كتاب (قراءة اللذة.. تمظهرات التأويل والتلقي النقدي العربي) لحسام الدين مسعد.. القراءة المٌتحَرِكة !
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
فاروق صبري
لماذا نقرأ النص المسرحي ؟
في كتابه (قراءة اللذة) يطرح الكاتب المصري حسام الدين مسعد هذا التساؤل الذي ربما يظهر بأنه بسيط وتقليدي ومٌكرر، ولكن التواصل مع متن هذا الكتاب يكشف عمق معرفيته وضرورة إنشغالاته وأهمية إكتشافاته وجرأة تحليلاته في جماليات وافكار المدارات الثقافية والمسرح ناطقها الحيوي وتصويرها الباذخ بالتساؤلات الكبرى المهمة في يوميات الانسان .
ومع (توطئة) الكتاب يبث مسعد اجابات على التساؤل السابق (لماذا نقرأ النص المسرحي) مؤكداً ان ما يرمي اليه في هذه القراءة ليست (الترويج والمحاباة لنصوص كاتب عربي بعينه) وانما محاولة (الكشف عن الحقيقة النصية) والبحث في (أليات قراءة النص البصري) ، وهذا الأمر يتشكل بدارية ويتأسس بمعرفية الخبير في تفصيلات ومستويات المسرح الفنية والكتابية ، اذ يعتبر مسعد منذ الفصل الثاني أن النص المسرحي فضاء واسع يمنح المخرج والممثلين والفنيين شفرات أو مفاتيح الدخول لطقس النص وبل التفاعل معه ومخاطبته ومن ثم الذهاب إلى المخيال حيث المقترحات البصرية والرؤيوية.
لا يتوقف الكاتب حسام الدين مسعد عند أهمية أو فقر النص المسرحي وما يطرحه من الأفكار والمضامين المجتمعية ، انه ايضا وهذا من جوهر كتاب يقيس ذائقة القراءة وبما فيها سايكلوجية المتلقي ومستوى ثقافته ووعيه فالمؤلف يشير الى كيفية التفاعل بين القارئ والكاتب ، بين النص والمتلقي ويؤكد أهمية ان لا يكون الأول -النص -واضحاً كل (الوضوح في طريقة عرضه لعناصره لانه في هذا الحالة يفقد القارئ اهتمامه به بعد ان يشعر برغبة المؤلف في تحويله إلى شخص سلبي) ،
فالنص المختلف برأيه مثلما يقول الباحث المغربي الدكتور محمد خرماش ” ليس من شأن النص الادبي أن يٌقدم مرجعياته على طبق من فضة” مٌطالباً-اي مسعد- حضور القارئ ، المتلقي الايجابي الذي يجعل من نفسه بوصلة للدخول إلى جوانية النص لا كشاهد بل كمشارك ترتقي قراءته المتجاوزة للملفوظ والكاشفة لدلالاته وسيميائياته المخفية حتى ( تتساوى مع الكتابة في انتاج النص ) كفضاء ابداعي يمكن الوصل اليه عبر تنوع القراءات التي يشير اليها الكاتب مسعد.
وهو يتوقف عند محاولات الفيلسوف البلغاري الفرنسي تزفيتان تودوروف الذي صنّف قراءة النص المسرحي إلى ثلاثة أنواع يدوّنها مسعد في كتابه ونلخصها هنا بأولاً القراءة الإسقاطية التي لا تركز على النص بل تمر من خلاله ) بإعتباره (وثيقة لإثبات قضية شخصية أو اجتماعية أو تاريخية) فيما تكون القراءة الثانية شرحاً لمظهر النص واضعة له معاني بديلة مكررة للكلمات بشكل ساذج ، فيما تكون القراءة الثالثة شعرية للنص ( من خلال شفرته في ضوء سياقه الفني ) وصولاً إلى (كشف ما هو في باطن النصوص ) ولعل هذه القراءة الشعرية مهمة وقادرة لفتح افاق التخييل والإبتكار والخلق امام المخرج والممثلين والفنيين وهم يبثون صور-أو يبنون- حياة مختلفة وجديدة للنص.
اذاً لابد من عدم التخندق أو الإكتفاء بقراءة واحدة لذلك يستشهد مسعد بالمفكر والكاتب الفرنسي جان بول سارتر الذي يرى أن (الفعل الابداعي لحظة غير مكتملة في العمل الادبي ) لذلك يؤكد الكاتب حسام الدين مسعد أهمية تعدد القراءات للنص والتي بإمكانها ( مع تعاقب الازمنة وتراكم الثقاقات ان تحقق المزيد من الانتاجية النصية) عبر انطلاق مخرجات التأويل والكشف والخلق وهذا ما قمت به في قراءتين لنص “أسئلة الجلاد والضحية” للكاتب العراقي صباح الانباري واللتين نفذتا في كندا-تورنتو وبغداد، دائرة السينما والمسرح عبر تجربتين انتجتا عرضين مسرحيين مونودراميين تعاقبيين في تفصيلات سينوغرافيتهما اختلاف وتباين لبناء الحدث والشخصية والأداء التمثيلي والديكور والاضاءة والمؤثرات الموسيقية والصوتية والازياء .
عبر كتابه (قراءة اللذة، تمظهرات التأويل والتلقي النقدي العربي ) ، واستشهاداته يدعو الكاتب المصري حسام الدين مسعد إلى أهمية حضور القارئ المثقف المنتج والمتلقي المثقف المنتج للنص المٌحرِك والمٌتَحرك المثير للتساؤلات والتأويلات اذ يقول ( مقياس نجاح اي نص ليس بما يحتويه من ظواهر جمالية بقدر ما يمكن نجاحه في مدى حثّه للقارئ على التأويل واستخلاص المعنى منه ) نعم ان النص الجيد ينتج او يحاول انتاج متلقي ايجابي ، فعّال ، مؤثر ، مٌتحّرك ومٌحرِك ، فمسعد يشغله النص الإشكالي لأن ذلك يخلق علاقة ديالكتيكية وديناميكية بين النصوص والقراء .
وحتى يٌوضح علاقة النص مع المتلقي ويبين ماهيتها وكيفية ارتقائها يٌخاطب مسعد قراء نصوص العبادي : (اي نوع من القراء تكون ؟) طارحاً قائمة تضم عدداً كبيراً مٌختلفاً من القراء وفق اختلاف (مناهج) الكتّاب في تأليف النصوص الأدبية وهذا الاختلاف أصبح ظاهرة واضحة بعد (بروز) المدارس النقدية المتباينة في تحلياتها وتياراتها وتوجهاتها الجمالية والفكرية في الغرب عموما ً.
وتساؤل مسعد (أي نوع من القراء تكون) يخص الكتّاب لجهة نوعية نصوصهم وطقوس بيئتها المحلية التي تٌبعدها من السقوط في (احضان الثقافة الغربية) وفي الشأن هذا يذكر مسعد مثالاً على دعوة الكاتب والمفكر المصري عباس العقاد في بناء ملامح محلية النصوص وكيف (ألزم) الكتّاب بضرورة استخدامهم (هوية واقية) يتجاوزون بها حالات الابهار أو الدونية تجاه منجزات الغرب الأدبية والثقافية بشكل عام.
ورغم ادراكه بأن (البحث عن وسائل جديدة تغاير الوسائل الفنية السائدة، بغية تقديم رؤية جديدة للعالم أمر ليس باليسير) ورغم ابداء تحفظه أو رفضه على محاولات كتابية مسرحية بنيت على ( التناصات التي ننسخها، ونسلخها من النصوص الغربية) الا أن الكاتب حسام الدين مسعد لا يتوقف في تأكيد أهمية ( إنتاج مسرح ينطلق من الفكر، والتجربة الطويلة، وإستقراء الواقع المتغير بإستمرار) وهنا يعود مسعد إلى “العبادي” فيما اذا (توقى تقليد) اساليب واشكال ومضامين ورؤى نصوص مسرحية سبقت تجربته الكتابية ؟؟؟
مباشرة يجيب مسعد على تساؤله هذا ويضعنا امام وفي داخل نصوص “العبادي” وهو يحاول قراءتها عبر لغة معرفية مقتدرة في تفكيك بنية النص الفكرية والجمالية ويدعم قراءته بإستحضار عدد من المقالات التي كتبها نقاد ومسرحيون حول نصوص علي العبادي ونذكر منهم الناقدة الجزائرية الدكتورة “زينب لوت” والكاتب والناقد الجزائري علاوة وهبي والباحث المغربي الدكتور احمد بلخيري والاكاديمية الجزائرية الدكتورة رفيدة بوبكر والمسرحي العراقي فاروق صبري .
في ختام كتابة (لذّة النص) يقول الفيلسوف والأديب الفرنسي رولان بارت سيقول : (القراءة تجعل المكتوب بدايات لا تنتهي وهذا هو السر في انها كانت نصوص لذّة) فيما يختم تقريباً الناقد المصري حسام الدين مسعد كتابه بالقول بأن (تأويل النص المسرحي يتأتى ، من الفهم، وهذا الأخير يتاتى من التفكيك القرائي للنص، بغية الكشف عن الدلالات العميقة من خلال محاولة فك شفراته بصوره الشكلية المتجلية في اللفظ ، وصوره الذهنية المتأتية من فعل القراءة المتأنية والمتدبرة) ،
إنه استنتاج مهم ومٌحرك للتساؤلات التي تفضي إلى افاق جديدة أمام ذائقة ولذة قراءة النصوص المسرحية وتلك الافاق تٌعطي أيضاً مديات واسعة للتأويل والتفسير والكشف والخلق لجميع العاملين في الحقول المسرحية ، من المخرجين والممثلين والفنيين والتقنيين ولعل هذا الامر سبق سجله الكاتب المصري حسام الدين مسعد يحتاج إلى توسيع دائرته المعرفية والجمالية .. ٍ
ملاحظة:
كل ما هو موجود بين القوسين يعود للكتاب وبعض المصادر الاخرى