مقالات ودراسات
دكتور جبار خماط يكتب حصريا لـ “المسرح نيوز ” عن.. ضرورة الفنان الفيلسوف
المسرح نيوز ـ العراق | د. جبار خماط*
*مخرج وممثل وناقد مسرحي
ومؤسس العيادة المسرحية
ـ
الفن علم تتحقق فيه إرادة الوجود الإنساني ، لأنه نسق جمالي ، يوازن ما بين ماضي الخبرة وحاضر التامل ومستقبل الابتكار ، هذا التوازن المدهش للزمان الثلاثي الابعاد ، يحققه الفن الجميل الذي لا يصل إليه إلا الفنانون الفلاسفة .إذ نجد ان التاريخ حفظ لنا اسماء محددة عبر تاريخ الانسان الطويل ، فالفنان مثل الفيلسوف ، يسعى الى ترميم الوجود ، سواء أكان بالجمال مثل ما يفغل الفنان ، او بالتفلسف الذي يتخذ اشكال ثلاثة ، وجود و معرفة وقيم .
فالوجود عقليا وتجريبيا وحدسيا ، تعرض له بالتحليل والتاويل ، الدين والفلسفة ، أما المعرفة فكانت من نصيب العلماء الذين يتخذون من التجربة برهانا لصنع التصديق بالنتائج ، اذاً يتطلب من الفلاسفة والعلماء التخارج بين الوعي والوجود بظواهره المتنوعة ، اما الفنان ،يكون فيلسوفا بصناعة وجود جديد ، يخرج من وجود عام ومتعدد ، وجود الفنان له حدود بنائية ، وله اشتغال مباشر وغير مباشر ، تبعا لمادة الانتاج التي تحولها من اشتعمالها اليومي ، الى صورة جديدة، يصنعها المبدع ، وهذا الامر يتطلب من الفنان قدرة خاصة على تحليل الوجود الخارجي ، واستخراج الصالح منه ، فنيا ، ثم تركيبه من جدبد على نحو وجود مفارق المالوف ، يصنع الدهشة ويجعل المتلقي متماهياً ، ومصدقاً .
إن ما يحدث قابل للتحقق والتداول والتاثير . لقد ابدع الفنانون طوال ازمنة متعددة ومتراكمة ، طبقات ابداعية ، شكلها وعي الباحثين ، في مدونات ارتدت تفسير ، تلك القدرات الخارقة لدى بعض الفنانين ، الذين اوجدوا لنا تراكما حضاريا ، يعيش ويترعرع في وعي الانسان ثقافيا ، إذا العلاقة طردية ما بين تطور الفنون وثقافة الشعوب ، كلما آمنت بجدوى الفنون ، وأثرها قي صناعة وعي يؤمن بالسلام والتعايش والتناغم المجتمعي ، كلما كان وعي الانسان ثلاثي الابعاد زمنيا ، ماض وحاضر ومستقبل ، فالفنانون الفلاسفة ، لا تموت اعمالهم او تبور ، بل تدخل في حقل الروائع.
إن الفنان الذي يعمل فكره الفني في حد زمني واحد ، يعيش أزمة الديمومة ، لان عمله سرعان ما يدخل سلة مهملات الذاكرة ، لانه عاطل عن التفاعل والتداخل مع التزمن الذي قانونه حركة الوعي الابداعي بين ما كان ، وما هو كائن ، وما ينبغي ان يكون ، عندما يمتلك الفنان تلك القدرة التركيبة لصناعة عمل فني إبداعي ، خرج من مصنع الوعي والتاريخ والمستقبل ، فانه يحمل في عناصره ، بذور التاثير والتفاعل الجمالي مع المتلقي ، الذي بدوره – المتلقي _ يكتسب معرفة علمية وجمالية وحسية في آن واحد ، لا تستطيع المعارف الاخرى إنتاجها ؛ وهنا يكون الفنان فيلسوفا حين ينتج عملاً فنيا ً، لا يخالط العادي ، بل يخرج منه الى معارج تصعد بوعي المتلقي نحو الجميل والجليل على حد سواء .