المسرحي الأردني حكيم حرب يكتب:هنا في قرطاج..!
المسرح نيوز ـ تونس| حكيم حرب*
- مسرحي أردني
هنا في قرطاج لا مجال للتخبط والارتجال، فكل شيء أنجز بعناية فائقة ولم يتم “سلقه” سريعاً ليبدو مجرد نشاط وظيفي بائس؛ عروض مسرحية مبتكرة تم اختيارها من مختلف دول العالم بمنتهى الدقة والأمانة والضمير الحي والاحساس الكبير بالمسؤولية، قامات مسرحية عربية وافريقية واوروبية كبيرة، ندوات علمية ومحاور فلسفية عميقة للنقاش، ورش ابداعية متنوعة، نقد مسرحي علمي وموضوعي بعيداً عن الشخصنة والمزاجية والشللية وتصفية الحسابات،
إعلام حر ونزيه وغير منحاز، لجان فاعلة ومتخصصة ومخلصة في عملها إلى حد التبتل، مناصب إدارية يشغلها مبدعون حقيقيون يتداولون السلطة كل سنة آو سنتين، وليس مجرد موظفين أكل عليهم الدهر وشرب وخالدين فيها أبدا، تنافس حر وشريف وليس حرب البسوس ولا داحس والغبراء،
جوائز مالية مجزية يصل بعضها إلى ٢٥ ألف دينار، وليس مجرد درع يصيبه الصدأ بعد شهرين، حفل افتتاح ترصد له إمكانيات مادية وبشرية هائلة، وليس افتتاحاً متواضعاً ومكرراً وخجولاً، تكريمات حقيقية تليق بالمبدعين وكبار الفنانين، بعيداً الكرنفالية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وبعيداً عن الجعجعة التي بلا طحن، كلمات مختصرة وليست خطب رنانة ولا فرصة لممارسة الشوفينية ومحاولة التعويض عن الكبت والحرمان،
كرم بالاستضافة وسخاء عند الاحتفاء بالضيوف، بعيدا عن سياسة التقشف وشد الأحزمة على البطون لحظة تكريم المبدعين، آكثر من ١٦٠ مسرحية من ٣٩ دولة عربية وافريقية واوروبية، عروض لمسرح الكبار والأطفال ولمسرح السجون والشارع، أكثر من ١٢ مسرح وقاعة عرض و١٢ قاعة ورش وندوات منتشرة في أنحاء العاصمة تونس، ولا يتمركز المهرجان في نفس المسرح ولا في ذات القاعة، ولا تنحصر مشاركته على بضع دويلات، جمهور هائل ومثقف ومتحضر لا يرن هاتفه خلال تقديم العروض، ولا يدخل ويخرج من المسرح في العرض عشرات المرات، مسؤول مبدع قادم من الوسط الثقافي والفني ويعرف كل مبدع باسمه ويدرك دور المسرح في بناء الإنسان ونهضته ودوره في عملية التمدن والتحضر والانفتاح، وأنه ليس مجرد فرصة لالتقاط الصور وتوزيع الابتسامات الصفراء للكشف عن أسنان ناصعة البياض وعقولٍ خاوية وجوفاء،
حب كبير وطاقة ايجابية هائلة تملأ أروقة المهرجان بعيداً عن ثقافة المماحكة والتنغيص على المبدعين الحقيقيين . فإلى أصدقائي المسرحيين التونسيين أقول : ما يجمعكم أكثر مما يفرقكم، وما تلتقون عليه اليوم أكبر مما تختلفون عليه، فحافظوا على منجزكم الإبداعي الكبير، الذي غدا حائط صدنا المنيع كلنا كمسرحيين عرب،
وقارب نجاتنا المتين نحو شواطئ الإبداع وقارات الجمال، في مواجهتنا الصلبة والعنيدة لثقافة الكراهية والجهل والبشاعة، ولإشاعة ثقافة النور والحب والجمال، وسط عالم مضطرب ومجنون، فلمثلكم ترفع القبعات