عبيدو باشا يكتب: “يا “
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
كل الرجال من يأتون ليتفرجوا، كل النساء، لا يميز واحد منهم عنصرا عن عنصر آخر في العرض المسرحي. يغادرون وهم يتحدثون عن العرض أو العمل المسرحي أو المسرحية، يتحدثن عن العرض أو العمل المسرحي أو المسرحية. لا أعمال جر ولا نقل ولا تكويم صخور ولا نقش ولا من يعملون في النقش، إلا حين يريد أحدهم أن يثير جلبة، يوم الجمعة أو الأحد. يدخلون المسرح دون تذمر ، ويتذمرون طويلاً حين يتوجه أحدهم إلى تقسيم الغرفة إلى حركيات وسرعات، لا تجعل الجهود سهلة في المسرح، إذ تطعمه من التعقيدات ما يجعل أحدهم بواباً على أبواب المسرح،
وما يجعل أحداهن تنظر مباشرة في عين المسرح وهي تبلغه أنها في شهر أو عام يروج لمصطلح جديد. يقولون، يقلن بصورة مرتفع، وكأن ارتفاع الصوت صوت ضد كفرة المسرح وعماله العاديين. ايماءة، ثم ايماءة، ثم ايماءة، ثم دخول في الاعتبارات الفلكونية أو العطاردية. يؤكدون، هذا هو ما هو، ولن يضحي غير ما هو،
وعلى العالم، الجمهور، النقاد، حاملي رسائل ووسائل المسرح الملحة، على هؤلاء أن يفهموا أن لا فكرة لديهم عن ما يجعل المسرح كاملاً لا متبايناً ، سواهم. لأنها رموز إلهية، لا تأخذ أشكالها سوى من معدن الرأس، معدن رؤوس من يقدمون “علامتهم الجديدة ” في المسرح، بلغة حادة لا تنسى. لغة تخون كل من لا يجد في لغة المسرح : هذه الضربة، أو هذه المهارة.
إنهم في غرفة الفضيلة والآخر في غرفة الخطيئة، أو في الطرف الأقصى من المسرح. إذن على الجمهور أن يُضرَب على قمة رأسه، وهو لا يملك أية فكرة عن ما يحدث من محاولات احنائه أمام “الموض” الجديدة . واحدة من الموض المغترة موضة السينوغرافيا . هكذا ، فجأة ، وجب الإجلال للسينوغرافيا ، إثر تحويلها إلى ما أرادوا جعلها في رؤوس المشاهدين ، وهم من يبقون رؤوسهم وأعناقهم وعيونهم مرفوعة على ما جلسوا تحته ، وهم ينعطفون إلى أزهاره المستترة واشاراته المعينة غير المتفق عليها إلا بين أفراد جماعة قررت أن ترتدي معطف السينوغرافيا . هكذا ، يدفع الجمهور إلى أن يبرم ظهره وهو يوافق على أن يُضَرب على رأسه من جديد ، بشرط أن يدعوه يذهب من ما جرى فعلته أو ارتكابه بأثر عنيف .
لم أرفض تعلم تدرجات الألوان في المسرح ولا التظليل ولا الوقوف على الأطراف والوقوف في غرف المنزل الخالية أو المحشودة بالأدوات أو التوافد إلى نقاط الإرتكاز أو المساحة الفارغة، حين انتشرت كالأعشاب في تجارب المسرح اللبناني، بالأخص في ” فرقة الحكواتي ” اللبنانية . فرقة حصلت على جذورها من المعلمين القدماء لا من أرادوا أن يصنعوا لنفسهم شهرة كبارونات جدد وهم يملأون الهواء بالكلام المتغطرس المذهل، ما يدعو إلى الإضطراب والنفور. المعلمون القدماء هم الرواة، من يتمتعون بقدرة اجتياز المروج في السهرات الشعبية، لا أصحاب المهنة. لأن الأخيرين أضحوا أصحاب تكشيرات لا هم لهم سوى أن توحي بأنهم إذا ابتسموا لن يعود الجمهور محمياً من هيجان الرياح في أفنية المسارح والمنازل. فقد المسرحي ضياءه مذ راح ينظر إلى الآخر وكأنه مستخدم في بلاطه. رفعُ رايات بطولة، بعد ظن، ظن لا أكثر بأن من لا يقبل بإيواء السينوغرافيا بدروعها في مدد الزمن المسرحي ، الوقت المسرحي، ليس اخاً ولا شقيقاً . إنه أقل من ذلك بكثير أمام السينوغرافيا الزائدة عليه كثيراً.
بالحكواتي ذات الجذور الراسخة، لم ترسم المشاهد على امتداد أميال، ولم نرتدِ الملابس ولم نزخرف في الإضاءة ولم نظهر أن ثمة ما هو أهم. لأن إدراك المجموعة أن الفصل بين العناصر سوف يقود إلى الهزيمة، ثم إلى التحطم. المسرح مكونٌ واحد . المسرح كونٌ لا ينتظر شيئاً من ضابط شرطة مسرحي يقوم على مراقبة أدوات المسرح و الجماليات المسرحية. المسرح سحابة تدفع حتى تتجه إلى حيث تدفع، إلى لوحات ومساحات شديدة القرب من الأشجار، قدر الإستطاعة، حيث تنشد إلى موسيقاها وهي تتحرر من الشروط والشروط المضادة.
لم نتكلم يوماً على سينوغرافيا حازت مسرحية “الحكواتي” أيام الخيام ” جائزة افضل عمل مسرحي متكامل بالعام 1983 في أيام قرطاج المسرحية، بعد أن قدمت مسرحيتي”بالعبر والإبر” و “من حكايات العام 1936 )، وهي مصطلح مترجم في المسرح العربي لم تجر ترجمته حتى الآن بما يلحق بالمصطلح . لأن أحداً (على الأرجح) لا يعلم علم اليقين هويته. وما يجري (عذراً) محاكاة مضحكة لواحد من المصطلحات الدارجة مؤخراً دروج القراءات الفلكية على القنوات التلفزيونية في عند نهاية كل عام . لا كلام محدود ولا محسوب جيداً للعمل المعني. استحضار مصطلح، صفة لا توجد بالعربية، لأن العرب لم ينوجدوا بعد في حقولها، إذا ما وجدت هذه الحقول.
الاتفاق على الخلاف حول المفهوم، سوف يخفف من الام الجلود المسلوخة، لمن يروجون للسينوغرافيا كفن مستقل. ولمن يجدونها كلوحة الكانڤا، لا تسلم إلى الهة المسرح إلا كوسام انتصار من يريد أن يبدأ رواية قصته في المسرح على حدة أو تسجيل دخوله في مغامرة المسرح، وهو لا يمتلك حججه الدامغة ولا لغته المحددة قدر الإمكان في كل من جانبي اختيار المصطلح والتعبير عن فكره ومخيلته. لأن للمصطلحات فكرها ومخيلتها. لأن الفكر كالحياة، إذ يولد ويموت. والمخيلة كالحياة تولد وتموت.
لا شيء موضوعي في طرح السينوغرافيا بهدف اختراق السياجات المسرحية، من قوى الإخراج إلى جسد الممثل ذي الموسيقى الداخلية ولا إلى فضاء المسرح اللولبي ما لا يتوقف عن الإرتقاء، ما دام جزءاً من ذراع العمل يلوى ويطوى في ورشة لا تميز فيها الأدوات. تدلت قطع الخشب الرخيصة الثمن على خشبة” أيام الخيام”، لتقع الروايات المنقولة عن ألسنة الناس في قطافها بعيداً من طفولة المادة. لم يبدُ الإحباط على أحد وهو يرى كيف تمكن الإخراج من الحصول على هذه الفكرة، وكيف التفت الأجساد عليها بعيداً من المحاضرات والتنظيرات. المدهش أنك حين تنزع الخشب الرخيص عن المنصة ، تحس وكأنك تنزع شيئاً من نفسك .
لأنك لا تتذكر سوى أنك في الليلة الفائتة لم تنزعج من لمسها أو الجدال معها وهي تؤلف الأحياء والمنازل والساحات والشرفات، وتقدم ما يغذي العين، لا ما يسرها وحده. لا علاقة للأمر بالتزيين. حين ركزت أريان منوشكين مسرحيتها عن الثورة الفرنسية في بنية ثلاثية، لم تتحدث عن سينوغرافيا. لأنها لم ترد أن تقصي مسرحها عن مفهوم المسرح.
مسرح كل شيء فيه على علاقة بالمشاعر وبايقاع الزمن واكتمال الشيء بالآخر. وحين قدم جوليان بك وجوديت مالينا ” الليفنغ تياتر ” في غرف الجلوس في المنازل لم يتكلموا على سينوغرافيا. وحين تكلم بروك على المساحة الفارغة، لم يجد الكلام على السينوغرافيا حاجة ملحة. وحين شاهدت بستان الكرز لبروك نفسه في ” البوف دي نورد ” لم يتجه بروك إلى الكلام على السينوغرافيا واستلهامها من هندسة المكان التاريخي مع ممثله المدهش ميشال بيكولي. وحين قدمت البريد أند بابيت (خبز ودمى) عروضها الاحتجاجية في اميركا لم يجر الكلام على سينوغرافيا. السينوغرافيا تحرر من السينوغرافيا بوجودها كجانب من جوانب القص المتداخلة في العمل المسرحي. وكيف نميزها عن المنظور البؤري في المسرح ( La perspective ). لا إذا اراد أحد أن يدوس احداً في عمل مسرحي. والعمل المسرحي لقاء.
فجأة وُجِدت هذه الفكرة في المسرح . المحزن ، أنه كلما جرى الحديث عنها جرى إبهامها أكثر . لأنها تقدم كالإبهام المرفوع
في وجه الآخرين . مصطلح أجنبي لا يزال موضع خلاف ، كما لا تزال المصطلحات الأجنبية الأخرى موضع خلاف . كالدراماتورجيا. هذا مصطلح حديث الإستعمال عند المسرحي العربي ولا يزال يحتاج إلى الدقة في تفسيره . تكلم عليه جلال خوري حين عاد من رحلة بمنحة إلى البرلينر انسامبل. واختفى ليندلع مرة أخرى ، حين جاءت فرقة المسرح الجديد الى لبنان لتقدم فامليا. اذاك قرأ الداخلون إلى الصالة : تأليف ودراماتورجيا. . مذاك تحول المصطلح إلى مصطلح موغل في القدم من من يفهم ومن من لا يفهم ، بدون تخزين المقدمات والعناصر والتفاصيل اللاحقة .
ما على أحدهم سوى أن يطأ العشب الباسق حتى يلحقه الآخرون بالتنهد لا بالمعرفة . لم يقل أحد ، لعلمي أن للسينوغرافيا والدراماتورجيا أخوة . لأن بعض المسرحيين ميالون إلى حروب الإنفصال ، يسبقهم الطارئون والضالون . لا يزال العرب يتكلمون على مسرحية البخيل لمارون النقاش كأول مسرحية قدمت في العالم العربي . لم يعن أحدهم أن يبحث ليكتشف أن ما قدمه النقاش “أوبرا بوڤا”لا مسرحية . أوبرا هزلية من ميل العرب إلى الهزل .
ما يحتاجه العرب الدقة ، الريشة ، رمز الدقة لدى المصريين القدامى. هي عيار الموازين في استخدام وزن الألواح . وقد سميت “ماعت “على اسم الهة الموازين . وهي تمثل بالهيروغليفية وحدة قياس الطول والعرض ( قرميدة نموذجية بطول 33 سم) .وهي العلامة الأساسية للناي .
ما أخشاه أن يتحول بعض المسرحيين إلى ماعتيين بعد الإشارة إلى هذا الأمر ، وأن يقوموا بدور المرشد في هذا المجال . ما اخشاه أن نرتحل من مرحلة اليا، إلى مرحلة أخرى ، تشكل ولا تُكمل .