مقالات ودراسات

“الثامنة مساء” .. مباراة فنية جماهيرية.. على ساحة مسرح الغد


المسرح نيوز ـ القاهرة | كمال سلطان

ـ

للدراما الصعيدية دائما جاذبيتها الخاصة لما تتمتع به من ثراء وجاذبية في اللغة ، ولما تمتلكه من غموض ساحر في السرد يأخذنا إلى عالم خاص، فنعيش معه ونذوب فيه ، وتتطلب تلك النوعية من الدراما فئة خاصة من الممثلين يمتلكون قدرات وإمكانيات أكبر من غيرهم، تجعلهم قادرون على التصدي لتلك النوعية من الأدوار الصعبة ..

ولذلك فإن الممثل الذي يفشل فى السيطرة على الشخصية ينفضح أمره وتأخذ منه الشخصية ولا تعطيه . وفى العرض المسرحى الجديد “الثامنة مساء” والذى يتم عرضه على خشبة مسرح الغد بالعجوزة يقدم لنا المخرج هشام على تجربته الجديدة ، والتى تقتحم من خلالها الكاتبة ياسمين فرج عرابى عالم الصعيد من خلال حكاية تكررت كثيرا فى الدراما، ولكن طريقة التناول هنا مختلفة، فالقصة تدور حول “قاسم” الذى يتسم بقوة الشخصية وفرض سيطرته على الجميع رغم عجزه.

وتتوالى الأحداث لنكتشف أن كل من حوله يضمرون له الشر ويترقبون اللحظة الحاسمة لإنهاء حياته، وعلى رأسهم “حُسن” تلك الفتاة التي أحضرها محاميه الخاص “صابر” لخدمته وتعانى من عجز بإحدى قدميها يجبرها على التعرج أثناء مشيتها، نكتشف سريعا أنها سليمة خلال مواجهة بينها وبين “عائشة” زوجة قاسم التى تسعى أيضا لقتله ويشاركهما صابر نفس الرغبة، وهو الأمر الذى لم تركز عليه الكاتبة فى ظل تركيزها على أن تصدّره كنموذج سوى يتمتع بصفاء النية والتسامح ،

ومع مرور الأحداث تتكشف الحقائق حيث نعرف أن صابر هو شقيق حُسن وأنهما التحقا بخدمة قاسم للثأر منه بعد أن قتل أباهما، وأن عائشة تود أن تفعل به نفس الشيئ لخيانته لها وإهاناته المتكررة ونكتشف فى نهاية الأحداث أنه يعلم بأمرهم جميعا وبالعلاقات التى تربط بينهم، ويكشف للفتاة حين تتهيأ لقتله أنه هو الذى تولى رعايتها والإنفاق عليها بعد رحيل أبيها، ويؤكد لعائشة أنه يحبها كثيرا رغم قسوته عليها، ويعلن أنه يعلم بما يضمره صابر له لكنه يعترف أنه خدمه بإخلاص ولم يخنه يوما، ثم يخبرهم بأنه مريض بمرض خطير، وأن أيامه في الحياة معدودة ولا حاجة لهم لقتله. وفى خط درامى مواز يعيش قاسم قصة حب مع إحدى الجنيات التى تظهر له كل ليلة كلما لعب الخمر برأسه.

ويبقى حواره مع الجنية من أقوى مناطق الحوارات فى العرض. استطاع المخرج هشام على أن ينقلنا معه إلى جو الصعيد من خلال استغلال كافة الإمكانات المتاحة وحرص على أن يظهر كل شيء واقعيا حتى أنه أتى بعجين حقيقي لتصوير مشهد الخبيز وكذلك الفطيرة التي التقطتها عائشة من الفرن وتقاسمتها مع صابر.

ولكن يؤخذ عليه الإسراف فى عناصر كان يمكن الاستغناء عنها وعلى رأسها الرسم بالرمال. تمتلك المؤلفة ياسمين فرج قاموسا متفردا من الكلمات والعبارات مما جعل العرض يحتوى على عدة مشاهد تعتبر “ماستر سين” مثل مشهد المواجهة بين صابر وحُسن، ومشهد مواجهتها مع عائشة وكذلك المشاهد التى يعود فيها قاسم بذاكرته ليتذكر قسوة أبيه فى معاملته وتعنيفه له كلما أعرب له عن مشاعر الحب والود. موسيقى جو حنا وإضاءة هشام على كانتا من أبطال العرض ولعبتا دورا رئيسيا في إضفاء جو من الغموض والترقب على الأحداث. جاء ديكور مي زهدي تقليديا ولكن يحسب لها استغلال تلك المساحة المحدودة للتعبير لتصوير المنزل من جميع جوانبه حتى أنها استغلت الكواليس وكأنها غرف وطرقات تحيط بالبيت الريفي.

الشاعر عبد الله حسن كان أيضا بطلا من أبطال العرض رغم اقتصار دوره على إلقاء الشعر فقط وكانت المفاجأة تمكنه من الغناء بصوت متميز في نهاية العرض مكنت أتمنى أن يستغله المخرج ممثلا فهو يمتلك طاقة تمثيلية لم تكتشف بعد. دينا ممدوح التى قامت بتشخيص دور الجنية أدت رقصة رائعة صممها المخرج وجاءت معبرة عن سيطرة الجنية على قاسم ويعد المشهد أحد المشاهد العبقرية التى قدمت بالعرض وكذا رقصة التحطيب التى تلتها.

تظل النجمة وفاء الحكيم هي أفضل من أدت دور الصعيدية على خشبة المسرح من أبناء جيلها، وتقدم فى هذا العرض واحدا من أجمل أدوارها على خشبة المسرح. الفنان محمد عبد العظيم أبدع فى دوره ولا أتصور ممثلا آخر يستطيع تأدية دور قاسم بهذه العبقرية فى الأداء، وقد وفق المخرج هشام على تماما في اختياره لملائمته للدور شكلا وموضوعا. نائل على جسد شخصية صابر ببراعة حيث تعتبر هى الشخصية السوية الوحيدة ضمن الأحداث والتى تنتصر لديها نوازع الخير على الشر وهو ممثل من طراز فريد مازال فى انتظار الدور الذي يفجر طاقاته الإبداعية. أدت لمياء كرم واحدا من أصعب أدوار العرض وهو دور مركب لا تقدر عليه سوى ممثلة من طراز فريد ، كما أتاح لها الدور استعراض موهبتها التمثيلية من خلال التنقل بين أكثر من شخصية مختلفة وأكثر من حالة تمثيلية.

وتبقى مفاجأة العرض الحقيقية في صوت المطربة التي أدت دور الأغاني التى غنتها الجنية فقد جاء صوتها ملائكيا ساحرا وكأنما يأتى من عالم آخر بالفعل .. أما المفاجأة فتجيء عندما تعلم أنها ياسمين فرج مؤلفة العرض.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock