وجوه مسرحية
المخرج المسرحي شاذلي فرح يكتب للمسرح نيوز: “واحـــة الجـنوبي”.. أسامة عبد الرءوف.. نسر الصعيد
.. الواحــة تهتـم بفناني الأقاليم المظاليم
المسرح نيوز ـ القاهرة| وجوه مسرحية
ـ
واحـــة الجـنوبي
الواحــة تهتـم بفناني المظاليم
نـسـر الصعيد
ـ النسر يطير ويرتفع لعنان السماء يحملق ويرنو للأرض في كبرياء معلنا إنه يطير فوق رؤوس البشر . في النهار تقبل الشمس رأسه . في الليل يرنو له القمر في إعجاب . أسامة عبد الرءوف أيضا يطير ويحلق كالنسر في سماء الفن داخل إقليم الصعيد . النسر من مدينة تستمد أصولها منذ فجر التاريخ ( أبنوب ) بأسيوط عاصمة الفن في الصعيد قبل أعوام . أما الآن فأصبحت أسيوط بمعزل عن الحركة المسرحية ـ تري حدث ذلك بفعل فاعل . ربما . عاش نسر الصعيد في منزل عريق يطل علي مساحات شاسعة من الخضرة كان يتعلق في ذراع الوالد الذي يمتلك بعض الأفدنة .
كان يراقب رفرفه الفراشات ويشده طيران الهدهد واليمام ويطلق العنان لخياله . تمني أن تكون لديه أجنحة يطير بها في سماء الكون . ولما كبر وأصبح شاب . قرر الطيران ولكن في سماء الفن . وأرتضي أن تكون دنيته في الفن داخل الصعيد هو سعيد بما فيه . يلتفت نسر الصعيد أسامة للفنون عندما كان صغيراً فيستمع من أحدي العمات وهي تقوم بالعديد علي موت فتاه من جيرانهم . يتذكر تلك العدودة وعمته ترددها في إيقاع بديع ( يا شابه يا أم الشباب باين …… إتلتمي ده الناس بتعاين ) يرددها الطائر ويقلبها إلي غناء ووقتها قرر أن يكون مطربا والبعض أثني علي معقولية صوته وصلاحيته للغناء وبعدها بسنوات عديدة يغني أسامة أغنية ( الأسود الباغي ) في مسرحية ( الحانة ) من إخراجه لنادي مسرح أبنوب وكانت التجربة الوحيدة له في نادي المسرح . وقتها توقف عن فكرة الإخراج .
ونعود إلي بداية صباه نجده في ملل ترك فكره الغناء وأتجه للمسرح كان ذلك في المرحلة الإعدادية ـ لقد خلبه المسرح إلي أن وصل كلية التربية . ويحقق النسر شهرته كممثل في أسيوط ويعمل مع الفنان خالد أبو ضيف في مسرحية ( عفاريت مصر الجديدة ) والمبدع عادل بركات ( كفر التنهدات ) والراحل عبده طه ( عروسة القمح ) والفنان يس الضوي ( البراوي ) والتي قدمت علي كثير من مسارح العاصمة ومنها المسرح القومي . وكيف كانت كل خلجه من خلجاته تهتز وترتعد وهو غير مصدق إنه سوف يمثل علي خشبة المسرح العريق .
كما قام بالتمثيل في ( أطياف حكاية ) للمخرج سعيد حامد . بعدها يأخذ قرارا أن يعتزل التمثيل ويفكر جديا في الإخراج . يتذكر وهو جالس علي خزان أسيوط يطرد دخان سيجارته ويكاد أن يغرق في بحر من الضحك ـ نصحني صديق مقرب بأنني أترك تجربة نوادي المسرح خصوصا بعد أن لم يحالفني الحظ بها ـ ماذا قال لي صديقي ـ وسوس لي في إذني بأن أخرج تجربة اعتماد علي نفقتي ولما صارحته بأن هذا مستحيل ليس معي نفقات لإنتاج عرض علي حسابي ـ نظر لي صديقي وعيناه تتهمني بالغباء وقال لي ـ أستلف المبلغ وأنتج العرض وبعدها أبقي أسدد ـ بالفعل وجدتها فرصة ونفذت خطة صديقي . وقمت بإخراج مسرحية ( جحا في المزاد) لعبد الفتاح البيه .
ونجح العرض وأعجب به كل من شاهده ولأول مره أتذوق طعم النجاح في المسرح . ووقتها تحمس لي المخرج الراحل عبد الستار الخضري والناقد والمخرج فتحي الكوفي كانا أعضاء لجنة التقييم لي كمخرج وكان ثالثهم الدكتور سيد الأمام والذي كان معترضا عليا ـ ليس لأنني مخرج ضعيف ولكن طالبني أن أأخذ وقتا في القراءة ولا أستعجل في الاعتماد كمخرج . وبالفعل جلست عام كامل . عام قضيته بين الحزن والملل والقراءة ومشاهده المزيد من العروض . وقضيت العام . وبعدها كان قرار الإدارة وأرسلتني لفرقة أخميم وقدمت مسرحية ( كفر التنهدات ) أول تجاربي في المسرح كمخرج معتمد . ورأيت ـ ورأت الإدارة في العاصمة ـ ورأت الفرقة بأن أكرر العمل معهم وقدمت مسرحية ( حلم يوسف ) وينجح العرض نجاحا شديدا . بالفعل نجح نسر الصعيد وحلق في السماء يرنو لنجاحه وإعجاب الآخرين به .
فنسر الصعيد أسامة عبد الرءوف قدم صور بصرية جديدة داخل العروض المسرحية في الصعيد خاصة . ويرتبك النسر ويتوقف بعد العرضيين وهو علي يقين بداخله بأنه لن يقدم جديدا . ولكن من لا يثق بأن النسر الذي يمتلك جناحيه طرفه اليمين صبر وطرف اليسار عزيمة فهو جاهل .
يفرد النسر جناحية ويضرب منقاره في الأرض ويصفق بجناحية ليثير عاصفة من التراب ـ ثم يقلع ويطير في سرعة الصاروخ إلي عنان السماء ويقدم رائعته ( قطة بسبع ترواح ) رائعة رأفت الدويري مع فرقة أبنوب . وينجح العرض ويصيب كل من رآه بالدهشة لدرجة أن قام الناقد أحمد عبد الحميد بفرد نصف صفحة الفن بالجمهورية يكتب عن العرض ويتوسم بالنسر بأنه أحد المخرجين المهمين التي ستشق عالم الإخراج . كون النسر دويتو مع فرقة قنا وقدما معا ثلاثة عروض مهمة وتحسب للطرفين ( زعف النخيل / الزير سالم / حيضان الدم ) وقدم لفرقة كوم إمبو رائعة نجيب سرور ( منين أجيب ناس ) ومع أبو تيج ( أطياف حكاية ) الطوق والأسورة لفرقة أبنوب . والملاحظ والمتابع لأعمال نسر الصعيد أسامة عبد الرءوف يجده مهتم جدا بطقوس الصعيد .
إنه يقدم عالم الصعيد بنكهة النسر الذي يعرف ويفهم جيدا ماذا يقدم . يقدم لك طقوس الصعيد في سيلوفان . يقدم عالم عجيب ومريب وتتصارع شخوصه في دائرة الشر والخير والصراع علي الحلم . وعادة ما ينتصر فيها الشر لأن من وجهه نظر نسر الصعيد أن الشر أقوي وباقي . وعندما يفكر النسر بتغيير جلده في الإخراج ويريد أن يخرج عرض من المسرح العالمي يحول الشاعر الكبير درويش الأسيوطي رائعة لوركا ( عرس الدم ) ويحولها إلي العالم الصعيدي الذي يعشقه نسر الصعيد ويجد غايته في عرس الغالي .
وهنا يعتبر ذكاء من النسر أن يأخذ عصارة الأستاذ ( درويش الأسيوطي ) المولع بالصعيد ويعتبر الخبير لكل فنون وعادات الصعيد ويأخذ عالم لوركا المأسوي الممزوجة شخصياته بلعنات قدرية . فيخرج عرس الغالي ويحقق المطلوب . ولكن يبدو هناك اعتبارات أخري من لجنة التحكيم التي تري أشياءً لا يراها أحدا غيرها لدرجة إنك من الممكن أن تتهمها بأنها أصابتها هلاوس سمعية وبصرية ( اللهم أهديهم فإنك الهادي ) . النسر يجلس في عشه وهو يرنو لكم الشهادات المعلقة . فيرنو لها في فخر . نسر الصعيد حلق وطار وأصاب وأدهش فوقف في ثبات . النسر يحقق جائزة أفضل عرض جماعي في المهرجان القومي للمسرح في دورته الأولي في عرض الطوق والأسورة . ويحقق بعدها بعامين نفس الجائزة . والجائزة الأولي في مهرجان البيوت في سفاجا عن عرض ( كفر التنهدات )
* فـــلاش أخــير
أيها النسر سلاما عليك . سلاما سلاما . سلاما علي أبنوبك . سلاما علي أسيوطك . سلاما علي صعيدك الطاهر سلاما علي فنك البديع . سلاما علي أصدقاءك وسلاما علي أعدائك . تري هل أنت راضي بما وصلته . هل الصبي الذي كانت كل غايته وهوايته أن يقف علي محطة القطار يتطلع إلي شريط القضبان أملا أن يصل إلي الشمال فاتحا منتصرا . وعندما وجد ذلك صعب أن يركب قاطرته للشمال وهو صغير . ففضل أن يطير ويحملق في السماء . فكانا . نسر الصعيد أسامة عبد الرءوف