مقالات ودراسات

د. علي خليفة يكتب عن.. صورة الشاعر في مسرح صلاح عبد الصبور


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

د. علي خليفة: أكاديمي مصري

 

كثير من كتاب المسرح اهتموا بعرض المبدع في مسرحياتهم، وغالبًا كنّا نرى تعاطفًا منهم في تعاملهم مع هذه الشخصية؛ لأنهم يَرَوْن فيه انعكاسًا لأنفسهم، وهناك من عرض منهم بعض القضايا التي تتعلق بالإبداع وموقف المبدع منها، كما نرى في مسرحية “عندما نبعث نحن الموتى” لإبسن، ومسرحية “جرائم وجرائم” لاسترندبرج، ومسرحية “كانديدا لبرنارد شو”، ومسرحية “جوليا والمثال” لبيرانديللو.
وفي المسرح الحديث نرى كتاب المسرح أكثر اهتمامًا – ممن سبقهم من كتاب المسرح في العصور السابقة – بشخصية المبدع، وتصوير حياته، وأثر علاقاته بمن حوله على إبداعه، وموقفه من إبداعه وإبداع الآخرين.
وشخصية الشاعر لاقت اهتمامًا من قبل كثير من كتاب المسرح، على أنه من أهم المبدعين، فنرى برنارد شو يجعله شخصية رئيسة في مسرحية “كانديدا”، وأيضًا نرى بوجين أونيل عرضه في عدة مسرحيات له، وأظهره شخصًا ضعيفًا مهزومًا، كما نرى في مسرحية “لوثة الشاعر” ومسرحية “بعد الإفطار” ومسرحية “ما وراء الأفق”، ومسرحية “الينبوع”، في حين بدا الشاعر شخصية فاعلة مؤثرة في مسرحية “جرنجوار” لبانفيل، ومسرحيات أخرى.
وفي عالمنا العربي نرى أن كثيرًا من كتاب المسرح الشعري جعلوا بعض أبطال مسرحياتهم من الشعراء؛ وذلك حتى يكون حديثهم باللغة الشاعرية فيها له ما يبرره، وأيضًا فعلوا ذلك لتكون عقولهم مسرحًا لصراع في مواجهة المصاعب التي يتعرضون لها ويواجهونها بالكلمة وحدها أو بالفعل والحركة، ونرى ذلك الصراع في مسرحية “مأساة الحلاج” ومسرحية “ليلى والمجنون” لصلاح عبد الصبور، ومسرحية “الوزير العاشق” لفاروق جويدة، ومسرحية “الفتى مهران” لعبد الرحمن الشرقاوي.
ونرى شخصية الشاعر حاضرة في أربع مسرحيات من خمس كتبها صلاح عبد الصبور – والمسرحية الوحيدة التي لا وجود لشخصية الشاعر فيها من بين مسرحياته هي مسرحية “مسافر ليل” – فنراه في مسرحية “مأساة الحلاج”، وهو فيها الحلاج نفسه، فقد كان صوفيًّا شاعرًا، والمسرحية تعرض في جانب منها لحيرته بين أن يكتفي بالكلمة ممثلة في شعره أو أن يتحرك للثورة ويقود غيره لها على أوضاع يراها فاسدة، وأيضًا نرى عنده صراعا آخر بين أن يعيش مع مواجده الصوفية ويعتزل الناس أو أن ينزل إليهم في أسواقهم ويقودهم للثورة، ويظل مترددا في هذين الصراعين.
وبطل مسرحية “ليلى والمجنون” سعيد شاعر، ولكنه شخص أصابه ماضيه البائس بعقد نقص، فصار منهزمًا لا يستطيع أن يفعل شيئًا سوى الكلام؛ ولهذا تتركه حبيبته ليلى لحبيبها السابق الانتهازي حسام؛ لأن سعيدًا غير قادر على ترك ماضيه، ويكتفي بأن ينتظر القادم في المستقبل الذي يحمل سيفًا لا قلمًا.
وفي مسرحية “بعد أن يموت الملك” نرى الشاعر فيها شخصًا ضعيفًا مستسلما لملك باطش، ولكنه بعد أن يموت الملك فجأة بلا مقدمات يتحول لشخص يمتلك القدرة على الفعل، وليس مجرد الكلام والشعر، فيقتل الجلاد الذي جاء لقتله، ويمكن الملكة وابنه منها من الوصول للقصر واعتلاء الحكم، وذلك في أحد الحلول الثلاثة التي اقترحها المؤلف لنهاية مسرحيته بعد موت الملك.
وأخيرًا نرى الشاعر في مسرحية “الأميرة تنتظر” يمزج بين الشعر والفعل، فهو يأتي للأميرة في الكوخ الذي عزلت نفسها فيه بعد أن اغتصب السمندل ملك أبيها منها، وكان قد احتال على جسدها وعقلها، وقبيل أن تخضع الأميرة لإغراءات السمندل لها لتصحبه للقصر عسى أن يعود له خضوع الجند المتمردين عليه – يقتله ذلك الشاعر، ويقول عند ذلك: إنه قد تمت أغنيته، ثم يستدرك ويقول: إنه بقيت شذرات منها لم تستكمل بعد، وخلال هذه الشذرات ينصح الأميرة بألا تسلم جسدها لأحد بعد ذلك يحاول خداعها، وينصحها أيضًا بأن تكون سيدة وأميرة، وأن تنسى جراح الماضي، وأن تستعد للمستقل مستفيدة من تجربة الماضي.
وهكذا نرى للشاعر حضورًا قويًّا في مسرح صلاح عبد الصبور، وهو له دور رئيس بها، وتكون نفسه محورًا لصراعات داخلية في بعضها، كما رأينا في شخصية الحلاج في مسرحية “مأساة الحلاج”، وشخصية سعيد في مسرحية “ليلى والمجنون”، وهو أحيانًا منهزم كما رأيناه في مسرحية “ليلى والمجنون”، وغالبا نراه قادرًا على الفعل مع قول الشعر، ونراه عند ذلك ثائرًا، كما رأيناه في مسرحية “مأساة الحلاج” ومسرحية “بعد أن يموت الملك” ومسرحية “الأميرة تنتظر”.
ولا شك أن وجود شخصية الشاعر في أربع مسرحيات لصلاح عبد الصبور من خمس كتبها يدل على أنه كان يرى في هذه الشخصية قربًا من نفسه، فهو شاعر بالأساس، وكان من خلاله يعبر عن الصراعات التي تعتمل في نفسه هو، ووجود شخصية الشاعر في مسرح صلاح عبد الصبور بهذا الحضور القوي جعله يفسح في بعضها لبعض المونولوجات الطويلة على لسان الشاعر فيها، كما رأينا الحلاج في نهاية مسرحية “مأساة الحلاج” يقول مونولوجًا طويلاً يتحدث فيه عن نشأته وجوانب من حياته، وكان هذا استطرادًا في المسرحية، وأيضًا رأينا في مسرحية “ليلى والمجنون” سعيدًا يقول قصيدة طويلة عن يوميات شاعر يحمل قلمًا ينتظر آخر يحمل سيفًا.
وبالطبع المسرح الشعري لا يحتمل هذه المونولوجات لا سيما إذا كانت علاقتها بالبناء الدرامي في المسرحيات التي قيلت بها ضعيفة، ولكن وجود شخصيات شعراء بهذه المسرحيات أغرى عبد الصبور – كما رأينا – بذكر هذه القصائد أو المونولوجات الطويلة التي بطأت الحركة بها.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock