حوارات

المسرح نيوز يقدم ركن « سؤال الراهن » المسرحي المغربي عبدالجبار خمران:التنظير المسرحي الرصين يتجلّى في إصغاء المبدع والمتلقي على حد سواء


المسرح نيوز ـ القاهرة| حوارات

ـ

 

ركن « سؤال الراهن »

فكرة وإعداد: حامد محضاوي

إشراف: صفاء البيلي

الناقد حامد محضاوي
الناقد حامد محضاوي

ركن ينتمي لجدارة السؤال في السياق المسرحي الحالي، لا يبنى على أرشفة التصنيف أو أحاديّة الإقناع. ركن يبحث عن حقيقة؛ هناك حقيقة وهناك الحقيقة بأل التعريف والسعي نحو حقيقة ما، وليس الحقيقة. وبهذا المعنى فهي معرفة نسبيّة دائما ولكنّها تتضمّن بذرة من المطلق دون أن تكون هي المطلق. هي كما يقول إدوارد الخرّاط: ” حقيقة دائما أيضا نسبيّة بمعنى أنّها ليست نسقا في الفن فلسفيّا أو معرفيّا كاملة “. بهذا المعنى لا يمكن أن تكون إجابة شاملة ومحيطة بالمعنى ككلّ. هي دائما – كما أرجو – ذهاب إلى أعمق فأعمق بدون الوصول إلى تشكّل راكد.

من هنا أرى « سؤال الراهن » كرافعة لتنضيج المعنى الإشكالي، ورسم مآل متشابك للرؤى المسرحيّة، وليس تجميعا مسقطا للهواجس والتعاريف. لست أظنّ أنّ من مهام المسرح أن يضع حلولا أو يجيب عن أسئلة، مجرّد وضع سؤال في السياق المسرحي هو كلّ ما أسعى إليه عبر هذا الركن.

ركن « سؤال الراهن » محمل تساؤلي عبر جملة الأسماء المتدخّلة، في إطار تثمين التشبيك اللحظوي من خلال تيمات « الراهني » و

« الآن وهنا » ابتعاد عن الإخبار الصحفي واقتراب من جدوى التفكّر في السياق المسرحي. عبر أسئلة عشر تطرح لكلّ ضيف نحاول بناء لحظة جدليّة نافذة وفاعلة في رهان التشكّل العام.

يسرّنا في هذا الركن استقبال المسرحي المغربي

عبد الجبار خمران
عبد الجبار خمران

« عبد الجبار خمران »

في مساحته الحرّة، بين الذات وتفاعلها الراهني في الآن وهنا.

 

 

– من أنت الآن في المسرح؟

– عاشق مسرح كرّس سنوات عمره لهذا الفن، تكوينا ودراسة، وممارسته تمثيلا وإخراجا ومتابعته عروضا وكتابة وفكرا ونقدا…

– ما مضى منك في المسرح: ما بقي وما سقط؟

– مضى بعض من تجارب مسرحيّة وتحدّيات فنيّة خصصناها لبحث فني عن صيغة جماليّة وفكريّة لعروض مسرحيّة طرحنا فيها سؤال الجسد وتوظيفه العضوي داخل العرض المسرحي، وتقاسمنا من داخل تجربتنا المتواضعة مع شركاء فنانين جديّين أيضا محاولة تجاوز الجاهز والعام في صناعة عرض فني..

وما بقي هو الأثر الذي قد تحفره تجارب فنيّة معيّنة في ذواتنا وطريقة تفكيرنا كممارسين ومدى تأثرنا ببعضنا وبتجاربنا، والأهم ما بقي من أثر في جمهور تابع تجاربنا خاصّة كشريك جوهري في المسرح عبر تلقي واع وقلق يساهم في صياغة المعنى..

أمّا ما سقط فقد سقط إمّا لأنّه أهل للتخلي والسقوط وإمّا لأنّنا لم ننتبه إليه.    

– في الراهن، ما هي درجات التمثّل الجمالي التي تراها قادرة على بناء العرض المسرحي بأبعاده المختلفة؟

– إذا ما اتّفقنا على درجات ما لـ “التمثل الجمالي” القادرة على بناء العرض المسرحي في الراهن وفي أي زمن وأي مكان، فممّا لا شك فيه أنّ ذلك سيكون مرهونا بأمرين أساسيين هما: أولا، رؤية فكريّة وجماليّة نابعة من ارتباط المشروع الإبداعي بالمجتمع وبالناس، أي أن نجيب عميقا عن سؤال: لماذا نقدّم اليوم ما نقدّمه (مسرح) لجماعة من الناس (جمهور)؟ – ثانيا، وبعد الجواب عن “لماذا” هذه، يُطرح سؤال “كيف” / كيف نقدّم للناس ما سنقدّمه من رؤية وأسئلة ومقترحات فكريّة وجماليّة؟  هنا طبعا نتحدّث عن التقنية، أي تلك الوسائل والمناهج التي تجعلنا قادرين على تحويل معرفتنا إلى مسرح.

– في الآن وهنا، ما هو انطباعك على المعطى المسرحي العربي الحالي في مستوياته: الجماليّة والأكاديميّة والهيكليّة؟

– أعتقد أن البنيات الجماليّة والأكاديميّة والهيكليّة المسرحيّة في العالم العربي متفاوتة نسبيّا، وليست هي ذاتها في كلّ البلدان العربية، على الرغم من القواسم المشتركة العديدة. فالمسرح في المغرب أو تونس جماليّا وأكاديميّا وهيكليّا ليس هو نفسه في السودان أو موريتانيا مثلا… وهكذا. أعتقد أنه سنكون اختزاليين بشكل كبير إذا ما تحدّثنا عن بنيات المسرح جماليّا وأكاديميّا وهيكليّا بشكل عام في وطننا الكبير… وانطباعي الشخصي باختصار، على هذا المعطى المسرحي – كما جاء في سؤالك – أن المسرحيّين بتعدّد تخصصاتهم الفكريّة والإبداعيّة في مختلف بلدان وطننا الكبير، وبحسب إمكانياتهم الضئيلة وظروفهم الصعبة المرتبطة بسياقات سياسية واجتماعية وثقافية، استطاعوا بإرادة جبّارة كأجيال متعاقبة وكتجارب فنية مختلفة أن يؤسسوا لهذا الفن الحديث في ثقافتنا والطارئ على حضارتنا، أساسا ساعد في أن يستمرّ المسير في طريق المسرح الصعب  المحفوف بالمغامرة، خاصّة في ظلّ ضمور الدعم والإنتاج وندرة توفير الظروف الملائمة لممارسة مهنيّة احترافيّة في مختلف بلداننا (مع التفاوت الموجود فيها). وهو الأمر المستمر حتى الآن / هنا، تصوّر أنّه في بعض بلداننا إذا لم يبادر مبدعون مسرحيون أن يخوضوا مغامرة إبداع عروض مسرحية يمكن أن يمرّ الموسم بدون أي عرض تماما! ذلك أنّ الصعوبات ما تزال تعيق الإنتاج والترويج والتنقّل وتحول دون توفير الظروف المهنية والاحترافية التي يمارس بها الفن المسرحي في الدول الأوربية والأجنبية.. رغم ما نشاهده من حراك ونشاط فالحركة المسرحية واهنة وما تزال تحتاج إلى الكثير من الفعل الإبداعي والتقنين المهني والتنظيم الإداري والتأطير والتكوين وضمان كرامة الفنان…الخ، والمهرجانات الكبيرة والتظاهرات المشعّة، دون الحديث عن الملتقيات الصغيرة التي لا يحضرها إلا منظموها وعائلاتهم وأصدقاؤهم، كل ذلك ليس بالطبع معيارا، بل هو الحراك داخل المجتمعات والتفاعل معها وفيها ما يعطي الفعل المسرحي والممارسة الفنيّة الإبداعيّة فعاليّتها ووجودها الحقيقي.

– في الراهن، مدى وجاهة التطوّر في الاشتغالات الحالية للذائقة المسرحيّة العربيّة مقارنة بغيرها؟

– هناك اجتهادات مسرحيّة مميّزة ومثيرة في وطننا الكبير بين الحين والحين، لكن على العموم هناك تراجع على مستوى الاشتغالات المسرحيّة المبتكرة. هناك مسرحيات تتشابه، وأخرى لا تقدّم جديدا على مستوى الذائقة المسرحيّة، وربّما لا تجوز مقارنة العروض “المسرحيّة العربيّة” مع غيرها نظرا لوجود فوارق كبيرة على مستوى البنيات والهيكلة والتجهيزات وحجم تدخّل الدولة في الدعم المادي على مستوى الإنتاج والترويج والتأطير والتكوين… كم هو معدّل تقديم العروض المسرحية العربية مثلا؟ تصوّر، وهذا مثال فقط، أنّ مسرحيّة عربية تفوز بأفضل عرض مسرحي في احدى المهرجانات العربية الكبيرة.. لم تقدّم إلّا مرّتين فقط أمام الجمهور خلال موسم كامل: مرة واحدة في بلدها والمرة الثانية أمام جمهور المسرحيّين المشاركين في المهرجان الذي فازت فيه بالجائزة! أو أن لا تقدّم مسرحيّة ولا مرّة بعد فوزها بجائزة أكبر مهرجان مسرحي عربي في وطننا العزيز.. في المقابل نجد أنّه في فرنسا مثلا، لا يقبل ترشّح مسرحيّة لجائزة “موليير” الشهيرة لأفضل عرض مسرحي فرنسي إلا إذا قدّمت 60 عرضا مسرحيّا إذا كانت تنتمي إلى مسرح القطاع الخاص و30 عرضا مسرحيّا إذا كانت تنتمي إلى القطاع العام…

غياب الجمهور المسرحي في العالم العربي معضلة كبرى أمام أي وجاهة للتطوّر في الاشتغالات الحالية للذائقة المسرحية العربية مقارنة بغيرها. لا يمكن أن نستمرّ في تقييم العروض معلّقة في الفضاء، لابدّ من تكريس العرض كفعل مسرحي في وجدان الجمهور… ولابدّ أن تشتبك التجارب الرائدة والمهمّة والمسرح عامّة مع الجماهير في وطننا العربي من الماء إلى الماء.. وأن يتابعها النقد والتنظير بالقدر والجديّة المطلوبين حتى تتطوّر وترتقي في علاقتها بالجمهور كمكوّن أساسي داخل اللعبة المسرحيّة وليس خارجها.

– في الآن وهنا، أي درجة تُخرج فيها الوسائط التقنيّة والتكنولوجيّة العرض عن كونه مسرحا؟

– المسرح شكل تعبيري يتميّز بالقدرة على استيعاب كافة الأشكال الفنية الأخرى ومختلف التطوّرات التقنيّة والتكنولوجيّة، منذ نشأته وحتى الآن. فبمجرد اختراع المصباح الكهربائي مثلا، صار للإضاءة مكانتها التقنيّة والجماليّة في تشكيل العرض المسرحي وفي تطوير آليات اشتغاله إخراجيا و”سينوغرافيا” كذلك كان الشأن بالنسبة للصورة الفوتوغرافية وميكروفونات وتقنيات تسجيل الصوت والفيلم والفيديو وصولا إلى توظيف أدقّ التقنيات الرقميّة وبرامج الكمبيوتر…الخ وعديد المخرجين المسرحيين اليوم يرون في التكنولوجية والوسائطية أهميّة في خلق لغة بتقنيات بصريّة متفاعلة مع مستجدّات العصر واستثمار ما توفره هذه التقنيّة من إمكانيات تكنولوجيّة ورقمية تخدم رؤيتهم الجماليّة وتصوّراتهم الفكريّة.. وما دام المخرج المبدع لم يجعل من الحاسوب “مخرجا بدلا عنه” بل فقط أداة كأي أداة تقنية أخرى لتحقيق بعض من تصوّراته الفنيّة بارتباط جوهري وعضوي بما يقتضيه العرض المسرحي وليس مجرد بهرجة شكلانية، فالأمر عادي على اعتبار ذلك جزء من طبيعة شكل تعبيري اسمه المسرح تمرّن تاريخيّا وفنيّا على احتضان الفنون وإدخال التقنيات في لعبته الإبداعية على مرّ العصور.

الفن المسرحي يتفاعل مع معطيات العصر ومستجدّاته وكلّ ما نطلق عليه اليوم الوسائطيّة والرقمنة لا يمكن إلّا أن يغني المسرح ويفتح له آفاق جديدة للإبداع والابتكار، إذا ما تجاوز أن يكون زخرفة عرضيّة أو توظيفا مجانيّا.. والوسائط التقنيّة والتكنولوجيّة تُخرج العرض عن كونه مسرحا عندما تنعدم عناصر المسرح الجوهريّة أو يتحوّل العرض إلى مجرّد تقنية تكنولوجية مجرّدة.

– في الراهن، مدى أهميّة التنظير المسرحي وحضور المعطى الفكري والفلسفي والثقافي في مدى الفعل المسرحي القائم؟

– التنظير المسرحي كان دائما مواكبا للفعل المسرحي، وحضور المعطى الفكري والنقدي والفلسفي لم ينفصل عن العمليّة المسرحيّة عرضا وتجربة منذ الإغريق. يسطع وهج النظريّة بتوهّج التجربة العمليّة وبابتكار المسرحيين لطرق فنية جديدة يسلكونها إبداعيا وفنيا. فمسار التنظير الفلسفي للمأساة مثلا، لا يمكن فصله عن مسار الأعمال الإبداعية المسرحية التي عالجت المأساة “فنادرا ما نجد نظريّة المسرح بشكل مجرّد” كما يقول مارفن كارلسون، من هنا تأتي أهميّة الجانب الفكري في المسرح نظرا ونقدا. أهمّيته في الكشف عن جديد مسارات التجربة المسرحيّة وتفكيك بنية العروض وإضاءة أشكال المنجز الإبداعي وعناصره ومقترحاته الجماليّة وهل من قواسم جامعة لجيل ما أو لتجارب معيّنة مثلا، وفهم خصوصيّة جماليّة لعروض مبدع أو فرقة أو توجّه مجموعة ما… وأهميّة التنظير المسرحي الرصين أيضا تتجلّى في مدى إصغاء المبدع والمتلقي على حد سواء لما يكشفه التنظير من أفكار وما يبلوره من رؤى وما يفتحه من آفاق جماليّة، التنظير صنو الإبداع، كما الإبداع ركيزة أساسيّة لأيّة نظريّة.

– في الآن وهنا، قيمة الجدل في الساحة المسرحية تعود لاختلاف الرؤى المسرحيّة أم لبناء الصفة الذاتيّة والتموضع؟ أي تمثّلات لهذه أو تلك؟

– الجدل في ساحتنا المسرحية مرجعياته عديدة ومختلفة، فمنها الذاتي، كما ذكرت في سؤالك، كالبحث عن التموضع، ومنها محاولة الاستفراد بالرأي، ورفض المختلف والمنتقد… وفي المقابل تجد الجدل الجادّ الصحي والموضوعي كالجدل المبني على اختلاف الرؤى المسرحيّة والجماليّة وحتى الفكريّة، والقبول بالآخر المغاير ما دام جدّيا في أطروحاته الفكريّة ورؤاه الجماليّة…

لكن يبقى أن الجدل السائد فيه من التذويت أكثر من أي معطى موضوعي، خاصّة ما يسود على صفحات التواصل الاجتماعي إلّا فيما ندر.. ربّما بعض الدراسات والبحوث والإنتاجات الفكريّة والإبداعية تسدّ هذا الجوع إلى الجدل الجاد والنقاش العلمي الرصين.

– في الراهن، أذكر لكلّ من هؤلاء وصيّة: المخرج، الممثل، الكاتب المسرحي، الناقد، المتلقي، الهياكل المهتمّة بالمسرح.

– وصيّتي لكلّ هؤلاء ألّا يقبلوا أيّة وصيّة.. فالإبداع مجال مفتوح على إمكانيات لا متناهية والمبدع الحقيقي له قلقه الخاص وأسئلته الشخصيّة والمتفرّدة وله مساره البحثي النابع من تجربته الخاصّة.. وكذلك الناقد والمتلقي، أمّا الهياكل المهتمّة بالمسرح فإذا ما كنت قطاعا عاما فهي تعرف ما يجب القيام به مما تمليه مسؤوليتها الأدبية والتاريخية.. أمّا إن كانت هيئات ومهرجانات فالموضوعيّة وإشراك المبدعين والمثقّفين كفيل بإعطائها المصداقية في العمل والنجاعة في تحقيق الأهداف والنتائج، وإلّا فكلّ ما تقوم به سيبقى تنشيط مسرحي أجوف ستنفخ فيه رياح الزمن وتعبر ولن يترك أي أثر.

– في الآن وهنا، هل يمكن من سؤال الراهن استشراف ممارسة المسرح في المستقبل؟

– ما يطرح من أسئلة حول راهن المسرح عموما في النقاشات ومواضيع الندوات وغيرها… تتفاوت من حيث جدّيتها وجدّتها وأيضا من حيث مدى ارتباطها بالواقع المسرحي. فمنها أسئلة فاعلة مولّدة لمعارف ومقاربات تساهم في قراءة الراهن قراءة مدرّبة فاعلة ومنتجة وتساهم في تطوير حاضر المسرح وبناء، على الأقل، المستقبل المسرحي القريب. ومنها نقاشات مسرحيّة جاهزة عامّة مشتركة تنهل من مواضيع قديمة (مع التنويه إلى أن عددا من الأسئلة ما يزال راهنيّا رغم مرور الزمن وتعاقب الأجيال) أو نقاشات لمواضيع “مستوردة” ما تزال أمامنا، ولم يصل مسرحنا إلى ملامسة حيثيّاتها أو أن يعيشها أصلا.

– مساحة حرّة لاختلاج راهني لم نتحدّث فيه؟

– شكرا على هذا الحيز من البوح، وأتمنّى أن يعمل المسرحيّون والمؤسّسات الوصيّة وذات الصلة بقطاع المسرح من أجل مسرح جديد.. والذي لا يمكن أن يتجدّد إلا بتجدّد عقليات ممارسيه والمهتمين به والمسؤولين في الدوائر والإدارات والهيئات المرتبطة بعروضه وحركيّته وملتقياته ومهرجاناته وبمختلف صنّاعه ومتلقّيه.

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock