ننشر النص المسرحي.. “تبادل أدوار ” للكاتب العراقي: حيدر عبد الرحيم الطيب
المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص
ـ
مسرحية
تبادل أدوار
تأليف
حيدر عبد الرحيم الطيب
الناصرية / 2019
الشخصيات
-الرجل الأول
-الرجل الثاني
-الرجل الثالث
-الشرطي
-المحقق
المكان : سجن شبه مظلم ورطب تسوده القذارة ورائحة نتنة…
الرجل الأول : (نائم على بطنه، يبدو متعباً جدا، يرفع رأسه وهو يئن) اللعنة عليكم، أي صنف من أصناف البشرية هؤلاء؟ إن تكلمت عن الرذيلة في كل أصنافها لكانت على النقيض من أفعالهم، لو هاجمني أشرس حيوان مفترس هائج لكان أكثر رأفة منهم واهون علي من تلك الجروح التي رسموها على جسدي! انا لا اعرف لماذا أكون هنا. وما هي تهمتي وماذا فعلت؟ ليس هنالك من شيء، هم فقط يتلذذون عندما يسمعون صراخي. أريد أن أعرف لماذا لقد تم القبض عليَّ من بين سبعه أشخاص.. أحدهم ويبدو كبيرهم أشار بأصبعه على الجميع ليختار واحدا ليأخذه وقد وقع عليَّ الاختيار، أي حظ عاثر؟ ربما كنت خائفاً ومتعباً فأستغل لحظة ضعفي ليس لذنب ما، ولكن حدث ذلك بسبب التصرف الهمجي ودخولهم الذي باغتني.. تصوّرت لحظتها أن انقلاباً عسكرياً قد حصل. أو بدأت ثورة ما، أو أي شيء. ولم أتوقع أن أكون هنا في نهاية هذه الفوضى، والذي يُزعجني هنا.. هو المصير المجهول. هل سيسمعونني إذا صرخت الآن؟ ( يضحك ) وان سمعوا صراخي.. سيأتون بالتأكيد مسرعين لضربي مجددا وتتجدد الشتائم والركلات ضعف ما فعلوه بي. أنا في حيره من أمري، أريد أن اعرف ما سبب وجودي هنا؟ وهل سأبقى لساعات؟ أيام؟ أشهر؟ سنوات؟ (يصرخ) أريد الخروج من هذا المكان…
( يُفتح الباب، نرى الرجل الثاني يدخل وهو يزحف على ركبتيه )
الرجل الأول : (للرجل الثاني) من أنت؟ وما الذي رسم عليك كل هذه الجروح؟
الرجل الثاني : ومن تكون أنت؟ وهل جروحك أقلُّ من جروحي؟ جروحي لوحه فنية واقعية (يتفحص جسم الرجل الأول) أما أنت فأن جروحك تشبه لوحة سريالية.
الرجل الأول : أعلم ذلك.. تصورت بأنك ستجيب على أسئلتي.
الرجل الثاني : وما هي أسئلتك؟
الرجل الأول : لِــمَ أنا هنا ؟ وما هي تهمتي؟
الرجل الثاني : لا أعلم. ولكن أنا أيضا أريد أن أسألك؟
الرجل الأول : تفضل.
الرجل الثاني : لِــمَ أنا هنا ؟ وما هي تهمتي؟
الرجل الأول : (بغضب) أنت تسخر مني؟
الرجل الثاني : أبداً، ولكنني كنت أتخيل ستجيب على أسئلتي ولكن آثار جروحك أشارت لي بأنك تجهل كل شيء عن نفسك.
الرجل الأول : أنا اعتقدتُ بأنك هنا منذ زمن وعلى دراية بما يجري لي ولك لذلك طرحت عليك أسئلتي.
الرجل الثاني : ومن قال لك بأن تهمتي مثل تهمتك؟
الرجل الأول : ما دفعني للسؤال هو أننا في مكان واحد والطريقة القاسية في التعذيب ورسم الجروح العميقة على أجسامنا جعلني أخمن أننا هنا لنفس التهمه.
الرجل الثاني : وما هي تهمتك؟
الرجل الأول : لا أعلم
الرجل الثاني : كيف لا تعلم؟
الرجل الأول : دعك مني وأجبني.. ما هي تهمتك؟
الرجل الثاني : لا أعلم
الرجل الأول : أنت تحاول السخرية مني.
الرجل الثاني : لا، ولكن أنت لم تجد أيّ جوابٍ لما تبحث عنه وتحاول أن تقوم بإقناع نفسك بأي شيء كان.
الرجل الأول : لالا.. أنا فقط أريد معرفه لــمَ أنا هنا ولا شيء آخر، ومن الطبيعي أن أتساءل وأخمن كل شيء.
الرجل الثاني : أوافقك الرأي، ولكن سيأتون ويتضح كل شيء وأفضل الهدوء فلا شيء يدعو للقلق.
الرجل الأول : (يصيح) أنت تتكلم ببرودِ أعصابٍ وكأن شيئاً لم يحدث.
الرجل الثاني : ماذا تريدني أن افعل؟ الصراخ هو الدواء الوحيد الذي يخفف أوجاعنا.
الرجل الثاني : (يضع يده على فمه) اششش.. إياك أن تصرخ أو تفكر بالصراخ، إن فعلت ذلك سيدخلون علينا ويكثروا من ركلنا وضربنا.. ويغمى عليك ولن ينفعك الصراخ.
(نسمع أصواتاً غريبة من الخارج ممزوجة بأزيز الرصاص)
الرجل الأول : لا زال الوضع في الخارج مرتبكاً.
الرجل الثاني : لا أعتقد ذلك، سينتهي كل شيء قريبا.
الرجل الأول : هذه المرة تختلف عن غيرها، سينهار كل شيء قريبا.
الرجل الثاني : أضم صوتي الى صوتك، وأؤيد الانهيار. سينتهي كل شيء بعد ساعات ونعود الى الهتافات والأهازيج وسيخرجون على التلفاز مبررين ما حدث معهم ببياناتهم المتعارف عليها وينتهي الأمر.
الرجل الأول : تخيّل معي قليلا…
الرجل الثاني : (بتذمر) خمسه وعشرون عاما مضت من حياتي متخيلا، كل ما أتخيل تزداد المصائب ويزداد الشيب في رأسي، لذلك ابتعد عن التخيل .
الرجل الأول : تخيل هذه المرة. ما بك؟ هذه المرة تختلف تماما.
الرجل الثاني : كيف أتخيل؟ انظر نحن هنا لا نعرف في أي تهمه ولا نعرف متى نتخلص من هذه الجدران الموحشة، انظر معي الى الجدران ( يقرأ) ذكرى.. أحمد مع عمار مع خالد، مات خالد في هذه المكان بسبب ضربه على رأسه من قبل احد الحراس (يذهب الى الجدار الآخر) ذكرى.. قاسم مع علي مع ياسر مع مؤيد، لقد مات علي في هذه المكان ولم يسمحوا له ان يكلم زوجته التي أنجبت له طفلا بغيابه. مات هنا وانتهى، ذكرى.. حليم مع جاسم، جاسم الذي مات بسبب عدم اعترافه بتهم إجرامية منسوبة إليه حسب ما قالوا بعد وفاته. قل لي تخيّل. اي تخيّل. لو فكرت أن أتخيّل. فلا شيء يدور في رأسي غير تلك الأسماء التي كتبت على هذه الجدار التي ستأخذ نصيبها منا نحن الاثنين. ولا يدور برأسي غير ذلك. افهمت؟
(يفتح الباب ويسبقه ضجيج وصراخ يدخل الرجل الثالث ممزق الثياب
والدماء تسيل من رأسه)
( يتقدما له الرجل الأول والثاني ويسحبانه من الأرض )
الرجل الأول : من أنت؟
الرجل الثاني : ما هذه الدماء التي تسيل من رأسك؟
الرجل الأول : تكلم.
الرجل الثالث : لا أدري.
الرجل الثاني : كيف لا تدري؟
الرجل الأول : تكلم، قل اي شيء.
الرجل الثالث : لا أتذكر شيئا، فقط كنت احتفل في عيد ميلاد ابنتي الوحيدة، وبعد أن بدأت في إطفاء الشمعة داهموا بيتي وتحوّل فرحنا الى صراخ وعويل…
الرجل الثاني : ( مترقب ) وبعدها؟
الرجل الثالث : أحدهم سحق بقدمه على اسم ابنتي.
الرجل الأول : كان الظلام دامساً، كيف عرفت ذلك؟
الرجل الثالث : (يمثل المشهد) حينما بدأ الاحتفال قفز احدهم باتجاهي ومسكني من رقبتي ووضع قدمه على اسم ابنتي.
الرجل الثاني : وبعدها؟ تكلم…
الرجل الثالث : لم افهم شيئا غير صفعاتهم التي لا مفر منها حتى أغمى عليَّ.
الرجل الأول : لا تتوقف أكمل.
الرجل الثالث : لا شيء.. وانتهى كل شيء.
الرجل الأول : ماذا تعني انتهى كل شيء؟
الرجل الثالث : هذا فقط.. حتى أتيت الى هذا المكان وإنا اعرف لا مفر منه على الإطلاق.
الرجل الأول : لم افهم شيئاً، ولكن توحي لنا بأنك أنت كنت مذنباً، وأتيت الى هنا حسب التهمه التي لا نعرف ما هي.
الرجل الثالث : لا توجد اي تهمه لدي ومن الطبيعي ان يحصل ذلك
الرجل الأول : منذ ستة وعشرين يوماً وأنا هنا، ولم افهم شيئاً، ولم يحدثني احد
طيلة هذه المدة وأنا أتساءل لماذا هنا؟ وما هي تهمتي؟
الرجل الثالث : (للثاني) وأنت؟
الرجل الثاني : ليس لديّ ما أقوله، إنا أيضا أتساءل ولكن بيني وبينه (يشير للرجل الأول) وإنا هنا منذ أربعة عشر يوماً.
الرجل الثالث : لا تقلقوا، لا شيء يدعو للخوف، سوف تخرجان، ولا شيء يدعو للقلق طالما لم تفعلا شيئاً.
الرجل الأول : إنا عكس تصوراتك تماما.
الرجل الثالث : كيف؟
الرجل الأول : نحن لم نفعل شيئاً ولا نعلم بشيء.
الرجل الثالث : برأيكما لماذا نحن هنا؟
الرجل الثاني : لا أدري. لكن أتصور نحن هنا جراء أمرٍ هام.
الرجل الثالث : لو كنا في أمرٍ هام كما تقول.. لـِـمَ يأتوا بنا الى هذا المكان الموحش؟
الرجل الأول : ولِــمَ يضربوننا بوحشية وألسنتهم تتراقص بالشتيمة.
الرجل الثالث : ربما مشتبه بكم.
الرجل الثاني : ربما.
الرجل الأول : لو كنا كما تقول.. مشتبه بهم لحقّقوا معنا بدلاً من الضرب والشتائم.
الرجل الثالث : هذا صحيح، لابد من شيءٍ جعلهم يؤخرونكم، ولم يخبروكم بشيء الى هذه اللحظة.
الرجل الأول : لا ادري.
الرجل الثاني : ربما إنا هنا من اجل إن يعرضوا عليَّ عقداً مغرياً من اجل عدستي التي أبهرت العشاق.
الرجل الأول : أنت مجنون، لو كان عقداً من اجل عدستك لما أنت هنا؟ ولكنت الآن تتناول الخمر والخروف المحشي وتداعب أقدام العاهرات التي يتمايلن في أجسادهن الطرية والنحيفة.
الرجل الثاني : (بغضب) إذن لماذا إنا مجرم .
الرجل الثالث : لقد وضعت يدك على المراد قوله . أتصور إننا وصلنا الى هذا اللغز.
الرجل الثاني : كيف؟
الرجل الأول : لغز؟
الرجل الثالث : اقتربا… (يقتربون ويكونون حلقه) أعتقد أن هنالك أمراً خطيراً للغاية.
الرجل الأول : ما هو؟
الرجل الثاني :تكلم…
الرجل الثالث : قبل بضعة أيام حصل شيء غريب، لقد اغتيال ثلاثة أطباء، كان في الصباح، أما في المساء أعلنت نشرة الأخبار المسائية اغتيال أربعة ضباط طيارين، وبعد منتصف الليل.. أذيع عن خبر عاجل يتحدث برعب عن اغتيال كبار الأدباء.
الرجل الأول : لا أعرف ما الذي تشير إلية، ولكنني فهمت انك تريد أن تقول نحن جزء من خطتهم التي نفذت بحق الأطباء والطيارين والأدباء.
الرجل الثالث : بالضبط.
الرجل الثاني : لو كان كما تتصورون.. لغتالونا وانتهى الأمر، ولم يأتوا بنا الى هنا.
الرجل الأول : دعونا نفكر.
الرجل الثالث : بماذا؟
الرجل الثاني : أنا تعبت من التفكير والتخمين.
الرجل الأول : إنا سأكون بدور الضابط وانتم السجناء، سأطرح عليكم أسئلتي التي تدور في ذهني بصيغه التحقيق، وانتم ستجيبون عليها.
الرجل الثاني : إنا موافق
الرجل الثالث : وإنا موافق أيضا.
الرجل الأول : لنبدأ الآن…
(يجهزون الطاولة، وكرسي وبعض الأوراق . بينما يقوم
الرجل الثاني بدور الشرطي والرجل الثالث بدور المحقق)
الرجل الأول : (يقوم بصدور صوت من فمه يدل على الجرس)
الرجل الثاني : نعم سيدي…
الرجل الأول : اجلب المتهم الى هنا…
الرجل الثاني : حاضر سيدي.
( يأتي المتهم هو الرجل الثالث )
الرجل الأول : اجلس هنا… (يشير على الكرسي)
الرجل الثالث : سيدي إنا هنا منذ فتره ليست بقصيرة، ولا أعرف لماذا وما الداعي لوجودي هنا؟ وما هي تهمتي؟
الرجل الأول : نحن نكن لك كل الاحترام والتقدير، وان وجودك هنا كان نتيجة لخطأ فادح من قبلنا، ونحن نعتذر منك وسندفع لك تعويضاً عن كل الأضرار التي تسببنا بها.
الرجل الثالث : لا أريد تعويضاً.. فقط أريد الخروج من هنا.
الرجل الأول : لا يمكن ذلك.
الرجل الثالث : لماذا؟ ألم تقل خطأ فادحاً وتريدون الاعتذار مني؟
الرجل الأول : نعم.. ولكن بعد اطلاع الجهات العليا لملفك الشخصي قررت الاستفادة من خدماتك لكونك من أهم المصورين الفوتوغرافيين، لهذا انا لن أسمح لك بالمغادرة.
الرجل الثاني : يكفي هذا. والآن دوري إنا المحقق.
( يتبادلون الأدوار، الرجل الثاني المحقق والأول الشرطي )
الرجل الثاني : (يتكلم في الهاتف ويضحك) لا الأمر ليس كما تتصور، على أية حال سأتصل بك لاحقا، مع السلامة.
الرجل الثالث : سيدي أنا هنا من مدة ليست بالقصيرة، ولا اعرف ما هي تهمتي.
الرجل الثاني : أعرف إنا نظرت في أمرك، ورأيت ليس هنالك من شيء يجعلك تبقى في السجن، والان يمكنك الانصراف، لقد أتيت قبل ساعة من مدينه أخرى وأحاول تغيير ما يجري من هذه الأساليب التي تمارس ضد الأشخاص الأبرياء، والآن.. يمكنك الانصراف يا عزيزي…
الرجل الأول : (يوقف اللعبة) ما رأيكم؟ هذا كل شيء، كل ما يدور في مخيلتي.
الرجل الثاني : اعلم ذلك. ولكن في نهاية الأمر، هذه من الخيال، ونقنع أنفسنا بذلك.
الرجل الثالث : عن نفسي لا أعرف أي شيء، ولكن لا شيء مستحيل.
الرجل الثالث : وأنا بدأ الخوف يسجل حضوره عندي.
الرجل الأول : كيف؟
الرجل الثالث : حينما كنت في الخارج غادر الهدوء وحلت الفوضى.
الرجل الثاني : صدقت، وستغادر الطيور.
الرجل الثالث : والحب والسلام…
الرجل الأول : هذه المرة ستختلف الحرب عن كل الحروب السابقة.
الرجل الثاني : لا يختلف شيئا أبداً.
الرجل الثالث : بعد قليل سيخرجون على التلفاز، وينادوننا . بالشعب العظيم، والبواسل والغيارى وفي الليل ترقص عليك سياطهم وبعدها الى الهاوية.
الرجل الأول : أنا أشم رياح التغيير، صدقوني…
الرجل الثاني : كيف؟ الجو جميل نحن الآن في الخريف؟
الرجل الثالث : (يضع يده ع جبينه) لا.. حرارتك طبيعية.
الرجل الأول : أنا على دراية تامة أن هناك تغيراً ما.
الرجل الثالث : من أين أتت لك هذه الدراية؟
الرجل الثاني : أريد أن أنام.
الرجل الثالث : ستكون للحرية طعم بالحياة.
الرجل الثالث : للحرية.. مذاق جميل ولكن ما زلنا نحلم بها، وإن تحققت فهي ليست سوى اسمٍ لا معنى له ولا طعمٍ ولا رائحة.
الرجل الثاني : لابد أن يتغير الحال…
الرجل الثالث : أنا ذاهب الى فراشي.
الرجل الثاني : وأنا أيضا.
الرجل الأول : لا.. انتظروا لم أختم كلامي بعد.
( يدخل شخصاً يرتدي معطفاً أسود، ينظر في وجوههم، ينهضوا مباشرة، يشير الى الرجل الأول )
الرجل الرابع : أنت تعال معي.
الرجل الأول : الى أين؟
الرجل الرابع : ستعرف…
( يأخذ الرجل ويخرج، يظهر المحقق يبدو شاباً، يرتدي تيشير احمر
وبنطال كلاسك، ذو شعر طويل، يضع هيتفون في أذنيه ويرقص)
المحقق : (وهو يرقص) استرح…
الرجل الأول : (يجلس على الكرسي بينما المحقق يستمر بالرقص والسماع للاغاني) سيدي…
المحقق : انتظر.
الرجل الأول : أريد أن أعرف لماذا أنا هنا؟
المحقق : (بغضب) قلت لك انتظر ..
الرجل الرابع : اش…
المحقق : (ينزع الهيتفون) الآن نتحدث…
الرجل الأول : سيدي.. لماذا أنا هنا؟ أتمنى أن اعرف ذلك من سيادتكم.
المحقق : أنت لا تعرف إذن؟
الرجل الأول : بالضبط.
المحقق : سأخبرك الآن… (يقلب في الأوراق)
الرجل الأول : أتمنى.
المحقق : بلاغ من شخص مجهول.. تحية طيبة، يرجى من سيادتكم النظر بعين الاعتبار الى الشكوى بحق هذا الرجل، فهو يعد من رجال الأنظمة السابقة والفاسدة، وقد كان يمتلك مركزا حساسا في الدولة ويعد من الفوتوغرافيين الخاصين والمهمين والمقربين منهم.. مع التقدير .
الرجل الأول : الأنظمة السابقة؟ من الفوتوغرافيين المهمين؟ من انتم؟ ومن نحن؟ لماذا تخافون من حقيقة ما يحدث؟ انتم على دراية أن كل ما نقوم بغير قناعه من قبلنا ومجبرين على ذلك.
المحقق : كنت أتوقع ذلك منك… (وهو يرقص)
الرجل الأول : ماذا ؟
المحقق : أن تقدم لي مثلي هكذا تبريرات سخيفة.
الرجل الأول : ليست تبريرات، إنها الحقيقة…
المحقق : (يصرخ به) اسكت.. لو فعلت مثلما فعلت أنا وغيري ولم نكن مع الدكتاتورية.
الرجل الأول : انتم؟ ماذا فعلتم؟ ثلة من الخونة والفوضويين والمرضى تحاولون أن تملئوا جيوبكم وكروشكم.
المحقق : (بغضب) احترم نفسك…
الرجل الأول : لن احترم نفسي (يقوم من الكرسي) ولن اسمح لك أن تتهمني بمثل هكذا تهم أفهمت؟
المحقق : ستدفع ثمن غطرستك هذه، يا لوقاحتك أيها العفن، كلما أتذكركم يُخيّل لي فضلات الأبقار.
الرجل الأول : أنت رجل سيء، والذين يأتون هم من أمثالك.. لصوص وجبناء. يا للكارثة.. لو القادم من أمثالك.
المحقق : (بغضب) اسمع جيدا، كل هذه الخطابات لن تشفع لك وستنال جزاء ما فعلتموه وستجعلني لن أرحمك إطلاقا.
الرجل الأول : استغفر الله إن كنت من المذنبين.
المحقق : لو عرف الإله العظيم لتطهّرت أنفسكم ولانت قلوبكم، وتحفّظ لسانكم عن شتيمة أعراضنا، ونقل السوء عن الآخرين الذين زرعتم الخوف والرعب في قلوبهم، قتلتم عشرات النفوس للحصول على حفنة مال تملؤن بها بطونكم العفنة وتتاجرون بأرواح الناس وترقصون على صرخات أمهاتهم.
الرجل الأول : كل هذا فقط لأنني ألتقط بعض الصور.
المحقق : (للرجل الرابع) أيها الشرطي…
الرجل الرابع : نعم سيدي .
المحقق : كم بقى في الزنزانة؟
الرجل الرابع : اثنان سيدي .
المحقق : فليأتِ احدهم ليحظر أمامي.
الرجل الرابع : حاضر سيدي.
(يأتي الشرطي بالرجل الثاني ويحضره أمام المحقق)
الرجل الثاني : (يدخل، يرى المحقق يضع الهيتفون في أذنيه ويرقص)
المحقق : ( يستمر بالرقص ) أنت محقق؟
الرجل الثاني : كنت.
المحقق : والآن ما هو عملك؟
الرجل الثاني : لا شيء.
المحقق : أتعرف لماذا أنت هنا؟
الرجل الثاني : لا . وأريد أن اعرف.
المحقق : ( يتوقف عن الرقص، يقرأ له بورقة أمامه) أنت متهم من بين أخطر عشرة أسماء والتي كُلفت بالتحقيق معهم والقصاص منها بسبب الوحشية التي مارستها بحق المناضلين والأبرياء الذي راحوا ضحية بسبب أساليبك البشعة بحقهم، ووصولهم الى حبال المشانق. كل هذا كان من اجل حصولك على المنصب.
الرجل الثاني : ومن قال لك أبرياء؟ أيُّ براءة التي تطالب بها أنت للذين مارسوا العبث والقتل والفوضى والتسليب ونهب أموال الناس؟ أو الذين عبثوا بأمن الدولة؟
المحقق : انت تدافع إذن عن أمن تلك الدولة الباغية؟
الرجل الثاني : ولما لا؟ وأنا رجل قانون وانتمي لها وأمارس مهنتي وأتقتص بمن يعبث بالأمن.
المحقق : أنت تغالط نفسك كثيراً، وتعرف أيضا بأن نظامكم الدكتاتوري قد طغى كثيرا على شعبه وحرمه من حقوقه وصادر حرياته. أما رجالها فقط لعب دورا قذراً في قتل الأبرياء، وتأتي الآن لتدافع عن هذه المجازر؟
الرجل الثاني : عن نفسي انا لدي الثقة الكاملة بعملي وافتخر بنفسي، لقد كانت العدالة هي الهدف الأساسي في مهنتي.
المحقق : أنت تسببت بالتحقيق وبقتل العديد من المجاهدين، وتقول لدي عدالة . أي عدالة هذه؟
الرجل الثاني : أن تحتكم للضمير هو العدالة.
المحقق : لا وتراوغ في كلماتك الجوف.
الرجل الثاني : المجاهدون الذين تتكلم عنهم هم مجموعه من اللصوص والخونة وقد هربوا الى بلدان اخرى كي يملؤا بطونهم بفضلات خيانتهم، ويتخيلون انهم سيصبحون أسيادا علينا يوم ما.
المحقق : تحقق ذلك وصرنا اسياداً عليكم، وستنال العذاب بما اقترفت.
الرجل الثاني : سيأتي من يحاكمكم يوما ما، وسيحدث بنفس مفرداتك، ويتهمك بنفس التهم التي توجهها لي، وسيتحول الضحية الى جلاد.
المحقق : (بغضب) أيها الشرطي .
الرجل الرابع: نعم سيدي .
المحقق : احضر لي الآخر وعلى الفور.
)يذهب الشرطي يحضر الرجل الثالث)
الرجل الثالث: (بتذمر) يا سيدي أريد أن اعرف سبب وجودي في هذا السجن المقرف والمظلم؟
المحقق : (يلعب بوبجي بالموبايل) اش .. انتظر…
الرجل الثالث : سيدي.. اريد ان اعرف .
المحقق : (وهو يلعب) قلت لك اسكت، لو خسرت سترى شيئا أسوأ مما أنت عليه الان، افهمت.
الرجل الثالث : سيدي …
المحقق : (بملل) نعم.
الرجل الثالث : ماذا تفعل؟
المحقق : أنا مشغول قليلا بعلبه بوبجي انتظر.
الرجل الثالث : بوبجي؟
المحقق : انتظر (يستغرب بعض الثواني) رائع…
الرجل الثالث : احسنت سيدي.
المحقق : على ماذا ؟
الرجل الثالث : على فوزك بالبوبجي.
المحقق : اجلس هنا (يشير الى الكرسي)
الرجل الثالث : (يجلس) سيدي انا لدي الكثير من الأعمال ولا اعرف لماذا انا محتجز هنا، وما هي تهمتي؟ أريد أن أفهم لو سمحت.
المحقق : ستعرف الآن (يقلب الاوراق) منذ اكثر من اثنتي عشر عاما عملت مع العديد من رجال الدولة السابقة حتى استقر عملك في قصر الرئيس أخيراً.
الرجل الثالث : نعم هذا صحيح، وما المشكلة في ذلك؟
المحقق : مشكله كبيرة، أنت تتعامل مع السفاحين والمجرمين والقتلة واللصوص وهم من أراذل البشر، تتعامل مع رجال غادرت قلوبهم الرحمة والإنسانية، هؤلاء الذين زرعوا الخوف في قلوب الناس لسنوات طويلة.
الرجل الثالث : جميل، أنا أوافقك تماما، ولكنني كنت أمارس مهنتي كطباخ، وفي نظرك هذا ذنب كبير، طيب، أين كنت أنت؟ قبل اثنتي عشر سنه؟ ولِــمَ لم تتكلم في زمن مضى؟ وتطلق لسانك السليط هذا ربما تكون إشارة لتغيرهم والنيل منهم؟ (ساخراً) لماذا ظهرت شراستك الآن أيها البطل؟
المحقق : أنا وغيري لنا الفضل عليك أيها القرد، أنقذناك من آفه تنهش بأعماركم وعقولكم وأطفالكم ونسائكم…
الرجل الثالث : ليس لكم الفضل بذلك، انتم ثلة ساومتم على أرواحنا وأطفالنا ونسائنا وحريتنا مع المحتل، وكان همكم الأول الكرسي والمال، وأخذتم تمارسون نفس أساليب الدكتاتورية التي تتحدث عنها الآن، نحن أيها المحقق في لعبة تبادل الأدوار صدقني.
المحقق : ستنالون عقابكم جميعا وتقطع ألسنتكم، ولن أسمح بتبادل الأدوار أبداً، سنسحق رؤوسكم وليكن ما يكون(يصيح بغضب) أيها الشرطي…
الرجل الرابع : نعم سيدي…
(تدب الظلمة في المكان، نسمع أزيز إطلاق نار، وبعدها تتحول الشخصيات المحقق والشرطي بدل من الرجل الأول والثاني والثالث، وتبدأ لعبة جديدة يتبادل فيها الجميع نفس الأدوار ونفس الكلمات)
(انتهت)
2019 العراق – الناصرية
الناصرية / 2019
الشخصيات
-الرجل الأول
-الرجل الثاني
-الرجل الثالث
-الشرطي
-المحقق
المكان : سجن شبه مظلم ورطب تسوده القذارة ورائحة نتنة…
الرجل الأول : (نائم على بطنه، يبدو متعباً جدا، يرفع رأسه وهو يئن) اللعنة عليكم، أي صنف من أصناف البشرية هؤلاء؟ إن تكلمت عن الرذيلة في كل أصنافها لكانت على النقيض من أفعالهم، لو هاجمني أشرس حيوان مفترس هائج لكان أكثر رأفة منهم واهون علي من تلك الجروح التي رسموها على جسدي! انا لا اعرف لماذا أكون هنا. وما هي تهمتي وماذا فعلت؟ ليس هنالك من شيء، هم فقط يتلذذون عندما يسمعون صراخي. أريد أن أعرف لماذا لقد تم القبض عليَّ من بين سبعه أشخاص.. أحدهم ويبدو كبيرهم أشار بأصبعه على الجميع ليختار واحدا ليأخذه وقد وقع عليَّ الاختيار، أي حظ عاثر؟ ربما كنت خائفاً ومتعباً فأستغل لحظة ضعفي ليس لذنب ما، ولكن حدث ذلك بسبب التصرف الهمجي ودخولهم الذي باغتني.. تصوّرت لحظتها أن انقلاباً عسكرياً قد حصل. أو بدأت ثورة ما، أو أي شيء. ولم أتوقع أن أكون هنا في نهاية هذه الفوضى، والذي يُزعجني هنا.. هو المصير المجهول. هل سيسمعونني إذا صرخت الآن؟ ( يضحك ) وان سمعوا صراخي.. سيأتون بالتأكيد مسرعين لضربي مجددا وتتجدد الشتائم والركلات ضعف ما فعلوه بي. أنا في حيره من أمري، أريد أن اعرف ما سبب وجودي هنا؟ وهل سأبقى لساعات؟ أيام؟ أشهر؟ سنوات؟ (يصرخ) أريد الخروج من هذا المكان…
( يُفتح الباب، نرى الرجل الثاني يدخل وهو يزحف على ركبتيه )
الرجل الأول : (للرجل الثاني) من أنت؟ وما الذي رسم عليك كل هذه الجروح؟
الرجل الثاني : ومن تكون أنت؟ وهل جروحك أقلُّ من جروحي؟ جروحي لوحه فنية واقعية (يتفحص جسم الرجل الأول) أما أنت فأن جروحك تشبه لوحة سريالية.
الرجل الأول : أعلم ذلك.. تصورت بأنك ستجيب على أسئلتي.
الرجل الثاني : وما هي أسئلتك؟
الرجل الأول : لِــمَ أنا هنا ؟ وما هي تهمتي؟
الرجل الثاني : لا أعلم. ولكن أنا أيضا أريد أن أسألك؟
الرجل الأول : تفضل.
الرجل الثاني : لِــمَ أنا هنا ؟ وما هي تهمتي؟
الرجل الأول : (بغضب) أنت تسخر مني؟
الرجل الثاني : أبداً، ولكنني كنت أتخيل ستجيب على أسئلتي ولكن آثار جروحك أشارت لي بأنك تجهل كل شيء عن نفسك.
الرجل الأول : أنا اعتقدتُ بأنك هنا منذ زمن وعلى دراية بما يجري لي ولك لذلك طرحت عليك أسئلتي.
الرجل الثاني : ومن قال لك بأن تهمتي مثل تهمتك؟
الرجل الأول : ما دفعني للسؤال هو أننا في مكان واحد والطريقة القاسية في التعذيب ورسم الجروح العميقة على أجسامنا جعلني أخمن أننا هنا لنفس التهمه.
الرجل الثاني : وما هي تهمتك؟
الرجل الأول : لا أعلم
الرجل الثاني : كيف لا تعلم؟
الرجل الأول : دعك مني وأجبني.. ما هي تهمتك؟
الرجل الثاني : لا أعلم
الرجل الأول : أنت تحاول السخرية مني.
الرجل الثاني : لا، ولكن أنت لم تجد أيّ جوابٍ لما تبحث عنه وتحاول أن تقوم بإقناع نفسك بأي شيء كان.
الرجل الأول : لالا.. أنا فقط أريد معرفه لــمَ أنا هنا ولا شيء آخر، ومن الطبيعي أن أتساءل وأخمن كل شيء.
الرجل الثاني : أوافقك الرأي، ولكن سيأتون ويتضح كل شيء وأفضل الهدوء فلا شيء يدعو للقلق.
الرجل الأول : (يصيح) أنت تتكلم ببرودِ أعصابٍ وكأن شيئاً لم يحدث.
الرجل الثاني : ماذا تريدني أن افعل؟ الصراخ هو الدواء الوحيد الذي يخفف أوجاعنا.
الرجل الثاني : (يضع يده على فمه) اششش.. إياك أن تصرخ أو تفكر بالصراخ، إن فعلت ذلك سيدخلون علينا ويكثروا من ركلنا وضربنا.. ويغمى عليك ولن ينفعك الصراخ.
(نسمع أصواتاً غريبة من الخارج ممزوجة بأزيز الرصاص)
الرجل الأول : لا زال الوضع في الخارج مرتبكاً.
الرجل الثاني : لا أعتقد ذلك، سينتهي كل شيء قريبا.
الرجل الأول : هذه المرة تختلف عن غيرها، سينهار كل شيء قريبا.
الرجل الثاني : أضم صوتي الى صوتك، وأؤيد الانهيار. سينتهي كل شيء بعد ساعات ونعود الى الهتافات والأهازيج وسيخرجون على التلفاز مبررين ما حدث معهم ببياناتهم المتعارف عليها وينتهي الأمر.
الرجل الأول : تخيّل معي قليلا…
الرجل الثاني : (بتذمر) خمسه وعشرون عاما مضت من حياتي متخيلا، كل ما أتخيل تزداد المصائب ويزداد الشيب في رأسي، لذلك ابتعد عن التخيل .
الرجل الأول : تخيل هذه المرة. ما بك؟ هذه المرة تختلف تماما.
الرجل الثاني : كيف أتخيل؟ انظر نحن هنا لا نعرف في أي تهمه ولا نعرف متى نتخلص من هذه الجدران الموحشة، انظر معي الى الجدران ( يقرأ) ذكرى.. أحمد مع عمار مع خالد، مات خالد في هذه المكان بسبب ضربه على رأسه من قبل احد الحراس (يذهب الى الجدار الآخر) ذكرى.. قاسم مع علي مع ياسر مع مؤيد، لقد مات علي في هذه المكان ولم يسمحوا له ان يكلم زوجته التي أنجبت له طفلا بغيابه. مات هنا وانتهى، ذكرى.. حليم مع جاسم، جاسم الذي مات بسبب عدم اعترافه بتهم إجرامية منسوبة إليه حسب ما قالوا بعد وفاته. قل لي تخيّل. اي تخيّل. لو فكرت أن أتخيّل. فلا شيء يدور في رأسي غير تلك الأسماء التي كتبت على هذه الجدار التي ستأخذ نصيبها منا نحن الاثنين. ولا يدور برأسي غير ذلك. افهمت؟
(يفتح الباب ويسبقه ضجيج وصراخ يدخل الرجل الثالث ممزق الثياب
والدماء تسيل من رأسه)
( يتقدما له الرجل الأول والثاني ويسحبانه من الأرض )
الرجل الأول : من أنت؟
الرجل الثاني : ما هذه الدماء التي تسيل من رأسك؟
الرجل الأول : تكلم.
الرجل الثالث : لا أدري.
الرجل الثاني : كيف لا تدري؟
الرجل الأول : تكلم، قل اي شيء.
الرجل الثالث : لا أتذكر شيئا، فقط كنت احتفل في عيد ميلاد ابنتي الوحيدة، وبعد أن بدأت في إطفاء الشمعة داهموا بيتي وتحوّل فرحنا الى صراخ وعويل…
الرجل الثاني : ( مترقب ) وبعدها؟
الرجل الثالث : أحدهم سحق بقدمه على اسم ابنتي.
الرجل الأول : كان الظلام دامساً، كيف عرفت ذلك؟
الرجل الثالث : (يمثل المشهد) حينما بدأ الاحتفال قفز احدهم باتجاهي ومسكني من رقبتي ووضع قدمه على اسم ابنتي.
الرجل الثاني : وبعدها؟ تكلم…
الرجل الثالث : لم افهم شيئا غير صفعاتهم التي لا مفر منها حتى أغمى عليَّ.
الرجل الأول : لا تتوقف أكمل.
الرجل الثالث : لا شيء.. وانتهى كل شيء.
الرجل الأول : ماذا تعني انتهى كل شيء؟
الرجل الثالث : هذا فقط.. حتى أتيت الى هذا المكان وإنا اعرف لا مفر منه على الإطلاق.
الرجل الأول : لم افهم شيئاً، ولكن توحي لنا بأنك أنت كنت مذنباً، وأتيت الى هنا حسب التهمه التي لا نعرف ما هي.
الرجل الثالث : لا توجد اي تهمه لدي ومن الطبيعي ان يحصل ذلك
الرجل الأول : منذ ستة وعشرين يوماً وأنا هنا، ولم افهم شيئاً، ولم يحدثني احد
طيلة هذه المدة وأنا أتساءل لماذا هنا؟ وما هي تهمتي؟
الرجل الثالث : (للثاني) وأنت؟
الرجل الثاني : ليس لديّ ما أقوله، إنا أيضا أتساءل ولكن بيني وبينه (يشير للرجل الأول) وإنا هنا منذ أربعة عشر يوماً.
الرجل الثالث : لا تقلقوا، لا شيء يدعو للخوف، سوف تخرجان، ولا شيء يدعو للقلق طالما لم تفعلا شيئاً.
الرجل الأول : إنا عكس تصوراتك تماما.
الرجل الثالث : كيف؟
الرجل الأول : نحن لم نفعل شيئاً ولا نعلم بشيء.
الرجل الثالث : برأيكما لماذا نحن هنا؟
الرجل الثاني : لا أدري. لكن أتصور نحن هنا جراء أمرٍ هام.
الرجل الثالث : لو كنا في أمرٍ هام كما تقول.. لـِـمَ يأتوا بنا الى هذا المكان الموحش؟
الرجل الأول : ولِــمَ يضربوننا بوحشية وألسنتهم تتراقص بالشتيمة.
الرجل الثالث : ربما مشتبه بكم.
الرجل الثاني : ربما.
الرجل الأول : لو كنا كما تقول.. مشتبه بهم لحقّقوا معنا بدلاً من الضرب والشتائم.
الرجل الثالث : هذا صحيح، لابد من شيءٍ جعلهم يؤخرونكم، ولم يخبروكم بشيء الى هذه اللحظة.
الرجل الأول : لا ادري.
الرجل الثاني : ربما إنا هنا من اجل إن يعرضوا عليَّ عقداً مغرياً من اجل عدستي التي أبهرت العشاق.
الرجل الأول : أنت مجنون، لو كان عقداً من اجل عدستك لما أنت هنا؟ ولكنت الآن تتناول الخمر والخروف المحشي وتداعب أقدام العاهرات التي يتمايلن في أجسادهن الطرية والنحيفة.
الرجل الثاني : (بغضب) إذن لماذا إنا مجرم .
الرجل الثالث : لقد وضعت يدك على المراد قوله . أتصور إننا وصلنا الى هذا اللغز.
الرجل الثاني : كيف؟
الرجل الأول : لغز؟
الرجل الثالث : اقتربا… (يقتربون ويكونون حلقه) أعتقد أن هنالك أمراً خطيراً للغاية.
الرجل الأول : ما هو؟
الرجل الثاني :تكلم…
الرجل الثالث : قبل بضعة أيام حصل شيء غريب، لقد اغتيال ثلاثة أطباء، كان في الصباح، أما في المساء أعلنت نشرة الأخبار المسائية اغتيال أربعة ضباط طيارين، وبعد منتصف الليل.. أذيع عن خبر عاجل يتحدث برعب عن اغتيال كبار الأدباء.
الرجل الأول : لا أعرف ما الذي تشير إلية، ولكنني فهمت انك تريد أن تقول نحن جزء من خطتهم التي نفذت بحق الأطباء والطيارين والأدباء.
الرجل الثالث : بالضبط.
الرجل الثاني : لو كان كما تتصورون.. لغتالونا وانتهى الأمر، ولم يأتوا بنا الى هنا.
الرجل الأول : دعونا نفكر.
الرجل الثالث : بماذا؟
الرجل الثاني : أنا تعبت من التفكير والتخمين.
الرجل الأول : إنا سأكون بدور الضابط وانتم السجناء، سأطرح عليكم أسئلتي التي تدور في ذهني بصيغه التحقيق، وانتم ستجيبون عليها.
الرجل الثاني : إنا موافق
الرجل الثالث : وإنا موافق أيضا.
الرجل الأول : لنبدأ الآن…
(يجهزون الطاولة، وكرسي وبعض الأوراق . بينما يقوم
الرجل الثاني بدور الشرطي والرجل الثالث بدور المحقق)
الرجل الأول : (يقوم بصدور صوت من فمه يدل على الجرس)
الرجل الثاني : نعم سيدي…
الرجل الأول : اجلب المتهم الى هنا…
الرجل الثاني : حاضر سيدي.
( يأتي المتهم هو الرجل الثالث )
الرجل الأول : اجلس هنا… (يشير على الكرسي)
الرجل الثالث : سيدي إنا هنا منذ فتره ليست بقصيرة، ولا أعرف لماذا وما الداعي لوجودي هنا؟ وما هي تهمتي؟
الرجل الأول : نحن نكن لك كل الاحترام والتقدير، وان وجودك هنا كان نتيجة لخطأ فادح من قبلنا، ونحن نعتذر منك وسندفع لك تعويضاً عن كل الأضرار التي تسببنا بها.
الرجل الثالث : لا أريد تعويضاً.. فقط أريد الخروج من هنا.
الرجل الأول : لا يمكن ذلك.
الرجل الثالث : لماذا؟ ألم تقل خطأ فادحاً وتريدون الاعتذار مني؟
الرجل الأول : نعم.. ولكن بعد اطلاع الجهات العليا لملفك الشخصي قررت الاستفادة من خدماتك لكونك من أهم المصورين الفوتوغرافيين، لهذا انا لن أسمح لك بالمغادرة.
الرجل الثاني : يكفي هذا. والآن دوري إنا المحقق.
( يتبادلون الأدوار، الرجل الثاني المحقق والأول الشرطي )
الرجل الثاني : (يتكلم في الهاتف ويضحك) لا الأمر ليس كما تتصور، على أية حال سأتصل بك لاحقا، مع السلامة.
الرجل الثالث : سيدي أنا هنا من مدة ليست بالقصيرة، ولا اعرف ما هي تهمتي.
الرجل الثاني : أعرف إنا نظرت في أمرك، ورأيت ليس هنالك من شيء يجعلك تبقى في السجن، والان يمكنك الانصراف، لقد أتيت قبل ساعة من مدينه أخرى وأحاول تغيير ما يجري من هذه الأساليب التي تمارس ضد الأشخاص الأبرياء، والآن.. يمكنك الانصراف يا عزيزي…
الرجل الأول : (يوقف اللعبة) ما رأيكم؟ هذا كل شيء، كل ما يدور في مخيلتي.
الرجل الثاني : اعلم ذلك. ولكن في نهاية الأمر، هذه من الخيال، ونقنع أنفسنا بذلك.
الرجل الثالث : عن نفسي لا أعرف أي شيء، ولكن لا شيء مستحيل.
الرجل الثالث : وأنا بدأ الخوف يسجل حضوره عندي.
الرجل الأول : كيف؟
الرجل الثالث : حينما كنت في الخارج غادر الهدوء وحلت الفوضى.
الرجل الثاني : صدقت، وستغادر الطيور.
الرجل الثالث : والحب والسلام…
الرجل الأول : هذه المرة ستختلف الحرب عن كل الحروب السابقة.
الرجل الثاني : لا يختلف شيئا أبداً.
الرجل الثالث : بعد قليل سيخرجون على التلفاز، وينادوننا . بالشعب العظيم، والبواسل والغيارى وفي الليل ترقص عليك سياطهم وبعدها الى الهاوية.
الرجل الأول : أنا أشم رياح التغيير، صدقوني…
الرجل الثاني : كيف؟ الجو جميل نحن الآن في الخريف؟
الرجل الثالث : (يضع يده ع جبينه) لا.. حرارتك طبيعية.
الرجل الأول : أنا على دراية تامة أن هناك تغيراً ما.
الرجل الثالث : من أين أتت لك هذه الدراية؟
الرجل الثاني : أريد أن أنام.
الرجل الثالث : ستكون للحرية طعم بالحياة.
الرجل الثالث : للحرية.. مذاق جميل ولكن ما زلنا نحلم بها، وإن تحققت فهي ليست سوى اسمٍ لا معنى له ولا طعمٍ ولا رائحة.
الرجل الثاني : لابد أن يتغير الحال…
الرجل الثالث : أنا ذاهب الى فراشي.
الرجل الثاني : وأنا أيضا.
الرجل الأول : لا.. انتظروا لم أختم كلامي بعد.
( يدخل شخصاً يرتدي معطفاً أسود، ينظر في وجوههم، ينهضوا مباشرة، يشير الى الرجل الأول )
الرجل الرابع : أنت تعال معي.
الرجل الأول : الى أين؟
الرجل الرابع : ستعرف…
( يأخذ الرجل ويخرج، يظهر المحقق يبدو شاباً، يرتدي تيشير احمر
وبنطال كلاسك، ذو شعر طويل، يضع هيتفون في أذنيه ويرقص)
المحقق : (وهو يرقص) استرح…
الرجل الأول : (يجلس على الكرسي بينما المحقق يستمر بالرقص والسماع للاغاني) سيدي…
المحقق : انتظر.
الرجل الأول : أريد أن أعرف لماذا أنا هنا؟
المحقق : (بغضب) قلت لك انتظر ..
الرجل الرابع : اش…
المحقق : (ينزع الهيتفون) الآن نتحدث…
الرجل الأول : سيدي.. لماذا أنا هنا؟ أتمنى أن اعرف ذلك من سيادتكم.
المحقق : أنت لا تعرف إذن؟
الرجل الأول : بالضبط.
المحقق : سأخبرك الآن… (يقلب في الأوراق)
الرجل الأول : أتمنى.
المحقق : بلاغ من شخص مجهول.. تحية طيبة، يرجى من سيادتكم النظر بعين الاعتبار الى الشكوى بحق هذا الرجل، فهو يعد من رجال الأنظمة السابقة والفاسدة، وقد كان يمتلك مركزا حساسا في الدولة ويعد من الفوتوغرافيين الخاصين والمهمين والمقربين منهم.. مع التقدير .
الرجل الأول : الأنظمة السابقة؟ من الفوتوغرافيين المهمين؟ من انتم؟ ومن نحن؟ لماذا تخافون من حقيقة ما يحدث؟ انتم على دراية أن كل ما نقوم بغير قناعه من قبلنا ومجبرين على ذلك.
المحقق : كنت أتوقع ذلك منك… (وهو يرقص)
الرجل الأول : ماذا ؟
المحقق : أن تقدم لي مثلي هكذا تبريرات سخيفة.
الرجل الأول : ليست تبريرات، إنها الحقيقة…
المحقق : (يصرخ به) اسكت.. لو فعلت مثلما فعلت أنا وغيري ولم نكن مع الدكتاتورية.
الرجل الأول : انتم؟ ماذا فعلتم؟ ثلة من الخونة والفوضويين والمرضى تحاولون أن تملئوا جيوبكم وكروشكم.
المحقق : (بغضب) احترم نفسك…
الرجل الأول : لن احترم نفسي (يقوم من الكرسي) ولن اسمح لك أن تتهمني بمثل هكذا تهم أفهمت؟
المحقق : ستدفع ثمن غطرستك هذه، يا لوقاحتك أيها العفن، كلما أتذكركم يُخيّل لي فضلات الأبقار.
الرجل الأول : أنت رجل سيء، والذين يأتون هم من أمثالك.. لصوص وجبناء. يا للكارثة.. لو القادم من أمثالك.
المحقق : (بغضب) اسمع جيدا، كل هذه الخطابات لن تشفع لك وستنال جزاء ما فعلتموه وستجعلني لن أرحمك إطلاقا.
الرجل الأول : استغفر الله إن كنت من المذنبين.
المحقق : لو عرف الإله العظيم لتطهّرت أنفسكم ولانت قلوبكم، وتحفّظ لسانكم عن شتيمة أعراضنا، ونقل السوء عن الآخرين الذين زرعتم الخوف والرعب في قلوبهم، قتلتم عشرات النفوس للحصول على حفنة مال تملؤن بها بطونكم العفنة وتتاجرون بأرواح الناس وترقصون على صرخات أمهاتهم.
الرجل الأول : كل هذا فقط لأنني ألتقط بعض الصور.
المحقق : (للرجل الرابع) أيها الشرطي…
الرجل الرابع : نعم سيدي .
المحقق : كم بقى في الزنزانة؟
الرجل الرابع : اثنان سيدي .
المحقق : فليأتِ احدهم ليحظر أمامي.
الرجل الرابع : حاضر سيدي.
(يأتي الشرطي بالرجل الثاني ويحضره أمام المحقق)
الرجل الثاني : (يدخل، يرى المحقق يضع الهيتفون في أذنيه ويرقص)
المحقق : ( يستمر بالرقص ) أنت محقق؟
الرجل الثاني : كنت.
المحقق : والآن ما هو عملك؟
الرجل الثاني : لا شيء.
المحقق : أتعرف لماذا أنت هنا؟
الرجل الثاني : لا . وأريد أن اعرف.
المحقق : ( يتوقف عن الرقص، يقرأ له بورقة أمامه) أنت متهم من بين أخطر عشرة أسماء والتي كُلفت بالتحقيق معهم والقصاص منها بسبب الوحشية التي مارستها بحق المناضلين والأبرياء الذي راحوا ضحية بسبب أساليبك البشعة بحقهم، ووصولهم الى حبال المشانق. كل هذا كان من اجل حصولك على المنصب.
الرجل الثاني : ومن قال لك أبرياء؟ أيُّ براءة التي تطالب بها أنت للذين مارسوا العبث والقتل والفوضى والتسليب ونهب أموال الناس؟ أو الذين عبثوا بأمن الدولة؟
المحقق : انت تدافع إذن عن أمن تلك الدولة الباغية؟
الرجل الثاني : ولما لا؟ وأنا رجل قانون وانتمي لها وأمارس مهنتي وأتقتص بمن يعبث بالأمن.
المحقق : أنت تغالط نفسك كثيراً، وتعرف أيضا بأن نظامكم الدكتاتوري قد طغى كثيرا على شعبه وحرمه من حقوقه وصادر حرياته. أما رجالها فقط لعب دورا قذراً في قتل الأبرياء، وتأتي الآن لتدافع عن هذه المجازر؟
الرجل الثاني : عن نفسي انا لدي الثقة الكاملة بعملي وافتخر بنفسي، لقد كانت العدالة هي الهدف الأساسي في مهنتي.
المحقق : أنت تسببت بالتحقيق وبقتل العديد من المجاهدين، وتقول لدي عدالة . أي عدالة هذه؟
الرجل الثاني : أن تحتكم للضمير هو العدالة.
المحقق : لا وتراوغ في كلماتك الجوف.
الرجل الثاني : المجاهدون الذين تتكلم عنهم هم مجموعه من اللصوص والخونة وقد هربوا الى بلدان اخرى كي يملؤا بطونهم بفضلات خيانتهم، ويتخيلون انهم سيصبحون أسيادا علينا يوم ما.
المحقق : تحقق ذلك وصرنا اسياداً عليكم، وستنال العذاب بما اقترفت.
الرجل الثاني : سيأتي من يحاكمكم يوما ما، وسيحدث بنفس مفرداتك، ويتهمك بنفس التهم التي توجهها لي، وسيتحول الضحية الى جلاد.
المحقق : (بغضب) أيها الشرطي .
الرجل الرابع: نعم سيدي .
المحقق : احضر لي الآخر وعلى الفور.
)يذهب الشرطي يحضر الرجل الثالث)
الرجل الثالث: (بتذمر) يا سيدي أريد أن اعرف سبب وجودي في هذا السجن المقرف والمظلم؟
المحقق : (يلعب بوبجي بالموبايل) اش .. انتظر…
الرجل الثالث : سيدي.. اريد ان اعرف .
المحقق : (وهو يلعب) قلت لك اسكت، لو خسرت سترى شيئا أسوأ مما أنت عليه الان، افهمت.
الرجل الثالث : سيدي …
المحقق : (بملل) نعم.
الرجل الثالث : ماذا تفعل؟
المحقق : أنا مشغول قليلا بعلبه بوبجي انتظر.
الرجل الثالث : بوبجي؟
المحقق : انتظر (يستغرب بعض الثواني) رائع…
الرجل الثالث : احسنت سيدي.
المحقق : على ماذا ؟
الرجل الثالث : على فوزك بالبوبجي.
المحقق : اجلس هنا (يشير الى الكرسي)
الرجل الثالث : (يجلس) سيدي انا لدي الكثير من الأعمال ولا اعرف لماذا انا محتجز هنا، وما هي تهمتي؟ أريد أن أفهم لو سمحت.
المحقق : ستعرف الآن (يقلب الاوراق) منذ اكثر من اثنتي عشر عاما عملت مع العديد من رجال الدولة السابقة حتى استقر عملك في قصر الرئيس أخيراً.
الرجل الثالث : نعم هذا صحيح، وما المشكلة في ذلك؟
المحقق : مشكله كبيرة، أنت تتعامل مع السفاحين والمجرمين والقتلة واللصوص وهم من أراذل البشر، تتعامل مع رجال غادرت قلوبهم الرحمة والإنسانية، هؤلاء الذين زرعوا الخوف في قلوب الناس لسنوات طويلة.
الرجل الثالث : جميل، أنا أوافقك تماما، ولكنني كنت أمارس مهنتي كطباخ، وفي نظرك هذا ذنب كبير، طيب، أين كنت أنت؟ قبل اثنتي عشر سنه؟ ولِــمَ لم تتكلم في زمن مضى؟ وتطلق لسانك السليط هذا ربما تكون إشارة لتغيرهم والنيل منهم؟ (ساخراً) لماذا ظهرت شراستك الآن أيها البطل؟
المحقق : أنا وغيري لنا الفضل عليك أيها القرد، أنقذناك من آفه تنهش بأعماركم وعقولكم وأطفالكم ونسائكم…
الرجل الثالث : ليس لكم الفضل بذلك، انتم ثلة ساومتم على أرواحنا وأطفالنا ونسائنا وحريتنا مع المحتل، وكان همكم الأول الكرسي والمال، وأخذتم تمارسون نفس أساليب الدكتاتورية التي تتحدث عنها الآن، نحن أيها المحقق في لعبة تبادل الأدوار صدقني.
المحقق : ستنالون عقابكم جميعا وتقطع ألسنتكم، ولن أسمح بتبادل الأدوار أبداً، سنسحق رؤوسكم وليكن ما يكون(يصيح بغضب) أيها الشرطي…
الرجل الرابع : نعم سيدي…
(تدب الظلمة في المكان، نسمع أزيز إطلاق نار، وبعدها تتحول الشخصيات المحقق والشرطي بدل من الرجل الأول والثاني والثالث، وتبدأ لعبة جديدة يتبادل فيها الجميع نفس الأدوار ونفس الكلمات)
(انتهت)
2019 العراق – الناصرية