أ.د سيد علي اسماعيل يقدم: لأول مرة تفاصيل مجهولة عن بدايات المسرح العماني 2 ـ1
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
أ.د سيد علي اسماعيل
جهود كثيرة لبدايات المسرح العماني ما زالت تفاصيلها مجهولة حتى الآن! بل إن بدايات المسرح في عمان تحتاج إلى جهد كبير للبث عنها وإظهارها وتوثيقها، والتوقف عن نقل المعلومات الأولية المنشورة في الكتب إلى الكتب الحديثة،
مما يعني أننا ننقل من بعضنا البعض دون إضافة أو بحث أو نبش في المصادر الأولية المعاصرة لهذه البدايات. وسأضرب مثلاً بهذا الموضوع، الذي جاء في حوار منشور عام 1976 في جريدة «عمان» تحت عنوان «توفيق الحكيم على المسرح العماني»!
هذا حوار من نوع جديد، مع عطاء جديد لم يكن يتاح له أن يولد ويعيش لولا الحركة المباركة التي قادها جلالة السلطان قابوس المعظم، ولولا النهضة الكبرى التي تشهدها عمان منذ الثالث والعشرين من يوليو ۱۹۷۰ .
هكذا كانت مقدمة الحوار المنشور، ومن ثم بدأ الصحفي موضوعه حول مولد الحركة المسرحية في عمان، والتي قامت على أسس علمية مدروسة! فمع من كان الحوار؟
كان مع «محمد سعيد الشنفري» مسؤول المسرح بمديرية الثقافة بوزارة الإعلام والثقافة!! أما الحوار فكان حول أول عمل مسرحي له في عمان وهو مسرحية «أغنية الموت» للكاتب المصري والعربي الكبير «توفيق الحكيم»، والتي يستعد التلفزيون العماني لتقديمها بعد أن تم تصويرها!!
بدأ كاتب الحوار بتعريفنا بمحمد سعيد الشنفري، كونه أحد أبناء عمان، الذي تشعر معه – وللوهلة الأولى – بالبساطة والرحابة، وحينما تراه وهو يتحرك أو يتكلم يتولد لديك إحساس بمدى جديته ورغبته الصادقة أن يعمل في هدوء. فهو يحلم بالخير ويحلم بالصدق. يحلم بأن يتمكن من الإسهام في إسعاد المواطن العماني من خلال العمل الفني الجيد،
يحلم بمسرح عماني متكامل. يؤدي دوره في ركب التقدم والنمو التي تسير نحوها عمان .. مسرح عماني يقدم عن خشبته عمان التاريخ، عمان الحضارة، عمان المستقبل، مسرح عماني يقدم الإنسان العماني الذي قاوم الغزوات وانتصر عليها. الذي قاوم الشر ووضع مكانه الحب والخير والسلام. يحلم بمسرح عماني يخرج إلى العالم من حولنا مساهماً في إثراء التجربة الإنسانية بفنون وثقافة عمان وحضارتها القديمة وتراثها الضارب بجذوره في أعماق التاريخ.
هكذا كان التعريف العام، ومن ثم بدأ الصحفي التعريف المسرحي عند محمد سعيد الشنفري، كونه مدرسة وجامعة، ووسيلة ترفيه وإسعاد، وهو أيضاً باب ونافذة .. باب تخرج منه إلى العالم .. ونافذة تطل على ثقافات وحضارات قديمة أو معاصرة!
ثم بدأت الأسئلة والأجوبة تتوالى، وكان السؤال الأول هكذا: لماذا اختار محمد عملاً من أعمال توفيق الحكيم؟ ولماذا اختار هذا العمل بالذات؟ أجاب محمد سعيد الشنفري قائلاً: أحبيت توفيق الحكيم لأسباب كثيرة .. أحببت فيه أولاً أصالة الفنان العربي .. المتمكن من أسلوبه وقدرته على إجراء الحوار الذكي بين أبطال مسرحياته ..
حوار يشعرك بمدى ارتباطه وحبه للغتنا العربية .. أحببت الحكيم لأنه كفنان استطاع أن يصوغ من مشاكلنا الاجتماعية صورًا نابضة بالحياة والحركة .. لأنه يقدمها أمامنا في بساطة دون صراخ يقدمها لنا لنحكم على أنفسنا ونحدد موقفنا منها. أعماله خالية من الدعائية الزاعقة ولكنها تصل إلى القلب وترسم مجری لها في الإحساس الداخلي للإنسان. وأحببت الحكيم أيضاً لأنه فنان شمولي فهو ليس مجرد كاتب مسرحي، إنه مفكر وشاعر وفيلسوف استطاع أن يجمع كل هذه الصفات إلى جانب موهبته المسرحية الخارقة في تقديم مسرح للمتفرج يشعر معه بالسعادة والتطهر .. هذا بعض ما أحببت توفيق الحكيم من أجله.
أما السؤال الثاني فكان: لماذا اخترت مسرحية «أغنية الموت»؟ فأجاب قائلاً: لعدة أسباب، أولها كنت أتمنى أن يكون تحت يدي نص مسرحي بقلم واحد من أبناء عمان. نص مسرحي متكامل تتوفر فيه كل المقومات الفنية للعرض المسرحي .. وهذا ليس متاحاً الآن. ثاني الأسباب أن موضوع المسرحية لا يبتعد كثيراً عن مفاهيمنا وظروفنا في عمان ..
فهي تعالج مشكلة من مشاكلنا الحقيقية .. مشكلة الثأر!! والسبب الثالث أن تقديم كاتب عربي كبير على المسرح العماني كسب لهذا المسرح. والسبب الرابع والأخير أن المسرحية تقع في فصل واحد وشخصياتها محدودة وهذا يتفق والإمكانيات المتاحة حتى الآن.
والسؤال الثالث كان: ما هي الخطوات التي سرت فيها حتى ظهرت هذه المسرحية أخيراً؟ فأجاب عليه قائلاً: كانت الخطوة الأولى هي اختيار المسرحية .. بعد ذلك كان عليّ أن أبحث عن العناصر الصالحة للعمل .. والواقع أن هذه المرحلة لم تكن هينة علـى الإطلاق .. فليس لدينا فرقة مسرحية ..
وإن كانت هناك محاولات مخلصة لبعض الشباب .. المهم على الرغم من عدم وجود ممثلين محترفين استطعت التعرف على مجموعة من الشباب لديهم رغبة وحب في المسرح، وهي خامات محلية يمكن بالتدريب والصقل أن تعطي المستوى الجيد.
وهنا سأله الصحفي السؤال الرابع قائلاً: كيف تعرفت على هؤلاء الشباب؟ فأجاب قائلاً: أثناء عملي بمديرية الثقافة اتصل بي مجموعة من الشباب بهدف الحصول على موافقة لتقديم مسرحية وجلست إليهم وتحدثنا معاً .. وجدت لديهم الرغبة الصادقة في عمل نشاط مسرحي .. وإن كانت تنقصهم الخبرة والإمكانيات وتوطدت العلاقة بيني وبينهم .. وكلفتني الوزارة بإخراج مسرحية لهم .. وكانت مسرحية «أغنية الموت»!!
منذ هذه اللحظة بدأت رحلة العمل .. كانت هذه المجموعة من الشباب تعمل في ظروف صعبة ضيقة وبلا إمكانيات. ورغم ذلك فقد شاهدت بعض الإسكتشات التي سبق لهم إعدادها .. ومن خلال هذه الأعمال بدأت تكوين فكرة عن إمكانياتهم وطاقاتهم الفنية. والحقيقة أنه رغم بساطة هذه الأعمال وإطارها الفني المحدود .. فقد سعدت بها إلى أقصى الحدود .. أحسست من خلال أعمالهم عمق حبهم للمسرح. كان من الظلم طبعاً أن أحاول تطبيق القواعد والأصول الفنية على أعمالهم ولكنني وجدت نفسي أنسى تماماً كل ما تعلمته عن فن المسرح ولم يبق في داخلي إلا الحب ..
حب هذه المجموعة من الشباب التي عشقت المسرح وتغلبت على الظروف ونجحت في إعداد وتقديم عمل فني أيا كانت محدوديته. لقد أحسست بتعاطف شديد نحوهم .. فلقد كانوا يعملون بتلقائية وعفوية. كانوا بالإحساس الفطري يقدمون فناً جميلاً راقياً.
ومن خلال لقاءاتي العديدة معهم تكونت لدي مجموعة من الأفكار وأخذت خطة العمل تتفتح في ذهني شيئاً فشيئاً. كانت خطتي تقوم على ما يشبه تكوين فصل دراسي صغير. له برنامج تعليمي محدد، وتتكون عناصر هذا البرنامج من: التعريف بالحركة المسرحية ونشأة المسرح، ودروس في اللغة العربية وفن الإلقاء، ودراسة للتكوين الجسدي للممثل، ودراسة في أسلوب استغلال التكوين الجسماني للتعبير الحركي وإعطاء الانفعالات.
واستغرقت هذه الدراسة حوالي شهرين، وكان كل لقاء يستغرق حوالي أربع أو خمس ساعات. ولقد بذل الشباب جهوداً مضنية وبجدية كاملة لاستيعاب هـذه المعلومات الضرورية. وكان علينا بعد ذلك أن نبدأ البروفات،
وکانت أمامنا مشكلة عدم وجود مكان صالح للبروفة. وقد تغلبنا على هذه المشكلة بالنسبة للبروفات الأولية التي استمرت شهرين تقريباً بأن وفرنا مكاناً في إحدى غرف مديرية الثقافة .. ثم حصلنا على موافقة باستغلال قاعة نادي عمان مسقط .. واستمرت البروفات هناك حوالي 45 يوماً.
تطور الحوار فاستغله الصحفي وطرح سؤالاً مهماً قال فيه: حدثني عن مشاعرك وأنت تقدم أول عمل مسرحي في عمان؟ فأحاب قائلاً: أولاً ليس هذا أول عمل مسرحي في عمان، حيث ظهرت أعمال مسرحية سابقة .. والصحيح أنه أول عمل مسرحي أقدمه أنا في عمان .. أما عن مشاعري فقد كانت مزيجاً من عدة انفعالات ورغبات .. كانت أمنيتي التمكن من تقديم عمل مسرحي متكامل .. وكنت أعرف ضعف الإمكانيات ..
وكنت أشعر بتعاطف شديد مع المجموعة التي تعمل معي وكلها رغبة وأمل في أن تقدم عملاً ناجحاً. وكنت أمام تساؤل دائم .. هل أستطيع بهذه الإمكانيات أن أقدم عملاً متكاملاً .. وكثيراً ما كانت تنتابني لحظات ضيق وألم شديد. ولكن ما كان يشجعني هو إخلاص المجموعة التي عملت معي وإحساسي بهم وهم يبذلون كل الجهد، ويستخرجون كل طاقاتهم من أجل إنجاح العمل .. كان من الضروري أن أحقق نوعاً من التوازن بين ما أريد وبين ما هو متاح وكان هذا هو المنطلق الوحيد للاستمرار.