الناقد مجدي الحمزاوي يكتب لـ ” المسرح نيوز” عن.. عروض مهرجان نوادي المسرح 2015.. (1) “إليكسيا .. والجيل السكندري الثالث”
مجدي الحمزاوي*
كاتب وناقد مسرحي مصري
ـ
من الطبيعي ألا تتوقف حركة المسرح السكندرى على أشخاص معينة . خاصة فيما يتعلق بالحركة الشبابية ومنها نوادي المسرح بالطيع . فإذا كان الجيل الأول من نوادي المسرح السكندري يضم أسماء مثل أيمن الخشاب . جمال ياقوت شريف الدسوقي .. الخ . كان طبيعيا ان يأتي الجيل الثاني بأسمائه مثل ريهام عبد الرازق . سامح عثمان . محمد مرسي . محمد الطايع .. الخ ..
وبداية من العام الماضي تقريبا كان هناك بزوغ للجيل الثالث . الذي حاول خاصة في العام الماضي أن يوفر الحالة الوسيطة بين حالة الرفض الشبابية التي تسود المجتمع ىالمصري من ثورة يناير الى الان . وبين ما الاتجاه الفني لما اعتبرونه أساتذتهم المباشرين وهم جيل الوسط أو الجيل الثاني .
لذا لم يكن غريبا مثلا ان تخرج في العام الماضي مسرحية ليلة القتلة . على سبيل المثال . لتبرهن على تلك الحالة الوسيطة . بين التمرد المتمثل في موت أو قتل السلطة الأبوية . وبين السير على نهج النصوص المسرحية المتماسكة التي تلمح لها عناصرها الدرامية ومدرستها الفنية بدون إرهاق.
وكانت هناك اإرهاصات في تفشي الحالة الرافضة متزاوجة مع الحالة التي تؤكد على الفردية في الطرح . ومن ثم التواجد حتى وان كان فيما يبدو لنا أن الطرح عاما , وأن الشخصية المتواجدة أمامنا هي معادلا لقطاع عريض من البشر او حتى نصف المجتمع أن لم يكن كله . ولكنها أولا وأخيرا صوتا واحدا على خشبة المسرح.
فخرجت كمية من النصوص التي يغلب عليها السرد . والخروج من أسر الدرما التقليدية . من وجهة نظرهم .
ومي عبد الرازق تلك المخرجة التي تنتمني للجيل الثالث . ومفعمة بالحالة الشبابية العامة . حينما اختارت نص على عثمان لتقدمه هذا العام بنوادي المسرح . تحت اسم ( إليكسيا) . ذلك النص الذي هو أشبه بقصيد شعري غنائي يغلب عليه الصوت الواحد إلا فيما ندر. ذاك النص المحاط ببعض الالتباسات . كما أن التعامل الاخراجي معه جعل البعض يرغي ويزبد ويحاول ان يضعه في مالا يليق بالخطاب العام للعرض . من خلال تفسير بعض الإشارات المفردة . دون الربط بين الاشارة والسياق العام . والخروج بالعرض على أنه فقط صرخة ضد الذكورية العامة للمجتمع . من خلال بطلي العرض الكسيا / الفتاة . والرجل / الحبيب / الأب / المتصيد … ومع تعدد الحالات في شخصية الرجل التي ذكرناها . كانت المرأة وكأنها ملاك من السماء فقط! مع أن تعدد الحالة الذكورية . ربما كان يستلزم أن يقابله تعدد في الحالة الأنثوية . حتى ولو ليبين لنا القهر العام الذكوري على المرأة . ولكن اختفت الأم والأخت .. وجتى العاهرة من المشهد تماما . أي ان الخطاب الأحادي كان هو السائد لحالة واحدة ، مهما تباري البعض في إحالة تلك الأحادية للعمومية .
كان للإطار المرجعي السكندري وجوده وبشدة في هذا العرض من خلال النص والتناول الإخراجي . فتجربة عرض ( كلام في سري ) لريهام عبد الرازق كانت فيما يبدو ماثلة أمام على عثمان ومي عبد الرازق . حتى لو كان داخل إطار الوعي الضمني .
ولكن الفارق ان العرض الأول كان أكثر احترافية وخبرة من عرضنا . حتى لو كانت شخصياته كلهن نساء . ويقوم على مشاكل المراة التي أعيدت في اليسكيا . ألا أن كلام في سري أشار بكل وضوح أن المشكلة التي تعامي منها المرأة هي مشكلة الرجل أيضا . وأنه لو تحسنت الظروف أمام الرجل فطبيعي ان تتحسن أوضاع المرأة .
اشترك العرضان في الرجل وحاجة المرأة لوجوده في حياتها كان هو العامل الأول للمعاناة . ولكن في العرض الأول كان الرجل الموجه اليه الخطاب متواجد في صالة المسرح/ نحن/ جميعا . كما حالة التعددية التي كان عليها الرجل/ المجتمع. المرفوض يقابله حالة من التعددية للمرأة على خشبة المسرح متمثلا في عدد الشخصيات علاوة على الشخصيات اللائي يتمثلن وجودها.
اعتمدت مي عبد الرازق على حالة التصارع والتضاد بين الأبيض والأسود . كما أنها جعلت الكفة متكافئة عددا بين الفتيات والشباب الذين أحضرتهم كمجمعوعات لتكون مايشبه الديكور الحي أو تقوم ببعض التشكيلات التعبيرية التي تعبر عن حالة الشخصية من وجهة نظرها.
الرجل كان يغلب عليه اللون الأسود . والأشخاص الآخرون كانو يرتدون الأبيض والأسود بدرجات متفاوتة . إلا اليسكيا / الفتاة . فقد ارتدت الأبيض كاملا . ومهما تقول البعض إلا انها إشارة على خروج تلك الشخصية من الحالة البشرية العامة وجعلها ربما تكون مجرد فكرة أمام مجتمع. هذا من ناحية . من الناحية الأخرى المفترض ايضا ان تتعدد الوان ملابس الرجل مادام يأخذ أكثر من حالة . خاصة أن الكثير من تلك الحالات التي عليها الرجل . كان يدور في عقل اليكسيا / الفكرة . وليس من المعقول ان الحلم حتى لو أجهض فيما بعد . ساعة تخيله كانت بهذا اللون؟.
كما أن اللون الأسود لمجموعة الفتيات اللائي يغلب عليهمن الأبيض كان ممثلا في الجوارب الطويلة فقط . أي في تجميل السيقان العارية. فهل تقصد فعلا تلك الدلالة . أم أن الأمر جاء لمجرد ضرورة وجود الأسود وسعيا وراء الجمال الشكلي . خاصة فيما يتعلق بالفتيات؟ أعتقد أنها الثانية .
كما أن غلبة السعي وراء الشكل الجمالي . دون البحث عن وظيفته الدلالية . وهل هو متوافق مع ما نسعى اليهأو ربما يكو عائقا أو محولا عن مسار سريان الرسلالة التي نريدها. كانت كثيرة . صحيح ان مي عبد الرازق استغلت المجموعة في تكوين الديكور الحي كما قلت قبلا . إلا أن وجود العدد المتساوي للجنسين ربما يخرج بالأمر عن الرسالة قليلا . كما أنه في بعض الأوقات وسعيا وراء الشكل الجمالي كان يتم اللاصطفاف مناقضا . ففي الكثير من جالات الوجد والحب . كنا نرى شخصين من جنس واحد بجوار بعضهما . مع ان تلك الحالة حتى لو متخيلة كانت تقتضي كل شخصية وقريبنها معا . مادمنا في تلك الحالة على الأقل والعتكس صحيح . مع ملاحطة غياب حالة المواجهة عند اليسكيا ومحاولة تعويضها في بعض الأحيان عن طريق مواجهة المجموعة لبعضها.
كما أن الشمهد الافتتاحي والذي كان الهدق منه أساسا هو المواجهة بين الأبيض والأسود . استعلمت فيه الاضاءة بألوانها . مع أنني اعتقد ان الانارة فقط حتى لو كانت على يؤر معينة وتسمح بوجود بعض الزلال الرمادية . ربما يكون أكثر جدوى. كما ان استعانتها ببعض اللوحات المرسومة الموضعة على ستارة المنسرح الخلفية لا أدري ماهو الغرض منها سوى تحجيم وتحديد الدلالة . لأن تلك اللوحات لم يكن لها داع من وجهة نظري سوى ذلك . مع انها حاولت أن تكون اليسكيا أكثر من مجرد فتاة.
ولكني أيضا أعتقد وبشدة أن مي عبد الرازق قادمة برسوخ . وأنه كان لابد لها أن تخوض هذه التجربة ؟ حتى تستطيع الجلوس مستقبلا مغ المؤلف ومطالبته بأن يكون نص العرض أكثر موئامة للمسرح ولما تريد أن تقوله . وتعرف أيضا ان المضمون الجمالي في مطلوبا أكثر من الشكل الجمالي . وأن نصوص صراع الفكرة مع المجتمع , لا يمكن أن تقف في صف مجموعة دون أخرى . ومن الملاحظ أنها تتمتع بالخضية والرغبى في أن يكون لها دربها الخاص داخل النسق الأكبر وهو المسرح السكندري . وتجلى هذا في اختيارها لمجموعة مؤدين . ربما غالبيتهم ان لم يكن كلهم قد وقوفا معها على المسرح لأول مرة.
وأخيرا لست ضد أن تكون هناك سمة جيلية لها طريقتها ونصوصها وتعابيرها وقضاياها . مع ان عرض الليلة ماهو إلا أعادة للشكوى من وضع بعض النساء في المجتمع , ونظرة الرجل لهن . نعم قضية عامة . عابها التناول الأحادي . دون البحث عن لماذا يسير الرجل هكذا . وتصوير المرأة بأنها ملاز وملاك فقط . مع ان الشياطين من وجهة نظري تضم كلا من الجنسين.