مسابقات ومهرجانات

مهرجان المسرح الجامعيبالجزائر: 14 شمعة أضاءت دروبه وفي انتظار القادم


المسرح نيز ـ القاهرة| مهرجانات ومسابقات

ـ

كتب: كمال الشيرازي

ـ

شهد المهرجان الوطني للمسرح الجامعي في الجزائر، تنظيم 14 دورة جعلت التظاهرة تنمو إلى أن صارت موعدًا قارًا تنتقل فعالياته كل سنة من ولاية إلى أخرى، لتتفوق الإرادات رغم التذبذب والانقطاعات.
البدايات الأولى للمسرح الجامعي في الجزائر كانت نوعية في مستهلّ سبعينيات القرن الماضي، مع جيل الراحل الحي “مصطفى كاتب” الذي استطاع غداة انتقاله من إدارة المسرح الوطني الجزائري إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أن يضع خطة ثقافية حيوية غرس بها بذرة أمل في الوسط الجامعي، وسمحت بتنظيم المسرح الجامعي وإنتاج عدة أعمال بينها: “الزفاف الدامي”، “بيت برناردا آلبا”، “عائشة أم الزبايل”، “سليمان الحلبي” و”ليل العبيد”.
وتسارع الحراك في العقدين اللاحقين مع تأسيس الكثير من الطلبة والأساتذة لفرق مسرحية جابت ربوع الداخل ومثّلت الجزائر في الخارج، إلى أن جرى إيقاد شعلة المهرجان الوطني للمسرح الجامعي في أفريل 2000 بمدينة باتنة التي احتضنت أول طبعة التي شهدت تنافس 17 عملا من مديريات الخدمات الجامعية، لتعود جائزة أحسن عرض مسرحي متكامل إلى فرقة “عبد القادر بوعجاج” من جامعة سيدي بلعباس.
ووسط حضور عدد معتبر للوجوه المسرحية، ترأس الأكاديمي الراحل “صالح لمباركية” لجنة التحكيم، هذه الأخيرة أوصت آنذاك بضرورة السعي لإدخال المسرح للجامعة وإنشاء أقسام وكليات للفنون المسرحية، فضلا عن تشجيع الإقامات الجامعية على تأسيس فرق مسرحية.
الدورة الثانية في سنة 2004، رفعت تحديات كبرى واتسمت بإصرار أكبر مع مشاركة عشر فرق، قبل أن تنتقل الطبعة الثالثة في سنة 2007 إلى مدينة “تيزي وزو” عاصمة منطقة القبائل الكبرى التي استقطبت 16 عملا من عدة ولايات، وفي سنة 2008 جرى تنظيم الدورة الرابعة في مدينة جيجل بمشاركة ما يربو عن 18 عملا.
الدورة الخامسة التي احتضنتها مدينة تلمسان سنة 2009، شهدت فوز “لوحة للبيع” لفرقة “عشاق الخشبة” من مدينة سطيف بالجائزة الأولى، ولعلّ أهمّ ما ميّز تلك الدورة، هو العدد الهائل للعروض، حيث شهدت عاصمة الزيانيين تنافس 23 عرضا، إضافة إلى عروض أخرى خارج المنافسة، ما جعل عرّابي المهرجان يعلنون من تلمسان عن قرارات هامة أبرزها انتهاء مرحلة التأسيس والدخول في رواق الاحترافية التي كلّلت في العام ذاته بتنصيب محافظة المهرجان الوطني للمسرح الجامعي ولجنة علمية أي بعد تسع سنوات من التأسيس لهذا الحدث.
وأوكلت مهمة رئاسة المحافظة لـ “جمال زلاقي”، وعرفت عضوية كوكبة من الأكاديميين والمسرحيين وهم: “إبراهيم نوال”، إلى جانب “إسماعيل انزارن”، “نور الدين عمرون”، “صالح لمباركية”، “حميدة آيت الحاج” و”أحمد طالب” من جامعة تلمسان.
في سنة 2010، أقيمت الطبعة السادسة التي احتضنتها مدينة الجلفة، وتنافس فيها 13 عملا، وتميزت الدورة التي رفعت شعار “المسرح الجامعي .. الظاهرة والمسار”، بنصب الخيمة المسرحية لأول مرة، لتصبح تقليدا جديدا، وأسدلت الستائر بتتويج جامعيي بسكرة بالجائزة الأولى عن عرضهم “شبا”.
النسخة السابعة التي احتضنتها مدينة معسكر في سنة 2011 بمشاركة 13 عرضا مسرحيا داخل غمار المنافسة الرسمية من شتى المدن، شهدت حضور أسماء فنية معروفة، وتنظيم ورشات تكوينية حول كيفية تنظيم المهرجانات وإثراء النشاط الثقافي، فضلا عن تقنيات الإضاءة، وعرفت الدورة تتويج فرقة الفضاء الأزرق لمدينة “باتنة” بجائزة أحسن عمل مسرحي متكامل عن عرضها “ملامح”.
من جهتها، تميّزت الدورة الثامنة في 2012 بمدينة الشلف التي تزامن تنظيمها واحتفالات الجزائر بالذكرى الخمسين لعيدي الاستقلال والشباب، بتنافس 13 عملا مسرحيا، لتفتكّ فرقة “توب فرح” لمديرية الخدمات الجامعية بوهران الجائزة الأولى عن إنتاجها “الصورة تحكي”، وفي تاسع دورة بمدينة المسيلة، جرى التأكيد على ماهية المسرح الجامعي كفضاء بين المؤهلات واكتساب الخبرات، وتميزت تلك الدورة بحضور لافت للفنانين وخوض 11 فرقة غمار المنافسة، وتنظيم ورشات تكوينية في الإلقاء المسرحي، فن التمثيل وورشة التعبير الجسماني، ناهيك عن نظرية الدراما وتقنيات الكتابة تحت إدارة الأكاديميان “ليلى بن عائشة” و”حبيب بوخليفة”، ونالت فرقة “قسنطينة الخروب” الجائزة الأولى عن عرض “سوق النساء”.
وغداة ثلاث ومضات متسارعة، أقيمت الدورة الثالثة عشرة بمدينة مستغانم تزامنا مع مهرجان المسرح العربي بوهران (10 – 20 جانفي 2017)، بمشاركة نوعية وحضور لافت لكوكبة من الأساتذة والفنانين العرب، وعرف الموعد تنافس 9 فرق على ثلاث جوائز، في حدث شهد مشاركة نوعية للفرق المسرحية الجامعية ونخبة من الأساتذة والمتخصصين لاستكشاف ودفع تجارب المسرح الجامعي على أهبة القادم.
وجرى تنظيم الدورة الرابعة عشرة من المهرجان من 26 جوان إلى الفاتح جويلية 2018 بسطيف، بمشاركة 14 فرقة من جامعات تمنراست “رقصة الموت” وسطيف “منتصف النهار”، وجيجل “ماقبل الثقافة”، وتيزي وزو “الدروب الوعرة”، وقسنطينة “القارب” وسكيكدة “صرخة ألم” وميلة “الموقوف رقم 80” والجلفة “أشياء وطاولة”، بالإضافة الى المعهد العالي لمهن فنون العرض والسمعي البصري بالجزائر العاصمة الذي يشارك في هذه الطبعة بمسرحية “زوج مثالي”.
حلم الريادة
قالت “حميدة آيت الحاج” رئيسة لجنة تحكيم العروض المسرحية الجامعية بولاية مستغانم (دورة 2017) إنّ “ملتقى نجوم التمثيل الجامعي” أبان عن احتكاك مسرحيي الجامعات الجزائرية بتجارب مسرحيين عرب لهم باع طويل على الركح، تمثيلاً ونقدًا.
وذكرت المخرجة والكاتبة المسرحية “آيت الحاج” أنّ الملتقى الجامعي الذي طبع الدورة التاسعة لمهرجان المسرح العربي كسابقة في تاريخ التظاهرة، يكشف نضج المهرجان الوطني للمسرح الجامعي الذي ظلت الجزائر تنظمه منذ العام 2000.
ودعت المتحدثة إلى تثمين النشاط المسرحي في الجامعات باعتبارها رافدا هامًا يُثري الساحة الثقافية بفنيين وممثلين ومخرجين مُكوًّنِين وليسوا مجرد هواة، وشدّدت على الاهتمام بالجانب التكويني وتنظيم ورش تدريبية على مدار العام الدراسي في المؤسسات الجامعية لغرض الاستثمار الجيد في المواهب الشبانية.
تعميق العلاقة
يدعو نخبة من المختصين والأكاديميين والباحثين، إلى تعميق علاقة المسرح بالجامعة، ودعوا إلى حتمية انفتاح الجامعة الجزائرية على المسرح، بغية تشكيل فضاء ركحي يستوعب فاعلين مثقفين متفتحين حضاريا وفنيا، وقادرين على الإسهام في تحريك النشاط الثقافي والتوعوي والترفيهي.
ويرى “إسماعيل إنزارن” محافظ المهرجان الوطني للمسرح الجامعي، بحتمية إدراج المسرح ضمن المقررات البيداغوجية، وإقحامه ضمن أولويات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، خصوصا مع نجاعة وأهمية دور المسرح في حياة الطلبة وفعاليته في تطوير المدركات الحسية والأدبية والجمالية، ما يجعل تفعيل مادة التربية المسرحية ركنا حيويا متجددا يسهم في تدعيم نمو الطلبة وفهمهم، وتكوين جيل من المسرحيين الجامعيين وفق أسس أكاديمية بناءة.
ويسجّل “إنزارن” أنّ مهرجان المسرح الجامعي حرص على إدراج المسرح ضمن النشاط البيداغوجي الجامعي، وتكريسه في البحوث الأكاديمية كموضوع جوهري للبحث والتمحيص من خلال الطروحات والمذكرات الجامعية.
وكان مهرجان المسرح الجامعي سببا مباشرا في تخصيص أقسام للفنون الدرامية عبر عدة جامعات، إلى جانب تأسيس معهد الفنون الدرامية بجامعة قسنطينة، كما اهتمّ بتكثيف النشاط الفني والثقافي كنشاط مهم وجوهري في الحياة اليومية للطلبة الجامعيين، على اعتبار أنّ الجامعة كانت دائما الخزان الذي يجمع الطاقات الفنية.
اليد البيضاء
يعدّ الأكاديمي والناقد “صالح لمباركية” أحد أهم فاعلي مهرجان المسرح الجامعي في الجزائر، وظلّ هذا الرجل يكنّى بـ “اليد البيضاء” التي أسهمت بقسط وافر في دفع جيل من الممارسين والأكاديميين.
ولأنّ الاعتراف هو سمة المسرح الذي صنع بسواعد أمثال “لمباركية”، يبرز “محمد يحياوي” مدير المسرح الوطني الجزائري أنّ المدير السابق للمعهد الوطني العالي للفنون الدرامية ببرج الكيفان، كان رجل ثقافة وفكر، وظلّ شغوفا بالمسرح.
“لمباركية” الذي بقي قليل الكلام كثير النشاط، أثّث مكتبة المسرح الجزائري بالعديد من النصوص والمؤلفات، على غرار “الفلقة”، “النار والنور”، “الزنقة”، وكتاب ” الآداب الأوروبية القديمة”، الذي أعتبره واحدا من أهم المؤلفات التي تؤكد مبدأ بناء المعرفة انطلاقا من رصد الواقع الإنساني، وهو ما يجعل “لمباركية” مرجعا تاريخيا هاما للطلبة وباحثي المسرح.
ويبرز “إسماعيل انزارن” محافظ مهرجان المسرح الجامعي، أنّه لا يمكن لأي كان أن ينكر نضال “لمباركية” من أجل تأسيس المسرح الجامعي الذي كان حريصا على مرافقته بالإشراف والتوجيه والتأطير إلى آخر نفس، كما تميّز بحبه للأرشفة بدليل إصداره كتبا توثيقية عن الرائدين “محمد التوري” و”عبد الحليم رايس”.
واستطاع “لمباركية” أن يقدم مسرحا ويساهم في صنع حراك ثقافي اجتماعي كبير، حيث كان فاعلا بصفته أستاذا وباحثا وفنانا وكاتبا، وظلّ يقدّس المسرح باعتباره عاشقا للخشبة، مثلما كان حريصا كل الحرص على أن يتوفر في المسرحي عشقه للمسرح لأنّ الأخير كان كل حياته، وامتلك “لمباركية” نظرة استشرافية في المسرح، مثلما أبدع في نصوصه “الفلقة”، “الحمامة” و”النار والنور”، وبادر بجمع النصوص المسرحية والتوثيق لها مثل “دم الأحرار”، “أبناء القصبة” و”زعيط ومعيط ونقاز الحيط”.
ويلتقي عموم الدارسين والممارسين عند تموقع “لمباركية” كقامة من قامات المسرح الجزائري، وهو من مؤسسي النص المسرحي الجزائري، كما يتموقع كمرجع لتاريخ الخشبة الجزائرية، بحكم منجزه الركحي واهتمامه الشديد بالكتابة والتوثيق، واشتهر كمصلح ثقافي واجتماعي، إذ نال برنامجه “ردّ بالك مع عمي صالح” الذي كان يبث على أثير إذاعة باتنة نجاحا كبيرا. وكانت لتوجيهاته الاجتماعية أثرها.
ويروي المخرج الجزائري المخضرم “أحمد خوذي” كيف أنّه شارك “لمباركية” أيام تولي الأخير إدارة معهد برج الكيفان (1999 – 2001)، في انتاج مسرحيات مع الطلبة بينها عروض شاركت في فرنسا، وكان يستجيب لكل متطلبات الأساتذة والطلبة بهدف تحقيق الأفضل للحركة المسرحية، حيث أرسل دفعة من الطلبة إلى بلجيكا، ونجح أيضا في نشر الفعل المسرحي داخل مؤسسات التعليم العالي، وشكّل ذلك جرعة نوعية للمسرح الجامعي.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock