د. علي خليفة يكتب عن مسرحية ماكبث.. لوليم شكسبير
المسرح نيوز ـ القاهرة| د. علي خليفة
ـ
مسرحية ماكبث من روائع مسرح شكسبير ومن النقاد من يراها أروع مسرحياته على الإطلاق ونرى فيها تركيزا شديدا في الحدث الرئيس بها وهو يتلخص في إعداد ماكبث مع زوجته لاغتيال الملك دنكان طمعا في ملكه وقيامه بعد ذلك بعملية الاغتيال ثم عرض التوابع التي حدثت نتيجة هذا الاغتيال والمسرحية كما نرى تركز تركيزا شديدا على هذا الحدث ونرى حضور ماكبث في مواقف المسرحية كلها إما بحضوره الفعلي أو بالحديث عنه وما يحدث لدنكان وولديه وبانكو وماكدف وزوجته وأولاده كل هذا يحركه تصرفات ماكبث في اغتياله دنكان ومحاولته تثبيت ملكه بعد ذلك بحوادث كثيرة من القتل.
ومن ثم فلا نرى في هذه المسرحية حوادث فرعية بل كل ما نراه فيها يسير في خط متصاعد في حدث واحد يخص ماكبث على وجه الخصوص ولهذا سميت المسرحية باسمه.
وعلى الرغم من كثرة الدماء التي سفكها ماكبث في هذه المسرحية لكننا نتعاطف معه في النهاية فهو بطبيعته غير مجرم وتألم كثيرا قبيل موته.
وفي بداية المسرحية نرى بعض الساحرات لعبن بطموحه وتنبأن له أنه سيكون أمير كاودور وسيكون ملكا بعد ذلك وتنبأن لصديقه بانكو – وكان معه آنذاك – أنه سيكون والدا لذرية من الملوك.
ويعلم ماكبث بعد ذلك أن الملك دنكان قد جعله أميرا على كاودور فيسر بهذا ويقول تحققت نبوءة الساحرات الأولى والنبوءة الثانية بنيلي الملك هي الأهم.
وحين يخبر ماكبث زوجته بهذه الأخبار تسر وحين تعلم أن الملك الطيب دنكان سينزل ضيفا في بيتها هذه الليلة تحفز ماكبث على قتل دنكان لتتحقق النبوءة الثانية ويبدي ماكبث تخاذلا وهيبة عن هذا الفعل فدنكان ابن عمه وقد أنعم عليه بإمارة كاودور وسجاياه الطيبة تقف معارضة أمام كل من يهم له بسوء ولكن الليدي ماكبث تستمر في نفخ الطموح في نفس ماكبث فيقتل دنكان خلال نومه في بيته وعند ذلك يصاب بالهلع ويرى أن بحار العالم لا يمكنها تطهير يده من الدم الذي بها ويقول إنه سمع هاتفا يصيح به أنه قد قتل الرقاد بلسم الحياة وترياقها وأنه لن يذوق الرقاد بعد ذلك في حين تبدو الليدي ماكبث أكثر جرأة منه وتكمل المؤامرة بتلطيخ ملابس حارسي دنكان النائمين مخدرين ليظن بهما تهمة قتل دنكان.
وحين يعلم ولدا دنكان بالمؤامرة يهربان خوفا على حياتهما ويظن بهما أولا أنهما قتلا أباهما الملك دنكان.
ويحرص ماكبث على تثبيت ملكه فيعزم على قتل بانكو ويرسل عدوين له لقتله وقتل ابنه ويتمكنان من قتله ولكن ابنه يفر منهما ويدعو في هذه الليلة – وقد توج ملكا – بعض الأعيان ومنهم بانكو لوليمة ويأتيه الشخصان اللذان قتلا بانكو ويخبرانه بما فعلا ثم يرى شبح بانكو جالسا على مقعده والدم يملأ وجهه فيصيح غاضبا أمام الحاضرين ويظهر في كلامه ما اقترفته يده بقتل بانكو وتؤنبه زوجته لضعفه ويقول لها حين ينفرد بها لعل هذا الخيال الذي تصور لي لأننا ما زلنا حديثي عهد بالشر.
ووتوالى جرائم ماكبث لتثبيت ملكه فيهم بقتل ماكدف الذي يشعر بضآلته أمامه ويخشى ماكدف من ماكبث الذي ظهر ظلمه جليا فيفر لإنجلترا حيث فر ولي العهد مالكولم
ويعلم ماكبث بهذا فيأمر بقتل زوجة ماكدف وأولاده كلهم صغيرهم وكبيرهم وحين يعلم ماكدف بهذا يزداد غضبه على ماكبث والثأر منه.
ويذهب ماكبث للساحرات الجنيات ليعرف منهن كيف سيكون مستقبله فيخبرنه أنه لن يصيبه أذى حتى تهجم غابة بارنم على قصره دانسنيم وأنه لن يتمكن من قتله أي شخص ولد من بطن أمه فيأخذ ماكبث هاتين النبوءتين بظاهرهما ويرى أنه قد حقق الأمان لنفسه أخيرا ولكنه يكتشف بعد ذلك أن كثيرا من جنده تخلوا عنه وما بقي منهم معه هم مضطرون لذلك ولم يجدوا بعد الفرصة للهرب منه.
وكانت الليدي ماكبث قد اختفت عن الظهور عن المسرح فترة طويلة وكما يرى بعض النقاد أن اختفاء شخصية لفترة طويلة في مسرحيات شكسبير يعني حدوث تغيرات عليها ونعلم أن الليدي ماكبث مريضة جدا ونراها في مشهد تمشي وهي نائمة وبجوارها وصيفتها والطبيب ولا تشعر بهما وتتكلم وهي تغسل يديها لمدة طويلة عن لطخة الدم التي لا تستطيع غسلها وتكشف جوانب من الجرائم التي ارتكبتها مع ماكبث ويقول الطبيب للوصيفة إن مرضها فوق قدراته على شفائها وإن موتها لقريب
وتموت الليدي ماكبث ويخبر ماكبث من قبل أحد جنوده أن غابة بارنم تتحرك في اتجاه القصر – فقد تنكر جنود مالكولم خلف جذوع من الأشجار حتى لا يشعر بهم جنود ماكبث – وهنا يتحول ماكبث لشخص حكيم لقد عصره الألم وصار ضحية لرغبته في الملك التي قوى عزمه لها الساحرات وزوجته الليدي ماكبث ويقول : لقد كنت أستشعر الفزع لو سمعت صيحة أو رأيت ظلا في الليل وأنا الآن لا يثيرني أبشع المناظر فظاعة وكنت جديرا بأن أحظى بالتجلة في شيخوختي ولكنني أتعرض للمحن والمصائب ويقول أيضا ما الحياة إن هي إلا ظل عابر أو هي الساعة التي يقضيها الممثل في ملعبه متخبطا.
ويدخل جنود مالكولم ويستسلم لهم من في القصر ويقول ماكدف لماكبث إنه لم تلده أمه ولكنه نزع منها نزعا ثم يقتل ماكدف ماكبث ويأتي ماكدف لمالكولم برأس ماكبث ويحييه ويهنئنه على حصوله على الملك وتنتهي المسرحية.
ونلاحظ أن تراجيديات شكسبير الكبرى كماكبث وهاملت وعطيل والملك لير على الرغم من انتهائها بموت البطل أو أكثر من بطل فيها ولكنها مع ذاك نرى فيها بشرى تخفف من الإحساس بمراة المأساة لدى المشاهدين والبشرى هنا تعيين مالكولم بن دنكان ملكا على اسكتلندا بعد قتل ماكبث.
وكذلك نرى أنه على الرغم من كثرة جرائم ماكبث فقد تطهر مع كثرة معاناته وأصبح حكيما بهذه المعاناة شأنه شأن لير في مسرحية الملك لير واستحق ماكبث بهذا تعاطف المشاهدين له شأنه شأن الأبطال التراجيديين.
ومن عناصر الإبداع في هذه المسرحية والتي تعمل على وحدتها وتماسكها أنه تنتشر في حواراتها صور الثوب الفضفاض على صاحبه فالملك الذي حازه ماكبث لا يستحقه وغير مناسب له كالثوب الفضفاض على شخص نحيف فهو يبدو عليه واسعا جدا.
أيضا نرى عناصر الطبيعة موظفة بإتقان في هذه المسرحية فقد وصفت الليلة التي اغتيل فيها دنكان على ألسنة عدة شخصيات بأنها كانت ليلة مهولة عصفت فيها الرياح واستمر نعيب البوم فيها وظهرت عجائب أخرى فيها تنذر بأن هناك حدثا رهيبا قد ارتكبه إنسان.
والمعروف أن شكسبير في تراجيدياته يجعل فيها مواقف مرحة قبيل – أو بعد – الأحداث المفجعة ليخفف الأثر المأساوي على المشاهدين وفي هذه المسرحية وبعد قتل ماكبث دنكان وقبل معرفة الناس لهذه الجريمة النكراء يخفف شكسبير عنف المأساة على جمهوره بظهور البواب السكير الظريف الذي يسمع طرقات على باب بيت ماكبث ويكلم نفسه بشكل مضحك ولا يفتح الباب إلا بعد أن يسمع طرقات كثيرة وحين يفتح الباب يدخل شخصان من المقربين للملك دنكان ويكتشفان قتله.
أما عن شخصيات هذه المسرحية فقد أجاد شكسبير – ذلك العبقري – رسمها حتى لنظن أنهم مثلنا أشخاص من لحم ودم.
وأهم شخصية صورها في هذه المسرحية هي شخصية ماكبث المحب لمليكه وأصحابه ولكن عيبه في شدة طموحه وتطلعاته الكبيرة وحين تنبأت له الساحرة بأنه سيكون أمير كاودور ثم سيصير ملكا أصبح لديه شبه تصميم لنيل الملك وتدرك الليدي ماكبث ما في طبعه من رقة وحرصه على النبل فتدفعه لتحقيق نبوءة الساحرات وطموحه الكبير باستعمال وسائل الخداع والمكر والشر وتعافها نفسه في البداية ولكن مع إغراء زوجته له بتحقيق حلمه في الملك ينخرط في الجريمة ويصاب بآلام شديدة بعد قتله دنكان غدرا ويؤنبه ضميره عن طريق تخيله شبح بانكو ملطخا بدمه جالسا على مقعده بعد أمره بقتله ولكنه بعد ذلك يستمرئ الجريمة وما عاد ضميره يؤنبه وحين يشعر بتخاذل جنوده عنه وكثرة الدماء التي أسالها وقرب نهايته نراه يعاني ويعتصره الألم فقد قدر له أن يظل في حالة دفاع وسفك للدماء ولا راحة له رغم شيخوخته.
ويحدث التطور له مع معاناته فيتحول لشخص حكيم يدرك مأساته التي شجعه على الخوض فيها زوجته وجماعة الساحرات المخادعات وينتهي الأمر بقتله ولكنه قد كسب تعاطف المشاهدين مع شدة معاناته وانفجار الحكم على لسانه.
ومن الباحثين من يرى أن الساحرات ما هن إلا تجسيد للاوعي عند ماكبث فقد كشفن ضعفه أمام طموحاته الكبيرة.
أما شخصية الليدي ماكبث فيرى بعض النقاد أنها كانت في المواقف التي تظهر فيها شجاعة أكبر من ماكبث تخادع نفسها ولذلك لم تستطع التكيف مع الجرائم التي ارتكبتها فأصابتها بعض الأمراض النفسية وأصبحت تسير وهي نائمة وتتكلم خلال ذلك عن جرائمها مع ماكبث التي لا يمكن أن تتطهر منها وتظل تغسل يديها فترات طويلة متخيلة أن بها لطخة من الدم ويعجز الطبيب عن علاجها وتموت.
ومما يدل على أنها بالأساس ذات طبع رقيق خلاف ما حاولت إظهاره في المسرحية أنها عندما رأت الملك دنكان يسيل منه الدم بعد قتل ماكبث له ارتعبت وقالت ما أشبهه في ضجعته بأبي.
وجنون بعض الأبطال في تراجيديات شكسبير ظاهرة معروفة فهاملت يدعي الجنون وأوفيليا تصاب بالجنون في مسرحية هاملت والملك لير تنتابه نوبات من الجنون في مسرحية الملك لير وفي مسرحية ماكبث تصاب الليدي ماكبث بالجنون وأمراض نفسية أخرى وعن طريق الجنون يتطهر بعض أبطال تراجيديات شكسبير من الآثام التي ارتكبوها ويتحولون لحكماء كما نرى في رسمه لشخصية لير.