حصريا.. الكاتب السوري أحمد اسماعيل اسماعيل يكتب: سلسلة “مملكة المسرح”.. (6) متى.. وأين؟..الزمان والمكان في المسرحية
المسرح نيوز ـ القاهرة مسرح طفل
ـ
متى.. وأين؟؟
الزمان والمكان في المسرحية
هل يمكن تصورُ حياتنا نحن البشر بلا زمن ومكان؟ أي بلا ليل ونهار، أو يوم وشهر ودقيقة؟ وبلا بيت وغرفة، أو مدينة وقرية وشارع؟
– طبعاً لا.
في المسرح الذي هو محاكاة للحياة يستحيل أيضاً تصوُّرُ ذلك.
فحين يشير الكاتب إلى الزمن ضمن إرشاداته بالقول: الوقت صباح، أو الوقت قبيل الغروب مثلاً، فإنه لا يكون القصد من ذلك تحديد الوقت أو الزمن وكفى، بل ليمارس هذا العنصر تأثيره في أحداث وشخصيات المسرحية، وهو دور فاعل وأساسي في البِناء المسرحيِّ.
فالحدث الذي يقع في أول الليل يختلف تأثيره ومعناه وربما نتيجته عن وقوعه هو نفسه في وضح النهار، والسير أو اللعب أو حتى نداء شخص مثلاً في منتصف الليل يختلف عنه في وقت الصباح أو قبيل الغروب.
والزمن داخل النص يختلف عن الزمن الطبيعي من حيث هو زمن مرتبط بالحدث والمكان بقوة، فالكاتب يطيل اليوم ليصبح شهراً، ويقصر السنة لتصبح أياماً، ويقدم ويؤخر ويحذف من السنوات بما يخدم أهداف المسرحية ويحافظ على التشويق، وهو في كل ذلك يستخدم أساليب فنية عديدة منها: العودة إلى الخلف أو الخطف خلفاً (الفلاش باك)، أو التنبؤ والتبصر بأحداث قادمة (الاستشراف)، وللدلالة على مرور الزمن يُقسم إلى مقاطع ومشاهد وفصول، كما تُعتمد تقنيات وأساليب أخرى مختلفة.
أما المكان الذي هو في الحياة الطبيعية موضع ثابت ومستقر وله حجم معين ومساحة محددة، فإنه يختلف في المسرح مثل الزمن، ويكون للخيال رئيسي وأساسي فيه، وذلك رغم أنه قد يكون مرتبطاً بمكان واقعي موجود في الحياة. ولا يقل دور المكان أهمية عن دور الزمن من ناحية التأثير على مجرى الأحداث، وطبيعة العلاقات بين الشخصيات وعلى مصائرها، فحين يرسم الكاتب المكان ضمن إرشاداته بدقة وهندسة بارعة قريبة الشبه بما هو واقعي وطبيعي، لا يكتفي بالوصف فقط، بل يتعداه إلى منح هذا المكان فاعلية، تضفي على الحدث والفعل الجاري فيه الشيء الكثير من طابعه وخصوصيته، بل كثيراً ما تتحدد طبيعة هذا الحدث أو الفعل بما يناسب طبيعة المكان، من بناء وموقع وطراز، ومن علاقة الشخصيات به، فاللعِبُ في الشارع يختلف كثيراً من جميع النواحي عن اللعب في ملعب، وسلوك الشخصيات أو لباسهم على شاطئ البحر يختلف عنه في باحة المدرسة أو في المعبد مثلاً.
والمكان في المسرحية يصبح حميمياً، أو بغيضاً، أو مخيفاً، من خلال طريقة وأسلوب ربط الكاتب بينه وبين الشخصيات والزمن، ولذلك من الضروري للكاتب أن يُحسن ربط الحوادث والشخصيات والزمن بالمكان، كي يصبح نابضاً بالحركة والحياة.
ويعتبر هذان العنصران إضافة إلى الشخصية الأعِمدَةَ التي يقوم عليها بناء كل مسرحية أو نص إبداعي آخر.