سينما وتليفزيون

د. خالد عاشور يكتب: مسار إجباري، أثر الفراشة.. وأثر الكاميرا!


المسرح نيوز ـ القاهرة| سينما وتليفزيون

ـ

د. خالد عاشور

صديقي التونسي الناقد الأكاديمي الأستاذ الدكتور عبد الدائم السلامي كل مرة يزور فيها القاهرة نقوم أنا والروائي الكبير وحيد الطويلة باستضافته والجلوس على مقاهي في أماكن غالية لإبهاره بجمال القاهرة الحديثة.
الغريب أن د. عبد الدائم السلامي طلب مني ولأكثر من مرة ان أأخذه الى حواري نجيب محفوظ وعالمه الذي صوره المخرج الكبير “صلاح أبو سيف” في أفلامه وأن يرى سيدات بـ”ملايات لف” مع أكل “ملوخية وكوارع” والجلوس على مقاهي تقع في حواري وازقة القاهرة القديمة التي احبها من قراءته لروايات نجيب محفوظ ومن خلال كاميرا صلاح ابو سيف او رآها في أفلام عاطف الطيب ومحمد خان ومخرجي سينما الواقعية المصرية.
ولأن اهتمامي وتركيزي على سيميولوجيا الصورة السينمائية والدرامية ودلالاتها وتأثيرها على المشاهد.. وبذكر العظيم محمد خان.. ما تفعله ابنته المخرجة “نادين خان” في مسلسل مسار إجباري – ومن الحلقة الأولى – هو استعراض للقاهرة الحقيقية كما يحبها العرب والأجانب.. القاهرة كأنثى طبيعية جميلة بلا مكياج.. ليست قاهرة الكمبوندات ولا التجمعات والساحل.
ومنذ الحلقة الأولى وما تفعله المخرجة الشابة “نادين خان” هو استعراض سيميولوجي لجماليات الصورة ودلالاتها للمكان.. والمكان هو أهم عنصر في الحدث حيث يقع فيه.
فتارة تأتي بلقطة لتماثيل لسعد زغلول مشيراً بيده وكأن صورة التمثال تردد ما قاله سعد زغلول نفسه”مفيش فايدة” وتارة تأتي بميدان طلعت حرب الأقتصادي العظيم.. وتارة تأتي بناس مصر “بعبلهم” دون تجميل..
ناس طبيعية لا كومبارس او مجاميع.. ناس مصر الطيبيين الذين غنى لهم الشيخ امام واحمد فؤاد نجم.. وتارة تأخذ كادر لقهوة في حي شعبي وفي الكادر صورة لمحمد فوزي صاحب الثورة الموسيقية المصرية..
ثم تذهب احيانا الى أقدام تسير لناس مجهولة دون ان يظهر أعلى الجسد.. وكأنها تؤكد عنوان المسلسل “مسار اجباري” لهؤلاء البسطاء ولأبطالها.. ثم تزيد الصورة براحا واتساعاً للنيل والحدائق وقاهرة النهار المستيقظة والنابضة بالحياة..
ثم تعود لتأخذ لقطات اخرى لقاهرة الليل القاهرة لناسها والخائفة هي أيضاً.. تضيق الكادر على ابطالها بزحمة الناس في الشوارع رغم اتساعه.. تطمئنهم بالمساجد القديمة وتهديهم حلوى “غزل البنات” ثم تصنع موتيفات من الصور والأعلانات والكتابات على الحوائط لها تماس مع اشخاص الحكاية ومسارهم الإجباري.
بينما طيور تطير وتحط لتأكل مما تركه لها الناس الطيبين من المصريين.. تحليق الطيور كتحليق الفراشة وأثرها المعروف.. فرفرفة جناح الفراشة رغم بساطته قد يغير اشياءاً كثيرة.
ومع هذا الأبداع تأتي ثاني اجمل موسيقى تصويرية لمسلسل بعد موسيقى مسلسل #صلة_رحم” وهي موسيقى الموسيقار المفاجأة والأروع “أمير خلف” موسيقى ملائكية دافئة في مواضع.. رقيقة حالمة في مواضع.. مهدئة كطبطبة الإله على نفوس البشر أحيانا كثيرة.. مزيج من الوتريات والايقاعات الشرقية المصنوعة بعقل فنان وموسيقار فيلسوف في موسيقاه..
ما تفعله نادين خان هو استعراض جمالي للقاهرة التي يحبها أهلها ويحبها العرب لا قاخرة التجمعات والسواحل.
أما ملاحظتي الأخيرة على المسلسل هو إصابته بالرتابة والمط في حلقات المنتصف كعيب وقع فيه ربما لفرض زيادة الحلقات حتى تكفي خريطة النصف الأول من رمضان ولا تحدث فجوة في خريطة العرض الدرامي..
فحلقات هذا المسلسل لو كانت سبعة حلقات لكانت اوقع واعظم في أثرها على المشاهد دون الحاجة الى هذه الرتابة والمط.
الملاحظة الثانية فيما يخص موضوع ابحاث “حبيبة” وحصول البطلين على لابتوب حبيبة.. المخرجة أخذت كادر “close up shot” على الكمبيوتر الخاص بها فوقعت في ما لم يقع فيه والدها وهو اعظم واجمل من استخدم اللقطات القريبة.. القتيلة “حبيبة” تعمل صيدلانية وتجري ابحاث عن ادوية مغشوشة..
والمفترض ان هكذا ابحاث لا تكون باللغة العربية.. صحيح ان ما ظهر هو ملخص للبحث “abstract” ولكن من الناحية العلمية والبحثية لا تكون الدراسات الميدانية على نطاق ضيق كما ظهر في البحث “القاهرة والجيزة” ثم عنوان البحث خطأ حيث “دراسة ميدانية على عينة من الصيادلة بمحافظتي الجيزة والقاهرة” وهو عنوان بحث ساخر.. فالمفترض ان تكون عينة أدوية من صيدليات بمحافظتي كذا وكذا وكذا وكذا”
لأن الدراسة الميدانية لكي تكون دقيقة يجب ان تتنوع أماكن العينة من الصعيد ووجه بحري ومصر الوسطى والشرق والغرب كما هو متبع.. ثم يأتي الخطأ الثاني في عنوان البحث “أنتشار الأدوية المغشوشة وتأثيراتها العلمية” دون تحديد نوع الأدوية وهذا لا يكون بحث علمي لعدم تحديد نوع الأدوية هل هي خاصة بالسرطان أو الضغط او السكر أو في عموم الأمراض المزمنة… الخطأ الثالث والأهم من الناحية الأكاديمية أن البحث منشور في مجلة محلية “مجلة لكلية في جامعة اقليمية”..
وهذه الأبحاث نسميها ابحاث المرور لمناقشة طالب الماجستير.. ومجلة مثل هذه المجلة لا معامل تأثير لها يقلق لا تخيف احد.. اقلق حين تكون المجلة لها معامل تأثير عالي مثل مجلة “نيتشر “Nature” أو في مكانها لها معامل تأثير “impact factor” ذو مصداقية في المجتمع العلمي..
وكان ممكن ان تهرب من ذلك الخطأ بان تكون صورة البحث بالأنجيليزي وتكون لقطة متوسطة او بعيدة لكي لا يظهر العنوان والخط.. أو لا تظهرها لكي لا تقع في خطأ ما كان لها ان تقع فيه مخرجة جيدة مثلها..
أو تسأل استاذنا جامعياً في هذا فلن يتأخر أحد في خدمة مبدعة حقيقية مثلها تكمل مسيرة والدها العظيم باقتدار وتميز وجمال له خصوصية عين الأنثى.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock