذيب و على ضوء هذه المستجدات ،ينعزل الضابط فرنسوا من أداء الممثل وائل بوزيدة ،في بيته بعد تداول أخبار عن إنتحار صديقه الضابط تحت ضغط المحاكمة .
و تظهر نقطة التحول في حياة العسكري الكهل الذي كان إلى وقت قريب يتباهى أمام ضيوفه بإرتداء بذلته العسكرية المرصعة بالأوسمة و النياشين ،بظهور الشابة صفية تمثيل “مليكة قطني” التي تزوره في بيته بعدما لحظت غيابه عن التردد على الحانة التي كان يقضي فيها أحلى أوقاته مع رفاقه ،حضور الشابة صفية ،يؤجج في نفسية الضابط نيران الماضي ،فتبدو نفسيته مضطربة منهارة ،أمام أسئلة الفتاة التي تتقمص في البداية شخصية صحفية جزائرية ترغب في إفتكاك تصريح صحفي في سياق الحملة الإعلامية دائرة حول قضايا التعذيب و إنتهاكات حقوق الإنسان خلال حرب الجزائر غير أن الضابط يعتبر هذه المستجدات بالهراء مادام العسكر أدوا مهامهم خدمة لفرنسا .
غير أن حقيقة شخصية صفية تتضح بشكل تسلسلي و فجائي ضمن حبكة مسرحية ،إستخدمها المخرج عيسى جكاطي ،في عملية إسقاط ذكي للخوض في مسائل التعذيب الوحشي و الإغتصاب الذي تعرضت له النساء الجزائريات على يد الجنود الفرنسيين حيث يبرز المخرج في مشهد قوي ،مدى تعلق العسكر الفرنسيين بهذه الذكريات على الرغم من بشاعتها ،حيث تكتشف صفية محفظة تتحوي على رسائل كان يخطها الضابط إلى عائلته يسرد من خلالها كل أفعاله الوحشية فضلا عن إحتفاظه بأدوات التعذيب في مشهد تراجيدي تعيد الممثلة أداء مشاهد التعذيب ركحيا حيث يكتشف المشاهد في نهاية العرض ،أن صفية هي بنت هذا الضابط الفرنسي الذي إغتصب إمرأة جزائرية في إحدى خراجاته الميدانية بحثا عن الثوار .هذا،و أكد الكاتب بشير بن سالم ،”أن النص يتناول موضوعا ثوريا و يرافع لحق الإعتذار و التجريم”.
أما المخرج عيسى جكاطي ،”فقد أوضح أن المسرحية تناقش قضية شرف و صراعا ثنائيا بين جيلين و بين جنسين و ثقافتين تعكس حقيقة الصراع الأبدي بين الشرق و الغرب”.
.