المسرح نيوز ينشر حصريا نص “براء” للكاتب المسرحي عمار نعمة جابر
المسرح نيوز ـ نصوص مسرحية ـ براء| عمار نعمة جابر
ـ
( صوت سيارات الشرطة يملأ المكان .. اصوات متداخلة ..
الاضاءة خافتة .. في وسط المسرح جسد مسجى .. وسط كومة من الاسمال ..
يبدأ الجسد بالحركة .. يرتعش .. يتلوى .. يتأوه وسط ثيابه السوداء الرثة ..
ترتفع اصوات سيارات الشرطة والاصوات المتداخلة ..
ثم تبدأ بقعة من الاضاءة بالارتفاع على الجسد .. فنشاهد تفاصيل لجسد فتاة حامل ، ببطن منفوخة .. ملفوفة بعباءة قديمة سوداء كبيرة .. نسمع صوت انفاسها الخائفة .. المرتجفة ..
ترتفع وتيرة انفاسها .. مع صوت ضربات قلبها .. ثم تصرخ بأعلى صوتها )
الفتاة : ( تصرخ ) يــ .. بــــــــــ .. و .. ي ..
( ترتقع اصوات سيارات الشرطة .. واصوات متداخلة .. واصوات أجهزة الاتصالات )
الفتاة : ( تصرخ ) الحقوني .. يــ .. بــــــــــ .. و .. ي ..
( وسط الظلام يدخل رجلين من شرطة تفكيك المتفجرات .. احدهما من يمين المسرح والآخر من يسار المسرح .. يدخلان وهما يرتديان بدلات خاصة ضد الانفجار .. يتحركان بحذر .. واحدهما يشير للآخر بالحركة من خلف القناع )
الفتاة : ( تتحدث مع الشرطيان ) الحقوني .. تعالا .. اقتربا .. لا تخافا .. ( تتوسل ) انقذوني سأموت .. اقتربا مني .. لا .. لن اتحرك من مكاني .. سأبقى ثابتة كما ترغبان .. انتما فقط اقتربا مني .. لا أريد أن اموت .. لا أريد ان أموت هنا الآن .. لقد ربطوا على بطني حزاما ناسفا ، وأنا لا اريد أن أفجره ، لا أريد أن أقتل الجنين الذي في بطني .. ارجوكم تحركوا بسرعة .. ارفعو هذا الشيء عني وعن أبني الجنين ، لا أريد أن يموت هذا المسكين بسببي ..
شرطي1 : اهدئي لا تتحركي ، قد ينفجر هذا الشيء ..
شرطي2 : ما اسمك انت ؟
الفتاة : براء .. اسمي براء ..
شرطي1 : ( وهو يقترب من الفتاة ) أين أهلك يا براء ؟
براء : ليس عندي أهل .. لا أعرف أهلي ..
شرطي2 : ( وهو يقترب من الفتاة ) وزوجك ، أين زوجك ؟
براء : أنا لست متزوجة ..
شرطي1 : ( يقف ) ولكنك .. ( تقاطعه الفتاة )
براء : حبلة ، نعم ، أنا حبلة في شهري التاسع .
شرطي2 : ( يتوقف ) من فعل ذلك بك يا براء ؟
براء : نفس الاشخاص الذين وضعوا هذا الحزام الناسف على بطني .
شرطي1 : ( يتقدم ببطئ ) نحن نصدقك ، نصدق كل ما تقولين ، ولكن ساعدينا أكثر كي نخلصك من هذا الشيء ..
براء : بماذا تريدون أن أساعدكم ؟
شرطي1 : أخبرينا عنهم كل شيء ، أخبرينا عن من فعل بك ذلك ..
شرطي2 : ( يتقدم ببطئ ) هل تعرفين من فعل بك ذلك ؟
براء : منذ عامين وأنا معهم .
شرطي1 : وأين كنت قبل ذلك ؟
براء : كانت هناك امرأة عجوز ، هي التي تعتني بي ، قالت أنها وجدتني قرب حاوية الازبال في شارعهم .
شرطي2 : واين ذهبت هذه العجوز ؟
براء : ماتت ، لقد ماتت قبل ثلاث سنوات ، وحينها لم يتبق لي سوى الشارع ، أسأل الناس أن تحسن علىّ ببعض الطعام والمال والملابس .
شرطي1 : ( يبدأ بفحص الحزام الناسف ) وكيف وصل لك هؤلاء الاشخاص ، الاشخاص الذين وضعوا الحزام الناسف ؟
براء : ( يساعد الشرطي 1 في االفحص ) قابلتهم على الطريق وقالوا لي أنهم سيساعدوني ، وانا معهم منذ سنتين .
شرطي2 : براء كم عمرك ؟
براء : لا ادري بالضبط ، ربما أنا في عمر السادسة عشر ، او السابعة عشر ، لا ادري
شرطي1 : براء ، وهل تعرفين من يكون أب هذا الطفل ؟
براء : كلهم أبوه ..
شرطي1 : كلهم !
براء : نعم كلهم .
شرطي2 : وكم عددهم ؟
براء : كثيرون ، لا أعرف لهم عدد .
شرطي1 : ( يتحدث مع شرطي2 ) الحزام ربط بطريقة معقدة .
شرطي2 : نعم .. استطيع أن أرى ذلك ، وماذا نفعل ؟
شرطي1 : سنحاول أن نفتحه .
شرطي2 : سينفجر الحزام ، اذا لم نعرف كيف يعمل !
شرطي1 : ( يخرج من حزامه قنينة ماء ، يعطي الماء لبراء كي تشرب ) اشربي قليلا من الماء .
براء : هل تسقيني قبل أن أموت ؟
شرطي2 : لا تخافي ، نحن متخصصون بالمتفجرات ، وشاهدنا الكثير من هذه الاشياء ، سنجد حلا .
شرطي1 : أصدقاءك قد صنعوا حزاما ناسفا بطريقة تختلف .
براء : هم ليسوا اصدقائي ابدا .. أنا أكره ما فعلوا بي .
شرطي1 : نحن سنكون اصدقاءك ، نعدك أن نفعل لك المستحيل ..
شرطي2 : ( مع شرطي1 ) هناك ستة خطوط تتقاطع مع بعضها .
شرطي1 : وكل خط هو شرط لعمل كل الدائرة .
شرطي2 : واذا قطع أي خط منها ، ستنفجر .
شرطي1 : صور الدائرة الالكترونية لهذا الشيء ، وارسلها لمكافحة المتفجرات ، قد يكون هناك من قابلها في حادثة ما .
براء : كان أحدهم مهندسا شديد الذكاء .
شرطي1 : نعم ، نستطيع أن نرى ذلك .. دائرة الكترونية غاية في التعقيد .
شرطي2 : صورت هذا الشيء ، وارسلته ، نحن بأنتظار الاجابة .
شرطي1 : ( وهو يفحص الحزام ) في البداية علينا أن نوقف المؤقت ، فهو يضع وقت محدد للانفجار ، اذا لم يتم ضغط الزر اليدوي ، أو اذا توقف ، سينفجر اوتماتيكيا.
شرطي2 : ( يفحص الحزام ) المؤقت يحصرنا في وقت محدد ، وهو مربوط على ساعة تعمل بالنبض .
شرطي1 : ( وهو يتفحص الحزام ) ان الساعة تعمل على نبض الجنين في بطنها .
شرطي2 : يجب أن يتوقف نبض الجنين ، كي تتوقف ساعة التوقيت .
شرطي1 : نحتاج أن تلد الجنين ، ولكن ليس لدينا وقت لانتظار من يقوم بتوليدها .
براء : لا أريد أن يموت أبني . اخرجوه من بطني حيا .
شرطي1 : ليس لدينا وقت للولادة .
شرطي2 : وماذا تقترح أن نفعل الان ؟
شرطي1 : يجب أن يقف نبض الطفل ، سنقتل الطفل في بطن أمه .
براء : ( خائفة ) لا أرجوكم ، لا تقتلوا إبني ، اريده أن يبقى حيا .
شرطي1 : اذا بقي حيا سينفجر الحزام الناسف ، وسنموت جميعا ، سيتدمر كل هذا المكان ، ويموت كل من فيه .
براء : اقتلوني أنا ، واتركوه حيا .. ارجوك سيدي ، لا تقتلوه .
شرطي2 : ولكنك تتمسكين بجنين ، لا تعرفين حتى أبوه .
براء : يكفي أن أعرف أنني أمه ، هو ليس له ذنب بكل ما حدث لي وله .
شرطي2 : اذا بقي قلبه ينبض ، حتما سيموت هو معنا ، سنموت جميعا .
شرطي1 : الوقت يمر بسرعة ، يجب أن توافقي .
براء : وكيف ستقتلان جنين في بطن أمه ؟
شرطي2 : ( مع شرطي1 ) هل تدري ، نحن لم نفكر بذلك ، كيف نقتل جنين في بطن أمه !
شرطي1 : حسنا .. ( يفكر ) ربما سأزرقه إبرة بمادة كيميائية فعالة ، وسوف يموت فورا .
شرطي2 : ولكن قد تتسرب المادة الكيميائية الى أمه ، وتموت هي الاخرى .
شرطي1 : الام ستحتمل المادة مزيدا من الوقت ، حتى نفكك الحزام الناسف . وحينها سنتخلص من الجنين ، ومن المواد التي تسربت في جسمها .
براء : سيدي هل لديك سكين ؟
شرطي2 : وماذا تفعلين به . بماذا سينفعك السكين ؟
براء : سأفتح بطني بالسكين ، واخرج الجنين .
شرطي1 : ستموتين أنت ..
شرطي2 : وقد يموت الجنين أيضا ..
براء : طيب ، أنتما أفتحا بطني بالسكين .. أرجوكم ..
شرطي1 : أنت لا تقدرين الموقف ، نحن لانصلح لمثل هذه الاشياء .
براء : فكروا معي ، كيف نبقيه حيا ، لا أريده أن يموت .
شرطي2 : نحن نعرف حجم مشاعرك ، ولكن الموقف صعب جدا .
شرطي1 : والوقت ينفد من بين ايدينا .
شرطي2 : لقد وصلت جواب دائرة مكافحة المتفجرات ، لم يتعرفوا على هندسة الحزام الناسف ، طريقة جديدة لصنع الاحزمة الغير قابلة للتفكيك .
براء : أنا خائفة جدا ، أنا خائفة أكثر من أي وقت آخر ، سأموت أنا ، وهذا المسكين الذي في بطني ، سيتناثر لحم جسدينا في المكان ، سنتلاشى بشكل سريع .
شرطي2 : لا تخافي ، لا تتركي الضعف يتمكن منك ، نحن نحتاج قوتك هنا .
براء : أمام كل هذا الشر الذي يملأ العالم ، ويطحن المساكين مثلي ، تتهشم القلوب الضعيفة ، ويسود الظلام في كل النفوس ، لا أشعر بالرغبة في الاستمرار ، ابتعدوا عني ، أبعدوا الجميع ، سأضغط الزر ..
شرطي1 : ( بفزع ) ماذا تقولين ! هل جننت ؟
شرطي2 : ( يتوسل ) ستموتين ، وأنت في عمر الورد ، سيموت جنينك المسكين .
براء : ( بيأس ) لا يريد أحد أن يمنحنا فرصة كي نحيا بسلام ، لا نريد شيء منهم ، نريد فقط أن نحيا بسلام .
شرطي1 : فكّري أنك ستخرجين من هذه التجربة ، وستعيشين مع ابنك بسلام .
براء : أشعر بألم بدأ يدب في ظهري ..
شرطي1 : ماذا تقولين !
شرطي2 : ظهرك بدأ يؤلمك !
براء : نعم . من هذا المكان .
شرطي2 : براء ، لقد بدأ عندك الطلق ، ستلدين طفلك الآن .
براء : هل هذا صحيح ، هل أنت متأكد ، ارجوك ، أخبرني ؟
شرطي1 : كيف عرفت أنها ستلد ؟
شرطي2 : هل نسيت أنني كنت الى جانب زوجتي ، حين ولدت أولادي ؟
شرطي1 : دعونا نكسب الوقت ، لنحفز هذا الجنين كي ينجو ، وينقذ أمه ، وينقذنا جميعا .
براء : الالم يشتد ، الالم ينتقل من مكان الى آخر ..
شرطي2 : يبدو أن هذا الفتى يسمعنا ، ويستجيب لنا .. دعونا نساعده على الهروب من تحت الحزام الناسف .
شرطي1 : براء ، ساعدي نفسك على الولادة ، خذي نفسا عميقا ، وادفعي بابنك الى الحياة ، أنتما تتعاونان ، من أجل أن يكون لكما فرصة جديدة .
براء : ( تدفع بالجنين الى الخارج ) سيدي .. أنا أبذل جهدي ، أبذل كل جهدي .
( شرطي2 يسحب الطفل من تحت أمه ، يلفه بقطعة قماش ، يرفعه بين يديه ..
الطفل يفتح عينيه ، وينظر يمينا وشمالا .. ينظر الى ساعة التوقيت على الحزام الناسف ..
يفتح فمه ، يحاول أن يقول شيئاً )
الطفل : ( بصعوبة ) أبعدوا هذا الشيء عن صدر أمي ، أريد أن أرضع .
- ستار –
تركيا / سامسون
26/10/2018
للتواصل مع الكاتب: