حصريا.. الكاتب السوري أحمد اسماعيل اسماعيل يكتب: سلسلة “مملكة المسرح”.. (13) ـ الكوميديا والتراجيديا ـ الكوميديا الضحك بسبب.. فن وأدب
المسرح نيوز ـ القاهرة| مسرح طفل
ـ
بقلم الكاتب السوري: أحمد اسماعيل اسماعيل
الكوميديا والتراجيديا
الكوميديا
الضحك بسبب.. فن وأدب
من منا شاهد حيواناً يضحكُ؟
أو رأى شجرة أو وردة تبتسم، أو مرَّ بنهر أو جبل يقهقه؟
لا يضحك سوى الإنسان، لأن الضحك صفة من صفات الكائنات العاقلة، وحاجة ضرورية من حاجاته، مثل الأكل والنوم والبكاء.. وكما أن العاقل لا يحقْقُ حاجاته إلا وفق ضوابط وأصول لائقة ومناسبة، كأن لا يسدَّ جوعه بالإقبال على الطعام بشراهة مثلاً، كذلك فهو لا يضحك إلا إذا كان ثَمَّ موضوع الضحك، طرفة كانت أم موقفاً أم سلوكاً، ظريفاً ومقنعاً، ويوجه سخريته للمسيئين والأشرار فقط، لا للبسطاء أو أصحاب العاهات الجسدية. وإذا كان الالتزام بهذا التوجه في الحياة دليل وعي وأدب، فإن التقيد والارتقاء به في المسرح شرطٌ أساسي.
ينشأ الضحك عادة عن أسباب عديدة، منها التناقض أو عدم التناسب بين شيئين؛ فكرتين أو شخصين أو صفتين، أحدُهما مألوف ومقبول والآخر شاذٌ، وقد لجأ المسرح إلى أسلوب الإضحاك منذ انطلاقته المعروفة في اليونان القديمة، ووظَّفه في معالجة قضايا حياتية واقعية بشكل فني عرف باسم (الكوميديا) والاسم مشتق من اسم عيد يوناني قديم هو عيد (كوموس) الذي كان الاحتفال فيه جملةً من نكات ومحاورات ساخرة وحركات تهريجية.
بدأت الكوميديا فنياً، في اليونان القديمة، على يد الشاعر (أبيكارم) وقد اتخذت شكلها الفني المسرحي الحقيقي على يد عميد الكوميديا الشاعر اليوناني (أرستوفانيس)، ومنذ ذلك الوقت، وعلى مدى خمسة وعشرين قرناً، لم تثبت الكوميديا على حال واحدة، أو نمط واحد، بل تبدلت وتغيرت باختلاف البيئة، وتغير الأزمان، فما كان يبعث على الضحك في المسرح والحياة في زمن مضى لم يعد يثير ضحك ابن هذا الزمن، وما يبعث ضحك الصيني قد لا يثير إلا القليل من ابتسام العربي أو التركي، أو غيرهما مثلاً.
ولإثارة ضحك المتفرج استخدم المسرحيون وسائط إضحاك عديدة، تتوزع على نوعين: نوع إيجابي يعتمد على المفارقة في السلوك أو العقلية أو الموقف، بقصد الكشف عن العيوب ونقدها وتصحيحها. ونوع سلبي يكون مبعث الضحك فيه الصفات الجسدية من عيب خلقي، أو تلاعب وتشويه في استخدام الكلام، أو الإكثار من الحركات التهريجية.. ووسائل أخرى مماثلة، غيرِ لائقة ولا فنية، وما العروض المسرحية الموجهة للأطفال التي تستخدم هذا النوع من وسائط الإضحاك، إلا انحرافاً عن أصول هذا الفن، وإساءة لوعي جمهور الأطفال وروحهم، وسخرية منهم، وسرقة لنقودهم، لأن الضحك في المسرح ليس مجرد تسلية ولهو ساذجين، بل كوميديا راقية، تصحح الأخطاء وتعلّم وترتقي بالذوق والآداب العامة. هذا إلى جانب فوائدها النفسية والعقلية وحتى الجسدية.