فاروق صبري يكتب عن مسرحية “الزبون الصعب” نص ذكي.. وسينوغرافيا مربكة!

المسرح نيوز ـ مقالات ودراسات

ـ

بقلم: فاروق صبري

مسرحي عراقي

ـ

 

المخرج والناقد العراقي: فاروق صبري

 

يبدأ النص بمشكلة شخصية تخص عائلة متكونة من زوج وزوجة ، أو هكذا يحاول الكاتب أن يقول لنا :  رجل يفقد زوجته ويذهب إلى دائرة تعنى بالمفقودات…

 

 

وبداية النص تختلف عن بداية العرض ـ إذ المخرج (إجتهد) عبر صوت مذيع يقدم تفصيلاً عن أخبار ( ألإعتصامات المؤيدة لسياسة حكومتنا) وينتهي بتصريح مسؤول يهدد الخونة والمشبوهين ومحاكمته ، وهذا (الإجتهاد) الإخراجي متداول ومطروق ومتواضع وبل ضيّع لعبة درامية ذكية أرادها المؤلف رينيه كبداية لجعل المتلقي أن ينتظر ويتوجس ويتساءل ما الذي يخفي حكاية فقدان الزوجة ، ماهي ابعادها الإجتماعية والسياسية بشكل عام .

 

والتساؤل : لماذا توجّه الزوج إلى هذه الدائرة المدنية مثلما أراد المخرج سعود القفطان في العرض ولم يقدم شكوى فقدان زوجته في مركز للشرطة مثلما كتبه المؤلف الفرنسي ماكس رينيه في نصه (الزبون الصعب) الذي تعرّض للإعداد عبره يدخل الزوج (موسى بهمن) مع مقدمته الإذاعية إلى دائرة مدنية ، في إحدى غرفها نشاهد موظفاً(فهد الخيّاط) يقوم بجرد المقتنيات المفقودة ، حقائب صغيرة ، مضلات ، أزواج قفافيز ، صندوق ، كلب ، سلالم ، مقتنيات إنتشرت على الأرض بصورة مربكة وفوضوية لم يجسد المخرج خلال تلك الفوضى وذلك الإرباك لغة بصرية تؤسس عبر الإنارة والمؤثرات الصوتية والموسيقية والأزياء والإكسسوارات والديكور والأداء التمثيلي لتدعم أو تصّعد (رؤيته) الإخراجية ، حيث ظل الفضاء المسرحي فاقداً  لضرورة ومتعة حضوره البصري .

 

 

وتجاه برودة أعصاب الموظف-المساعد وهو يعدد المقتنيات المفقودة وتساؤلات الزوج عن زوجته المفقودة سيّر المخرج والممثلان العرض برتابة أدائية وبصرية والذي إبتعد شيئاً ما عن جوهر النص المكتوب بإسلوب الكوميديا السوداء ، فمثل هذا الإسلوب يمنح المتلقي-الجمهور المتعة والرؤية اللتين يريد إيصالها ، لأنها أي الكوميديا السوداء نوع من الهجاء تمتاز بأنها تدور حول مواضيع تعتبر تابوهات أو امور محرم الخوض فيها بحيث يتم التعاطي مع تلك المواصيع بشكل ساخر مع الإحتفاظ بالجانب الجدي في الموضوع.

 

والموضوع الجدي في النص-العرض فقدان إمراة ، هو مشكلة شخصية مثلما ذكرت سابقاً ، طرحها ماكس رينيه بتلميح ذكي تبدأ بمواقف كوميدية –في النص خاصة- نلمسها منذ اللحظات الأولى للقاء الزوج مع الموظف-المساعد الذي يظهر نفسه بانه مهتم بالأمر لكن برودة أعصاب الأداء التمثيلي الذي لو كان يرافقه أداء ميكانيكي رابوتي لكان ينقل الممثل فهد الخيّاط هذا (الإهتمام) إلى فعل الكوميديا السوداء وخاصة وهو فاجئنا وفاجئ الزوج بأن معرض الدمى المجهولة المقصود منه معرض للجثث المجهولة ، وتتوالى المواقف الكوميدية في النص أكثر لتتوضح لنا بأن برودة أعصاب الموظف-السيد نتاج مهنته المملة والمريرة التي تعكس جانباً من سياق حياتي يفقد فيه الناس المقربين إليهم وشيئاً فشيئاً يوضح العرض أن هذا الفقدان مرهون بممارسات سلطوية التي رأى المخرج صورتها القاسية في شخصية السيد وبسلوكه المبلد بالبرودة وخاصة أنه يدير عملاً مثخناً بالجثث والفقدان ، وتلك القسوة السلطوية تتبدى أكثر حينما يصرخ الزوج مطالباً المساواة مع المقتنيات المقفودة والتي يبدو له بان لها قيمة أكثر من الإنسان .

 

إن المونتاج الضوئي والمنولوجي للزوج وهو يروي سيرة حياته مع زوجته وكيف فقدت أسعف قليلاً من تخليص العرض من رتابة لغته(البصرية) لكن المخرج لم يتواصل بهذا الإسلوب المونتاجي الشبيه للعمل السينمائي في مشاهد اخرى تساهم في خلق فضاء مسرحي ديناميكي متداخل متفاعل يجسد مقولة النص الساخرة من العنف السلطوي .

 

العرض ينتهي مثلما بدأ بصوت الراديو وخطاب المسئول وشعاراته المعسولة لكنه يقع في فخ المباشرة والتبسيط وفقدان الحلول البصرية المزدانة بكوميديا سوداء ، بها لا بالحل (البصري) المطروق كان يمكن للعرض ان يفضح مدى لا صدقية وزيف شعارات السلطة ويدين قسوتها وخداعها لوعي الناس .

 

يبقى أن نقول إن توظيف أو إستخدام الإسلوب الكوميدي في العرض المسرحي ليس سهلاً وقد شابه الخوف والتردد من ان يقع في سياق تهريجي أو جفاف بصري بدل أن يضحكنا ونحن نردد (شر البلية ما يضحك) ويمنحنا دلالات الضحك المعرفية والجمالية ، نضك على العرض ، لذلك اسلوب الكوميديا السوداء بحاجة إلى موهبة عالية ومعرفة عميقة لمسناهما في نص ماكس رينيه .

قدم هذا العرض ضمن مهرجان دبا الحصن المسرحي في دورته 3 آذار 2019

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock