الناقد الأردني د. مؤيد حمزة يكتب: أبوكاليبتو الخوابي
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
د. مؤيد حمزة
أكاديمي مسرحي من الأردن
في فيلم ميل جيبسون أبوكاليبتو (Apocalypto- 2006)، يركز المخرج والكاتب المشارك ميل جيبسون على إظهار وحشية وتخلف المجتمع المحلي في أميركيا اللاتينية قبل الاحتلال الإسباني وتجاهل كل إنجازات حضارة المايا فيها ليركز على وحشية البشر هناك والقتال والدموية والقتل المجاني والقرابين البشرية والغوص في عالم الخرافات، حيث يُقتاد البطل مع أبناء قبيلته ليضحى بهم على مذبح الهرم إرضاء لآلهة مزعومة وخرافات.
وحين يتمكن البطل من الإفلات من أيدي أبناء جلدته “الوحوش” والذين ينتمون إلى قبيلة (متخلفة) أخرى، ويبدأ باستخدام مجموعة من الحيل، حتى تنفذ كل حيله ويكاد يقع في الأسر من جديد. ليفاجأ عند شاطئ البحر بقدوم من يتسبب وجوده في توقف المطاردة الجنونية.. مجموعة من الجنود الإسبان (الغزاة الأوائل) وصلوا إلى الشاطئ…
بهذه الصورة وبدون أي تعليق يزرع الفيلم قناعة في ذهن المتفرج أن هذا الغزو أنقذ الإنسان وجلب الحضارة والرقي لهم ويجعل المتلقي يتناسى تماما، وربما ينسى، أن هناك 95% من السكان الأصليين قد تمت إبادتهم قتلا أو بتعريضهم لجراثيم وأمراض لم يعرفوها من قبل جاء بها المستعمر الأوروبي المؤمن.
في مسلسل الخوابي (وهو مسلسل ضعيف الإنتاج من إنتاج شركة عصام الحجاوي 2020) نرى أيضا نموذج البيئة المتخلفة، والتي يفترض أنها تعبر عن فلسطين ما قبل الاحتلال.. بيئة ملؤها المؤامرات، والدسائس، والقتل، والسرقة، والوحشية في تعامل أبناء القرية مع بعضهم البعض وفوق هذا نرى العقوق بأبشع صوره، حتى أن أحد أبطال المسلسل يقدم على قتل أبيه حرقا ثم يقتل أمه ثم مجموعة من أصدقائه. وكلها مواقف درامية لا تحمل أية قيمة إنسانية أو فكرة يمكن أن نحلم بتعليمها للمتلقي.
في مسلسل الخوابي توجد شخصية شايلوك بنسختها الفلسطينية.. إلا أنه لا يُقاوم من قبل أبطال العمل كما هو الحال في تاجر البندقية بل تجده ينتصر في كل مرة حيث لا يوجد له نقيض يمنعه من تحقيق أهدافه، فهو متواجد في مجتمع بليد (بحسب أحداث المسلسل)، ولم يكلف صُنّاع المسلسل أنفسهم بصناعة شخصيات مضادة له، ولو لمصلحة تقوية الصراع ودفعه من خلال الفعل ورد الفعل بدلا من السرد، واختلاق مواقف تسير على قاعدة (قال لي وقلت له).
لا يمكن لأي مُشاهد محايد أن يرى هكذا أحداث دون أن يحمد ربه أن هناك احتلالا أجنبيا قد حل في بلد هؤلاء الناس بحيث جعلهم ينتقلون إلى حياة أكثر مدنية وتحضرا.. بحيث يصبحوا أكثر رحمة ببعضهم البعض، تماما كما يظهر ذلك في باطن نص فيلم أبوكاليبتو لميل جيبسون .. بهذا الشكل تمكن ميل غيبسون من صناعة تبرير أخلاقي لكل المآسي والمجازر التي نجمت عن عملية جلب الحضارة والإيمان لأمريكتين مبرر أكثر من كاف لتدمير حضارات.
“وطبعا” لا مجال للتشبيه بين العمليين السينمائي والتلفزيوني لا على مستوى تقنيات الكتابة أو الإخراج، والأهم (ظروف الإنتاج). بل ومن المضحك مجرد الشك أننا نهدف للمقارنة أو التشبيه. فعلى الرغم من أن النتيجة واحدة إلا أنها في حالة الخوابي لم تتحقق عن قصد من صُناع العمل أو منتجه- والذين نربأ بهم أن يحملوا هكذا أفكار-، كما ولم تتحقق نتيجة لنجاح العمل كما هو الحال مع أبوكاليبتو.. بل تحققت نتيجة لقلة المعرفة بأصول الفن الدرامي كوسيلة تواصل جماهيري، وجهل كامل بنظريات التلقي الجماهيري.
في النهاية خدم العمل تلك الفكرة بشكل غير مباشر، ما يؤدي إلى ترسيخ هكذا قناعات في باطن عقل المتفرج، وهنا بالتحديد مكمن الخطورة.
هذا الرأي على مستوى النص فقط، وهو تأويل كان ينبغي الانتباه له من قبل الكاتب أو السيد المخرج، أو السيد المنتج الذي يعتبر نفسه مخرجا في الوقت نفسه.
والحقيقة أن مثل هذه الأخطاء كثيرا ما تحدث في ظل استسهال الدخول إلى الوسط الفني التلفزيوني في بلدنا وايجاد فرص عمل فيه.
يحدث هذا عند الاستخفاف بالتعامل مع وسائل الإعلام والفنون التلفزيونية.
يحدث هذا في بيئة تستخف بالعالم وتدعي أن الإبداع لا علاقة له بالعلم، ولا بالثقافة والقراءة الموسوعية.
يحدث هذا حين يركز منهج الإنتاج على التسويق والإنتاج بأرخص تكلفة، بدلا من القيمة الفنية والفكرية والاجتماعية التي ينبغي للعمل أن يحملها. (وهذا المنهج بالتحديد هو ما أطلقنا عليه وصف الدكان، ليس لغرض الإساءة لا سمح الله، فالدكان مكان محترم لطلب الرزق، لكن منهج عمله غير ملائم لإنتاج الأعمال الدرامية التلفزيونية)
يحدث هذا حين يأبى “بعض الفنانين” سماع الرأي الآخر، بل ويدخلوا في سباق إنتاج أقذع شتيمة لقائله.
يحدث هذا حين يدعو أحدهم صراحة إلى تكميم الأفواه بدلا من أن ينصت جيدا لعله يتعلم ويستفيد.
يحدث هذا كثيرا… ويبقى هناك إصرارا عجيبا على عدم تعلم ألف باء الفنون الدرامية.
لكن إصرارنا أكبر.. على أن نستمر بتشخيص هذه الظواهر السلبية. لأننا نؤمن أن أهم خطوة نحو الإصلاح إنما تكمن في التشخيص الدقيق.