د. علي خليفة يكتب عن مسرحية “الشيطان في خطر” لتوفيق الحكيم

المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

د. علي خليفة

 

الطريف والغريب في هذه المسرحية أن الشيطان يأتي في الليل لفيلسوف عاكف على القراءة والكتابة في حجرة مكتبه، لا ليوسوس له، ولكن ليجد له حلا من الحرب التي يتوقع حدوثها بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، ويندهش الفيلسوف من هذا الطلب من الشيطان؛ ولذلك قال له: المفروض أنك أنت الذي توسوس لبعض قادة الدول الكبرى بإشعال هذه الحرب، ولكنك تريد الآن أن تبحث عن حل لعدم قيام هذه الحرب! فكيف يكون ذلك؟!
وهنا يوضح الشيطان لذلك الفيلسوف أنه بريء من وسوسة هؤلاء القادة للدول العظمى بالحرب؛ لأنه يعلم أن الحرب القادمة ستقضي على الحياة في الأرض، وستؤذن بقيام الساعة، وتخليده في النار؛ ولذلك فهو يبحث عن سبل إيقافها وليس إشعالها، ولأن عقله لم يصل به لحل لإيقاف قيامها فلهذا جاء لهذا الفيلسوف.
ويقتنع الفيلسوف بكلام الشيطان، ويطلب إليه أن يقدم له المقابل لتفكيره الذي سيبحث له من خلاله عن سبل إيقاف هذه الحرب العالمية الثالثة المرتقبة، ويعلل حقه في ذلك المقابل بأن العلماء الذين يخترعون قنابل ومدافع هذه الحروب يكافئون على أعمالهم بسخاء، فكذلك لا بد أن يكافأ دعاة السلام، والساعون إليه، والمفكرون في سبل تحققه بين كل شعوب العالم.
وخلال هذه الحديث بين الشيطان والفيلسوف تدخل زوجة الفيلسوف عليهما، ولكنها لا تتمكن من رؤية الشيطان ولا سماع صوته، وتندفع بالهجوم على زوجها الفيلسوف؛ لأنه يبالغ في سهره، وينير مصباح حجرته؛ مما يؤدي لزيادة المبلغ الذي يدفع في فاتورة الكهرباء.
وينظر الفيلسوف للشيطان على اعتبار أنه هو الذي يوسوس لزوجته بهجومها عليه، فيعرفه أنه بريء من هذه التهمة أيضا، وتثور زوجة الفيلسوف عليه حين يحاول الاعتراض على رفضها لسهره وإشعال مصباح حجرة مكتبه، وترد عليه في حدة وتقول له: إنها هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في هذا البيت، وتمسك محبرة كانت موضوعة على مكتبه، وتهدده بأنها ستفرغ كل الحبر الذي فيها عليه وعلى كتبه وكراريسه ما لم يقر أنها هي صاحبة الأمر والنهي في هذا البيت، وهنا يتحرك الشيطان لينصرف، فيقول له الفيلسوف: هل ستنصرف قبل أن أعرض عليك فكرتي التي ستوقف هذه الحرب؟ فيرد عليه الشيطان ساخرا: بالطبع أنصرف قبل أن تفجر زوجتك قنبلة الحبر التي تمسكها، وأصاب معك بالحبر الذي فيها، وكأن الشيطان يقول للفيلسوف بسخرية: ما دمت عاجزا عن أن تحل مشاكلك مع زوجتك، فكيف لك أن تحل مشاكل العالم؟!
وكما نرى فهذه المسرحية فيها عدة مفارقات ساخرة تثير الضحك، ومنها أن هناك بعض قادة للدول العظمى هم أكثر شرا من الشيطان، وأيضا من المفارقات في هذه المسرحية أننا نرى الشيطان لا يسعى للشر والوقيعة، بل انه يبحث عن حل لإيقاف قيام حرب عالمية ثالثة ستؤدي لنهاية الحياة على الأرض، ولقيام الساعة، ولتخليده في النار، وكذلك نرى المفارقة في أن الفيلسوف الذي يستغيث به الشيطان إذا به محاصر بزوجته سليطة اللسان التي تخضعه لسيطرتها، ولا يستطيع أن يبدي أي مقاومة معها.
وملحوظة أخيرة أذكرها عن هذه المسرحية القصيرة أن توفيق الحكيم كان قد كتبها سنة ١٩٥١ في وقت كان العالم ما زال مشتعلا بالخلافات بين بعض الدول العظمى، وكان يتوقع أن تنفجر هذه الخلافات عن حدوث حرب عالمية ثالثة، ولا شك أن آثارها كانت ستدمر الأرض، وتقضي على أمان الناس في عيشهم فيها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock