مقالات ودراسات

د. احمد محمد عبد الامير يكتب عن: سيموطيقيا الإيماءة ..


المسرح نيوز | د. احمد محمد عبد الامير*

باحث وفنان ايمائي

العراق ـ بابل

 ـ

لأجل التأسيس لأفق قراءاتي نقدي جمالي يتماشى وماهية مفهوم الإيماءة ، نبتدئها بإشارة سريعة إلى القراءة السيميائية .

الإيماءة كلغة أشارية لها معنى ما محدد وجزء أساسي من التواصل البشري . والايماءة بشكل عام بما في ذلك العفوية منها هي ليست إيماءات مفرغة من معنى ( مجردة ) وإن كان بعضها لا يعني شيئاً محدداً ، فالنفس ، وفق رأي ( مايكل كورباليس ) ، ملحقة هي الأخرى بالجسد وليس العكس .

يعرف علم الإيماءات بمعناه الواسع بأنه : علم يخص جميع القنوات غير اللفظية التي تصدر عن الجسم ، فالإيماءة هي حركة العين والنظرة ووضعية الجسد وحركاته المختلفة والمسافة بين المتحدثين ( المسافة المحيطة بالجسد وكيفية التصرف بها ) ، نغمة الصوت وسرعته ، وحتى مدة الصمت .. ومهما يفعل الإنسان سواء تحرك أم لم يتحرك صمت أم لا ، فإن هناك دوماً إشارات تصدر عنه والتي تهدف لإيصال رسالة ما وليس هناك حركة عشوائية ، إذ أنّ كل حركة تدل على شيء ما . لذا تُعَرَّف على أنها  “حركة وضعية لها دلالتها ومعناها ، إذ إنّ حركة إصبع صغير تؤدي إلى معنى معين ” . كما تعرف بأنها إشارة موجزة ، عادة ما تكون عرفية وغير مباشرة إلى شخص أو حادث أو وضع أو مكان
( له دلالة أدبية أو تاريخية ) يفترض أنه مألوف معروف ، ولكن أحياناً يكون غامضاً وغير معروف من جانب المشاهد .

أكد ( شارلز بيرس ) أن العلامة ، كيان ثلاثي المبنى يتكون من ( المصور ، المفسرة الموضوع ) . وميز بين نوعين من الموضوعات : الأول هو الموضوع ( الديناميكي ) وهو الشيء في عالم الموجودات الذي تحيل إليه العلامة وتمثله ، الثاني : هو الموضوع المباشر ، ويشكل جزءاً من أجزاء العلامة وعنصراً مكوناً لها .

المصورة هي شيء ما لشخص ما عن شيء ما من وجهة نظر ما وبصفة ما ، فهي تتوجه لشخص ما ، أي أنها تخلق في ذهن المشاهد علامة أما أن تكون معادلة للأولى أو أكثر تطوراً ، وهذه العلامة تنوب عن شيء ما وهو موضوعها وهي لا تتوب عنه نيابة كلية بل الرجوع إلى نوع من الفكرة والتي سميت بركيزة المصورة .

يشير ( بيرس ) إلى أن العلامة إذا كانت متباينة مع موضوعها ، فيجب أن يكون هناك في الفكر سياقاً يوضح كيف يتم ذلك . وعندها تكون العلامة مع التفسير علامة أخرى والتي غالباً ما تحتاج إلى تفسير إضافي ، وعندما يؤخذ التفسير الأخير مع العلامة الموسعة سيكون بدور علامة أكثر اتساعاً ، وهذا استطراد حتى نصل إلى علامة تفسر نفسها بنفسها أي تحوي على تفسير ذاتها وكل أجزائها الدالة ، فالعلامة تصور الموضوع وتخبر عنه ، بمعنى أن العلامة تفترض معرفة قبلية بالموضوع لتقوم بتوصيل معلومات إضافية .

جعل ( بيرس ) للعلامة كياناً ثلاثي الأبعاد يخضع بالتالي إلى نوعين من الموضوعات، يسمح الأول بتفعيل آليات التأويل من خلال الدينامية التي يمتلكها ، ذلك أنه مرجع العلامة التي تحاول أن تدلل عليه أو تمثله . لذا يستنتج الباحث أن ظهور الإيماءة كعلامة من علامات البيئة الثقافية لهذا المجتمع أو ذاك جعل العلامة متغيرة المظهر ثابت المعنى توحي به أكثر مما تشير إليه مباشرة . وهو ما يرفع من قدرات متلقي العمل الإدراكية كما يدفعه إلى مراجعة أرشيفه المعرفي في استخدامه للمعنى الأقرب لما توحي به الإيماءة . أما النوع الثاني فهو الموضوع المباشر الذي يدخل في تشكل العلامة ( أي تشكل الإيماءة أدائياً ) ، وهذا التشكل يحيل إلى الموضوع الذي تطرحه الإيماءة مباشرة . مع ملاحظة أن هذا الطرح المباشر لا يقلل من فاعلية الإدراك ، بل أنه يشكل لبنى أساس في مستويات قراءاتية لاحقة لبنية الإيماءة .

إن التصنيف الثلاثي الذي قدمه ( شارلز بيرس ) والذي يحدد أنواع العلامات في منطلق العلاقة القائمة بين ( الدال والمدلول ) ، يصنّف إلى :

  1. العلامة الأيقونية : وهي العلامة ( الإيماءة ) تكون العلاقة بين العلامة والموضوع علاقة تشابه ، وهي علامة معللة وواضحة وليست اعتباطية ، مثل علامة الموافقة بنعم ، من خلال إيماءة الرأس إلى الأمام والخلف ، وكذلك أن الأيقونة تكون أكثر فاعلية عندما يكون الشبه بين الدال والمدلول تشابهاً غير متطابق بصورة تامة . وقد قسم ( بيرس) الأيقونة إلى ثلاثة أنواع هي : ( المصورة ، الرسم البياني ، الاستعارة ) ، تتمثل المصورة في بعض الأشكال المسرحية التي تسمى إجمالاً بالعروض أو التمثلات الإيهامية ، والتي تدفع المشاهد الى إدراك العرض على أنه صورة مباشرة للعالم الدرامي ، وفي الشكل البياني والاستعارة هناك صورة وتصوير ، ولكن لا يوجد تشابه بنائي عام بين العلامة والشيء ، وهكذا يمكن للتمثيل الصامت ( الإيمائي ) أن يتضمن أو يحاكي ( شكل المائدة ) مثلاً ( الرسم البياني ) ، إذ يرسم المشاهد خطوطاً بيانية للشكل ، وقد تصبح خشبة المسرح ساحة قتال أو قصّر ( استعارة ) . وهكذا يمكن القول أن أي شيء يسمح للمشاهد أن يتصور صورة ، أو تمثيلاً للشيء الممثل يحقق وظيفة أيقونية .
  2. العلامة الإشارة : وهي العلامة ( الإيماءة ) التي تكون فيها العلاقة بين الدال والموضوع علاقة سببية منطقية ، ويمكن عدّ جميع جوانب العرض المسرحي ( علامة ) بمعنى ما بسبب اتساع نطاق مساحة المؤثرات ، ففي مسرحية لعب ( Play ) لـ( صاموئيل بكيت ) لا يستخدم الكشاف المركز ( Sport Light ) للإشارة إلى منشد كل مونولوج بطريقة تشبه الإيماءة المثيرة ، بل لتحفيز كل متكلم ودفعه للكلام ، وهنا تكون الوظيفة العامة هي ما يطلق عليه ( بيرس ) ( تركيز الاهتمام ) .
  3. العلامة الرمزية : وهي العلامة ( الإيماءة ) التي تكون فيها العلاقة بين الدال والموضوع علاقة عرفية محض ، أو غير معللة ، والعرض المسرحي بمفهومه الواسع هو عرض رمزي في جملته .

المصادر والمراجع :

عبد الله ابراهيم ، واخرون : ( معرفة الاخر) .

امبرتو ايكو: (  السيمياء وفلسفة اللغة ) .

شاكر عبد الحميد : (عصر الصورة ، السلبيات والإيجابيات ) .

عزام البزاز ، وآخر : ( أسس التصميم الفني ) .

منى غريب : ( مقال : معنى الايماءة ) .

إبراهيم فتحي: ( معجم المصطلحات الأدبية ) .

الصورة :

صورة لعرض ايمائي من اداء واخراج ( د. احمد محمد ) في مهرجان دربندخان الدولي لمسرح الشارع 2010 م .

*

باحث وفنان ايمائي

العراق / بابل

فرقة دمى للتمثيل الصامت وخيال الظل


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock