الكاتب السوري الكبير “عبد الفتاح رواس قلعه جي” وقراءة أولية في مسرحيات “قبل فتح الستار” لصباح الأنباري
خمس مسرحيات متقنة وبطعوم مختلفة يجمعها هم واحد، يحقق المتعدد في الوحدة.
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
بقلم: عبد الفتاح رواس قلعه جي
حلب – سورية
مجموعة قبل فتح الستار المسرحية صدرت حديثاً للكاتب والناقد المسرح العراقي المعروف صباح الأنباري، عن دار نينوى-دمشق، في 187 صفحة، وقد عرَّفها بأنها مسرحيات صائتة، كنص لفظي، وكان قد عُرِف من قبل بكونه صاحب المسرح “غير الصائت” في مجموعته ” مسرح الصوامت” الذي أتيت على تعريفه وشرحه في مقدمة الكتاب، ثم في كتابي “المسرح الحديث الخطاب المعرفي وجماليات التشكيل” معتبراً إياه واحداً من اتجاهات الحداثة. وتضم المجموعة خمس مسرحيات، واحدة منها بالمشاركة. ويجمعها هموم ومعاناة الإنسان وبخاصة الإنسان العراقي.
1- في مسرحية الهبوط شنقاً إلى العالم السفلي، ثمة استفادة من الميثولوجيا الرافدية العراقية، حيث يهبط زعيم بلاد الشمس الطاغية سدوم ريتي بعد أن شُنق إلى الجحيم وملكته الإلهة أرشيكجال ووزيرها نمتار، فيحاول كي ينقذ نفسه من العالم السفلي أن يوحي لها بأن مملكتها مهددة بعد ظهور النفط والتكنولوجيا الحديثة، فتحيله إلى مجمع الآلهة الأنوناكي للمحاكمة، فيَقضي بإعطائه فرصة أخرى على الأرض، فيصعد ليعود فيها إلى تجبره وطغيانه السابق فلا يستجيب له أقرب الناس إلى جرائمه، فيُقضى عليه بالهبوط الأبدي إلى الجحيم.
هذه المسرحية فيها بوارق من نهجه الصامت في بدايتها ثم تطغي الحواريات وهي مقيسة على الشخصيات والموضوعات لرسم صورة للحاكم السفاح، أو الشخصيات مقيسة عليها، كما أنها في جزئيات الحوار تحفل ببعض التفصيلات التي تلقي ضوءاً على الأسطورة الأم، ويبدو أن الكاتب العراقي عامة من العسير أن يتجاوز محنة العراق ومآسي شعبه، فهو يلح عليها في كتاباته وبأشكال متعددة، وهذا نوع من التأليف في دوائر مغلقة.
2– في مسرحية طائر البرق المهاجر ثمة استخدام للإضاءة الفوسفورية كالقفازات لإبراز حركة الأجزاء والتجديف وسط الظلام، وشاشة السيكلودراما لتصوير مشاهد من الحياة في الكاظمية وغيرها، وبذلك ينقل إلينا المناخات المكانية لبطل مسرحيته الشاعر مظفر النواب. إنه هنا يغاير ولا يكرر تقنياته االمسرحية. وتتوالى بعض اللقطات السينمائية على شاشة السيكلودراما مع مقاطع من شعر مظفر النواب وبخاصة قصيدته الوتريات الليلية.
شغل جميل جدا هو مزيج بين تقنية المسرح الصامت، والحوار، وبين القصيدة الممسرحة، و السيرة الموضوعية للشاعر. وهكذا يرسم لنا الشخصية الرئيسية ويبرزها أمامنا وبخاصة في قصيدته الأكثر شهرة:
القدس عروس عروبتكم
فلماذا أدخلتم كل “زناة الأرض” إلى حجرتها
ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب
لصرخات بكارتها
وسحبتم كل خناجركم
وتنافختم شرفاً، وصرختم فيها أن تسكت صوناً للعرض.
لا شك أن القضية الفلسطينية كانت ولا تزال أكبر وأخطر من الخطاب العاطفي والهجائي لأغلب الشعراء والساسىة والمحللين أيضاً.
3– مسرحيته حدث ذات حب مهداة إلى روح شكسبير الهائمة في براري الأجساد المعذبة. وتختلف عن مسرحيات المجموعة والتي موضوعاتها هموم وطنية وقومية، إنها مسرحية ذاتية، ومكاشفة نفسية واجتماعية، وخروج من الدوائر السياسية المغلقة إلى دائرة الذات وأسرارها النفسية والاجتماعية. تبدأ من لحظة انبثاق وتشخيص الرجل الثاني الغامض من أغوار رجل1 النفسية، والذي هو النسخة المغايرة والمقابلة المخبوءة في أعماق الرجل الأول، والجامع بينهما موضوع المرأة- الدمية معشوقة الأول والذي يرفض وصفها بالدمية.
الرجل الأول: أ أنت جزء من حلم لم ينته بعد ؟ (الرجل الثاني يهز رأسه نفياً). وكأنه يقول له في هذه الإشارة أنا هو أنت؛ إذ عندما يتكلم الثاني يقول الأول: يا إلهي، لقد نطق بصوت كأنه خارج من أعماقي. أما الموضوع الجامع بينهما فهو المرأة- الدمية التي كما يقول الثاني للأول: هي متمسكة بك مع أنها تتطلع لحياة أخرى. إنها في كينونتها موضوعة شرقية في الحب والغيرة والحرية الاجتماعية وما فعلته الحرب في النفوس ومعاناة المرأة في وحدتها وزوجها بعيد عنها في جبهات القتال.
الطارق: سيدتي،أعرف أنك وحيدة هنا، وأن زوجك قد ذهب إلى الحرب هل تسمحين بتقديم العون لك؟
وترتكز هذه النقطة على حادثة عابرة حين يطرق الباب رجل يحمل لها كيساً نسيته عند بائع الخضار، ويصر علي لقائه بها وتوصيلها بسيارته.
هذه المسرحية وعلى الرغم من تواجد الحرب كخلفية لأحداثها فإنها تأخذ موقعها الخاص من المجموعة كعمل فيه شغل مسرحي جيد وله نكهته الخاصة.
4- الجدار كتبها بالاشتراك مع موفق ساوا. تبدأ المسرحية بثلاث لوحات صامتة من الواضح أنها من صنع الأنباري:
1_ لوحة انفجار الشمس وولادة كوكب الأرض وانبثاق شكل فيها يأخذ شكل البيضة
2- لوحة الولادة حيث يخرج من البيضة طفل وطفلة يكبران بسرعة، يرقصان، يعودان إلى البيضة يلدان طفلاً جديداً.
3- لوحة سومرية لمجموعة تؤدي رقصة جماعية مرحة، أو (هكذا كنا أخوة سعداء) ثم مع الزمن تنقسم إلى كتلتين متباعدتين متناحرتين، أو (هكذا صرنا اليوم أعداء متخاصمين) يهبط من الأعلى بشكل قدري جدار يفصل بينهما.
المشاهد التالية حواريات تشكل خطاباً بسيطاً مباشراً حول ادعاء كل فريق استحالة هدم هذا الجدار رغم المحاولة، ويبرز خلال الحوار شخصية (رجل1) الحاكم الدكتاتور باسم كبير الآله (آنو) كما يدعي، ويقيم لنفسه المعابد والكهنة ويصنع للناس تمثالا للإله على شاكلته، ويعلِّم الناس العبادة والخضوع، إلى أن يقوم بنسف الجدار بالديناميت يتلوه معركة دامية بين الكتلتين مسبباً مجزرة شاملة.
وتختتم المسرحية بمونولوج طويل لرجل 1 الذي يمثل بالرمز شخصية صدام حسين.
الخطاب في المسرحية مباشر رغم امتطائه صهوة الرموز المقحمة، ويبدو أن المسرح العراقي سينتظر طويلاً قبل يخرج من هذه الدائرة إلى أن يتخلص من عقدة ما حصل، وينطلق إلى آفاق إنسانية مفتوحة.
5– أولئك أبنائي تفتتح المسرحية على أنقاض بيوت وانفجارات وأصوات رصاص ثم تبرز شخصية الأم وابنها، بعد مقتل زوجها وأحد أبنائها، تبرز امرأةً قوية ذكية وطنية تؤوي في بيتها الهاربين المطلوبين من بطش عناصر داعش، وتقول مبررة ذلك: أولئك أبنائي وحياتي مرتبطة بحياتهم. ثم ينتقل بنا في مشاهد أخرى إلى محاكمات الدواعش للنساء والرجال والحكم عليهم ثم إلى سوق النخاسة حيث تباع النساء الإيزديات من غير أن يذكر ذلك حيث ينتقى خليفتهم بعضهن لنفسه، ومنهن واحدة نتابع قصتها كيف قضى وطره منها ثم وهبها لجنوده، ثم بيعت، فهربت ولجأت إلى بيت طرقت الباب عليهم فأدخلوها وخبؤوها وأكرموها إلى أن أرسلوها إلى المنطقة الآمنة، وهي قصة حقيقية كنت قد قرأت عن هروبها ولجوئها في إحدى وسائل الإعلام.
العمل منبسط أمام النظر، شديد الوضوح، دينوني، أراد الكاتب منه توثيق جانب من هذه المرحلة، لكنه كان يمكن أن يكون أكثر إقناعاً لو جانب الهجائية البرانية إلى التعمق في المركّبَ والفكر الداعشي.
أخيراً: نحن أمام خمس مسرحيات متقنة وبطعوم مختلفة يجمعها هم واحد، يحقق المتعدد في الوحدة.