مقالات ودراسات

د. علي خليفة يكتب عن مسرحية بيت آلِ روزمر.. لهنريك إبسن


المسرح نيوز ـ القاهرة | مقالات ودراسات

ـ

مسرحية بيت آلِ روزمر
لهنريك إبسن

تنتمي هذه المسرحية للمرحلة المهمة في حياة إبسن في كتابته للمسرح، وقد كتب فيها مسرحياته الواقعية الاجتماعية التي ينتقد فيها بعض العادات والتقاليد التي يرى أنها من أسباب تأخر المجتمع النرويجي بشكل خاص والمجتمع الأوروبي بشكل عام، في تلك الفترة التي كتب فيها تلك المسرحيات؛ أي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومن المسرحيات التي كتبها إبسن في هذه المرحلة الواقعية من مسرحه مسرحية بيت الدمية ومسرحية عدو الشعب ومسرحية البطة البرية ومسرحية جون جابريل بوركمان.

 

وفي هذه المسرحيات ينتقد إبسن بعض السياسات المحافظة والتقاليد التي لا يراها تواكب العصر الذي كتبت فيه، كما أنه يدعو فيها لمزيد من حرية المرأة، ويكشف في المقابل عن أنانية الرجل، وكذلك يكشف إبسن في هذه المسرحيات ما كان يسود المجتمع الغربي آنذاك من نفاق ورياء، وخوف من المجاهرة بالاتجاهات الحديثة في النظر للأمور.

 

ويصدق على هذه النوعية من المسرحيات – وعلى مسرحية بيت آلِ روزمر على وجه الخصوص – ما ذكره برنارد شو في كتابه جوهر الإبسنية من أن إبسن يعرض في الفصل الأول من مسرحياته هذه بداية العقدة، ويقدم للشخصيات، ويأتي الفصل الثاني بالعقدة، ثم بعد ذلك تأتي المناقشة، في حين كان كاتبو المسرحيات قبل إبسن يأتون بعد عرض العقدة بالحل.

 

والمناقشات كثيرة في مسرحيات إبسن سابقة الذكر، وهي تعرض وجهات النظر المختلفة في قضايا المجتمع التي يعرضها إبسن في هذه المسرحيات، ويبدي من خلال بعض الشخصيات فيها تأييده للآراء التي تدعو لإعادة النظر في كثير من العادات والتقاليد الموروثة التي لم تعد تناسب ذلك العصر -من وجهة نظره – كما أنه يكشف فيها رياء بعض الأشخاص الذين يظهرون تمسكهم ببعض العادات الموروثة لا لإيمانهم بها، ولكن لأنهم يجنون أرباحا من وراء ذلك.

 

ولا شك أن إبسن قد وجد هجوما مضادا من فئات في مجتمعه لجرأته في نقد مجتمعه في تلك المسرحيات، ولكنه لم يتراجع عن دعواته التحررية، وكان لكثير من دعواته هذه أن صارت بعد ذلك ثوابت في المجتمع الأوروبي بعد أن كانت تجد ميلادا صعبا في الوقت الذي دعا إبسن للعمل بها في بعض مسرحياته.

 

والحقيقة أن إبسن لديه مقدرة كبيرة في مسرحياته الواقعية في أن يجعل المناقشات فيها تسير مع الحركة الدرامية بها، فلا نشعر أن تلك النقاشات فيها تشكل وقفا لسير التصاعد الدرامي فيها، بل إن بعض هذه النقاشات تحمل من الحيوية ما يجعلها تتدفق بالحركة العميقة فيها، كما نرى في النقاش بين نورا وزوجها هيلمر في الفصل الأخير من مسرحية بيت الدمية، وكذلك نرى النقاشات الكثيرة في هذه المسرحية – أعني مسرحية بيت آل روزمر – مشحونة بالحركة التي تدفع المسرحية للأمام، وتعمق الصراع فيها، وفي الوقت نفسه تكشف عن أعماق الشخصيات فيها.

 

وأعتقد أيضا أن مسرحية بيت آلِ روزمر تتميز بوجود بعض الرموز فيها، وكذلك تتميز بالكشف عن أعماق بعض الشخصيات وما يعتمل فيها.

 

وتحكي مسرحية بيت آلِ روزمر عن هذا البيت الذي ورثه يوهانز روزمر عن أجداده ذوي الشرف والنبل والأخلاق الحميدة، وكان الناس ينظرون بالتقدير لهذا البيت ولمن يسكنونه، ولكن وريث آلِ روزمر، وهو يوهانز مر بأحداث غيرت تفكيره واتجاهاته، حتى إنه بعد أن كان قسيسا مبجلا صار ملحدا، وهو لا يكتفي بأن يعيش مع نفسه في هذا البيت بتلك المعتقدات الجديدة التي توصل لها – أو أغري عن طريق ريبيكا بقبولها والعمل بها – ولكنه يريد أن يعرف مجتمعه بتلك المعتقدات والأفكار التي تعتبر صادمة لمجتمعه في ذلك الوقت، لا سيما أنها تأتي من قِس سابق، ومن شخص ينتمي لبيت آلِ روزمر.

ويظن روزمر أن الأمر سهل في مواجهة المجتمع بأفكاره ومعتقداته الجديدة ، ويعرضها في البداية على كرول صديقه وشقيق زوجته الراحلة بيتا، ويظن أنه سيتفهم أمره، ويعذره فيما ارتآه لنفسه، ولكن كرول المحافظ يهاجمه، ويتوعده بمعركة شرسة في المجتمع إن لم يتراجع عن مواقفه أو على الأقل يكتفي بأن يبقيها في نفسه، ولا يصرح بها للناس.

ويرى روزمر – بعد مناوشات ضعيفة تنال منه لمعتقداته وأفكاره الجديدة – أنه بالفعل ليس الرجل الذي يستطيع مواجهة مجتمعه بأفكاره ومعتقداته الجديدة، ويستسلم في النهاية، ويقر لكرول بأنه بالفعل لا يستطيع أن يواجه المجتمع بهذه المعتقدات والأفكار التحررية التي صار يُؤْمِن بها.

ونلاحظ أن روزمر يتعرض للسقوط هنا، كما تعرض له أيضا بطل مسرحية عدو الشعب لهنريك إبسن.
وهذا هو الخيط الدرامي الأساسي لهذه المسرحية، ولكن بالمسرحية كشف لأبعاد شخصية روزمر، وكشف لأبعاد شخصية ريبيكا التي كان لها أكبر الأثر في شخصية روزمر.

وقد كانت ريبيكا صديقة بيتا زوجة روزمر، ودعتها بيتا لتعيش معها في بيتها، وكانت ريبيكا تخطط لذلك، من أجل أن تمتص شخصية روزمر، وتشكلها بالطريقة التي ترغب في أن تكون عليها؛ وذلك بأن يكون متحررا ملحدا؛ وتكون بهذا قد أنجزت عملا كبيرا في صالح التحررين الذين تنتمي لهم.

ومن أجل أن تحقق ريبيكا أهدافها في شخصية روزمر فقد رأت أنه لا بد من أن يتم التخلص من زوجته بيتا، فأوهمتها أن زوجها روزمر لا يحبها، وفي الوقت نفسه استطاعت أن تسلب قلب روزمر، وشعرت بيتا أنها تقف حجر عثرة أمام زوجها خاصة أنها عاقر، وفي النهاية استسلمت للانتحار، فألقت بنفسها في القناة التي فوقها جسر، وهذا الجسر قريب من منزل روزمر.
والشيء الذي تغير في ريبيكا، وجعلها تفقد السيطرة على استمرار خططها أنها أحبت روزمر، واعترفت له بكل ما صنعته مع زوجته، وقالت له: إنها هي التي ساقتها لتنتحر، ويشعر روزمر أيضا بعقدة الذنب، ويرى أنه كان له دور أيضا في انتحار زوجته.
ويدرك روزمر أنه وريبيكا لا يمكنهما أن يتزوجا، ويعيشا معا، وهما مثقلان بالإحساس بالذنب فيما حدث مع بيتا، ويقرران أن ينتحرا مثلها، بأن يلقيا نفسيهما من فوق الجسر في تلك القناة، وتراهما السيدة هيلسث مدبرة منزل روزمر وهما يلقيان بنفسيهما في تلك القناة منتحرين كما فعلت بيتا، فتقول في ختام المسرحية: لقد أخذتهما السيدة الميتة.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock