مقالات ودراسات

الناقدة د. ياسمين فراج تكتب: “إس كوارك” فناء البشرية على موسيقى الجسد والآلات!


 المسرح نيوز ـ القاهرة ـ مقالات ودراسات |د. ياسمين فراج*

ناقدة وأكاديمية مصرية

ـ

يتصادف في هذه الدورة المميزة من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبيأن يكون المحور الرئيسي لمؤتمر المهرجان بعنوان “فلسفات الجسد” ، وأن يُعرض في نفس هذه الدورة عرض موسيقي حركي من دولة روسيا هو “إس كوارك” من تأليف الموسيقي ستاس نامين ، وتصميم رقصات إيكاترينا غوريتشافا ، وإخراجهما معاً ، والذي يُعد نموذجا تطبيقياً لموضوع فلسفات الجسد. إذ يوظف هذا العرض الجسد البشري ليكون آلة موسيقية إلى جانب كونه آداة تعبيرية ، وهنا وجدت أنه من الضروري إلقاء الضوء على موسيقى الجسد البشري من خلال هذا العرض .

طرح العرض فكرة فناء البشرية من خلال ثلاثة أنماط هي : الحروب المسلحة بين البشر ، الشذوذ الجنسي ، والكوارث الطبيعية بآداء راقص درامي على موسيقى سيمفونية بعنوان “سنتوريا” والتي تعني التنبؤ من تأليف ستاس نامين وساهم في تنسيق الأداء الغنائي البشري مع موسيقى السيمفونية ألكسندر سليزونوجوف ، فوجدنا أصوات الفرقة الراقصة تؤدي اللحن الميلودي ، واللحن البوليفوني ، والتآلفات الهارمونية.

  • تنويعات موسيقى الجسد في العرض :

يمكننا تعريف موسيقى الجسد بأنها: تلك الأصوات التي يمكن أن يصدرها الجسد البشري سواء من خلال أعضاءه الداخلية مثل الأصوات المنغمة التي تصدرها الحنجرة والأحبال الصوتية ، أو تلك الذي يمكن أن يصدرها الجسد البشري من خلال ملامسة أو قرع أعضائه الخارجية ببعضها البعض مثل التصفيق أو قرع اليدين على الفخذين أو غيرهما. أو قرع وملامسة أحد أعضاء الجسم البشري الخارجية لجسم مادي آخر خارجي أيً كانت مادته المصنوع منها مثل نقر اليدين على الطبول أو على الأرض أو ملامستها الآلات الموسيقية.

وفي عرض “إس كوارك” أُستخدمت موسيقى الجسد بأكثر من شكل كالتالي: موسيقى الجسد النابعة من الأعضاء الداخلية متمثلة في غناء أعضاء الفرقة بأكثر من أسلوب موسيقي ، أحيانا تغني النساء ميلودي واحد بمقاطع الحروف المتحركة اللاتينية كما ظهر في المشهد السابق على ظهور الفتاة التي تمثل الطبيعة (مشهد الفتاة التي ترتدي على وسطها قماشا خفيفا يحركه أعضاء الفرقة ليوحي بتموجات النهر أو البحر) . وأحيانا أستخدمت أصوات أعضاء الفرقة في بناء تآلفات نغمية تدعم قفلات الجمل الموسيقية التي تبثها السماعات للسيمفونية. وأحياناً ثالثة ظهرت الأصوات البشرية الإيماية التي تدل على حالات إنفعالية بشرية بعينها مثل: أصوات الشبق ، أصوات الإستغاثة ، أصوات البكاء والنحيب والصراخ والتي تكثفت في مشهد ختام العرض .

 

مشهد الحرب الذي يحمل فيه أعضاء الفرقة دروع على أشكال دائرية ومثلثة ظهر فيه النوع الثاني من موسيقى الجسد حيث وجدنا أعضاء الفرقة يقومون بقرع الدروع الخشبية التي يحملونها لعمل إيقاعات توحي بحالات إنفعالية متنوعة بدأت بنقرة واحدة قوية توحي بقوة هذا الفيلق ، ثم نقرات أخرى لها بنية إيقاعية منتظمة توحي الإنتصار. كما ظهر في نفس المشهد راقص يحمل رشاشاً يخرج منه دخانا توحي بالطلقات النارية القاتلة للبشرية ، فقد كانت تلك الأصوات الصادرة من هذه الآلة لها بنية إيقاعية منتظمة هي: وهذا يدل على أن العرض تم تصميمه بحسابات موسيقية دقيقة .

  • البوليفونية والكانون في الحركة والغناء :ٍ

ظهرت البوليفونية في موسيقى السيمفونية كما هو الحال في الآداء الغنائي الحيّ على خشبة المسرح الذي وصل في بعض المشاهد إلى تداخل أربعة أصوات مع بعضها البعض بإنضباط صوتي مُحكم ، أحيانا كانت هذه الأصوات تُعبرعن معنى لغوي ما من خلال الكلمات الروسية التي يغنيها أعضاء الفرقة ، وأحيانا أخرى كانت أصواتاً مجردة لدعم المشهد التمثيلي الراقص وإكسابه حيوية.

في المقابل نجد أن هذه البوليفونية ظهرت في الآداء الحركي التمثيلي فعلى سبيل المثال في الدقيقة الثالثة من العرض تقريبا يظهر مشهد تمثيلي بين رجلين يقتتلان بينما المجموعة تقوم بآداء حركي مخالف لهما.كذلك في المشهد التالي مباشرة على مشهد الحرب حيث نجد رقة منفردة لواحدة من بطلات العرض في مقابل تشكيل حركي راقص للمجموعة.

من ناحية أخرى نجد أن أسلوب الكانون (التتابع اللحني و الحركي) ظهر في العرض ، كما في المشهد اللاحق على مشهد الحرب والذي يظهر فيه تشكيل حركي على شكل هرمي في قمته إمرأة ، نجد أن هذا المشهد إعتمد بأكمله على أسلوب الكانون من حيث الحركة التي تبدأ بها المرأة التي في أعلى قمة الشكل الهرمي ويتبعها جميع أعضاء الفرقة بآداء نفس الآداء الحركي الذي يشبه موجة تسري في الجسد بشكل مستعرض تتابعياً ، أي قبل أن ينهي أحد أعضاء الفرقة حركة التموج الجسدي يكون الأخر قد بدأها بمدة زمنية محسوبة.في نهاية هذا المشهد نسمع الكانون الصوتي متجليا في غناء أعضاء الفرقة من ناحية ومع موسيقى السيمفونية من ناحية أخرى.

وبالرغم من بداية سيمفونية (سنتوريا) التي بُنيَ عليها عرض (إس كوارك) بداية قوية من جميع آلات الأوركسترا السيمفوني إلا أن نهايته كانت على عكس ذلك ، فقد إختار المؤلف الموسيقي أن يختتم مؤلفته بعزف منفرد من آلة الفيولين القريبة لتكون معادلا موضوعياً للجنس البشري (لأنها أقرب الآلات للصوت البشري) في مشهد بصري يعبر من خلاله عن محاولة ميلاد للجنس البشري من جديد ، ولكن تنهار هذه المحاولة مع سقوط الراقصة أرضاً على صوت آلة من آلات البركشن ذات الصوت الهش.

ـــــــــــــــــــــ

نشرة التجريبي 2018

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock