د. علي خليفة يكتب: مسرحية الفرافير للكاتب المصري يوسف إدريس “1927 – 1991”
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
د. علي خليفة
مسرحية الفرافير
للكاتب المصري يوسف إدريس
“1927 – 1991”
كنت قد قرأت مسرحية الفرافير لأول مرة منذ نحو 15 عامًا، وقرأت المقالات التي كتبها عنها يوسف إدريس داعيًا لاستنبات شكل مسرحي عربي، ولا شك أنني آنذاك قد قرأت أيضًا بعض المقالات النقدية عنها. ولا أكاد أذكر من كل هذا الذي قرأته إلا قليلاً جدًّا، وقد شاهدت اليوم المسرحية كما مثلها في الستينيات عبد السلام محمد وتوفيق الدقن، وسأحاول أن أقدم هنا قراءة خاصة بي لها، آمل أن يكون فيها الجديد في نقد هذه المسرحية التي شغلت النقاد والمهتمين بالمسرح حين صدورها وحين عرضها.
والمسرحية أقرب في شكلها لأسلوب العبثيين، والمؤلف يذكر أسلوب اللا معقول في حوار الفرفور والسيد، وكذلك يتضح فيها التأثر بالشكل الملحمي البريشتي، وبها أيضا طريقة التمثيل داخل التمثيل التي شُهِرَ بها بيرانديللو.
وقد أحسن الكاتب المزج بين هذه المدارس المسرحية المختلفة؛ وإن كان أسلوب العبثيين هو الأوضح في هذه المسرحية – كما سوف أوضح – وأستبق الأحداث فأقول: إنني لم أر في هذه المسرحية ما قد قيل عنها من أنها تعبر عن شكل مسرح مصري أو عربي بأي وجه من الوجوه، كما سوف أوضح أيضًا، وعلى الرغم من تأثر الكاتب بأسلوب العبثيين في مسرحيته هذه فإنها مع ذلك لها خط درامي من الممكن تتبعه وتلخيصه.
وتبدأ المسرحية بظهور شخص يخاطب المشاهدين، ويقول: إنه مؤلف المسرحية التي ستعرض عليهم، ويقول أيضًا للمشاهدين: في عرضنا هذا لا توجد حواجز بين الممثلين والمشاهدين، فسوف يمثل الجمهور أو أفراد منه في هذا العمل، وحين يظهر المؤلف على خشبة المسرح بشكل كامل يظهر على هيئة مسخ، فهو يرتدي شرطًا على جاكت بدلة، وعند ظهوره من آن لآخر في المسرحية يأتي في هيئة شخص جديد بغرض السخرية منه والإضحاك.
وينادي المؤلف على الشخصيتين الرئيستين في المسرحية: الفرفور والسيد، وتبدو العلاقة بينهما قديمة، ويطلب السيد إلى الفرفور أن يبحث له عن عمل، وفي كل مرة يذكر فيها السيد عملاً ليعمله ينتقده الفرفور بأسلوبه الساخر ناقدًا من خلال ذلك أوضاعًا كثيرة في المجتمع في الفترة التي كتبت فيها المسرحية، وأخيرًا يعمل السيد والفرفور تربيين، ويطلب السيد إلى الفرفور أن يزوجه، وتظهر ممثلة مندسة بين الجمهور، وتعجب السيد، ويقرر الزواج منها، ثم تظهر الممثلة الأساسية التي حددها المؤلف للزواج من السيد، وتظهر بعد ذلك امرأة بدينة جدًّا هي التي حددها المؤلف؛ لتكون زوجة الفرفور، ويتزوج السيد المرأتين ليرضي الطرفين ونفسه، ويُكْره الفرفور على الزواج من المرأة البدينة.
ولا يجدان أحدًا يدفنانه، ثم يأتي شخص ويطلب إليهما أن يميتاه ويدفناه، ويقتله السيد.
ويعترض الفرفور على الوضع الذي فرضه عليهما المؤلف بأن يكون فرفورًا وتابعًا طوال أحداث المسرحية، ويكون الشخص الآخر السيد طوال أحداثها أيضًا، ويهرب الفرفور من سيده، ويتنكر في هيئة بائع روبابيكيا، ويتعرف عليه السيد، ويقترح عليه الفرفور أن يكون هو السيد ويكون السيد الفرفور، ويوافق السيد، ولكنهما لا يستطيعان إنجاز عملهما بدفن الموتى،
ولا يعجب أحد الموتى طريقتهما في الدفن ولا مقابرهم، فيطلب إلى حامليه أن يذهبوا به لمدافن أخرى.
ويجربان أن يكونا إمبراطوريين، ولكنهما لا ينجحان أيضًا، ثم يجربان أن يكون كل واحد منهما سيدًا على نفسه، وأيضًا يفشلان في هذا.
ويقترح عليهما أحد العاملين في المسرح – وهو يرغب في إنهاء العرض؛ لأن زوجته توشك أن تلد – أن ينتحرا؛ لينهيا أحداث هذه المسرحية؛ ولأنهما لا يجدان حلاًّ لمسألة تحديد السيد والفرفور بينهما، وبعد أن ينتحرا نرى الفرفر يدور في فلك السيد بعلة أن الجسم الأصغر هو الذي يدور في فلك الجسم الأكبر.
والفكرة الأساسية التي تدور عنها هذه المسرحية من خلال تلخيصنا لها أن الحياة تقوم على أساس أنه بها سادة وعبيد أو قادة ومحكومون، ولا يمكن تغيير هذه العلاقة، وقد يكون الكاتب ينتقد بهذا الأوضاع الطبقية أو الفوارق الاجتماعية، أو يعبر عن سنة من سنن الكون في وجود مفكرين وأشخاص آخرين منفذين لفكر هؤلاء المفكرين.
والمسرحية – كما قلت – فيها كثير من النقد المباشر لأوضاع كثيرة في المجتمع المصري في الفترة التي كتبت فيها على وجه الخصوص، ويأتي هذا النقد الساخر بشكل مباشر على لسان الفرفور، وفي رأيي أن هذا النقد المباشر لهذه الأوضاع في المجتمع يعد جانب ضعف في المسرحية، ويتعارض مع التقنيات الحداثية والطليعية التي وظفها المؤلف في مسرحيته هذه.
وما أشبه الفرفور بالأراجوز الساخر المشاغب المتمرد، بل إن الفرفور – في رأيي – هو أراجوز بُثت فيه الحياة، ويتصرف بشكل تلقائي ساخر، ويتمرد على أي وضع لا يعجبه، وعلاقة الفرفور بالسيد أو التابع بمولاه ليست جديدة، بل نراها في أعمال أدبية كثيرة، وأغلب الظن أن المؤلف أفاد منها وهو يكتب هذه المسرحية، ونجد في إحدى البرديات الفرعونية أن ممثلاً كان يقول لعبده: سأمثل أنا دور السيد وتمثل أنت دور التابع. ونرى العلاقة بين السيد والتابع والمفارقات التي تحدث بينهما في مسرحيات عالمية، كمسرحية “السيد بونتيلا وتابعه ماتي” لبريشت، ومسرحية “فولبوني” لبن جونسون، ونرى هذه العلاقة في مسرحية “علي جناح التبريزي وتابعه قفة” لألفريد فرج، وفي هذه المسرحية الأخيرة يثور قفة على سيده التبريزي، ويطلب إليه تغيير العلاقة بينهما بأن يكون هو السيد كما هو الشأن في مسرحية “الفرافير”.
وقد قلت في مقدمة حديثي عن هذه المسرحية: إن يوسف إدريس وظف فيها تقنيات ووسائل لعدة مدارس مسرحية طليعية، وتأثر بشكل أوضح بأسلوب العبثيين فيها، فهناك كسر لحاجز الزمان، فالسيد والفرفور يتزوجان وينجبان سريعًا دون حساب للزمان، وكذلك نرى شخصًا يطلب إلى السيد والفرفور أن يقتلاه ويدفناه بلا أسباب، ويقتله السيد، ويتم دفنه، وهناك شخص ميت يأتي لهما محمولاً، ويتحاور معهما، ولا يعجبه أسلوبهما في الدفن ولا مقابرهما، فيسخر منهما، ويطلب إلى الأشخاص الذين أتوا به لهذا المكان أن يخرجوه منه للبحث عن مقابر أخرى يدفن فيها، وأيضًا من مظاهر العبث في هذه المسرحية إقدام البطلين فيها على الانتحار؛ لأنهما لم يستطيعا حل مشكلتهما بتمرد الفرفور على كونه فرفورًًا.
ويبدو الحدث في المسرحية غير مثير، ويفتقد للإقناع في بعض تفاصيله شأن كثير من مسرحيات الطليعيين بشكل عام.
ومن مظاهر المسرح الملحمي بهذه المسرحية كسر الإيهام بها في بدايتها وخلال أحداثها، وكسر الحائط الرابع بتمثيل أشخاص مندسين بين الجمهور في المسرحية، وكذلك نرى في الجزء الأخير من المسرحية جوقة تعلق على الأحداث وتشارك فيها.
ونرى أثر بيرانديللو في هذه المسرحية في وجود تمثيل داخل تمثيل بها، فالمؤلف يتحدث عن مسرحية ستعرض، ويتدخل من حين لآخر للتعقيب على ما يحدث، وكذلك نرى بعض العاملين في المسرح يشاركون في بعض أحداثها.
وبعد فلم أر – كما قلت من قبل – ما يدل على أن هذه المسرحية بها شكل مسرحي عربي، ولم يكتب يوسف إدريس على غرار هذه المسرحية مسرحية أخرى؛ مما يدل على أن هذه المسرحية حالة خاصة، ومع ذلك يوجد تناص بينها وبعض المسرحيات في بعض الأحداث والأشخاص فيها، وأيضًا هي أقرب في بنائها لأسلوب العبثيين ممزوجًا ببعض خصائص المسرح البريشتي وأسلوب بيرانديللو في التمثيل داخل التمثيل.