البحرينية د. زهراء المنصور تكتب: السقوط في شرك المسميات النسوية..لاتقترب إنه فخ!
المسرح نيوز ـ البحرين| د. زهراء المنصور
ـ
في زمن بعيد من الآن، اجتمعت مجموعة من النساء لما لاحظن الإقصاء والتجاهل المتكرر لهن في نواحي الحياة، مقابل هيمنة ذكورية مكتسحة بالمنظومات الاجتماعية وما يلحق بها، ونتج من هذه الفكرة قيام التحرك الأول للـ”نسوية” في الغرب والموصوف بالراديكالي، حيث كان يهدف لتمكين المرأة من الانتخاب. سعت “النسويات” -على مر الوقت- إلى “انتزاع” الحقوق التي لازالت لم تأخذ شكلاً واحداً، لكنها أخذت هدفاً واحداً متفقاً عليه: القضاء على أشكال القهر للإناث، والتي تختلف من بلد لآخر؛ حسب الثقافة، ومدى تحكّم الأعراف في هذا المجتمع أو ذاك. فنتج في هذه المجتمعات إلصاق النسوية بالسخط عديم المعنى –وهي الفكرة الأكثر شيوعاً-، باعتبار أن المرأة قد أخذت حقوقها وأكثر منذ التحرك الأول.
إن المخاوف التي أيقظها تحرير المرأة منذ أوائل القرن العشرين إلى الآن، يمكن تفسيرها ببساطة على أنها مثال آخر لتمييز الذكر بصفته كائناً عقلانياً أكثر من المرأة. فالمجتمع مؤمن بأن الذكور قادرون على الاختيار والتوجيه، في حين أن النساء غير قادرات على الاختيار بشكل صحيح، وهذا ما يتوافق مع التركيبات الدينية والاجتماعية بشكلٍ عام في استخدام “قوامون” و”ناقصات عقل ودين”، وغيرها من الحجج التي لا تستخدم في سياقاتها أبداً. وبهذه الذرائع، تُسرق الحقوق بطريقة قانونية شرعية، وستبدو مطالب نسوية -إنسانية- مثل: منع زواج القاصرات/ عدم الإجبار على الزواج/ وقف الختان/ مساواة أجور العمل/ العنف الأسري/ الاغتصاب/ التحرش، وغيرها من قائمة تطول وتتشكل في المجتمعات التي تضيّق الخناق حسب استطاعتها، تبجّحاً، في مجتمع تبرمج على تقديم الذكورة واعتبارها صنفاً أول، بناء على تقسيم جندري -لا فضل له فيه- ولا يؤخذ في الاعتبار ما يأتي بعده. ومع أننا نرى نماذج يومية معلنة ومخفية لأنصار النسوية أو ضدها، لكن بعض الأحداث التي تعلن عن نفسها كفعل جماعي، تستدعي التمعن فيها؛ مثلما دار مؤخراً في وسائل التواصل الاجتماعي عبر مقطع من حوار على لسان داوود باشا (خالد النبوي) في مسلسل “حديث الصباح والمساء”: “أمي عاشت مع أبويا عمرها كله، مرفعتش صوتها عليه، مكشرتش في وشه.. كانت بتجيب لأبويا طشت كبير فيه ميه دافية، وتدعك له رجله فيه، وتقوله يا سيدي.. يا تاج راسي.. تعرفي تقولي يا سيدي وتاج راسي”؟.. فترد عليه زوجته سنية هانم الوراق (موناليزا) :”أنا مش أمك.. أنا سنية الوراق”. يميل نحوها ويهمس ببرود في أذنها: “سنية هانم الوراق.. إنتى طالق”.(1)
أما فيما بعد هذا المشهد، فغير معلوم للغالبية ممن تتشدق أن “داوود باشا” هو “قدوتي”، أو بتعبير آخر “يمثلني”، فيما الغاية: تثبيت وإقران الرجولة بالخشونة والعنف غير المبرر على الإطلاق، عن زوجة استاءت من غياب زوجها لأيام، وعودته دون ذكر مبرر من حقها أن تعرفه ومن واجبه أن يعلمها، وهذا في مفهوم الشراكة الزوجية الطبيعية جداً، وبمقاييس الاحترام غير المبالغ فيه على الاطلاق. لكن هذا المشهد جاء بمثابة تحذير لمن تجرؤ أن تكون خارج المعتاد، كما عبّرت عنه سنية هانم، حين علقت على طريقة معاملة والدة داوود باشا لوالده: “حياة الخدامين والجواري”، في توصيف غسل قدم الزوج، وهو بهذه العنجهية الذكورية، حتى وإن كان المعتاد لا يناسب طبيعتها، أو أن الشريك لا يستحق أن يُبذل من أجله هذا، إلا من قبيل مبادلة المحبة والتقدير للطرفين. وجاء المقطع السابق من مسلسل تم إنتاجه قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، بمثابة رد فعل لمقطع متناقل مؤخراً عن ظاهرة “رضوى الشربيني” المذيعة المصرية، والتي تداولت لها في نفس التوقيت أيضاً مقاطع من برنامجها(2)، عن نصائح وأراء -كثير منها يبدو عن تجربة شخصية-، توجه حديثها للإناث تحديداً، عن عدم قبول التعنيف والإهانة والسكوت على أي نوع من الأذى الآتي من المجتمع الذكوري، المتمثل بالزوج أو الأخ أو الأب، ولا يبدو أن الكلام في المجمل مهين للذكور إلى الحد الذي سخروا منها فيه، وساهموا -من حيث لا يعلمون- في تعريف الآخرين بها، على الرغم من بقائها في الظل منذ عملت كمذيعة قبل عشر سنوات من الآن.
إن استقراء هذه الأحداث التي تدور مكانياً في فلك مفتوح، وحسابات غير ملزمة بالتعريف الصريح عن هوية أصحابها، وقضايا أزلية مثل النسوية/ المجتمعات الذكورية/ الأعراف التي تميز الجنسين/ وغيرها، ويحصل عليها تحديث بين وقت وآخر، هي أمور لافتة، فيما تدّعي مجتمعاتنا التحضر في التعامل مع هذه القضايا. في حين أن الشربيني ليست أول من تحدث في الحقوق “البديهية” للأنثى، والتي تلقى نفس عاصفة الاستهزاء والسخرية وربط الشخصي بالعام، في إقران الاسترجال والعقد والأمراض النفسية كأسهل الطرق التي قد تضعف موقفها أو تخفته، وهي واردة في حال الضغط الشديد وهشاشة التصديق بالنفس. والإناث اللاتي أظهرن آراء “نسوية” في العلن، وُصِمن في مجتمعاتهن بأبشع التهم، ولازلن! أبسطها التمرد، والخروج عن الدين وأعراف المجتمع. ومن المربك في هذه الحالات ملاحظة أن جزءاً غير يسير من تعليقات معنفة وقاهرة هي من حسابات إناث، يصعب فهم مسوغاتهن في الهجوم على رضوى، أو أي من يتحدث بنفس منطقها، والدفاع عن الذكر بوصفه ذا حصانة دينية واجتماعية لا تمس ولا تناقش. وهذه العينة تشكل حياة السمك في الماء، حينما سألت سمكة كبيرة أخرى تصغرها: كيف هو الماء؟ لتجيبها باستغراب: وما هو الماء؟! في إشارة إلى أن الاعتياد يخلّف التصديق بما هو متاح وموجود على أنه الحقيقة المطلقة، وبالتالي التطبيق “الحرملكي” في أن تكون الإناث ضد الإناث، هذه الأنثى هي نفسها من تربت والدتها وجدتها -أسرياً ومجتمعياً- على كون الذكر هو الجنس “المفضل” والأكثر فائدة اقتصادياً واجتماعياً أيضاً، وستكمل هي تقنية النسخ واللصق لما سيأتي بعدها.
لذا، يتطلع الكثيرون من مؤيدي النسوية إلى نهج عالمة الاجتماع المغربية الراحلة فاطمة المرنيسي، في نفي انتمائها للحركة النسوية، وربما تبعد هذه “التهمة” عنها باعتبارها تمارس سلوكاً بديهياً، كونها امرأة تميل بطبيعتها وفطرتها إلى الدفاع عن جنسها، وبالتالي تكون آراؤها محل شك، في الوقت الذي نجد فيه أن الذاكرة الجمعية تشيد بالذكور الذين أظهروا مساندة معلنة للمرأة، مثل الحبيب بورقيبة/ الرئيس التونسي السابق، حينما أقر في مجلة الأحوال الشخصية، في الخمسينيات من القرن الماضي، العديد من التشريعات التي جاءت لصالح حقوق المرأة التونسية، عدا الأسماء الأدبية الشهيرة، مثل نزار قباني أو إحسان عبدالقدوس، وغيرهما ممن تحفظ الإناث في الشرق نتاجهم دون أن يكون هذا على تماسّ مع حياتهن الواقعية. لذلك، يشجع المؤيدون الطريقة التي سعت المرنيسي إليها في عملها البحثي؛ بتأصيل قيم النسوية، دون أن تكون موجهة بشكل تعليمي، بل لتتحدى فكرة سائدة متحجرة، وتنفي -بطريقة عقلانية- اقتران النسوية بسوء السمعة والدعوة للتحرر بلا قيد وبلا رادع، وكأنها مقرونة بأفعال خارجة، بينما المسألة لا تستدعي إلا القليل من التمحيص الهين لاستيعاب أنه ليس على من يدافع عن قضايا المرأة أن يتخذ الرجل -على الطرف الآخر- ذريعة ومركز منافسة على الدور الحياتي الذي خُلقنا لأجله ببساطة شديدة. فالمرأة والرجل قوام المجتمع الذي لن يصح بخلل في دور أحدهما.
الهوامش:
(1) https://www.youtube.com/watch?v=XqYu4dLFr6s
للاطلاع على مزيد من المقاطع المتداولة https://www.instagram.com/radwaelsherbiny